أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - بلال عوض سلامة - درس (3) اللامكان المقدسي؛ في استلاب المكان ومعناه في البلدة العتيقة، وحصاره ثقافياً















المزيد.....



درس (3) اللامكان المقدسي؛ في استلاب المكان ومعناه في البلدة العتيقة، وحصاره ثقافياً


بلال عوض سلامة
محاضر وباحث اجتماعي

(Bilal Awad Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 6885 - 2021 / 5 / 1 - 01:46
المحور: القضية الفلسطينية
    


بلال عوض سلامة.
ليس خفياً على أحد، أن أحد أهم أولويات الاستعمار هو السيطرة على المكان وإعادة هندسته وصياغته وفق المخططات والفضاءات والتمثلات التي تخدم توسعه، واحكام السيطرة والهيمنة على الحيز باعتباره مكاناً خاوياً من السكان، تنطبق المقولة السابقة على الاستدمار/الاستعمار الاحلالي الصهيوني، حين تكثفت سياسياته عبر مقولته العنصرية "أرض لشعب لشعب بلا أرض"، وعليه لم نفاجأ بسياسات وممارسات المحو البيولوجي والسياسي والثقافي التي اتبعها الاستعمار بحق الفلسطينيين في فلسطين التاريخية.
فالسيطرة على المكان وموارده، تعني السيطرة على حياة الفلسطينيين، بما يشمل ذلك من استلاب ممنهج لوجوده وتأبيد تبعيته، وفقدانه السيطرة على مصيره أو مستقبله، يتزامن ذلك مع انتزاع لانسانيته في بنية استعمارية احلالية قائمة على الاستباحة والالغاء والاجتثاث الذي يعزز العجز السياسي والاجتماعي، فاستعادة الفلسطيني لذاته لا يمر إلا باستعادة المكان الذي سلب منه.
ومن أجل السيطرة على الفلسطيني بشكل عام والمقدسي بوجه الخصوص، كان لابد لهذا الكيان الغاصب من هندسة المكان والسيطرة على الحيز المقدسي، باعتبارها سياسة مدورسة للسيطرة على الفلسطيني وهندسة الوعي الفلسطيني وللمنظومة القيمية والثقافية التي يمثلها وتمثله ويلبسها وتلسبه، كمحاولة محوه أيضاً ثقافياً، وبالضرورة بالوعي الذاتي للفلسطيني وللرموز المرتبطة به، ومن هنا تم عزل البلدة العتيقة/ القدس عن ميحطها الفلسطيني بعد اتفاقية أوسلو عام 1993، واحكامها بصورة جذرية بعد عام 2000 اي بعد انتفاضة الأقصى والاستقلال، وتفتيت المكان والوعي المرتبط به ضمن آلية للسيطرة على الأجساد المقدسية، وبعد ذلك تم اتباع سياسة عزل البلدة العتيقة عن امتدادها ومحيطها من القرى والمدن الفلسطينية في القدس، ومؤخراً تجري سياسات حثيثة لعزل ما يجري في المسجد الأقصى عن مجريات ما يحدث في باب العامود أو في الشيخ جراح أو ما يجري بسلوان.
إن اتباع سياسة العزل والفصل للمكان/الفلسطيني لم تنفرد فيها مدينة القدس كسياسة محو/هندسة اجتماعية، فقد تم استخدامها في القرى الفلسطينية عام 48 بما فيه النقب الفلسطيني المحتل، وأيضاً كما اختبرته بالضبط مدينة الخليل لما لهما (الخليل/القدس) من اهمية في الرواية المزيفة الصهيوينة، فتم فرض سياسات المحاصرة ومنع التجوال على مدار اعوام في الخليل، اغلاق السوق المركزي، اغلاق شارع الشلالة/شارع الشهداء كما هو الحال في التضييق على الحركة في باب العامود/ شارع الشهداء، دفع بالكثيرين في المدينتين من الطبقة الوسيطة والعليا من الرحيل والانتقال إلى محيط/حيز خارج السيطرة المباشرة والقاسية للمشهد وللحركة والفضاء، مما ترك اغلبية من الطبقة الوسيطة الدنيا والفقيرة مكدسة وأسيرة العوز والحاجة والفقر والأمية، في ظل تجريفها من البنى المؤسساتية الوطنية والثقافية، -السلطة الفلسطيلينة ساهمت بوعي/بدون وعي في تجسيد هذه السياسة-، في محاولة للاعلان عنها كمكان خالي للتوسع فيه واحلاله بالمستوطنين عبر سياسات عدة؛ الشراء، التسريب، التزوير، الابتزاز، التضييق، الاسقاط للتخلي والاخلاء للـ/عن المكان، واستبدال الرموز والمعاني والاسماء والاشارات بكل ما ليس له علاقة بالفلسطيني، ليضحي الفلسطيني باللامكان الذي لم يعد يألفه أو يسيطر عليه.
تركت المدينة المقدسة بالمعنى الوطني والديني؛ بناسها في مواجهة السياسات وسلسلة من القوانين المممنهجة، مما ترك بصمة/ووصمة عليها وما لهذه الوصمة من فقدان المعنى والارتباط، تمخض عنها علاقة وشائجية لجملة من الارهاصات/ المشكلات الاقتصادية والاجتماعية كالفقر والانحراف والمخدرات وكم لا بأس فيه من الآفات الاجتماعية لكنها لم تنال من جوهر المقدس رغم الصعوبات الجمة، هذه السياسة قادت الى حصار الثقافي والاجتماعي ومنع تطور ونمو المقدسيين بالشكل الطبيعي في حيزهم الذين ينتمون إليه، مما جعل من هذه التشوهات تصيبه في جملة من العادات والمنظومة القيمية التي تفتقد لتفاعل ونمو صحيح وصحي.
في هذا المجال نستدعي مقولة بركاش التحليلة(1) حول العلاقة بين العنف والمعمار ونضيف اليها سياسات الاستعمار "الاسرائيلي" فبخصوص الوصمات التي قد تطلق على الأحياء الفقيرة والمهمشة، والبطالة والفقر المخدرات والعنف المستشري فيها؛ باعتبارها نتاج تطور طبيعي تاريخي في مواجهة "سياسات الكيان الصهيوني، كتعبير عن سيرورات لردود الفعل على تهميش واقصاء "السلطة/الاستعمار" للمقدسيين، وهم بهذه الحالة الكيان بحق الفلسطينيين في البلدة العتيقة في سبيل إدخالهم في دائرة من العنف والافقار الثقافي والاقصاء والتهميش وحتى العزلة، لقد تم انتاج القيم والمواصفات في سياقات استعمارية تتمثل/تترجم عن نفسها عبر التمفصلات اليومية للواقع اليومي المعاش في داخل البلدة العتيقة أو في علاقتها مع المحيط، هذه العلاقة الاستعمارية القائمة على العنف، يتم استبطانها واستدخالها بحيث تنتظم/تنتج كمعنى وسلوك يتماهى مع منظومة المعاني والكلمات في المكان المقدسي، فمنظومة العنف ودائرته ليست بعيدة عن الهندسة المكانية الاستعمارية التي يواجهها الفلسطيني في القدس وحالة التهميش/الابتذال/والامتهان له.
إن عملية انتاج العنف الاستعماري واعادة انتاجه (داخلياً أو خارجياً) تجدها انعكاسية مرتدة، وكصورة متطرفة ومقابلة لعنف الاستعمار الصهيوني تجاه الأجساد الفلسطينية الذي يحاول السيطرة عليها أو محوها أو هندستها اجتماعياً، فإنتاج العنف والفقر والحرمان والافقار الثقافي ببعده الرمزي والمادي سيكون نتيجة مؤكة وحتمية لهكذا أوضاع، هذا "العنف وهذه الجدعنة" تصب في كثير من المرات في مكانها الصحيح، يحضرني مناقشة مستعمرين في البلدة القديمة يحذر أحدهم الآخر " كمستعمر جديد" "لا تحتك مع الأطفال هنا فإنهم قاسيين/ صعبين" وهي نفس الكلمات التي عبر عنها طفل فلسطيني لجندي اسرائيلي على باب العامود "انت بتخوفش رجال أطفال القدس؟" فقد تماهي الطفل الذي لا يتعدى 12 سنة حتى في كلمة زلام اطفال القدس، هذه الجرأة والضراوة والتحدي وعدم الخوف أو التردد، من الصعب ان تجد مثليها إلا في القدس وفي البلدة العتيقة حسب معاينتي.
المخدرات والادمان على الكحول سمة منتشرة في القدس عامة، وبالتحديد في البلدة العتيقة، التي تنتشر وفق مخطط استعماري ممنهج لسلب وعي الفلسطيني أو هرباً منه ومن واقع مستلب، ومن الشعور باللامكان الذي اصبح يعيش فيه، والادمان ليس لدى الفقراء فقط، فقد تجدها لدى اشخاص مناضلين قضوا سنوات طويلة في السجون الاستعمارية"الاسرائيلية"، فقد تكون هروباً أو تورية وتحايل على الكم الهائل من نظام الاكراهات المفروض ان تعيش في مكان/لامكان، لم يعد/تعد يألفه كما كان يتوقع أو يتمثل به، الشيخ عيسى "الاسم محرف" كمثال جيد، -اطلق عليه الشيخ لأنه يصحو الصبح معاكراً للخمر-، ويذهب لعمله ظهراً ويعود إلى مؤسسته الاجتماعية -التي لم تعد تعمل كما السابق- عصراً، ومناضل آخر الذي دارت له القايدة والمؤسسات الوطنية ظهرها، ليطلب من "الشؤون الاسرائيلية" معونة اجتماعية، أو رجال ونساء يعتدقون أن هنالك جن يتلبس إمراة في حارة السعدية، أو يظهر على شكل إمرة عجوز تبكي ليلاً في حارة أخرى، هذه الأمثلة وغيرها مؤشر للحصار الثقافي والتكلس وهدر الامكانيات والطاقات الفلسطينية في بنية تنتج العنف، والعنف والامية تنج ناسها في وصمة اجتماعية تستدعي الحذر، فيمن يضفي عليهم هذه السمات.
وقد تكون هنالك وصمات داخلية للأماكن كشارع باب الواد الذي انتشرت فيه المخدرات بكثرة، وفي مكان آخر لبيوت يسكنها من يعمل في الدعارة، أو جدعنة شباب باب حطة، أو مسالمة حالة "النور"، لكن بقدر ما تنصدم من انهيار المنهارين، بقدر ما يحيرك صمودهم وتحديهم في المحطات التي تستدعى ان يكونوا مدافعين عن حيزهم/ مكانهم/ قدسهم ومسجدهم الاقصى، هذه اللوحة السريالة تدهشك وتصدمك وتبهرهك بنفس الوقت.
إن الصورة ليست بهذا القدر، ولكنها اقسى بكثير، فمع تواجد عدد محدود من المؤسسات والفعاليات الوطنية والثقافية، في مواجهة سياسة ممنهجة تهدف لتهويد المكان/الانسان الفلسطيني، مع وجود مساحات من الفعل في فعاليات شباب باب المجلس، وآخرى مبادرات شباب البلد، إلا انها تبقى غير كافية في خضم حملة شرسة وحصار كاسح ومطاردة لتلك الفعاليات لكل ما هو فلسطيني.
هذ السياسات تنففذ في ظل غياب تقديم الدعم والاسناد الكافيين لهم في مواجهتهم للسياسات الاستعمارية وللمخططات الرامية للمحو البيولوجي/السياسي/الثقافي للمقدسي، في ظل تقصير واضح لحجم المساعدات والمعونات من التي يتلقونها من السلطة الفلسطينية ومؤسسات وطنية ودينية أخرى، فالقدس وأهلها ليسوا بحاجة ماسة إلى معونة أو مساعدة مبتذلة في في استعراض أمام الكاميرات فقط، وانما إلى إرادة سياسية واجتماعية ووطنية من خلال اعادة احياء مؤسساتها لتعيد للمكان معناه ورموزه، وللفعل مداه ودلالته، حتي يكون مقدسياً وخالصاً، لا يختلف فهم الاستعمار الصهيوني عن هذا التوجه، وكأن الفقر أو العوز في البلدة القديمة هو من يدفعهم ليكونوا حاضرين وفاعلين سياسيين في المشهد، متجاوزين حق المقدسي في الوجود والحياة والكرامة، ولهذا لا نستغرب أن خطط الاستعمار لاستيعابهم/ هندستهم انطلقت من العوز والحاجة الشديدتين والاحتواء الاقتصادي وتتبيعه، وهو ما يفشل مخططتهم في الهندسة الاجتماعية بأنواعها في القدس أو في البلدة العتيقة.
أن واقع العنف/ الاستلاب للمكان وللمقدسي هو نتاج سياسة الاستعمار والاستغلال والاعمار والتمييز العنصري الذي يتبناه الاستعمار الاحلالي الصهويني وخلق مكان/ وخطاب مقدس حول مدن النبي إبراهيم الثلاثة (القدس، الخليل، النقب)، يدفع بالضرورة إلى ردة فعل فلسطينية لاكتشاف هويتهم الدينية من جديد وبصورة انفعالية، انعكست بنمو حركات دينية ذات توجهات وخطاب اسلامي منغلق وتقليدي، كردة فعل نتيجة فقدان الحقوق السياسية والمدنية والثقافية والقومية للسكان الفلسطينيين(2) والعيش في اللامعنى واللامكان.
أن عملية تقديس الأماكن بالمعنى الديني التي يمارسها الكيان الصهيوني غير منفصلة عن قوة وهيمنة "دولة إسرائيل" ومليشياته المنظمة من المستوطنين، حيث أن هذه المراكز المقدسة ليست فقط أفكاراً أو رموزاً، وإنما مقاطعة أخلاقية ذات مغزى ينكر فيه حقوق الفلسطينيين من حيث الوجود او القيمة أو المكان، ويعاد تشكيل مكان الفلسطيني بخطاب ديني "يهودي" متطرف حول أهمية المدينة فقط "لليهود" وقدسيتها كما هو الحال لدى منظمة/مليشيا "لاهافا/لهب" المتطرفة والمعادية للفلسطنيين وأيضا للمليشليا المتطرفة التي تعرف بـ "تدفيع الثمن".
في هذه البيئة وهذا المكان، يصبح نشوء تيار إسلامي راديكالي أو تيارات تقليدية مناهضة لاستلاب المدينة ومحاولة رسمها بالطابع الاسلامي/الاجتماعي التقليدي والمحافظ وباختزالها ورفضها أية مسلكيات أخرى قد تتنافي مع سمة وهوية المدينة التي يراد بها اسلامية فقط، وليس وطنية او اجتماعية كما عالجناها في درس (2) في معنى المكان: القدس كبلدة -الله والفلسطيني- العتيقة، فالتشديد على هوية المدينة كاسلامية الطابع لنفي حالة التنوع والتعدد الثقافي والاجتماع فيها وعليها، ألم يتهم/ ويهاجم حزب التحرير وبعض من الجماعات الاسلامية في يوم 28/4/2021 فرحة شباب باب العامود والمشاركين في احتفالياتهم بالاستعادة الرمزية لباب العامود عبر الرقص والدبكة الفلسطينية، وإدانة تلك الفعاليات التي لا تفصل بين الجنسين "الدبكة ومظاهر الفرح بالتعبير الفلسطيني لهذه الاستعادة الرمزية"، واتهام المحتفلين "بالانحلال وتدنيس المكان المقدس"، ومسميات أخرى، تعبر عن التوتر الوجودي لفهم المدينة كما يجب أن تفهم.
إن الحصار والافقار الثقافي الذي تتعرض له المكان الفلسطيني هو سبب لنمو وتنامي التوجهات التقليدية والدينة في بيئة تحتضن العنف/التخلف/الأمية والتقصير والاهمار، يتمظهر من خلال الادانات اللاعقلانية والخمول الثقافي الذي يفرض نفسه على المشهد المقدسي والمكان الفلسطيني، في صورة متعارضة في المعنى الجمالي للمكان، فاستبطان المكان لصورة المدينة/المكان للفلسطيني وقدسيته لا يمكن اختزالها في بعد ديني احادي أو تقليدي نكوصي، بل يجب أن تكون متعددة قالبة للاختلاف وتستدعي التنوع كشرط وإشارة لمعنى المدينة كما يجب أن تكون، لأن الفلسطيني به أبعاد أخرى أيضاً، لأنه يعشق الحياة والضحك والرقص والدبكة الشعبية ليطلق طاقات جسده ليحملها في ذاكرة المكان الذي ينتمي ويريد أن يكون.
إن هذا التكلس، وحالة الجمود هذه؛ هي نتاج (داخلي فلسطيني/ وخارجي متمثل بسياسات الاستعمار) في هندسة المكان ووعي الانسان الفلسطيني في محاولة لاستلاب وعيه ومكانه المقدس، ليضحي في اللامكان حسب تعبير "اوجيه"، ألا يتم التعامل مع الفلسطيني المقدسي باعتباره "مقيم وليس مواطن" وطارىء حسب القوانين العنصرية التي سنت في عام 1952 "عبر قانون تنظيم الأجانب في القدس"؟، هذا الاصرار على أن المقدسي باعتباره مختلف ولن يتم ادماجه حتى كذوات بيولوجية طيعة(3) فما بالنا ان كانت هذه الأجساد فاعلة ومؤثرة سياسياً كما عبر عنها شباب القدس منذ عام 2011 حتى الأحداث الأخيرة على باب العامود، وعليه مورست سياسات هندسة اجتماعية للمكان وللفلسطيني(4) المقدسي تمثلت بـ :
أولاً؛ الهندسة المكانية/الزمانية: مارس الاحتلال سياسة السيطرة والهيمنة والاحكام على المكان الفلسطيني، والمقدسي على وجه التحديد من أجل اصطناع بيئة ذات معنى جديد للمكان/ اللامكان الفلسطيني ليحتل الذاكرة الجمعية الفلسطينية وللرواية للمكان، بما تعنيه من معاني ورموز وقيم عبر السياسات العمرانية وتغيير المشهد المكاني/الزماني للفلسطينيين، كتغيير القبب على سور القدس للبلدة العتيقة، وسياسات التراخيص والتواجد/التجمهر في الحيز العام، عزل المدينة عبر سلسلة خانقة في طوق استعماري حول المدينة شبيه بالخاتم، وقتل الحيز الحضاري والثقافي للمدينة(5)، و"الهدم والهدم الذاتي" لمنازل المقدسيين، كمكان أخير يدركه ويأنس له ويوفر له الحماية.
إضافة إلى "احتلال الحواس" كما تعالجها ناردة شلهوب في السياق المقدسي، وذلك من خلال مهرجان الأنوار والإضاءات على سور البلدة العتيقة مشددة على الرواية التناخية للمكان، ومسيرات الأعلام "الاسرائيلية" السنوية في ذكرى احتلال القدس، كما السيطرة والاستيلاء على المنازل في سلوان والشيخ جراح وسلوان والبلدة العتيقة، حتى اضحى العدو يسكن في شقتك " كجار"، وأيضاً محاولة عزل باب العامود مؤخراً عن المسجد الاقصى الذي سنعالجه لاحقاً، إلى جانب صناديق الموت"الابراج العسكرية" المشيجة في باب العامود وعشرات نقاط التفتيش التي تبتذل الفلسطيني في مكانه وزمانه ليعلن المستعمر السيطرة والتحكم بالأماكن/الأجساد الفلسطينية؛ حيث البيئة المصطنعة للسياسات الاستعمارية المفرطة، يسعى من خلالها الاستدمار الصهيوني باجهزته العسكرية و"المدنية" ومليشيات المستوطنين وسياسات وممارسات بلديته أن تُعلن: أنه لم يعد للفلسطيني مكان في القدس" وان السيادة للمستعمر عليه، ولهذا كان يستشيط الجنود الصهاينة غضباً واستنفاراً من رفع الأعلام الفلسطينية، لأنه إشارة ودلالة على استعادة رمزية لفلسطينية المكان. وبالمقابل، يقال أن الصورة هي حالة تتمثل بالمكان، وتؤكد التصور عليه، في خطاب فتاة من ميلشيات المستوطنين بمقابلة ملتفزة تؤكد هذا التصور، والتي تنتمي لميليشيا لاهافا، تقول: "لا نريد ان نحرق العرب، وانما نطلب منهم أن يخرجوا من بيوتهم لنسكن مكانهم".
لقد طالت الهندسة الزمان الفلسطيني في حركته وتنقله في البلدة القديمة منها وفيها وإلى خارجها عبر سلسلسة من نقاط الرقابة والضبط العسكري والحواجز وانظمة تقنيات الرقابة المعلوماتية وانتشار الكاميرات، والتحكم في الزمان/ اللازمان الفلسطيني، تتجسد هذه السياسة بصورة واضحة وصارخة من خلال خططهم الهادفة للتقسيم الزمكاني لساحات للمسجد الأقصى، حتى يعد المشهد وكأنه جزء من المكان الفلسطيني، بمعنى حضر المستوطنين والجنود فيه، في احتلال للذاكرة الفلسطينية ولمقدساتهم وزمانهم.
ثانياً؛ الهندسة الاقتصادية: منذ احتلال فلسطين عام 1948 حتى اللحظة والاستعمار "الاسرائيلي" يتعامل مع العنصر الاقتصادي في علاقته مع الفلسطيني من ناحيتين: الأولى؛ تعميق حالة التبعية واستلاب السوق الفلسطينية وربطه "بالاقتصادي الاسرائيلي"، مما يسهل عملية تقويض/ احتواء امكانية خلق استقلالية ذاتية تُمكن الفلسطيني من الانفكاك الاقتصادي، مما يجعل المقاومة في مساحات وخيارات مختلفة وضيقة ومحدودة، وثانياً، تقييد الفلسطيني "بإنجازات ومزايا" وهمية بربطه بالمؤسسة الاقتصادية "الاسرائيلية"، هذه الانجازات بالأساس فردية وليست جمعية، مما يجعل امكانية الانخراط/ المشاركة في العمل النضالي متردداً أو ضعيفاً لحد ما، -واعتقد أن هذا ما يفسر عدم انخراط "شريحة الآباء" فوق 40 سنة في فعاليات الانتفاضة الشعبية عام 1987 وجزء كبير منهم من جيل النكبة عام 1948-، فقد تلعب دوراً ما في رشوة شريحة معينة في خضم سياسات الاحتواء هذه، وقد نجحت لحد ما، ولكنها أيضا مرتبطة بالحالة والمناخ العام للسياق الاستعماري.
قد تنطبق النقطتين السابقتين على القدس، ولكن بصورة أعمق ومتجذر عبر سياسات معلنة وأخرى غير معلنة، تنطلق من فهم الصراع التاريخي باعتباره حالة طارئة وكأنه نتيجة للفجوات الاقتصادية والاجتماعية للمقدسيين يدفهعم للتعبير عن ذواتهم سياسياً، وهذا ما يخشاه الاستعمار، لأن الذات السياسية بحاجة لمكان/فضاء ومشهد للتعبير عن نفسها، فانطلاقاً من الفهم المغلوط لجذور الصراع، أقرت "حكومة اسرائيل" الخطة الخمسية لتقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية والتطوير الاقتصادي لشرقي القدس 2018-2023 (6)، يتم تطبيقه عبر بلدية الاحتلال في القدس ووزارات أخرى، فالعامل الاقتصادي يوظف في تفريغ المكان الفلسطيني/ وتحويله إلى لامكان عبر مشروع وادي الجوز الذي يتم ضمن رؤية ممنهجة لتحويل المكان الفلسطيني إلى واد السليكون "الاسرائيلي" والتطبيع الاقتصادي(7) وكمثال حي عن الحداثة الاستعمارية المفرطة في اصطناع اللامكان للفلسطيني، وتطبيع العلاقات وتجذير الالحاق له بالسوق "الاسرائيلية"، كهدف لدمجهم و"كخيار اقتصادي واحد ووحيد متبقى" للفسطينيين في عيشهم.
ناهينا، عن حالة الانهاك المتواصلة في الضرائب: الاملاك والمحلات التجارية ومخالفات البناء وضريبة الدخل، اجبار المحلات التجارية في البلدة القديمة على الأغلاق مبكراً، للتحول المدينة إلى مكان "للاسرائيلي" وللمستوطنين بعد الساعة السادسة مساءا، هذه الاجراءات والتعسف وغيرها تجعل الفلسطيني مربوط بشبكة معقدة ودوامة مستمرة من الاستنزاف الذاتي/الجمعي، والاستلاب الاقتصادي، تجعل من لقمة العيش المسعى الرئيسي في حياة ليس لها معنى، ومكان قد أخذ يفقد المعنى والدلالة.
ثالثاً؛ الهندسة البيوسياسية"السياسة الحيوية": تقتضي "السياسية الحيوية" على السيطرة على ثلاثة جوانب أساسية للمستعمَر "الجسد/الوعي/السلوك" حقولها الأساسية التي تمارس فيها السيطرة الهيمنة عبر "التناسل والانجاب/التعليم والمؤسسات الثقافية/ الفعل السياسي"، مدعومة بعقيدة عنصرية صهيوينة مورست منذ 1948 باعتبار أنها "دولة لليهود" تم قوننتها وتشريعها بشكل معلن عام 2018، لما تعنيه من دلالات عنصرية في الازدياد في حجم وعدد السكان بشكل عام، وفي القدس على وجه التحديد، دفع واضعي السياسات الاسرائيلية لمراقبة العنصر البيولوجي للفلسطيني وضمعه ضمن اهتمام الدولة وسياساتها، فيشير تقرير حديث(8) أنه بالرغم من ازدياد السكان ليهود في القدس بنسبة (1.8%) في مقابل (2.7) للفلسطينين عام 2017، وبنفس التقرير يشير ايضاً إلى أن معدل الخصوبة لليهود هو (4.3) في مقابل (3.3) للفلسطينيين من نفس العام نتيجة اعادة التخطيط ورسم الحدود للقدس بما يخدم المخططات الاسرائيلية التي تطمه أن تكون فيه نسبة اليهدود (70%) مقابل الفلسطنيين (30) حسب الخطة 2020، إلى جانب الهجرات اليهودية الداخلية وتشجيع تغيير مكان السكن في معركة على المكان واحلاله باجساد مرغوب بها.
لهندسة الوعي للفلسطيني، تمثل بسلسلة من هيمنة ونشر ذاكرة مزيفة/ للاحتلال على الذاكرة الفلسطينية للمكان، من حيث الشوارع والمقامات والآثار والمواقع الاثرية والآبار وعبرنة/تهويد المكان/الشوارع الفلسطينية الذي اصبح الفلسطيني بلا وعي يتعامل معها في اليومي المعاش "هار توف بدل من قرية عرتوف، عين هود بدل من عين حوض/ او خود، "الكوتيل؟"، ماميلا بدل من مأمن الله ... والقائمة تطول" يتزامن مع ساسيات ممنهجة في "أسرلة التعليم" وتعاطي جزء ليس صغير من المؤسسات التعليمية النظام التعليمي الاسرائيلي.
ناهينا عن البدء بقول والتعامل مع المراكز المراكز الجماهيرية، الجنسية، النقابات العمالية، المدارس المطولة، كجزء من الهندسة للوعي الفلسطيني والسيرة عليه واحتلاله، في سبيل السيرة على الجسد الفلسطيني عبر أنظمة الرقباة والكاميرات ومراقبة الهواتف ونظم الاتصالات، ستفضي إلى احتلال الذاكرة الفلسطينية للمكان للرواية، اضافة إلى الملاحقات الأمنية والسياسية للفاعلين والمؤسسات والسجن والتوقيف والحبس المنزلي، كسياسات متطرفة للسيطرة علة الجسد الفلسطيني.
ومؤخراً، يتم التعامل أكثروزارة الشؤون الاجتماعية والرفاه للحالات الاجتماعية من قبل الشرائح المهدورة والفقيرة الفلسطينية والمطلقات، والاطفال الذين يواجهوا العنف المنزلي في خدمة أمنية وجمع معلومات تستخدم في السيطرة على الأجساد الفلسطينية وترويضها وهندستها، وليس الهدف وضع حلول لهذه المشكلات التي من أحد اسبابها البنيوية الاتسعمار.
إن ما يحدث في القدس هو "احتلال للحواس"، واحتلال الذاكرة الجمعية والمحلية، واحتلال الجسد الفلسطيني، من أجل اللامكان/اللامعنى للفلسطيني، مما يجعل من حصاره ثقافياً واجتماعياً محققاً وقيد التنفيذ، فالاجساد الفاعلة بحاجة لمكان للتعبيرعن نفسها سياساً واجتماعيا وثقافياً، هذا هو ميدان الصراع الاساسي في استعادة المعنى والدلالة للهوية الفلسطينية من خلال استعادة المكان الفلسطيني، ومن هنا ندرك أهمية الاستعادة الرمزية لباب العامود.







































(1) لتوضيح علاقة العنف بالمعمار ينصح قراءة: بركاش، جميلة (د.ت). "الجدران تضربني: تأملات في علاقة العنف بالمعمار(نموذج الفندق)"،ع56، موقع محمد عابد لجابري،(روجعت بتاريخ 27/4/2021). على الموقع الالكتروني:
http://www.aljabriabed.net/n56_04bargachjamila.htm> >

(2) سلامة، بلال عوض (20/5/2013). "الثقافة المدنية: حصار الثقافة وغياب المدينة في فلسطين". الحوار المتمدن (29/4/2021) على الرابط الالكتروني:

(3) للمزيد حول الذات البيولوجية والذات السياسية من المفيد الاطلاع على مقالة غانم، هنيدة (2012).السياسة الحيوية للاستعمار الاستيطاني: إنتاج المقدسيين كمارقين. مجلة قضايا اسرائيلية، مج 12، ع.47، ص.ص. 94-108.
(4) للمزيد حول الاستلاب والهندسة الاجتماعية للفلسطيني، من المفيد الاطلاع على سلامة، بلال عوض (2021). الفلسطيني؛ من استلاب الأرض إلى الهندسة الاجتماعية. المجلس العربي للعلوم الاجتماعية.
(5) للمزيد عن الحصار الثقافي الناجم عن سياسة العزل وقتل المدنية، من المفيد الرجوع إلى
Salameh. Bilal A. A. (2010). Palestinian city and civic culture: civic siege and absence of City. World Applied Journal 8(149-160)
(6) القواسمي، هنادي (15 يناير 2015). "للاطلاع على المزيد حول الخطة الخمسية سيكون من المفيد الاطلاع على مقالة: الخطّة الخمسية.. ماذا تفعل "إسرائيل" في القدس؟"، موقع متراس (30/4/2021)، على الرابط الالكتروني:
(7) للمزيد حول هذه الفكرة، من المفيد الاطلاع على المفيد الرجوع إلى مقال: أسعد، أحمد عز الدين (28/12/2020). "من وادي الجوز الفلسطيني إلى وادي السيليكون الإسرائيلي: الاستعمار والتطبيع والبروباغندا"، موقع الدراسات الفلسطينية، (30/4/2021)، على الرابط الالكتروني :
< https://www.palestine-studies.org/ar >
(8) كورح، ميخال ومايا حوشن (2019). معطيات عن أورشليم القدس: الوضع القائم واتجاهات التغيير. القدس: معهد القدس لبحث السياسات.



#بلال_عوض_سلامة (هاشتاغ)       Bilal_Awad_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- درس (2) في معنى المكان: القدس كبلدة -الله والفلسطيني- العتيق ...
- درس (1) من دروس شباب باب العامود؛ من الدندرة إلى الجكارة؛ با ...
- محاولة أولية لتفهم الأرقام الكورونية -بين أزمة وتأزيم-‏
- تسعة وستون عامًا على النكبة: الثقافة السياسية والتمثيل للاجئ ...
- الشباب الفلسطيني اللاجئ؛ بين مأزق الوعي/ والمشروع الوطني وان ...
- قنوات العمل للاجئي المخيم: من تعدد التمثيل إلى تمثلات السلطة ...
- العمليات الاستشهادية الفلسطينية: الجسد كأداة مقاومة
- اللاجئين الفلسطينيين ومسألة التمثيل في الخطاب السياسي
- حزب التحرير الاسلامي- فلسطين: من مرحلة الوعي السياسي إلى الم ...
- سوسيولوجيا الكتابة بالحمام: تحليل مضمون كتابة ورسومات المراه ...
- فلسطين: كلمات موجعة وكتابتها مؤلمة... بلد الالتباسات
- الفاعل الاجتماعي( 1) : رؤية نقدية على ضوء تحديات المشهد الفل ...
- فشة خلق تعبوية بفلسطين الهوية والمنهاج
- شذرات سريعة في المخيم والقدس والقهر
- وسائط الاتصال/الاعلام وثقافة المقاومة الفلسطينية: من حرب الع ...
- فلسطين: يوجد مقاومة ولكن ليس هنالك انتفاضة ؟ من يقرر ذلك؟
- سلطة القمع والخضوع والتمرد ما بين سلطة أوسلو وقهر الاستعمار؛ ...
- أن تعمل في بيئة غير قابلة للعمل: نحو تأصيل مفهوم وممارسة الع ...
- استطلاع رأي بمناسبة الاحتفالية ب 40 سنة لتأسيس جامعة بيت لحم
- الحركة الطلابية الفلسطينية ما بين الواقع والامكان *


المزيد.....




- شاهد.. فلسطينيون يتوجهون إلى شمال غزة.. والجيش الإسرائيلي مح ...
- الإمارات.. أمطار غزيرة وسيول والداخلية تحذر المواطنين (فيديو ...
- شاهد: توثيق الوصفات الشعبية في المطبخ الإيطالي لمدينة سانسيب ...
- هل الهجوم الإيراني على إسرائيل كان مجرد عرض عضلات؟
- عبر خمسة طرق بسيطة - باحث يدعي أنه استطاع تجديد شبابه
- حماس تؤكد نوايا إسرائيل في استئناف الحرب على غزة بعد اتفاق ت ...
- أردوغان يبحث مع الحكومة التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران
- واشنطن وسعّت التحالفات المناهضة للصين في آسيا
- -إن بي سي-: بايدن يحذر نتنياهو من مهاجمة إيران ويؤكد عدم مشا ...
- رحيل أسطورة الطيران السوفيتي والروسي أناتولي كوفتشور


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - بلال عوض سلامة - درس (3) اللامكان المقدسي؛ في استلاب المكان ومعناه في البلدة العتيقة، وحصاره ثقافياً