أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - بلال عوض سلامة - تسعة وستون عامًا على النكبة: الثقافة السياسية والتمثيل للاجئي مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة















المزيد.....



تسعة وستون عامًا على النكبة: الثقافة السياسية والتمثيل للاجئي مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة


بلال عوض سلامة
محاضر وباحث اجتماعي

(Bilal Awad Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 5859 - 2018 / 4 / 28 - 13:57
المحور: القضية الفلسطينية
    


تسعة وستون عامًا على النكبة: الثقافة السياسية والتمثيل للاجئي مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة
بلال عوض سلامة

ملخص البحث

يعالج البحث الحالي التحولات البنيوية في الثقافة السياسية الفلسطينية وانعكاساتها على قضية اللاجئين، الأمر الذي أدى إلى ضمور الأجساد التمثيلية لقضاياهم الاجتماعية والاقتصادية، وادخالهم في دائرة الإقصاء والتهميش، ومن أجل تحقيق هدف البحث اعتُمد المنهج التحليلي (الكمي والكيفي) وأسلوب المسح بالعينة للاجئين في قطاع غزة والضفة الغربية. وتوصل البحث إلى وجود حالة من الفجوة وغياب التمثيل السياسي والاجتماعي للاجئين من جهة والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية من جهة ثانية، وتراجع الثقة في منظمة التحرير واللجان الشعبية ودورها في تمثيل حقوق اللاجئين الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية، كما أشارت الأغلبية العظمى من عينة البحث إلى أهمية وجود حركة اجتماعية أو سياسية تقوم على تمثيل قضايا اللاجئين الفلسطينيين واحتياجاتهم.


الكلمات المفتاحية: الاستعمار، اللاجئين الفلسطينيين، الثقافة السياسية، التمثيل، حق العودة.

• (2017). تسعة وستون عاماً على النكبة؛ الثقافة السياسية وتمثيل لاجئي مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة . مجلة عمران للعلوم الاجتماعية، قطر، ع 22، 6، 59-92.

خلفية تاريخية لقضية اللاجئين
أحيا الفلسطينيون في أيار/ مايو 2017 الذكرى التاسعة والستون لذكرى "النكبة"، وهي العام الذي اختبر فيه الشعب الفلسطيني جملة من المعاناة والتشرد والنضال والبحث عن الذات في خضم الصراع الفلسطيني - الصهيوني، الذي نجم عنه استعمار نحو 80 في المئة من أرض فلسطين التاريخية، واقتلاع سكانها الأصليين الذي كان يبلغ عددهم نحو 800.000 فلسطيني من 531 قرية ومدينة ، وتدمير بناهم الاجتماعية والاقتصادية في مدة زمنية قصيرة جدًا. أطلق على هذه الإبادة مصطلحات عدة منها "النكبة" أو "التطهير العرقي" ، لوصف هول المذابح والعدوان اللذين تعرضوا لها، وآثار ذلك النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ليصبح شعار "النكبة مستمرة" السمة الأساسية للصراع، على اعتبار أن السياسات الاستعمارية "الإسرائيلية" في تطهير فلسطين (أرضًا وشعبًا) لا تزال مستمرة حتى اللحظة.
لمواجهة التحديات الجمة التي نجمت عن تدفق الأعداد الهائلة للفلسطينيين إلى دول الجوار أو المدن الفلسطينية في المناطق التي تسمى "أراضي 1967"، سارع المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى استيعاب تلك الأعداد بمتطلباتها الإغاثية واليومية، لما تمثله من حالة من عدم الاستقرار والأمن لدور الجوار، فأنشئت وكالة الغوث لتشغيل وإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في الثامن من كانون الثاني/يناير 1949.
ارتبط وجود وكالة الغوث الدولية لتشغيل وإغاثة اللاجئين (UNRWA) مكانيًا بفلسطين وحقوقيًا بقرار الجمعية العمومية الرقم 194 الذي ينص على حق اللاجئين في العودة والتعويض، وجرى التعامل معها باعتبارها التجسيد الدولي لحماية حقوق اللاجئين، وعلى أنها الممثل الحقوقي والاجتماعي والخدماتي والانساني للاجئين في المخيمات. كما أن وجودها واستمرار تقديم خدماتها مرتبط بحل مشكلة هؤلاء اللاجئين، وفقًا لمبادئ حقوق الانسان، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، أهمها القرارات 194، 237، و242 ، وتنظيم علاقاتها بالدول المضيفة، وحتى بالسلطة الفلسطينية في الوقت الراهن.
مع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964 باعتبارها الجسد السياسي الذي يمثل الفلسطينيين سياسيًا ووطنيًا، لاجئين وغير لاجئين، وما تمخض بعدها عن حرب عام 1967 من ضم واستيلاء على مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، ونشوء فصائل العمل الوطني وانطلاقها، اعتبرت تلك القنوات الرسمية التي يستطيع من خلالها الفلسطيني ممارسة حقوقه الوطنية والثقافية والاجتماعية والسياسية من خلال قوى ومؤسسات فلسطينية محضة، وشكّل شعار "العودة والتحرير" الناظم الأساسي الذي يستل/ينفصل منه/عنه شرعية الفصيل السياسي.
بعد إبرام اتفاق أوسلو في 13 أيلول/سبتمبر 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاستعمار الصهيوني، وبداية تأسيس مرحلة سياسية ووطنية جديدة أبرزها إقرار الميثاق الوطني الفلسطيني وتعديله في دورته الحادية والعشرون التي عقدت في غزة وفقًا لإملاءات اتفاق أوسلو، بدأت أصوات وتجمعات تبرز إلى الوجود ممثلة باللجان التحضيرية لمؤتمر اللاجئين الذي عُقد في منطقة بيت لحم، تخوفًا من اللاجئين وتأكيد حق العودة والقرارات المرتبطة بالحقوق الفلسطينية ، الذي نستطيع أن نسمه كأول تحرك في محاولة لإيجاد حالة من التمثيل السياسي للاجئين الفلسطينيين كجماعة اجتماعية لها مصلحة واحدة.
بعد 69 سنة لا يزال اللاجئون يواجهون حالة من التشظي وغياب حالة الإجماع والتمثيل للجسد الفلسطيني نتيجة الاتفاقات السياسية، والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بالمشهد الفلسطيني، الأمر الذي بات فيه سؤال التمثيل ضرورة أساسية تستدعيها نقاط عدة: أولًا، حالة التهميش التي تعرضت لها منظمة التحرير الفلسطينية والمؤسسات المنبثقة عنها، إلى جانب خضوع المنظمة ومؤسساتها للسلطة الفلسطينية ؛ ثانيًا، خضوعها للموازين الإقليمية للدول العربية سابقًا وحاليًا، وتهميش المجلس الوطني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ؛ ثالثًا، بروز قوى سياسية إسلامية ممثلة بحركة المقاومة الاسلامية "حماس"، وحركة الجهاد الإسلامي، خارج إطار منظمة التحرير؛ رابعًا، القدرة التمثيلية التي كانت تشكلها المنظمة منذ بدايتها، من حيث تمثيل حقوق الفلسطينيين في تقرير المصير والاستقلال، وأهمها حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم والدفاع عنهم في أماكن وجودهم؛ خامسًا، الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني الذي وقع في عام 2007 بين حركتي حماس وفتح؛ سادسًا، وأخيرًا، فشل الاتفاقات السياسية مع الاستعمار الصهيوني في استرجاع الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني، وتهميش المسائل المتعلقة بحق العودة واللاجئين.
موضوعة البحث والمنهجية
تحاول هذه الدراسة البحث في التمثيل السياسي للاجئي المخيمات في الضفة الغربية وقطاع غزة، باعتبارهم جماعة اجتماعية لها حقوق وطنية متجانسة، حتى لو أن هذه الجماعة الاجتماعية/ السياسية غير ممثلة بحزب أو فصيل سياسي برلماني له مطالبه أو جماعات ضغط. وذلك نتيجة إقصاء لاجئي المخيمات من الحقوق الأساسية المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والاسكان وأوضاع الحياة الكريمة في المخيمات.
تكوّن مجتمع البحث من اللاجئين في الضفة الغربية بعينة ممثلة بـالمخيمات الآتية: عسكر، شعفاط، الجلزون، الدهيشة، الفوار، أما اللاجئون في قطاع غزة فتكوّن بعينة ممثلة بالمخيمات الآتية: دير البلح، خانيونس، رفح، جباليا، موزعة بالطريقة العنقودية بحسب المنطقة والنوع الاجتماعي (353 مقابلة مقننة بواقع 177 ذكور و176 إناث في قطاع غزة، و145 مقابلة مقننة بواقع 73 ذكور و72 إناث في الضفة الغربية).
جرى الاعتماد على استبيان التمثيل ، والتعامل معه باعتباره مقابلة مقننة، مع إضافة محاور جديدة لغرض المقالة، من أجل استقصاء مواقف سكان تلك المخيمات واتجاهاتهم بخصوص قضايا عدة، نذكر منها ما له علاقة مباشرة بموضوع البحث الحالي. تكوّن الجزء الأول من خلفية اجتماعية وديموغرافية لعينة البحث، وتكوّن الجزء الثاني من محاور عدة أهمها المشاركة السياسية والمدنية في الجمعيات والأحزاب السياسية والدوافع من وراء الانتماء/الانضمام إليها، ودرجة الثقة بالمؤسسات السياسية والاجتماعية وتقويمهم أداءها في جوانب مختلفة أهمها منظمة التحرير واللجان الشعبية والسلطة الفلسطينية ووكالة الغوث، ومدى توفر معلومات لعينة البحث عن تلك المؤسسات، ومحور تعلق بالهوية والانتماء ومعنى أن يكون الفرد لاجئا، وتوجهات عينة البحث تجاه المحيط الاجتماعي من حيث الاندماج أو عدمه، وأخيرًا المحور الرئيسي المتعلق بالتمثيل الاجتماعي والتعليمي والاقتصادي والسياسي للاجئين.

من أجل تحقيق غرض الدراسة الحالية اعتمد الباحث على المنهج التحليلي، "الكمي والكيفي"، وأسلوب تحليل المضمون للمعلومات الكيفية والتحليل الإحصائي للبيانات الكمية، وأشارت نتائج التحليل الإحصائي إلى وجود درجة بمستوى جيد من حيث صدقية نتائج البحث وثباتها.
تأصيل نظري في التمثيل السياسي والثقافة السياسية الفلسطينية
يعد مفهوم التمثيل السياسي من المفاهيم السياسية المعقدة والمبهمة حتى اللحظة، نظرًا إلى اختلاف البعد الأيديولوجي الذي يُناقش على أساسه المفهوم وعلاقته بالنظم السياسية ، فكلمة التمثيل تحيل على وجود طرفين؛ الأول يمثل الثاني من الناحية المطلبية، بغض النظر عن نوعية هذا التفويض أو التمثيل ومجالاته السياسية أو القانونية أو الاقتصادية، فمن الناحية السياسية يعرفه دوفريجيه باعتباره منظومة سياسية يقوم المواطنون بانتخاب الحكام باعتبارهم ممثلين عنهم أمام الدولة والنظام، وفق الأسس الديمقراطية.
عادة يُربط بين التمثيل السياسي ونظام الحكم الديمقراطي في الأنظمة السياسية الحديثة، الذي يعبر عن مصالح الشرائح المتنوعة للجماعات السياسية/الاجتماعية وحاجاتها، وعن المصلحة العامة للشعب أولًا، وللجماعة الاجتماعية/السياسية ثانيًا. وبغض النظر أكانت الجهة الممثلة حزبًا سياسيًا أم مؤسسة أم حركة اجتماعية، فإنها تسعى إلى تحقيق أعلى درجة من الانسجام مع الجماهير التي تنتمي إليها في المجتمع، على أساس أن التمثيل السياسي عنصر مهم تستند عليه العملية الديمقراطية( ).
على اعتبار أن عملية التمثيل هي: عملية اجتماعية/نفسية بامتياز، فإن مكوناتها تتحدد بـ : الوعي العام والمعرفة، الاتجاهات( )، السلوك، وحتى التوقعات، ليكون هنالك انسجام بين الممثلين سياسيًا والناخبين في الحقوق والقضايا المطلبية، يعبر عنه في المشاركة السياسية بأنواعها، ومنها المشاركة في الانتخابات والعضوية في المؤسسات المدنية.
يعتمد التمثيل السياسي على نظام وقانون الانتخابات في البلد؛ أكانت برلمانية أم رئاسية، أم حتى مختلطة - كما هي حال الانتخابات الفلسطينية - فعملية التفويض السياسي من خلال المشاركة بالانتخابات للأحزاب السياسية المتنافسة، ليقوم بتمثيله سياسيًا من خلال الحزب أمام البرلمان أو الحكومة. وبغض النظر عن طبيعة النظام المتتبع في أي دولة، فإن المسؤولية الاجتماعية للحكومة تجاه الشعب هي أولًا وأخيرًا في الأنظمة الديمقراطية( )، على اعتبار أن فكرة السيادة هي للشعب( ) الذي من خلاله يحاسب الممثلين عن الشعب، أكان من خلال منح الثقة أم عدمها في الانتخابات التالية، إلى جانب مدى تحقيق مطالب المواطنين واحتياجاتهم.
هناك نوعان من التمثيل فيما يتعلق بالمشاركة السياسية في الانتخابات، فالأول هو تمثيل اجتماعي، يستدعي أن يكون هنالك تماثل بين الشخص والجماعة التي ينتمي إليها، فلا داعي أن يكون هنالك انتخابات – على الرغم من أهميتها -، أما الثاني، فهو التمثيل الانتخابي؛ الأمر الذي لا يتوقف على السلوك الانتخابي فحسب، إنما باعتباره نظرية المسؤول والخاضع للمساءلة في الوقت نفسه، ويرتبط ذلك بالتزام الممثلين برنامجًا أو مطالب المواطنين وقضاياهم الحقوقية والمطلبية( ). ويُنتخب الشخص الممثل أو الحزب السياسي في الحكومة/البرلمان، ويمثل المنتخبين ببرنامجه الانتخابي الذي أُعطي على أساسه التفويض نيابة عنهم في عملية صنع القرار، فيكون مسؤولًا أمام الجمهور الناخب من جهة، والقيام بدوره بكفاءة من جهة ثانية؛ فدور التفويض للنائب المفوض هو الذي يحدد الوصاية الممنوحة له( )، ويترك بالضرورة الأثر في الاتجاهات السياسية للمواطنين في الدولة. فلا يوجد معنى للتمثيل في أنظمة الحكم بمعزل عن أهداف وبرامج ورؤى سياسية واجتماعية، تضمن في الأساس مطالب المواطنين وتصون حقوقهم.
هذه المطالب والحقوق قد تكون سياسية أو اقتصادية أو ثقافية، وقد تكون جغرافية مرتبطة بمناطق ما، أو بجماعة اجتماعية تتعلق بالشرائح المقصاة من المجتمع - المرأة، الإثنية، الفقراء، اللاجئين... إلخ - تلك الشرائح التي لا تُمثَّل في الأنظمة السياسية كما يجب، ولا تُعكس طموحاتها ومطالبها في البرامج والسياسات الاقتصادية التي تلبي احتياجاتهم الأساسية، خصوصًا المرأة التي يناقش موضوع مشاركتها في العملية السياسية/المدنية، نظرًا إلى أهمية مساهمتها في صنع القرار، فمشاركة النساء والرجال يساهم في تحقيق أهداف النظام السياسي القائم على العدالة الاجتماعية، ويعطي المؤسسات قوة تمثيلية نابعة من الخيار الديمقراطي المستند إلى حاجات تلك الشرائح، باعتباره الحاضنة الذي يوفر مناخ سياسي واجتماعي قائم على المواطنة والمساواة وعدم التمييز( )، فالمواطنة تؤكد مشاركة الشرائح المجتمعية كلها، بمن فيها المرأة. ويشير عدم وجود تمثيل سياسي للمرأة - أو لأي شريحة أخرى كالشباب مثلًا - في النظام السياسي إلى خلل ما في ذلك النظام( ).
كما هو معلوم فإن الدور التمثيلي يتأثر بأنماط الثقافة السياسية في المجتمع، وهي جزء من الثقافة المدنية باعتبارها الحاضنة الثقافية والاجتماعية، لأنها تحيل إلى مجموعة القيم والمعتقدات ووجهات النظر تجاه النظام السياسي: على مستوى الادراك، فإنها تحدد نظام الحكم وتعرفه؛ وعلى الصعيد المعياري، فهي توضح وتشرعن أو تنكر السلطة بفاعليه، مثل المؤسسات الاجتماعية والحكومية، والأحزاب السياسية، التي نعني بها اتجاهات المواطنين نحو الديمقراطية وقبول التعددية، المشاركة السياسية والمدنية، التسامح، وتقويم أداء المؤسسات والثقة بها( ). فما يجعل الثقافة المدنية( ) متميزة ليس توجهاتها أو قوانينها، بل مدى المشاركة والتعدد التي تتيحه، والخضوع للنظام السياسي، وقبول شرعيته. وعلى الرغم من وجود هامش يربط الأفراد بمؤسسات غير سياسية وتقليدية (دينية أو عائلية) من حيث انتمائهم وولائهم لتلك المؤسسات، إلا أن الثقة الاجتماعية وطاعة النظام والولاء يكون تجاه الأمة والوطن، هذا النوع من النظم السياسية يوفر ديمقراطية مستقرة وفاعلة، في حين أن الأنظمة والدول غير الديمقراطية؛ يكون المواطن فيها خاضع للدولة وقوانينها وغير مشارك وفاعل سياسياً، ويكون انتماء الأفراد وولائهم لعوائلهم ودينهم على حساب الانتماء لأمتهم ولوطنهم.
إن استخدام ما سبق في فهم الثقافة السياسية والتمثيل السياسي في السياق الفلسطيني متعذر، نظرًا إلى خصوصية تشكّل النظام السياسي في سياق استعماري قوّض العملية الديمقراطية والمشاركة/الممارسة في النظام السياسي، أهمها السياق التحرري الذي مرت به القضية الفلسطينية في سبعينيات القرن الماضي حتى تسعينياته، وآلية التمثيل السياسي للأحزاب السياسية، وبداية مرحلة جديدة بعد توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاستعمار "الإسرائيلي" في عام 1993، وبداية تبلور نظام سياسي متأثر بـ "نظام أوسلو" الذي عمل على صوغ مشهد سياسي واقتصادي يتعايش مع وجود الاستعمار الصهيوني واستمراره، ما أثر بالضرورة في بنى المؤسسات المدنية والسياسية من حيث التمثيل وآلياته أو الأداء السياسي للمجتمع الفلسطيني.
بناء عليه، فإن استدعاء الثقافة العربية الفلسطينية كحاضنة معيارية في تشكيل السلوك والقيم وقولبتهما أساسي في سبيل فهم الممارسة السياسية، على اعتبار أن شكل الوصول إلى السلطة يحدد ماهيتها وممارساتها( )، فهي التي شكلت المرجعية الثقافية التي حكمت منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل المنضوية إليها، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فقد تمظهر ذلك التمثيل من خلال البعد السياسي والوطني والاقتصادي والاجتماعي في مراحل تاريخية في سياق التحرر أو في سياق تشكل النظام السياسي بعد عام 1996، وهو العام الذي شهدت به الأراضي الفلسطينية المحتلة أول تجربة في ممارسة الحق الانتخابي في اختيار ممثليه. ففي إطار التمثيل السياسي في منظمة التحرير وتشكيلها لم يؤخذ بمبدأ الانتخابات للفصائل المكوّنة لها، ولا حتى في تكوين الصف القيادي في كل فصيل، فضلًا عن أن شرعية القيادة لم تكن مستمدة من القاعدة الشعبية للفصيل من خلال الانتخابات حتى يجري تمثيلها، وذلك انطلاقًا من مبدأ العمل السري الذي كانت تمارسه هذه الفصائل وضرورات عملية التحرر الوطني. في المقابل، اعتمدت منظمة التحرير مبدأ المحاصصة (الكوتة الحزبية) في تكوين المجلس الوطني( )، على الرغم من وجود حالة من التعددية في المجتمع الفلسطيني( ). ومع ذلك، جرى اقتسام المقاعد في منظمة التحرير على أسس "زبونية" ارتكزت على علاقة الفصيل السياسي بشخص رئيس المنظمة، وبمدى اتفاقه أو معارضته السياسية للفصيل المتنفذ في المنظمة: حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح".
لقد شكّل نظام المحاصصة هذا خطورة سياثقافية، من حيث تقديمه ثقافة سياسية رعوية للمجتمع الفلسطيني، سيّرت وتحكمت في المؤسسات كلها المنبثقة عن منظمة التحرير. ففي هذا الصدد يقول فيصل دراج إن "... مبدأ المحاصصة يعلن عن دلالته المستبدة والمختلفة في اختزالات ثلاثة: فهو يختزل أولًا المصلحة الوطنية إلى الأطراف القابلة بمبدأ الحصة؛ كما أنه يختزل ثانيًا مصلحة الأطراف السياسية إلى مصلحة القائمين على أمورها؛ أما الاختزال الثالث فيترجم ذاته في إذعان القائمين على شؤون التنظيمات إلى إرادة رأس الهرم المقرّر الذي يحقق مصالحه الذاتية الكبيرة عن طريق إرضاء مصالحهم الذاتية الصغيرة". هذا القانون التمثيلي شكّل حجر عثرة للتحول الديمقراطي في المؤسسة الفلسطينية، وكان له لاحقًا شأن مهم في نفي السياسة في ممارسة منظمة التحرير والفصائل المنضوية إليها، على اعتبار أن جوهر السياسية العقلانية هو حق الاختيار( ) لا حدها من خلال تقاسم الحصص بالتراضي. ولهذا شكّل الإصرار تاريخيًا على خلق برادايم "الوفاق" مرجعيةً لاتخاذ القرار والتمثيل السياسي، واستمر حتى في حكومة الوفاق الفلسطينية 2015، وليس "الاتفاق"، لأن للأولى صبغة قيمية وللثانية معيارية تفاعلية في العمل السياسي قائم على الحوار وتقبل الاختلاف والمشاركة. ولهذا لم يطلق عليها "حكومة التوافق"، لما تستدعيه الكلمة والممارسة السياسية من انفتاح وتقبل الاختلاف للوصول إلى صيغ مشتركة على أسس سياسية ديمقراطية. هذه العقلية هي المسؤولة عن تعميق حالة الانقسام السياسي الفلسطيني - الفلسطيني، ذلك أن مبدأ المشاركة غير مطروح أو مقبول أصلًا.
انطلقت شرعية المنظمة والفصائل الوطنية الفلسطينية منذ انطلاقها في الستينيات، وفي ما بعد القوى الإسلامية في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته، على أساس تمثيل المجتمع الفلسطيني في الداخل وفي الشتات على أرضية التحرر والاستقلال، وقد شكّل ذلك الشعار المظلة والشرعية والتمثيل لحقوق الشعب الفلسطيني ومطالبه في التحرر والاستقلال. كما كان، بصيغة أهم مما سبق، شعار "حق العودة" ناظم عمل تلك الفصائل التي استلت شرعيتها منه، حيث حوسب الحزب/الحركة بمدى اقترابه/ا أو ابتعاده/ا عنه. وأصبحت منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في تمثيلها الوطني والسياسي لحق العودة( )، على اعتبار أن أغلبية الشعب الفلسطيني هي من اللاجئين. ولم يكن هناك أي بنى حزبية أو حتى مؤسساتية معزولة عن جسم منظمة التحرير، لتمثيل اللاجئين الفلسطينيين في جسم سياسي أو اجتماعي آخر، لأن التحرر من الاستعمار هو الحل الجذري لقضية اللاجئين والفلسطينيين سواء.
أما بخصوص المرأة وحضورها في المشهد الاجتماعي والسياسي، فإنه كحال اللاجئين من حيث التمثيل، حيث أن مطلب مشاركة المرأة ومساهمتها الاجتماعية والسياسية والثقافية جزء أساسي من معركة التحرر، ولم تُمثّل بمعزل عن السياق التحرري، فساهمت المرأة في النضال من خلال الامتداد الجماهيري والمؤسساتي المرتبط بالفصائل السياسية( )، خصوصًا في الانتفاضة الشعبية في عام 1987. ولم تشكل القضايا المطلبية الاجتماعية لها ولا للمؤسسات النسوية التي تنتمي إليها أولوية على المصلحة الوطنية والعمل التحرري، ما أدى إلى هيمنة السياسي على الاجتماعي وابتلاعه.
في السياق العام، ساهمت الفصائل الفلسطينية في نشر التعددية، من خلال التمفصلات السياسية والنقابية والطلابية والنسوية التي كانت تجري بشكل "ديمقراطي" لتمثيل التعدد الأيديولوجي في المشهد السياسي الفلسطيني. وكان لهذه الفصائل دور في ممارسة التعبئة السياسية والوطنية والأيديولوجية لما يستدعيه العمل التحرري في الانتفاضة الشعبية في عام 1987.؟ وعلى الرغم من أن تجربة العمل التحرري في الثمانينيات والتسعينيات كانت مغلفة بحالة من التعددية واحترام الآخر بين فصائل العمل الوطني( )، فإنها كانت مبتورة، فلم يُسمح لهذه القيم الإيجابية في الثقافة السياسية الفلسطينية بأن تتحول إلى شكل ديمقراطي بسبب ممارسات الفصائل وأفكارها وأيديولوجياتها. وفضلت منظمة التحرير والفصائل المنضوية إليها المركزية في اتخاذ القرارات. ولم تستطع في "ممارستها السياسية والثقافية تطوير ما هو حديث في الحياة السياسية والاجتماعية للشعب الفلسطيني، بل أعاقت وهمشت كل ما هو حديث، وعبرت عن مواجهتها للحداثة في احتضان المثقف الريفي وترييف المثقف الحديث"( ). ولم تختلف الحركات الإسلامية عمّا سبق في البعدين السياسي والاجتماعي، نظرًا إلى طبيعتها ومرجعيتها الدينية والعقلية السياسية الفلسطينية. فلم يذكر في كراسات حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ولا حركة الجهاد الإسلامي أي مؤشر على اعتمادها الديمقراطية كقيمة سياسية في علاقتها بالفصائل السياسية الأخرى.
استُمدّ التمثيل السياسي لحركة فتح والفصائل الوطنية - ولاحقًا حركة حماس - من البندقية والأغلبية والشرعية وتمثيل الشارع الفلسطيني. ولم يتكئ المشروع التحرري على ثقافة تقدمية وسياسة عقلانية تستوعب الاختلاف والتعدد الذي يفضي إلى الديمقراطية. إنما استمالت الثقافة التقليدية القائمة على التراتبية الهرمية في الفصيل الأكبر وعلاقتها بالفصيل الأصغر، فشكّلت ثقافة الولاء والانضباط المطلق، واختزلت الفصيل في شخص القائد الذي استوعب الثقافة التقليدية ومارسها، واستبعد الثقافة النقدية وحاصرها( ).
مع التحولات في الحقل السياسي الفلسطيني وتبلوره في هيئة سياسية ممثلة للشعب الفلسطيني، شكّلت الانتخابات الأولى التي أجراها الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، في 20 كانون ثاني/يناير 1996 استنادًا إلى اتفاق أوسلو المرجعية في الثقافة السياسية، بعدما تنفذت حركة فتح في قرار منظمة التحرير على الرغم من معارضة الحركة من بعض الفصائل اليسارية المنضوية إلى المنظمة وتوقيع اتفاق أوسلو في عام 1993، الأمر الذي ساهم في تعميق حالة الاختلاف وكسر وحدة الشعب الفلسطيني وغياب حالة التمثيل السياسي عن الجسد السياسي المنبثق عن الانتخابات، فأضحى هناك لاجئون يعيشون في فلسطين 1948، والضفة وغزة والقدس وفي الشتات، وأصبحت المنظمة والسلطة المنبثقة عنها تمثل هذه المواقع فحسب، لا الفلسطينيين في الداخل أو في الشتات( )، فتأثرت شرعية المنظمة وصورتها وقدرتها التمثيلية على تمثيل التجمعات والشرائح الفلسطينية كافة، وفي مقدمها قضية اللاجئين، على الرغم من أن نسبة الانتخابات فاقت التوقعات حينذاك، فقد وصلت نسبة المشاركة في الانتخابات 80 في المئة ممن يحق لهم الاقتراع، موزعة كالتالي: 70 في المئة في الضفة، و88 في المئة في قطاع غزة( ).
مع التركة الثقيلة للثقافة السياسية التقليدية لمنظمة التحرير وتنفذها في اتخاذ القرار، ومع غياب التنافس في الانتخابات لرفض المعارضة من اليسار والحركات الإسلامية المشاركة فيها، استفردت حركة فتح في صوغ أطر مؤسساتية واقتصادية وإدارية: الوزارات، والأجهزة الأمنية بما يتوافق مع الرؤية السياسية للحركة، وعملت السلطة الناشئة على تهميش الفصائل السياسية، فضلًا عن المضايقات والحملات الأمنية التي قامت بها، بدءًا باليسار (اعتقال أعضاء من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بين عامي 1994 و1995)، وتوسعت لتشمل حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي بدأت تبرز بقوة في الشارع الفلسطيني من خلال العمليات الاستشهادية التي كان ينفذها أعضاء منها في منتصف التسعينيات، والتي حملت شعار تمثيل الشارع الفلسطيني برفضها للاتفاقيات السياسية مع الاستعمار الصهيوني. هذه الممارسات وغيرها أسّست لاحقًا لبلورة نظام الحزب الحاكم والاستفراد في السلطة ورفض المشاركة مع الفصائل السياسية المعارضة، كما أوضحته تجربة الانتخابات الثانية للمجلس التشريعي في عام 2006، حين فازت حركة حماس في الانتخابات وحصدت أغلبية مقاعد المجلس التشريعي بواقع 76 مقعدًا لحركة حماس، و43 مقعدًا لحركة فتح، و4 مقاعد للمستقلين، و3 مقاعد للجبهة الشعبية، بينما فازت الفصائل الأخرى: البديل لقوى اليسار، وفلسطين المستقلة للمبادرة الشعبية، والطريق الثالث بمقعدين على التوالي( ). وبغض النظر عن أسباب هذا التغيير في المشهد السياسي ومقدار تمثيل الأحزاب السياسية للبرامج التي تمثلها الفصائل، فإنها شكّلت حالة من الانقسام السياسي في الشارع الفلسطيني بين حركة حماس وحركة فتح، قادت إلى الانقسام/الانفصال بين الضفة الغربية التي تسيطر عليها حركة فتح وقطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس، نتيجة غياب الممارسة الديمقراطية واحترام نتيجة الانتخابات والصلاحيات، كتعبير عن أحقية الشرعية وتمثيل الشارع السياسي الفلسطيني.
اذا استخدمنا لغة الأرقام والنسب للتمثيل السياسي والفصائل السياسية في المجلس التشريعي في دورتيه 1996 و2006 على أساس النوع الاجتماعي وحالة اللجوء، فقد مُثلت المرأة في المجلس التشريعي عام 1996 بخمسة مقاعد من أصل 88 مقعدًا، أي 5.7 في المئة( )، في الانتخابات التي أجريت وفق قانون الأغلبية (الدوائر)، في حين ارتفعت نسبة التمثيل إلى 12.9 في المئة، بواقع 17 امرأة في المجلس التشريعي من أصل 132( ) نتيجة الانتخابات التي أُجريت استنادًا إلى القانون المختلط في انتخابات عام 2006. وتوزعت المقاعد مناصفة بين الدوائر والقوائم الحزبية. هذا الارتفاع في تمثيل المرأة كان نتيجة تبني السلطة الفلسطينية قانون الكوتة النسوية (20 في المئة) من تشكيل أي هيئة رسمية أو غير حكومية لعدد النساء فيها. أما في ما يتعلق بتمثيل اللاجئين في الدورة الأولى للمجلس التشريعي عام 1996 فشكّل 36.4 في المئة وارتفع إلى 52.3 في المئة في الانتخابات الثانية( ).
إضافة إلى ذلك، نورد هنا بعض النسب في سياق توثيق مقدار تمثيل اللاجئين في المؤسسات الرسمية لمنظمة التحرير والمجلس التشريعي؛ بلغت نسبة اللاجئين في المجلس المركزي لمنظمة التحرير 53 في المئة في عام 1991، وانخفضت إلى 47 في المئة في عام 1996 معظمهم من المحسوبين على حركة فتح، و36.4 في المئة من أعضاء المجلس التشريعي، وارتفعت مجددًا في انتخابات المجلس في عام 2006 إلى 52.3 في المئة، أغلبيتهم محسوبين على حركة حماس. وبلغت نسبة اللاجئين 32.9 في المئة من أعضاء المجالس الوزارية العشرة، أي نحو 28 وزيرًا من أصل 85، كان منهم وزير لاجئ واحد فقط يقطن في مخيم للاجئين( ).
هذه التغيرات في النسب والأعداد - صعودًا أو هبوطًا - لم تكن نتيجة رؤية سياساتية أو برنامج سياسي/اجتماعي محدد للفصائل المتنافسة أدى إلى إبراز قضية اللاجئين ووضع الحلول للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية وحالة التهميش التي يختبرها اللاجئون في المخيمات. لهذا نستطيع القول إننا أمام أعضاء مجلس وطني وتشريعي ووزراء من أصول لاجئة أكثر منه أمام وزراء لاجئين يقطنون في مخيم للاجئين، ويعبّرون عن احتياجات اللاجئين ومتطلباتهم وتمثيلهم كما يجب في تلك الهيئات والوزارات من حيث الجوانب المطلبية؛ فالتمثيل هنا شكلي/أو سياسي لا يعكس مضمون حضورهم وتأثيرهم في صنع القرار في ما يخص قضيتهم واحتياجاتهم وتحسين البنية التحتية لمخيماتهم، ومواجهة المشكلات الجمة التي يتعرضون لها، بقدر ما هو خضوعهم للبرامج السياسية للأحزاب التي ينتمون إليها والمتنافسة في ما بينها.
ينطبق التحليل نفسه على موضوع المرأة من خلال نتائج المجلس التشريعي، وبالتالي فإن زيادة تمثيل المرأة لا علاقة له بمشاركة الأحزاب السياسية الفلسطينية في الانتخابات – ما عدا حركة الجهاد الإسلامي - إنما يعود إلى القانون الانتخابي وتبني نظام الكوتة النسوية. إذًا استنادًا إلى ما سبق، فإن التمثيل للشعب الفلسطيني لا يزال حتى اللحظة متأثر بالأبعاد السياسية، أكثر منه بالقضايا المطلبية والحقوقية لهذه الشريحة أو تلك، فضلًا عن احتكار فصائل العمل الوطني والسياسي كل من العمل السياسي والاجتماعي.
صورة المخيم وهُويتُه
أُنشئت المخيمات الفلسطينية بين مرحلتين أساسيتين؛ الأولى بعد حرب التطهير العرقي في عام 1948 واستمرت حتى أواخر الخمسينيات، أما المرحلة الثانية فبدأت بعد حرب عام 1967( )، من أجل مواجهة جمعياتٌ دوليةٌ، كالصليب الأحمر ووكالة الغوث، الأزماتِ الاقتصادية والاحتياجاتِ الاجتماعية الطارئة.
تقدم وكالة الغوث الدولية خدمات عدة ممثلة بعدد من المشاريع/البرامج الإغاثية والتنموية التعليمية والصحية والتشغيلية والمساعدات العينية والمادية لأكثر من 5.6 ملايين لاجئ في 58 مخيمًا للاجئين( )، لمواجهة حالة البؤس والفقر الشديدين اللذين يهددان الوجود اليومي للاجئ الفلسطيني، لكن منذ أكثر من عشرين عامًا تشهد المساعدات والخدمات المقدمة حالة من التقليص والتراجع ( )، فضلًا عن تسريح العاملين فيها نظرًا إلى الأزمات المادية التي تواجهها وكالة الغوث! وعلى الرغم من ذلك، فإن ما يقارب 79.6 في المئة من عينة البحث الحالي لا تزال تثق في أداء وكالة الغوث. وأيد بدرجة موافق وبدرجة متوسطة ما نسبته 75.4 في المئة من المبحوثين في كون أن "وكالة الغوث ما زالت تقدم الخدمات الصحية والتعليمية بجودة عالية". وتعود هذه النسب إلى غياب الثقة وتدنيها في المؤسسات الوطنية والرسمية وغير الرسمية. وعلى الرغم من أن التأييد للوكالة والثقة فيها أعلى في قطاع غزة نظرًا إلى الأوضاع السياسية والاقتصادية التي يمر بها، فإن نسبة قدرها 53.5 في المئة من اللاجئين في الضفة الغربية وافقوا على تلقي الخدمات التعليمية والصحية من وكالة الغوث، لا من السلطة، في مقابل 31.2 في المئة من اللاجئين في قطاع غزة، الأمر الذي أكده أحد المبحوثين على أن "خدمات الوكالة غير موجودة...وأنها متدنية جدًا"، وهذا ما يتفق عليه مجتمع البحث.
بعد نحو 69 عامًا على عملية التهجير القسرية لا يزال المخيم يواجه مشكلات عدة تتعلق بالمناحي التعليمية والاقتصادية والصحية والخدماتية. والأهم مما سبق هو الكثافة السكانية العالية في المخيمات، حيث تشير البيانات إلى أن الكثافة السكانية لمخيمات اللاجئين في الضفة الغربية وصلت إلى 32,415 ألف نسمة لكل كلم2، في حين وصلت إلى ما يقدر بـ 90,486 ألف نسمة لكل كلم2 في مخيمات قطاع غزة( )، ما يجعلها المشكلة الأبرز في إجابات المبحوثين بشأن المشكلات التي يواجهها سكان المخيمات الممثلة بـ "كثافة سكانية، بيوت غير مؤهلة والرطوبة، وتدني المستوى الصحي، وعدم وجود أماكن ترفيهية".
تعتبر نسبة الفقر التي يعانيها سكان المخيمات الفلسطينية هي الأعلى مقارنة بسكان القرى والمدن بما نسبته 38.6 في المئة في عام 2006، بينما بلغت نسبة الفقر المدقع 25.6 في المئة( )، ويعود ذلك إلى نسبة البطالة التي وصلت في عام 2016 إلى 32.3، وإلى معدل الخصوبة المرتفع لدى سكان المخيمات( )، فضلًا عن سياسة التهميش والإقصاء الاجتماعي والسياسي الذي يواجهه سكان المخيمات، متوّجة بحالة من الإقصاء وعدم الاندماج التي يواجهها اللاجئون الفلسطينيون في دول الشتات، وهي حالة كان فيه حظ اللاجئين في المخيمات الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية أفضل من غيره.
توضح لنا هذه الإلماعة السريعة واقع المخيم الذي يواجه مأساة إنسانية واقتصادية واجتماعية مؤلمة، فضلًا عن المسألة السياسية التي تقف وراء نشوء مشكلة اللاجئين في صراعهم ونضالهم على مدار مدة من الزمن، لما للأخيرة من تأثير إيجابي في تحسين صورة اللاجئين ومكانتهم في فترات تاريخية عدة. في هذا السياق يصنف حمام( ) تعدد الصور والتنميطات للمخيم بمراحل تاريخية عدة "بعد النكبة: مرحلة العزلة والضياع؛ مرحلة النكبة وتفكيك العزلة؛ مرحلة الانتفاضة "الأولى": صورة مخيم التنظيم، مرحلة السلطة وتراجع المخيم؛ مرحلة انتفاضة الأقصى والاختلال في الصورة".
نتفق مع ما سبق بخصوص حالة الاندماج والحضور العالي للمخيم في فترة الانتفاضة الشعبية في عام 1987، التي تعد من أهم مراحل الشعب الفلسطيني من حيث تمثيل اللاجئين في المستويات كافة وحضور التعدد الفصائلي والأيديولوجي، وقدرة تلك المؤسسات والتنظيمات على تمثيل الشرائح الاجتماعية التي تنتمي إليها، حيث تمكنت من سد احتياجاتها وتقديم الخدمات الأساسية؛ التعليمية والاقتصادية والسياسية والثقافية - في تعبئة شاملة لكافة الشرائح العمرية سياسيًا ووطنيًا، وخلق اقتصاد بديل مقاوم، حيث رُفدت التجمعات الفلسطينية بالدعم المادي والمعنوي والاقتصادي، ليشمل إمكان الصمود والتحدي.
شكلت المخيمات الفلسطينية حينذاك في الضفة الغربية وقطاع غزة - كما هي الحال في الخارج - بؤر ثورية وتعبوية ساهمت في قيادة الانتفاضة الشعبية. وتمثل البرنامج النضالي آنذاك في العصيان المدني بعدم دفع الضرائب لحكومة الاحتلال كما حدث في مدينة بيت ساحور، وعدم سداد فواتير الكهرباء والماء في المخيمات الفلسطينية بقرار من القيادة الوطنية الموحد للانتفاضة، كشكل احتجاجي على المستعمر.
عبرت المخيمات عن ذاتها، لأنها أصبحت تحتل المراكز القيادية في فصائل المنظمة، وفي حالة الاحتجاج في الممارسة السياسية في أعلى درجات التمثيل الشعبي لها، لا المستوى السياسي فحسب، إنما على الصعيد القاعدي. وبدأت بالالتفات إلى احتياجات المخيمات الصحية والتعليمية والاقتصادية التي هُمّشت على مدار سنوات الصراع، وتنافست التنظيمات والمراكز المجتمعية على تقديم الخدمات وسد احتياجات سكان المخيم، وتحسين بنيته التحتية والأساسية( ).
شكل التحالف المجتمعي مع الفصائل السياسية كجبهة عريضة، حين قاموا برفد حركة التحرير الوطنية بشريحة من المناضلين والمثقفين( )، ساهمت فيه المخيمات برسم السياسات والبرامج الكفيلة باستثمار مصادر القوة وبتحديد الأولويات الوطنية التي تلامس واقعهم وسقفهم السياسي، ولم يتخلَّ اللاجئون عن حق العودة، أو بالأحرى لم يُرفع باعتباره شعار مرحلة، لأن السياق استدعى مشاركة الجميع في تعزيز الصمود ورفض مشروعات التوطين، والإصرار على أنهم جزء أصيل من الشعب الفلسطيني تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني( )، وبالتالي نرى هنا أن المخيم ساهم بثقافة سياسية وطنية عبّر عنها في المشاركة السياسية والنضال والتضحية.
عَبّر المخيم عن رمزية عالية من النضال والثورة، وفي السياق نفسه ككتلة من المعاناة والتقصير والإقصاء على مدار الصراع الفلسطيني – الصهيوني. وعلى الرغم من إعادة إنتاج بنية القرية في المخيم على صورة هندسية للأحياء والحارات والشوارع التي سُميت على أساس عشائري أو عائلي أو اسم البلدة/ المدينة الأصلية التي لجأوا منها( )، فإن الفضاء الاجتماعي والسياسي الذي خلقه وأتاحه المخيم ساعد في إنشاء مرجعية ثقافية وسياسية واحدة نتيجة التفاعل اليومي والحياة المشتركة والتاريخ/المصير المشترك. وعلى الرغم من وجود حالة من الاندماج بين سكان المخيمات في الضفة وقطاع غزة بالمحيط، فقد كانت أعلى شأنًا من حالة مخيمات دول الشتات، بحكم التطور والعوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي ساهمت في توحيد هوية اللاجئين وغير اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة( ). لكن لا يزال هناك ملامح أساسية للاجئي المخيمات تتميز من غير اللاجئين بحكم أن حالة اللجوء كمكوّن أساسي وأصيل في الهُوية الفلسطينية، ففي جوابه قال أحد المبحوثين "أنتمي لهذا المخيم بأزقته وحاراته وأهله وشهدائه وأسراه وجرحاه"، مركّزًا على البعد السياسي في عملية الانتماء، التي تغذيه الذاكرة الجماعية المرتبطة بأساس سياسي تستحضر كل ما هو مشترك من تاريخ اللجوء والمعاناة، فاعتمد فيها الجيل الأول على الذاكرة/الصورة الصورية والحسية البصرية واستبدلها الجيل الثاني والثالث بالذاكرة اللغوية السردية/الصورة الصورية والخيالية، فالانتماء إلى جماعة هي رديف للهُوية الاجتماعية( )، فالسياق السياسي والتاريخي والاجتماعي لسكان المخيمات خلق مشاعر مشتركة ووعي بهوية جماعية تميزهم من محيطهم.
إن الواقع السياسي ومظاهره ورموزه وعلاماته ومسميات القرى حاضرة على الجدران والنصب التذكارية والصرح( ) والصور والجداريات التي يُزين بها المخيم كإشارة سياسية وكجزء من تاريخ المخيم على مدار تاريخ الصراع، تبرز البعد الوطني أكثر منه لدى غير اللاجئين( )، ولهذا استهدف المخيم تاريخيًا من قبل الاستعمار الصهيوني باعتباره الحاضنة الثورية لمعاقل المطاردين والمناضلين بجملة من السياسات منع التجوال كما هي حال الانتفاضة الشعبية في عام 1987، الاعتقالات، الاغتيالات، الاجتياحات المدمرة كما هي حال مخيم بلاطة وجنين في انتفاضة الأقصى في عام 2002... إلخ. وشكّل المخيم عقبة أمام إحكام السيطرة عليه وفرض سطوة الاستعمار نظرًا إلى هندسة المكان فيه، فضلًا عن احتوائه على ثقل ديموغرافي يعوق عملية التطويق ويشكّل مصدر إزعاج للاستعمار؛ فوجود المخيم ورمزيته مرتبط بالعودة الذي يحاربه الاستعمار الصهيوني. كما أن فكرة التخلص منه لم تبرز حديثً فحسب، إنما بدأت منذ ستينيات القرن المنصرم وسبعينياته كتهجير سكان مخيم البريج، وسكان مخيم رفح في عام 2003، وسكان النويعمة ومخيم عين السلطان وعقبة الجبر بعد حرب عام 1967، وتهجير عشرات الآلاف( )، على اعتبار أن المخيم واللاجئين مؤشرٌ على جريمة الاحتلال وسياساته الاستعمارية.
إلى جانب ما سبق، مارست السلطة الفلسطينية سياسة الاحتواء/الإقصاء والتهميش للمخيمات لفرض الأجندة السياسية المرتبطة "بنظام أوسلو وبروتوكولاته" ارتباطًا بوجود المعارضة وتركّزها في المخيمات، فشنت حملات اعتقال سياسية بين عامي 1994 و1995 في صفوف اليسار الفلسطيني المحسوب على المعارضين للاتفاق، وبعد عام 1996 في صفوف حركة حماس، إضافة إلى استيعاب أعداد كبيرة جدًا من سكان المخيمات من الموالين لحركة فتح في الأجهزة الأمنية، ما جعل من تشكيل كتلة معارضة متجانسة للمخيمات صعب للغاية بسبب خروج أكبر فصيل من منظمة التحرير وتأييده السلطة.
يرى حمام أن وجود السلطة وممارساتها وسياساتها أدى إلى حدوث تراجع في دور المخيم وصورته( )، إلى جانب غياب تمثيله السياسي والاجتماعي، واختزاله في حركة فتح والتوجه السياسي الذي تتبناه السلطة. حالة الإقصاء هذه كادت أن تؤبد هذه الصورة، لولا اندلاع انتفاضة عام 2002، التي كان للمخيم فيها دور طليعي وريادي. لكن بعد انتهاء الانتفاضة شنّت السلطة حملات أمنية على مدن نابلس وطولكرم وجنين ومخيماتها بين عامي 2007 و2008 وعام 2015، والمطالبة في عهد سلام فياض – حين كان رئيسًا للحكومة - بما يُعرف بـ "براءة الذمة"، لمن لا يدفعون الكهرباء أو الماء أو الضرائب؛ تُفهم تلك الدعوة ضمنيًا على أنها موجهة ضد المخيمات كون سكانها لا يلتزمون دفع فواتير الكهرباء والماء، وعزز ثقافة مغزاها أن سكان المخيمات هم الوحيدون الذين لا يلتزمون ذلك، ما أوجد حالة من التشاحنات على هذه الأرضية، كأن اللاجئ هو سبب ارتفاع أسعار الكهرباء والماء في المدن والقرى الفلسطينية. ويعتقد بعضهم أن الحكومة والشركات الخاصة حمّلت الفقراء، وعلى وجه التحديد اللاجئين في المخيمات مسؤولية فشل الخطط التنموية والعجز المالي للحكومة الفلسطينية، ولم يُشر إلى مخاطر السياسيات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي تتبناها الحكومات وتأثيرها في الفقراء واللاجئين، الأمر الذي شكّل عبئًا إضافيًا للتغيرات السريعة في التشكيلة الاقتصادية والطبقية في مناطق السلطة، ما جعلهم فريسة لتحمل التكلفة الاجتماعية لسياسات كهذه( ).
أما في ما يتعلق بصورة اللاجئ الفلسطيني، كما يعكسها المنهاج الفلسطيني، فإنها تُختزل في حارات مكتظة وجدران مهدمة تظهر الفقر مكتوب عليها (UN) أو علم وكالة الغوث، من دون الإشارة إلى الأسباب السياسية التي أدت إلى ذلك( ). ويجب ألا ننسى في هذا الجانب أن وكالة الغوث الدولية استفردت حتى منتصف التسعينيات بتشكيل صورة للاجئ الفلسطيني من خلال الصور التي كانت تستخدمها لجلب المساعدات، كان محتواها يعزز فكرة المساعدات والفقر في صفوف اللاجئين.
عمل ما سبق كله على رسم صورة نمطية للاجئين في المخيمات، بينما شكلت الصور والتعبيرات الاحتجاجية التي يمارسها سكان المخيمات: أبرزها إغلاق الطرقات الرئيسة لأسباب سياسية احتجاجية على الاعتقالات أو للمطالبة بالماء والكهرباء، التي كان بعضها ينتهي بالاشتباك مع قوات الأمن الفلسطينية، في وضع تصور نمطي لهم؛ فحالة التصادم بين سكان المخيم بأطيافه السياسية مع الأجهزة الشرطية والأمنية للسلطة الفلسطينية( )، يكمن وراءها بحسب اعتقادنا حالة احتقان وتهميش للمخيمات نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فيها، وعدم تقديم السلطة الفلسطينية حلولًا مرضية في مواجهة احتياجات سكان المخيمات واحتجاجاتهم والتعامل معها بجدية.
أثّرت هذه الحوادث كلها وغيرها، ولا تزال تؤثر، في هوية اللاجئ وصورته لنفسه وللآخرين. وعلى الرغم من أننا أسلفنا أن عملية اندماج اللاجئين كانت أوفر حظًا في الضفة والقطاع، فإننا نرى أن عينة البحث أجابت بما نسبته 47.8 في المئة عن وجود تمييز سلبي كونهم لاجئين يعيشون في المخيم، وكانت الجهة الأكبر التي مارست من سكان المدن والقرى المحيطة بالمخيمات بنسبة 58.6 في المئة، تليها المؤسسات الأهلية، ومن ثم مؤسسات السلطة. هذه الأرقام عبرت عن نفسها من خلال تعريف مفهوم اللاجئ، حيث ركزت أغلبية إجابات المبحوثين من عينة البحث على الصورة السلبية للسؤال التالي: ماذا يعني لك كونك لاجئ بكلمة واحدة؟ فتمحورت الإجابات حول الكلمات التالية: "مُهجر، مشرد، مظلوم، مسلوب الحق، ذليل، متسول، معاناة، مأساة، من دون هوية، وصمة عار، مهمش، حرمان"، تلتها الصورة الإيجابية، ممثلة بالكلمات التالية: "صبر، تضحية، فخر، صمود، إصرار، صاحب حق/قضية، عزة نفس"، وأقلها كانت الحيادية التي تمحورت حول: "قدر من الله، لاجئ، بني آدم، إنسان".
أما في ما يتعلق بالمواصفات الإيجابية التي تطلق على اللاجئين، فكانت متسقة مع التعريف الإيجابي لمفهوم اللاجئ، وكانت أغلبية إجاباتهم إيجابية، تمثلت بـ: "التعاون والتماسك والتكاتف مع بعض، الشهامة والنخوة، الانتماء للقضية، الشجاعة... إلخ". أما المواصفات السلبية التي تطلق عليهم فكانت: "مشكلجي، بلطجية، زعران، عصبيين، الخروج عن القانون، التعصب، أولاد مخيمات، كوبونات، ذليل... إلخ".
في تفسير نتائج البحث السابقة، نعتمد على تصريح تيسير نصر الله، عضو المجلس الوطني ومنسق الائتلاف العالمي لحق العودة، يقول فيه: "أن هنالك احتقان داخل المخيمات من دون شك، قد يكون في كل مكان نتيجة الحصار المالي وانسداد الأفق السياسي وتقليص خدمات غوث اللاجئين والسياسات الاقتصادية الخاطئة التي تنفذها السلطة، لكن الاحتقان يظهر في المخيمات بشكل أكبر نتيجة الحياة البائسة التي يعيشها الناس"( ). ينسجم هذا التصريح السابق مع إجابة أحد اللاجئين من مخيم عسكر بنابلس، الذي أشار إلى أن "اللاجئ يبحث عن أي متنفس، لذلك يخرج على القانون والمجتمع". يقودنا هذا إلى أن طبيعة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وحالة التهميش وغياب التمثيل لجسد اللاجئين، يدفعهم إلى الطريقة الوحيدة التي يعرفونها، للتعبير عن مطالبهم بشكل احتجاجي يستخدمونه مع دولة الاستعمار، بحرق الإطارات وإلقاء الحجارة وإغلاق الشوارع، وفي بعض الحالات إطلاق الأعيرة النارية - نستثني هنا مخيم شعفاط بالقدس الذي يخضع بصورة مباشرة للاستعمار-، فقد تكون السبل التي يستخدمها اللاجئ "مُدانة" من المجتمع المحلي، لكن لا نستطيع تحميله المسؤولية، لذلك تتحمّل السلطة الفلسطينية ومؤسساتها تتحمل المسؤولية الأكبر عن ذلك.
أما بخصوص المواصفات، سلبية كانت أم إيجابية للاجئ، فإنها نتاج تطور طبيعي تاريخي في مواجهة "الدولة" باعتبارها سيرورات ردات فعل على تهميش "السلطة"( ) للمخيم وسكانه وإدخالهم في دائرة الإقصاء والتهميش وحتى العزلة. ويجري إنتاج القيم والمواصفات في سياق التفاعل اليومي مع الداخل "في المخيم" أو في علاقته بالمحيط، واستدخالها حيث تنتظم/تنتج كمعنى وسلوك يتماهى مع منظومة المعاني والكلمات في الفضاء الاجتماعي للاجئ؛ فمنظومة العنف ودائرته ليستا بعيدتين عن الهندسة المكانية وحالة التهميش في المخيمات، كما أن عملية إعادة إنتاج العنف (داخليًا أو خارجيًا) هي الصورة المتطرفة المقابلة لعنف "الدولة" أو المحيط الاجتماعي ببعده الرمزي والمادي( )، فممارسة العنف الداخلي وانتشاره بين سكان المخيمات هو نتيجة حتمية لهذه الأوضاع( )، ولا يقل حدة عن العنف السياسي في مواجهات الاستعمار بشكل يومي في المخيمات .
أما فيما يتعلق بعلاقة المخيم بالمحيط، فنشعر أنها لا تزال منغلقة؛ ثمة 40 في المئة من عينة البحث تربطهم علاقات داخل المخيم فحسب، وتختلف الإناث في هذا الصدد عن الذكور، حيث إن نسبة علاقاتهم الاجتماعية التي انحسرت داخل المخيم فاقت الذكور بنسبة 47.7 في المئة، لما للتفاعل من دور أساسي وحيوي في عملية الاندماج والتثاقف والاحتكاك اليومي الذي بدوره يقلل الفروق والتمييز القائم على الجماعة الاجتماعية الأخرى.
أخيرًا، بخصوص ماهية هوية اللاجئ الفلسطيني وكيف يعبر عنها؟ ندرك أن الهوية مفهوم متعدد بما له علاقة بالانتماء وبتعبيراته، ومتغيرة ومتحولة بحسب السياق التاريخي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي الفلسطيني( )؛ فالإحساس بالهوية ليس عملًا فرديًا، إنما هو حصيلة عملية تراكمية وجماعية تشكّل بناء اجتماعي في علاقاتها الداخلية أو الخارجية مع الجماعات الأخرى( )، وليست الهوية وطرائق التعبير عنها مرتبط بحدث تاريخي فحسب، هو "التطهير العرقي عام 1948"، وكردة فعل على ذلك، إنما هي مستمرة التطور والتشكل( ) حتى لو جرى تعويق التعبير عنها في سياقات تاريخية ما.
في الإجابة عن تساؤلنا في البحث في هذا الصدد، استخدمنا بعض الصفات والمسميات التي قد يستخدمها الفرد في تعريف ذاته أو تقديمها إلى الآخرين، فوجدنا الترتيبات التالية:
الترتيب العام للهوية في الضفة الغربية وقطاع غزة بحسب الأهمية: مسلم/فلسطيني/لاجئ/عربي/ قرية/عائلة/مخيم.
أما الترتيب العام لدى اللاجئين في الضفة بحسب الأهمية: فلسطيني/مسلم/لاجئ/عربي/مخيم/قرية/عائلة.
أما الترتيب العام لدى لاجئي قطاع غزة بحسب الأهمية فكان: مسلم/فلسطيني/لاجئ/عربي/عائلة/ قرية/مخيم.
أخيرًا الترتيب العام لدى لاجئي مخيم شعفاط في القدس بحسب الأهمية: فلسطيني/مسلم/ لاجئ/قرية/عربي/مخيم/عائلة.
في السياق العام للإجابات نرى أن الهوية الدينية حاضرة ومهيمنة، على اعتبار أن الدين مكوّن أساسي ورئيس في السياق الفلسطيني الحالي والتغييرات في البنية الفكرية الفلسطينية( ) والعربية، ويعتقد بعضهم - وهو اعتقاد صائب - أن الأزمة التي يواجهها المشروع الوطني الفلسطيني وحالة الفراغ الفكرية أديا إلى إحلال/حضور الديني محل الخطاب الوطني( )، وأن فشل اتفاق السلام وتردي الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين ساهما في تقدم الهوية الدينية على حساب الهوية الفلسطينية والعربية( ) وامتداد الحركات الإسلامية وانتشارها في المخيمات.
توصلت نتائج الدراسة الحالية إلى وجود فروق دالة بين لاجئي سكان الضفة، بمن فيهم اللاجئون في القدس، واللاجئين في قطاع غزة في الهوية الدينية والفلسطينية، حيث اختار 77.1 في المئة من لاجئي مخيمات غزة الهوية الدينية بحسب أولوياتها، في مقابل 50 من لاجئي الضفة الغربية، واختار 35.2 في المئة من لاجئي الضفة الهوية الفلسطينية في مقابل 16.4 في المئة من لاجئي قطاع غزة. تنسجم هذه النسب أيضًا مع الجهة التي ينتمي إليها أكثر لاجئي المخيمات، ولديهم الاستعداد للتضحية بالجهد والمال وبالنفس من أجلها، فكانت الغلبة أيضًا للهوية الدينية بنسبة 60.1 لعينة البحث، موزعة بين 49 في المئة في الضفة الغربية في مقابل 67.5 في المئة في غزة، تلتها الهوية الفلسطينية بنسبة 27.5 في المئة لعينة البحث، موزعة بين 36.4 في الضفة الغربية في مقابل 23.8 في المئة في قطاع غزة. اللافت أن الهوية العائلية كانت أقل أهمية لدى أفراد عينة البحث في استخدامهم لها( ).
إن الاختلافات هذه ليست وليدة اليوم - بحسب اعتقادنا - إنما هي نتاج سلسلة تاريخية طويلة من العوامل، لها علاقة بالانفتاح على الحركات الإسلامية في قطاع غزة أكثر منه في الضفة الغربية، وحالة الحصار الفكري والثقافي والاقتصادي الذي تأثر به قطاع غزة على مدار الصراع كان أقصى وأشد منه في الضفة الغربية، إلى جانب أن مخيمات الضفة على الرغم من تصنيفاتها السياسية بحسب اتفاق أوسلو (مناطق أ أو ب أو ج) لا تزال تعاني انتهاكات الاستعمار الصهيوني وسياساته بشكل مباشر، وبالتالي يتقدم حضور الهوية الوطنية على البعد الديني، وإن امتزج به.
الثقافة السياسية للاجئ الفلسطيني
تعرضت الثقافة السياسية الفلسطينية لجملة من التغيرات الدرامية على مدار القرن المنصرم، لكن اتفاق أوسلو شكّل بالفعل المنعطف الواضح في غياب مكوّنات أساسية للثقافة السياسية الفلسطينية التي كان يُتعامل على أساسها: الاجماع الوطني، التعددية، المشاركة السياسية والمدنية، تقبل الآخر... إلخ، من منظومة القيم التي تقوم على أساسها بنية المجتمعات السليمة، حيث أصبح الشأن العام والأمور السياسية في السياق الفلسطيني من تخصص القائد وشأنه لا الجماهير( )، نتيجة حالات التفرد في صنع القرار، ولأن حمى الإجماع والوحدة كانت تسيطر على المجتمع الفلسطيني، انشغلت الأحزاب والفصائل الفلسطينية في البحث عن الوحدة كقيمة، لكن كان ذلك على حساب الآليات والقيم العقلانية والديمقراطية التي تقود إليها على أساس المشاركة، وما عادت منظمة التحرير للفصائل المنضوية إليها أو خارجها كحركة حماس وحركة الجهاد المرجعية في المشهد السياسي، نظرًا إلى تأكّل دورها لمصلحة السلطة الفلسطينية وتراجع دورها التمثيلي للمجتمع الفلسطيني، أو كحد أدنى أصبحت في موقف تساؤل عن بنيتها التي لا تعبر عن التنوعات في الشارع الفلسطيني، ولا عن الرؤية السياسية.
جدير بالذكر أن الانقسام السياسي الفلسطيني لم يحدث بعد انتخابات عام 2006 التي تنافست فيها أكبر حركيتين ممثلتين بحركة حماس وحركة فتح، إنما وُجد على مدار تاريخ الثورة الفلسطينية وأهمها اتفاق أوسلو. لكن على الرغم من ذلك، فإن انتخابات عام 2006 قادت بالمحصلة إلى فرض حركة حماس سلطتها وسيطرتها على قطاع غزة، وحركة فتح على الضفة الغربية، فشكل عام 2007 حدثًا مأساويًا على صورة فلسطين والقضية الفلسطينية، والأهم هو تأثير هذا الحدث في الفضاء الاجتماعي والسياسي للمجتمع الفلسطيني، حيث اعتُبر التعاملُ مع الرأي الآخر وحق الاختلاف أو الرؤى النقدية لإحدى السلطتين جريمةً تقع في خانة التخوين، الأمر الذي شرعن القمع والاعتقال والمطاردة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
أما الموقف السلبي من "نظام أوسلو"، فينبع من معالجته قضية اللاجئين، وتغاضيه الواضح عن قرار 194 الصادر عن الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة، والاكتفاء بقراري مجلس الأمن 242 و338( )، المفضيين إلى الأرض مقابل السلام، وتسوية قضية حق العودة بصورة عادلة؛ إذ اعترف هذا الاتفاق بوجود دولة الاستعمار الصهيوني، في حين جرى تأجيل/ترحيل القضايا الحساسة، بما فيها قضية اللاجئين، إلى التسوية النهائية، الأمر الذي أزاح قضية اللاجئين من الحق الطبيعي إلى قضية خاضعة للتفاوض والمساومة.
يتفق الجميع أنه منذ نشأة السلطة الفلسطينية تعرضت لجنة اللاجئين في المنظمة إلى التهميش، واستُخدمت/تُستخدم سياسيًا في إطار المناورات، وبدلًا من العمل على تمثيل اللاجئين وتحقيق مطالبهم وتحسين أوضاعهم المعيشية في المخيمات، ابتدعت السلطة أنواعًا من النشاط مفرغة من محتواها الوطني، كاللجان والمؤسسات الاحتفالية التي تحيي ذكرى "النكبة" في كل عام( )، في حين أن الأغلبية العظمى من عينة البحث أكدت تمسكها بحق العودة ورفض أي قرار لا ينصفها، فقد أجاب أحد أفراد العينة على القرار 194 أنه "لا يعني لي شيئًا.. وحق العودة هو حق مقدس لنا وسوف نأخذه بالمقاومة".
لم يكن المخيم واللاجئون بمنأى عن هذه التحولات، بل لا تزال مكوّنات الثقافة السياسية جزءًا أصيلًا من وجودهم ومستقبلهم في المخيم، فهم يؤمنون بالتعددية وبالنظام الديمقراطي وبالمشاركة السياسية والاجتماعية. قد يكون هناك تراجع ملحوظ، لكن بحكم التجربة يبقى المخيم عنوانًا للبعد السياسي وثقافته؛ فعندما توجهنا بالسؤال إلى عينة البحث بخصوص تطبيق النظام الديمقراطي في فلسطين، أعرب 48.7 في المئة عن تأييدهم النظام الديموقراطي، على الرغم من التحفظات على آليات التطبيق فيه، في مقابل 22.7 في المئة لم يؤيدوه من العينة نفسها. بينما أعرب جزء كبير منهم عن رغبته في تطبيق النظام الديني، "وأمرهم شورى بينهم". أما الباقون (27.3 في المئة) فكان لديهم تحفظ على النظام الديمقراطي المعمول به في فلسطين، أو صعوبة تطبيقه؛ أشارت إجابة أحد المبحوثين "بأن الديمقراطية ماتت بعد الانقسام"، باعتبار أن التجربة الانتخابية الأولى التي شارك فيها جميع فصائل العمل الوطني والإسلامي - باستثناء حركة الجهاد الإسلامي- أفضت إلى خلاف جذري وعميق في المجتمع وفي ثقافته السياسية بسبب عدم قدرة الأحزاب السياسية على معالجة/إدارة الاختلاف بطرائق عقلانية.
حتى نتأكد من توجه عينة البحث بخصوص النظام السياسي، وضعنا سؤالًا آخر معياريًا بخصوص الانتخابات: "هل تؤمن/ين بأحقية استلام الحزب السياسي الذي يفوز بالانتخابات بتشكيل الحكومة حتى لو اختلف عن سياسات حزبك؟". أشار 63.9 في المئة بالإيجاب مع وجود "رقابة" بحسب بعضهم، وافتراض "أن يكون هنالك تعددية"، في مقابل 25.3 في المئة عارضوا ذلك، بحسب إجابة أحد المبحوثين "لا أريد أن يكون حزب سياسي غير الذي أؤيده في الحكومة". ولا تخفي الإجابات تراجع أو عدم ثقة اللاجئين في المخيمات بالأحزاب السياسية في ضوء التجربة السياسية التي أفضت إلى الانقسام، حيث أبدى 10.9 في المئة أنهم لا يؤيدون أن يؤلف الحكومة حزب معين، وإنما "تمثيل نسبي ... أو حكومة وطنية واحدة".
انحسرت حالة التراجع في العمل المدني والاجتماعي، سواء على الصعيد الوطني الفلسطيني، أو المخيمات، فأوضح 21.5 في المئة أنهم أعضاء في مؤسسات اجتماعية وسياسية في المخيم: مركز شباب، مركز نسوي، مركز ثقافي، حزب سياسي. وكانت دوافع الانتماء إلى تلك المؤسسات بحسب الأهمية: قناعات الفرد بأهمية النشاط، ممارسة الهوايات وتنمية الشخصية، استغلال وقت الفراغ، اكتساب الخبرة. أما أقلها أهمية فكانت الدوافع السياسية التي تتوافق مع الانتماء السياسي، بينما كان الانتماء السياسي إلى المؤسسات من أجل الحفاظ على هوية الفرد كلاجئ فكثرت بين الذكور. وتنسجم هذه النتيجة مع الدور الجندري في الثقافة الفلسطينية، الذي قولب النشاط السياسي والاجتماعي في الحيز العام لمصلحة الذكور.
لقد أوجدت ممارسة العمل السياسي فجوة وعدم ثقة بين اللاجئين في المخيمات، حيث كانت نسبة الثقة بالأحزاب السياسية أقل من نسبة الثقة في المؤسسات الاجتماعية والسياسية والثقافية في المخيمات، حيث أعرب 72 في المئة عن عدم ثقتهم. أما المؤسسات التي وثق بها سكان المخيمات فكانت لها بعد اجتماعي وصحي وخدماتي، فحلت بالدرجة الأولى مدارس وكالة الغوث (الأنروا)، ثم المراكز الصحية التابعة للوكالة، ووكالة الغوث، ومن ثم منظمة التحرير الفلسطينية... إلخ، أما بدرجة متوسطة فكانت اللجان الشعبية والمراكز الثقافية... إلخ. يذكر أن الثقة في هذه المؤسسات كانت أعلى في قطاع غزة مما هي في الضفة الغربية. وقد يكون للبنية السياسية والسياق الاجتماعي والاقتصادي في القطاع علاقة بالأمر. وترتبط درجة الثقة بمدى توافر المعلومات عن تلك المؤسسات أو غيرها، فقد أظهرت نتائج البحث أن المجتمع المبحوث لا تتوافر لديه معرفة كبيرة عن طبيعة عمل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وهيكليتها، فراوحت بين قليلة ومتوسطة. وحازت وكالة الغوث على النسبة الأكبر في مدى توافر معلومات عن عملها، بنسبة بلغت 47.5 في المئة نظرًا إلى الاحتكاك اليومي معها من حيث الجانب الخدماتي. وينطبق ذلك على اللجان الشعبية التي تلت وكالة الغوث بنسبة 35.7 في المئة باعتبارها الجهة التي تمثل اللاجئين في المخيمات، فضلًا عن وجودها هناك، على العكس من مؤسسات منظمة التحرير ودائرة شؤون اللاجئين فيها... إلخ.
أما عن تأييد عينة البحث لنوعية الحزب السياسي وأيديولوجيته، فكانت النسبة الأكبر للأحزاب الوطنية والعلمانية (41.6 في المئة)، تلتها الأحزاب الدينية (37.7 في المئة)، بينما اعتبر 13.6 في المئة أنفسهم مستقلين، و7 في المئة أنهم يؤيدون أحزابًا يسارية. تنسجم هذه النتيجة مع التحولات في الفضاء العام السياسي لهوية المجتمع الفلسطيني، كما أوضحنا. اللافت هنا عدم وجود فروق قائمة على النوع الاجتماعي، لكن كان ثمة فروق بين اللاجئين في المخيمات في الضفة الغربية وقطاع غزة، بخصوص الهوية الدينية؛ إذ أبرز الاستبيان وجود تأييدٍ أكبر للأحزاب الدينية في الضفة الغربية (40.6 في المئة) من مثيله في قطاع غزة (36.5 في المئة)، أما تأييد الأحزاب العلمانية في قطاع غزة (46.5 في المئة) كان أكبر من مثيله في الضفة الغربية (30.1 في المئة). وحازت الأحزاب اليسارية والمستقلين نسبة أكبر في الضفة. وربما تكون طبيعة النظام السياسي وأداؤه في المنطقتين، وفشل برامج الحكومتين، إضافة إلى عدم قدرة أي منهما على وضع حلول للمشكلات اليومية، قد دفعت باللاجئين إلى تأييد الحزب السياسي في منطقة الآخر. لكن على الرغم من ضعف التحليل، فقد يكون هذا هو السبب الأقوى في غياب دراسة متخصصة تفحص ما سبق.
أخيرًا، في ما يتعلق بالمشاركة المدنية للاجئين في المخيمات الفلسطينية، أشار 33.3 في المئة من عينة البحث إلى مشاركتهم بأعمال تطوعية في خدمة المخيم، و33.7 في المئة بأعمال تطوعية في خدمة المجتمع المحلي، و27.7 في المئة إلى المشاركة في القرارات المتعلقة بتجمع/"جمعية" البلدة/القرية الأصلية للاجئ... إلخ. اللافت هنا وجود فروق بحسب الفئة العمرية لمصلحة الشباب دون 30 سنة في المشاركة في القرارات المتعلقة بتجمع القرية الأصلي، حيث يساهم أفراد هذه الفئة العمرية أكثر في اتخاذ مثل هذه القرارات من أفراد الفئات العمرية الأخرى (31-40 سنة، وأكثر من 40 سنة). وقد يكون ذلك غياب القانون وانتشار الفساد وتراجع الهويات السياسية والاجتماعية المدنية في المجتمع الفلسطيني، هو ما دفع بفئة الشباب إلى إعادة إحياء المؤسسات العائلية والقروية والاهتمام بها وبقراراتها.
أما عن الأسباب التي تدفع باللاجئين إلى القيام بالعمل التطوعي، فأشارت إجابات المبحوثين إلى أهمية ذلك في كونهم يشعرون بالانتماء إلى المخيم، وضرورة تقديم المساعدات والانخراط في أعمال تطوعية، فقد أشار أحدهم: "لتعزيز الروابط الاجتماعية في المخيم"، بينما أشار آخر: "لأنني أحب أن أكون عضوًا فعالًا في المخيم"، وأشار ثالث: "لتحسين حالة المخيم والمشاركة مع أبناء مخيمي". ويوجد لدى عينة البحث أيضًا حالة من النقد والسخط على عمل المؤسسات الاجتماعية غير الحكومية في كونها "مادية لا تخدم المخيم وفيها واسطات ومحسوبية"، في حين أعرب آخر عن سخطه بقوله: "من خلال تعاملي مع هذه المؤسسات ظهر أنه لا يوجد مصداقية ولا موضوعية ولا شفافية"، بينما أوضح ثالث أن "مدى جدية عمل هذه المؤسسات هي التي تجعل أي شخص يقيم أداءها ومدى ثقته بها". ولا تنحصر عملية النقد والسخط هذه في مجتمع اللاجئين في المخيمات، بل يتعداه إلى المجتمع الفلسطيني؛ فكثرة هذه المؤسسات واحتكار العمل والعضوية فيها على أشخاص محددين، واستشراء الواسطة والمحسوبية فيها، دفع الناس إلى نزع الثقة عنها ونقدها.
اللاجئون ومسألة التمثيل: من تعدد التمثيل إلى تمثلات السلطة
منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية قبل 53 سنة وحتى اللحظة لا يزال النقاش يدور حول قدرتها التمثيلية للشعب الفلسطيني كافةً في أماكن وجوده. فعلى الرغم من الانتقادات والانشقاقات والصراعات والتحفظات على مدار تاريخ المنظمة، فإن الشعب الفلسطيني يتعامل معها باعتبارها ممثله الشرعي والوحيد. فقد أشار 58.8 في المئة من عينة البحث إلى أن "منظمة التحرير الفلسطينية هي من تمثلني في حل قضايا اللاجئين"، في حين علق أحدهم على أنه "ما ظل - لم يبقَ- فيها لا منظمة ولا شيء، المنظمة دورها غائب مثل الوكالة والسلطة" في إشارة إلى حالة النقد التي تطاول المنظمة بخصوص تراجع قدرتها التمثيلية للاجئين، وتراجع دورها في القضايا المتعلقة بواقع المخيمات واللاجئين ومصيرهم.
شكَل المخيم كمكان اجتماعي وسياسي نقطة استقطاب للعمل الفدائي والوطني منذ اللحظات الأولى للتطهير العرقي في عام 1948، فمنذ الخمسينيات بدأت تحركات اللاجئين في سبيل تمثيل قضيتهم المركزية، فتمخض عنها عقد أول مؤتمر في عام 1950 في قطاع غزة، حيث أُعلن تأسيس "اللجنة التنفيذية لمؤتمر اللاجئين" الذي يعد أول تنظيم شعبي طالب بحق العودة، ورُفد في ما بعد بعناصر فدائية بعد ثورة يوليو 1952، وتعيين ضابطًا من الجيش المصري لتدريب كتيبة رسمية بمسمى "كتيبة اللاجئين للأعمال الفدائية". وكانت مجموعات أخرى في الضفة الغربية، في رام الله، قد بادرت أعمالها في 17 آذار/مارس 1949. وبينما أثمر الجهد في غزة بإنشاء أول مجلس تشريعي في الستينيات، أخفق جهد اللاجئين في الضفة الغربية( ). ويُعزى ذلك إلى إجراءات الضم الأردنية في الضفة الغربية، وسياسات المملكة التي اتُبعت بحق الفلسطينيين، فضلًا عن استجابة كثير من الوطنيين والمواطنين لسياسة الضم تلك، وخضوعهم للحكومة الأردنية( ).
كما أوضحنا سابقًا، اختبرت القضية الفلسطينية جملة من التغيرات السريعة على صعيد خطابها وممارستها وتكتيكاتها واستراتيجياتها على مدار تاريخ المنظمة، الأمر الذي يعزوه بعضهم إلى جملة تحديات خاصة بموازين القوى المحلية والإقليمية والعالمية. وفي حين أميل إلى تفسير ذلك بعدم وجود منهجية ورؤية واضحة وعالمة في المتغيرات، ولأن السياسة والقرارات المنبثقة عنها كانت أقرب إلى العمل الارتجالي منه إلى العقلانية والوعي السياسي للمعطيات والتحديات، وبهيمنة المتنفذين في حركة فتح على المنظمة والفصائل المنضوية إليها، وفرض رؤيتها (حركة فتح) على الخطاب والقرار والمصير السياسي؛ فما كان تبني البرنامج المرحلي المعروف بـ "النقاط العشر" في السبعينيات، وخروج المنظمة من الأردن ولبنان، وموقف المنظمة من حرب الخليج الأولى، وصولًا إلى إبرام اتفاق أوسلو وتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني إلا دليل قاطع على انعدام الرؤية الملائمة في السياق الفلسطيني، وحالة التفرد والاستحواذ على القرار الفلسطيني.
من المهم في هذ السياق مناقشة تجربة القيادة الوطنية الموحدة في الانتفاضة الشعبية في عام 1987، وتشكيل اللجان الشعبية كمتطلب ضروري لمواجهة التحديات والإجابة عن التساؤلات ومعالجة احتياجات الفلسطينيين. فهذه الآلية والهدف يتطلبان إطارًا تنظيميًا يكثف الجهد ويعززه. وبالفعل بعد شهر واحد فقط من انطلاق الانتفاضة الشعبية، جرى تشكيل القيادة الوطنية الموحدة، استجابة لمتطلبات الانتفاضة وتنظيم عملها وضمان استمراريتها. واعتبرت هذه القيادة الهيئة والمرجعية العليا للشعب الفلسطيني في الداخل. وكانت قد تكونت من حركة فتح والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب (الشيوعي سابقًا)، في حين لم تشترك حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي فيها على الرغم من وجودهما ودورهما في الشارع الفلسطيني. كما جرى تشكيل اللجان الشعبية بالتوافق بين الفصائل الوطنية في المدن والقرى والمخيمات( )، وتقسيم المهمات بين الفصائل المنضوية إلى القيادة الوطنية الموحدة، مع الإبقاء على مساحة لكل فصيل للتعبير عن برامجه الاجتماعية والأيديولوجية والسياسية بعيدًا عن المرجعية، وبما لا يتناقض مع المصلحة الوطنية.
هذه التجربة الغنية في حالة التمثيل الفلسطيني المتنوع بشكل عام وللاجئين على وجه الخصوص لم تدم طويلًا، حيث تجلت نزعة الاستثمار السريع والمتعجل لمنجزات الانتفاضة الشعبية، إضافة إلى السيطرة والهيمنة على هذا الجسد السياسي/الاجتماعي لما له من بعد جماهيري شعبي قائم على التنوع ويحتوي على جينات المشاركة التي تتعارض بنيويًا مع بنية منظمة التحرير التي تفضل الاستفراد بالقرار، لا المشاركة والحوار؛ فكانت اللجان الشعبية من ضحايا هذه السياسة لاعتبارات لها علاقة بالقدرات التمثيلية لحالة التنوع الفصائلي والمجتمعي. ففي نظرة سريعة لنداءات القيادة الموحدة وبياناتها في ببدايتها، نرى أنها امتازت بنهج ثوري وتحريضي للتصعيد والعصيان المدني، في حين اختبرت البيانات، وبالتالي السياسة والنهج، تغيرًا واضحًا بعد البيان الرقم 30( )، وأصبح جليًا وجود نهج سياسي أفضى إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية على مناطق فلسطين التي احتُّلت عام 1967، بعد سنة واحدة من إنشاء القيادة الوطنية الموحدة.
بهذا، استطاع التيار الذي تتزعمه حركة فتح من السيطرة على برنامج القيادة الوطنية الموحدة الذي لم يتبلور حينذاك، وإزاحة حالة الحراك والنضال الشعبي تجاه التفاوض مع الاحتلال على الأراضي التي احتُلت في عام 1967، فعبّرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حينذاك عن تخوفها من سرعة الاستثمار السياسي السريع للانتفاضة - كما عبرت حركة حماس عن رفضها المشروع السياسي الذي طرحته حركة فتح المتمثل في إعلان وثيقة الاستقلال - كون أن التيار المؤيد لحركة فتح رأى في الانتفاضة المحطة الأخيرة للتوصل إلى تسوية سياسية مع الاستعمار "الإسرائيلي" وتحقيق الاستقلال والدولة.
على الرغم من فاعلية اللاجئين ووجودهم في الساحة السياسية منذ بداياتها، فإنهم لم يعبّروا عن حضورهم في حراك شعبي مكوّن من اللاجئين الفلسطينيين ومؤسسات حقوقية إلا بعد إبرام اتفاق أوسلو، حين عبروا عن تخوفهم من المساومة على حقوقهم. وقد عبروا عن موقفهم الرافض من خلال المؤتمرات والتصريحات الداعية إلى التمسك بحق العودة، غير أن هذه التجمعات لم تفضِ إلى التحول إلى جسم سياسي/اجتماعي يعمل على الحفاظ على حقوق اللاجئين، فعُقد أول مؤتمر للاجئين في مخيم الدهيشة في بيت لحم في 13 أيلول/سبتمبر1996( )، وتلاه في الشهر نفسه عقد مؤتمر عام للاجئين في قطاع غزة في 17 أيلول/سبتمبر1996( ). وشكل تاريخي المؤتمرين رسالتين سياسيتين؛ الأولى بتزامن مؤتمر بيت لحم مع ذكرى توقيع اتفاق أوسلو، حيث عبّر الحضور من خلال أوراقهم عن رفض الاتفاق وتأكيد حق العودة الذي جرى استثناؤه، في حين تزامن المؤتمر الثاني في غزة مع ذكرى مذبحة صبرا وشاتيلا. ومن النتائج التي توصل إليها المُؤتمرون في بيت لحم هو التعامل مع السلطة باعتبارها سلطة مضيفة إلى أن يُقرّ حق العودة للاجئين، وعندما توجهنا بالسؤال عن شعور اللاجئ بنفسه، جرى استهجان السؤال كون الخيارات فيه محصورة. وعلى الرغم من ذلك أجاب 60.8 في المئة من عينة البحث أنهم يشعرون أنهم لاجئون في دولة مضيفة، بينما أجاب 36.8 في المئة بأنهم فلسطينيون. وتعكس هذه النتيجة مدى تدني الثقة في أداء السلطة أو منظمة التحرير بخصوص حقوق اللاجئين وقضاياهم، أو حتى بمستقبل السلطة الفلسطينية.
يوجد في المخيمات عدد من المؤسسات التي تمثل احتياجات سكان المخيم وشرائحهم، وتعمل على تقديم المساعدات إليهم، منها وكالة الغوث الدولية، مركز الشباب، المركز النسوي، لجنة المعاقين... إلخ". لكن اللجنة الشعبية للخدمات أو لجان الخدمات الشعبية( ) - كامتداد في المسمى لكن ليس في الوظيفة - التي كانت تؤدي دورًا يرتقي إلى تسميته "سلطة الشعب" في انتفاضة عام 1987 لما له من بعد حقوقي سياسي شعبي بامتياز. من هنا رفض سكان المخيمات التسمية التي حاولت وزارة الحكم المحلي في عام 1995 فرضه وتسميتها بلجان خدمات تتساوى من الناحية الوظيفية مع لجان البلديات والمجالس المحلية، وهو أمر رفضه اللاجئون تأكيدًا على خصوصيتهم وحقوقهم. وفي عام 1996 جرى تفعيل دائرة شؤون اللاجئين التابعة لمنظمة التحرير وفقًا لقرار المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الحادية والعشرين، حتى لا يكون هذا الحراك الجماهيري والمؤسساتي للاجئين خارجًا عن سيطرة منظمة التحرير، بعدما جرى تجميدها وتهميشها في الثمانينيات وفي بداية التسعينيات.
تشكلت اللجان الشعبية للخدمات بالتوافق بين الفصائل والفاعليات المجتمعية والوطنية، لكن ليس عن طريق الانتخاب، لتضمن السلطة وحركة فتح المتنفذة فيها عدم خروج هذه اللجان عن سيطرتها ونفوذها، خصوصا ًمع بداية التوسع والمد لحركة حماس في منتصف التسعينيات، التي أخذت قوتها تتعاظم منذ ذلك الوقت. لهذا فضلت الفصائل تشكيل الفصائل وتمثيلها بالتراضي وبمبدأ المحاصصة الذي أوضحنا خطورته؛ فقبول هذا المبدأ ينفى السياسي عنها كما يقول فيصل دراج، وتنصاع الفصائل التي قبلته كمبدأ إلى النظام الإداري الهرمي التراتبي، فتتسع رقعة الانصياع وتتقلص مساحة الاختلاف، فلا يمكن التمييز بين الفصيل المعارض والمؤيد إلا على مستوى الكلمات والخطابات فحسب. وما ينسحب في التحليل على الفصائل السياسية ينطبق على اللجان الشعبية للخدمات التي تخدّر دورها وانكمشت قاعدتها بفعل الابتعاد عن نبض الشارع، أو بفعل سياسات الاحتواء والاستيعاب من جهة، أو الإقصاء والملاحقة من جهة أخرى؛ الأمر الذي انتهجته السلطة الفلسطينية في التعامل مع الفصائل السياسية المعارضة لها، اليسارية منها والإسلامية.
أما بشأن شرعية اللجان الشعبية وتمثيليها اللاجئين في المخيمات، فمن المفترض أن تكون مستمدة من سكان المخيمات وبالانتخاب المباشر، إلا أن هذه اللجان ترفض إجراء انتخابات داخلية على اعتبار أن عملية تشكيلها كان بالتراضي والتوافق عليها شعبيًا وتنظيميًا، وهذا ما لا يتفق معه المبحوثين من عينة البحث، حيث فضل هؤلاء إجراء انتخابات مباشرة للجنة الشعبية في المخيم بمشاركة السكان. فقد وصلت نسبة الموافقة إلى 94.4 في المئة، مبررين أن هناك "محسوبية عالية وفساد في اللجان الشعبية، كما أن تشكيلها جرى في السابق على أسس تنظيمية، لكن حاليًا هو على أساس عائلي بحت". ويرجع ذلك إلى تخوف بعض اللاجئين من أن تتحول اللجان إلى بلديات، وبالتالي ينزع حق العودة، حيث أشار أحدهم "لدي تخوف من أن تصبح اللجان الشعبية هي بلديتنا في المخيم، وهي سياسة (للتوطين)". إلى جانب ما سبق تفتقد اللجان الشعبية لتجديد أعضائها، ما أدى إلى ترهلها وعدم فاعليتها، كما أنها تفتقر إلى عنصري الشباب والمرأة من حيث التمثيل فيها.
على الرغم من اعتقاد البعض أن للجان الخدمات الشعبية بعدًا سياسيًا في تمثيل قضايا اللاجئين أمام المؤسسات الرسمية كالسلطة أو وكالة الغوث... إلخ، باعتبارها أعلى سلطة في المخيم( )، فإننا نميل إلى القول إن نفي البعد السياسي عنها كان أولوية للسلطة الفلسطينية، وقصر عملها مع المؤسسات الأخرى في المخيمات على تقديم مشروعات خدماتية، والاهتمام بالبنية التحتية وإيجاد فرص عمل للاجئين، وذلك بالتواصل مع وكالة الغوث أو السلطة أو المؤسسات الدولية في استحضار الدور التقليدي للسياسة باعتبارها وسيط بين القيادة والشعب( ). وعلى أرضية أن هذه اللجان تابعة لدائرة اللاجئين في منظمة التحرير، فإن قراراتها بالضرورة ستتماهى معها بحكم البنية المسؤولة عنها وعن تشكيلها، فيعتقد 67.2 في المئة من عينة البحث أن اللجان الشعبية هي ممثل عن السلطة في المخيمات، تنسجم هذه الإجابة مع رأي المبحوثين عن صاحب السلطة الحقيقي في المخيمات، فقد أجاب 41 في المئة من عينة البحث على أن صاحب السلطة الحقيقي في المخيمات هو السلطة الفلسطينية، تليها اللجان الشعبية، ومن ثم العائلة بنسبة 16.8 في المئة و16.2 في المئة على التوالي، وتختلف نسبة الإجابة في هذا البعد بين مخيمات قطاع غزة والضفة الغربية، حيث كان صاحب السلطة الحقيقة في قطاع غزة هو السلطة الفلسطينية، ومن ثم منظمة التحرير بنسبة 56.3 في المئة و15.1 في المئة على التوالي، في حين أن صاحب السلطة في مخيمات الضفة: اللجان الشعبية 44.8 في المئة و ومن ثم العائلة 24.5 في المئة. وقد يعود ذلك إلى اندماج المخيمات، وبالتالي اللجان الشعبية في قطاع غزة في منظومة البلديات نتيجة المشاركة في الانتخابات فيها، وهذا ما لم يحصل على صعيد مخيمات الضفة الغربية.
ننتقل الآن إلى مناقشة الاحتياجات والأوليات في المخيمات، ومن هي الجهات التي تلبيها وتقوم بها، ومن هي الجهات التي تمثّيل المبحوثين، وسنعرضها كما يأتي:

الاحتياجات الأساسية
تعد وكالة الغوث الجهة الرئيسية في تقديم الخدمات الأساسية في المخيمات، منها التعليمي والصحي والاجتماعي والتشغيلي والإغاثي، لكن بعد تقليصات خدماتها منذ منتصف التسعينيات بعد توقيع اتفاق أوسلو، برزت في المخيمات مؤسسات ولجان أهلية وغير حكومية تساهم في تمثيل اللاجئين وتلبية احتياجاتهم المتنوعة إلى جانب السلطة الفلسطينية في مساحات معينة لا تغطيها وكالة الغوث.
في الجانب التعليمي والصحي، وافق 25.8 في المئة من عينة البحث بدرجة متوسطة (52.6 في المئة) على أن وكالة الغوث لا تزال تقدم الخدمات الصحية والتعليمية بجودة عالية. على الرغم من أن سكان المخيمات في الضفة الغربية يؤيدون ذلك، فإن سكان المخيمات في قطاع غزة يوافقون بما نسبته 30.3 في المئة؛ فنسبة الانتقاد في الضفة أعلى بكثير من قطاع غزة لأداء وكالة الغوث في تقديم الخدمات التعليمية والصحية، ويصل انتقاد وكالة الغوث إلى اتهامها بالفساد المالي وسوء توزيع العمالة فيها (أجنبية أو فلسطينية). وفي هذا الصدد يقول أحد المبحوثين من مخيمات مدينة بيت لحم: "تراجع عمل وكالة الغوث وكونها صارت لتوظيف الأجانب وليس العرب". وعلى الرغم مما سبق، فإن العينة تفضل تلقي الخدمات السابقة من وكالة الغوث، وليس من السلطة، وذلك بنسبة 53.5 في المئة في الضفة الغربية في مقابل 31.3 في قطاع غزة.
أما بخصوص الحاجة إلى خدمات طارئة، فإن عينة البحث تفضل التوجه إلى السلطة أو إلى الوزرات المختصة (59.4 في المئة)، تليها وكالة الغوث (31.4 في المئة)، واختلفت عينة البحث في هذا المجال، فسكان الضفة يفضلون أكثر التوجه إلى وكالة الغوث، ومن ثم إلى السلطة أو الوزارات المختصة، في حين يفضل سكان قطاع غزة التوجه إلى السلطة، ومن ثم وكالة الغوث. وبخصوص تغطية تكاليف التعليم، فتفضل الأغلبية التوجه إلى السلطة، ومن ثم وكالة الغوث، تليهما العائلة. وبخصوص خيارات لاجئي الضفة الغربية من حيث تغطية تكاليف التعليم فقد فضلوا التوجه أولاً إلى العائلة ومن ثم وكالة الغوث ثانياً، في مقابل ذلك فضل لاجئو مخيمات قطاع غزة التوجه للسلطة كخيار أول ومن ثم لوكالة الغوث ثانياً.
على الرغم من وجود انتقادات للجان الشعبية من حيث تقديم الخدمات، فإنها لا تزال تؤدي دورًا أساسيًا في حل المشكلات في سياق علاقتها بوكالة الغوث، حيث وافق 51.6 في المئة على ذلك من عينة البحث. ويبدو أن دور اللجان الشعبية في الضفة أكبر مما هو عليه في قطاع غزة، فنسبة التأييد التي حظيت بها في الضفة أكبر بكثير من مما حظيت به بين اللاجئين المقيمين في مخيمات قطاع غزة؛ ففي مجال سد الاحتياجات وحل الأزمات الخاصة بنقص الخدمات، بما فيها أزمة المياه والكهرباء والتشغيل، فإن للجان الشعبية دورًا مركزيًا، تليها الأحزاب السياسية ولجان الإصلاح، حيث تمتلك اللجنة الشعبية بحسب إجابة أحد المبحوثين "صفة التمثيل مع بعض المؤسسات الأخرى التي تخدم اللاجئين، ولكن تلك المؤسسات لا تمتلك الصفة التمثيلية السياسية كما تملكه اللجان الشعبية".
على الرغم من الدور المركزي والحيوي الذي تمارسه اللجان الشعبية، غير أنه لا يمكنها أن تحل محل الجهات الدولية كوكالة الغوث في إدارة المخيم، فقد رفض 74.4 في المئة من عينة البحث أن تقوم اللجان الشعبية بدور وكالة الغوث في تقديم خدمات مختلفة، حيث رأى بعض أفراد عينة البحث "أن الوكالة على الرغم من الفساد فيها إلا أن استمرار وجودها في المخيم هو تجسيد لحق العودة، ولاعتبارات سياسية وليست خدماتية". من جانب آخر ثمة انتقاد (41.4 في المئة) لأداء اللجان الشعبية باعتبار أنها لا تعمل لمصلحة الجميع في المخيم بتساوٍ من دون تمييز.

فرض النظام وسيادة القانون
تعد السلطة والأجهزة الأمنية المنبثقة عنها هي صاحبة السيادة والسلطة الأولى في فرض القانون، إضافة إلى اتفاق ضمني متعارف عليه أن هناك قضايا معينة يكون فيها للجان الشعبية والأحزاب السياسية دور موازٍ في فرض القانون في المخيمات. فعلى الرغم من أن هذه اللجان تمثل السلطة أو هي امتداد لدائرة اللاجئين لمنظمة التحرير، فثمة مساحات للجان الشعبية في تمثيل المخيم واحتواء الأزمات الناشئة، فقد وافق 68.9 في المئة من عينة البحث أن في حال وجود خلاف جدي بين طرف معين من المخيم وطرف آخر من أجهزة الأمن، فإن اللجنة الشعبية تعطي الأولوية للمخيم وساكنيه، لكن ذلك يعتمد على شكل الخلاف ونوعه، في حين إذا كانت المشكلة اجتماعية بحتة بين عائلتين داخل المخيم أو خارجه، فإن أفراد العينة يفضلون التوجه إلى العائلة كخيار أول، ومن ثم إلى السلطة أو اللجان الشعبية.

التمثيل السياسي والاجتماعي
لفحص موضوع التمثيل السياسي والاجتماعي للاجئين في المخيمات في قطاع غزة والضفة الغربية، فقد جرى التوجه بعدد من الأسئلة في هذا الشأن، وسنناقش أبرزها..
توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج، نبدأها بتمثيل المرأة من الناحية الاجتماعية والسياسية، فمن الناحية الرقمية لتمثيل النساء، اتبع قانون الكوتة النسوية (20 في المئة) في تشكيل أي هيئة رسمية أو غير رسمية، وبالتالي فإن حضور النساء وتمثيلهن بحكم القانون هو موجود. لكن شكل الاختيار لهن لا يكون على أُسس عادلة في الحقوق، بل يجري اختيارهن، أو الجزء الأكبر منهن، على أُسس زبونية لها علاقة بالمؤسسين أو بالحزب السياسي أو بطبيعة عمل المؤسسة. فمن المتوقع أن يكون تمثيل المرأة في المركز النسوي كبير جدًا، لكن لا وجود لأي امرأة كممثلة عن حزب، أو في اللجنة الشعبية، للخدمات، بالتالي نستطيع القول إن التوقعات المجتمعية من المرأة على الصعيدين الاجتماعي والسياسي متدنٍ. وهنا لا يجد مجتمع البحث ضرورة في تمثيلهن، فعلى سبيل المثال تنخفض ثقة عينة البحث إلى 48.5 في المئة بأن المرأة قادرة على المساهمة والحفاظ على القرارات المتعلقة بحقوق اللاجئين، على الرغم من عدم وجود تجربة تثبت أو تنفي ذلك، في حين ترتفع الثقة في أداء منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية على الرغم من أن الأداء اليومي والتفاوضي يوشي بعدم قدرة/تمثيل تلك الجهات لاحتياجات اللاجئين وحقوقهم. فوصلت النسبة على التوالي 78.1 و62.8 في المئة. اللافت في هذا المجال وجود اختلاف بين سكان مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة، باعتبار أن المرأة قادرة على المساهمة والحفاظ على القرارات المتعلقة بحقوق اللاجئين، فوافق على ذلك 80.7 في المئة من الضفة الغربية في مقابل 35 في المئة من اللاجئين في قطاع غزة. ويبدو أن هناك اختلافًا ثقافيًا واجتماعيًا بين بنية المنطقتين أدى إلى هذه النتيجة، لاعتبارات تاريخية وبنيوية ليست مرتبطة بحالة الانقسام فحسب.
أما في ما يتعلق بشريحة الشباب وتمثيلها في المؤسسات أو في اللجنة الشعبية أو قدرتها على صون حقوق اللاجئين، فقد ارتفعت النسبة مراوحة بين 72.5 و81.8 في المئة، فنستنتج أن أغلبية المبحوثين يطالبون بتمثيل أكبر للشباب في تلك الجهات والمؤسسات. كما أن الثقة في الشباب لدى سكان مخيمات الضفة الغربية (95.1 في المئة) أعلى مما هي لدى سكان مخيمات قطاع غزة (63.1 في المئة)، باعتبار أنهم قادرون على المساهمة والحفاظ على القرارات المتعلقة بحقوق اللاجئين.
تشير النتائج إلى عدم قدرة الأحزاب السياسية أو أعضاء المجلس التشريعي على تمثيل اللاجئين في المخيمات (21.3 و21 في المئة على التوالي)، وهذا أمر مرتبط بسياسة الحزب أو المجلس التشريعي الذي يختار أعضاؤه على أرضية الرؤية السياسية المرتبطة بأوسلو لا على أرضية اللجوء أو عدمه أو الاحتياجات المجتمعية الواجب توفيرها، إلى جانب اتساع الفجوة بين اللاجئين والسياسيين.
نلاحظ انعدام وجود حالة من التمثيل للاجئين في الأداء التفاوضي وعدم استشارة اللاجئين بقضايا مصيرية وتمثيلية لقضاياهم وحقوقهم واحتياجاتهم، لذا يرى المبحوثين ضرورة وجود حركة اجتماعية وسياسية تمثل اللاجئين، فقد وافق 79.1 في المئة منهم على أهمية وجود جسد سياسي واجتماعي كحركة أو حزب يمثل اللاجئين، نظرًا إلى حالة التغاضي والتهميش التي تعرضت له قضية اللاجئين على مدار عقدين من الزمن.
نستنتج مما سبق أن السلطتين (حركة حماس وحركة فتح) قد ابتلعت وحاصرت التنوع في التمثيل السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المخيمات، بحكم سيطرتهما على منافذ الخدمات من خلال تمفصلاتهما ومؤسساتهما وقوانينهما، وتماهت الأجساد التمثيلية، ومنها اللجان الشعبية مع نظام الحكم، فأصبحت تعبر عن نظام الحزب الحاكم.
في سبيل خاتمة
تعيش المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة حالة من الإقصاء والعزلة والتهميش، نتيجة اتساع الفجوة التمثيلية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية بين المؤسسات الرسمية، أهمها منظمة التحرير واللجان الشعبية والأحزاب السياسية واللاجئون في المخيمات، وتراجع الثقة بها لابتعاد خطاباتها وممارساتها عن احتياجات الحياة اليومية للاجئين الفلسطينيين ومتطلباتهم، وفي مقدمها غياب حق العودة من الخطاب السياسي الرسمي، الأمر الذي دفع بالأغلبية من عينة البحث إلى المطالبة بوجود حركة اجتماعية أو حزب سياسي يقوم على تمثيل اللاجئين ويعكس خطابهم وهمومهم وتطلعاتهم.
إن انعدام التمثيل للاجئين الفلسطينيين هو نتيجة غياب موضوعة المساءلة( ) المجتمعية والشعبية للقيادات. فاسترجاع شرعية منظمة التحرير أو اللجان الشعبية أو الأحزاب السياسية يستدعي استحضار الجماهير عافيتها. كما أن دور القيادة كان مبتورًا تاريخيًا حين انعزلت عن قاعدتها الشعبية، ولا بد لها من أن تستمد شرعيتها من الشعب من خلال مشاركته مباشرة في اختيار ممثليه( ) وفق مبدأ السيادة الشعبية التي تعيد الاعتبار للتواصل مع اللاجئين في الشتات وفي الداخل؛ فالتمثيل الحقيقي هو تمثيل مختلف شرائح الشعب: الشباب( ) والمرأة والمتخصصين والناشطين سياسيًا واجتماعيًا، بما هو تمثيل يعبر عن واقع اللاجئين في المخيمات واحتياجاتهم وتطلعاتهم.

كتب
أبو عيشة، آمال. المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية في الحيز العام والخاص. غزة: مركز شؤون المرأة، 2013.
بابه، إيلان. التطهير العرقي في فلسطين. ترجمة أحمد خليفة. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2007.
التجمعات الفلسطينية وتمثلاتها ومستقبل القضية الفلسطينية، المحور الثالث: استراتيجيات مواجهة التجزئة وبناء المشروع الوطني الجمعي. البيرة: المركز الفلسطيني لابحاث السياسات والدراسات الاسترا، 2013.
دراج، فيصل. بؤس الثقافة في المؤسسة الفلسطينية. بيروت: دار الآداب للنشر والتوزيع، 1996.
دوفرجيه، موريس. المؤسسات السياسية والقانون الدستوري: الأنظمة السياسية الكبرى. ترجمة جورج سعد. بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1992.
الرياحي، إياد. بعد عامين من خطة الإصلاح والتنمية: الفقراء ما زالوا يدفعون الثمن. سلسلة أوراق تنموية؛ 1. رام الله: مركز بيسان للبحوث والإنماء، 2011.
زبيدي، باسم. الثقافة السياسية الفلسطينية. رام الله: المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن)، 2003.
السقا، أباهر. دراسة سوسيولوجية عن الهوية الاجتماعية للشباب الفلسطيني في مخيمين فلسطينيين. بيرزيت: معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية، 2011.
صافي، سمير خالد وخليل عبد الكريم مقداد. دراسة مقارنة حول الخصائص الاجتماعية والأسرية والزواجية والتعليمية والاقتصادية للأسرة في الأراضي الفلسطينية، 1997- 2007. رام الله: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2009.
صالح، محسن محمد (تحرير). منظمة التحرير الفلسطينية: تقييم التجربة وإعادة البناء. بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2007.
قريع، أحمد. الرواية الفلسطينية الكاملة للمفاوضات: من أوسلو إلى خريطة الطريق، ج 1: مفاوضات أوسلو، 1993. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2005.
القليقلي، عبد الفتاح وأحمد أبو غوش. الهوية الوطنية الفلسطينية: خصوصية التشكل والإطار الناظم. ورقة عمل؛ 13. بيت لحم: مركز بديل، المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين، 2012.
كناعنة، شريف. الشتات الفلسطيني: هجرة أم تهجير؟. البيرة: مركز اللاجئين والشتات الفلسطيني، 2000.
اللجنة التحضيرية لمؤتمر اللاجئين. أوراق عمل قدمت للجنة التحضيرية لمؤتمر اللاجئين في منطقة بيت لحم ضمن سلسلة الأيام الدراسية التي عقدت ما بين 4- 14/7/1996 في بيت لحم. [د. م.]: خمسون عامًا تحت الخيمة، 1997.
مركز دراسات الشرق الأوسط. حماس تستلم السلطة من فتح: قراءة إحصائية وسياسية في نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية، 25 كانون الثاني/ يناير 2006. عمان: المركز، 2006. شوهد في19/5/207، في: http://www.mesc.com.jo/OurVision/vision_mesc/vote/vote1.pdf.
مركز العراق لمعلومات الديمقراطية. أوراق ديمقراطية: الحكومات التمثيلية وآليات التمثيل. سلسلة أوراق ديمقراطية؛ 4. واشنطن: المركز، 2005. شوهد في 10/6/2015، في:www.iraqdemocracyinfo.org.
معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية. الفلسطينيون ما بين المخيم والدولة. بيرزيت: المعهد، 2013.
______. اللاجئون الفلسطينيون: قضايا مقارنة. بيرزيت: المعهد، 2008.
منتدى شارك الشبابي. الشباب يتحدثون: نظرة على واقع الشباب في المخيمات الفلسطينية. رام الله: المنتدى، 2008. شوهد في19/5/2017، في:
http://www.youth.ps/new/userfiles/file/publications/reports/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9.pdf
منظمة التحرير الفلسطينية، دائرة شؤون اللاجئين. مخيمات اللاجئين والانتخابات المحلية (الضفة الغربية وقطاع غزة). [د. م.]: المنظمة، 2005.


دوريات
أبو ندا، أشرف صقر. "الهوية الفلسطينية المتخيلة بين التطور والتأزم". المستقبل العربي. السنة 37، العدد 423 (أيار/ مايو 2014)، ص 81-97.
بركاش، جميلة. "الجدران تضربني: تأملات في علاقة العنف بالمعمار (نموذج الفندق)". فكر ونقد. العدد 56 (شباط/ فبراير 2004). عن موقع "منبر الدكتور محمد عابد الجابري". شوهد في 1/8/2016، في: http://www.aljabriabed.net/n56_04bargachjamila.htm.
العزة، نضال. "استهداف المخيمات: استهداف للقضية وحق العودة". حق العودة. السنة 13، العدد 62 (أيار/ مايو 2015)، ص 3-4.
الفاصد، أريان. "شروط التحول الديمقراطي الفلسطيني: تقييم أولي". مجلة السياسة الفلسطينية. السنة 4، العدد 14 (ربيع 1997).
محيسن، تيسير. "على هامش مشكلة اليرموك: اللاجئون الفلسطينيون في استراتيجية القيادة الفلسطينية". حق العودة (المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين" بديل"). السنة 13، العدد 62 (أيار/ مايو 2015)، ص 9.
المصري، ماجدة. "الحركة النسائية الفلسطينية". مجلة السياسة الفلسطينية. السنة 4، العدد 14 (ربيع 1997).
الموعد، حمد سعيد. "خمسون عامًا من اللجوء: المخيم والهوية الفلسطينية". مجلة صامد الاقتصادي. العدد 113 (تموز/يوليو- أيلول/ سبتمبر 1998).

رسائل جامعية
الحلولي، منذر السيد أحمد. "الثقافة السياسية وأثرها على التحولات الديمقراطية في المجتمع الفلسطيني". رسالة ماجستير، جامعة الأزهر، غزة، 2009.
رضوان، فيصل محمد. "دور اللجان الشعبية لخدمات اللاجئين في التنمية المجتمعية في مخيمات الضفة الغربية". رسالة ماجستير، جامعة القدس، أبو ديس، 2011.
صقر، وسام محمد جميل. "الثقافة السياسية وانعكاسها على مفهوم المواطنة لدى الشباب الجامعي في قطاع غزة 2005-2009م: دراسة ميدانية على عينة من طلبة جامعات قطاع غزة". رسالة ماجستير في العلوم السياسية، جامعة الأزهر، كلية الاقتصاد والعلوم الادارية، غزة، 2010.

وثائق
"الإحـصـاء الفلـسـطينـي يـسـتـعـرض واقع اللاجئين الفلسطينيين بمناسبة اليوم العالمي للاجئين 20/06/2016". الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 20/6/2016. شوهد في 29/7/2016، في: http://www.pcbs.gov.ps.
إسماعيل، دنيا الأمل. "المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية بين الشكل والمضمون". موقع الحوار المتمدن، 18/9/2004. شوهد في 15/6/2015، في: http://www.ahewar.org.
"بيانات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين". وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، 2015. شوهد في 29/7/2016، في: http://www.unrwa.org.
حمام، أنور. "في الذكرى 59 للنكبة.. إلى أين تتجه صورة المخيم". موقع المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية (مؤسسة مفتاح)، 12/5/2007، شوهد في 30/7/2016، في: http://www.miftah.org.
خضر، حسن. "الانتفاضة في كتاب يعالج ما سكتت عنه السردية البطولية". موقع مسعد زياد، [د. ت.]. شوهد في 15/6/2015، في: http://www.drmosad.com/index.htm.
خليل، أسامة. ""من أنتم": منظمة التحرير الفلسطينية وحدود التمثيل". موقع الشبكة: شبكة السياسات الفلسطينية، 18/3/2013. شوهد في 10/6/2015، في: https://al-shabaka.org.
سلامة، بلال عوض. "قنوات العمل للاجئي المخيم: من تعدد التمثيل إلى تمثلات السلطة: تجربة ق و م والعمل الفصائلي". مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي، 29/7/2016. شوهد في 30/7/2016، في: http://www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp?t=2&aid=526003.
شِتّا، مصطفى هلال. "إدارة الصراعات ومسألة الحكم في مخيمات الضفة الغربية: دراسة حالة: اللجان الشعبية للخدمات". ورقة عمل، الجامعة الأمريكية في بيروت، [2009].
عبد الرحمن، أسعد. "منظمة التحرير الفلسطينية وشرعية التمثيل الوطني"، في: "بعد نصف قرن... منظمة التحرير إلى أين" (ملف خاص). مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2014. شوهدت في: 14/6/2015، في: http://www.palestine-studies.org.
الغول، أسماء. "النّساء يطالبن برفع نسبة الكوتا في المجلس التشريعيّ والأحزاب الفلسطينيّة". موقع المونيتور، 13/3/2015. شوهد في 12/6/2015، في: http://www.al-monitor.com.
هلال، جميل. "تمثيل الشعب الفلسطيني ومصير منظمة التحرير"، في: "بعد نصف قرن... منظمة التحرير إلى أين" (ملف خاص). مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2014. شوهدت في 14/6/2015، في: http://www.palestine-studies.org.


الأجنبية

Books
Dalton, Russell J. and Hans-Dieter Klingemann (eds.). Oxford Handbook of Political Behavior. Oxford Handbooks of Political Science. Oxford New York: Oxford University Press, 2007.
Sills, David L. (ed.). International Encyclopedia of the Social Sciences. Vol. 13. New York: Macmillan, 1968.

Periodical
Rehfeld, Andrew. “The Concepts of Representation.” American Political Science Review. vol. 105, no. 3 (August 2011), pp. 631-641, Accessed on 19/5/2017, at: https://www.jstor.org/stable/41480862?seq=1#page_scan_tab_contents
Thesis
Salameh, Bilal Awad. “Civic Culture in Palestinian Cities: A comparative Study between Hebron and Bethlehem.” PhD Dissertation, Granada University, Granada, Spain, 2011.



#بلال_عوض_سلامة (هاشتاغ)       Bilal_Awad_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشباب الفلسطيني اللاجئ؛ بين مأزق الوعي/ والمشروع الوطني وان ...
- قنوات العمل للاجئي المخيم: من تعدد التمثيل إلى تمثلات السلطة ...
- العمليات الاستشهادية الفلسطينية: الجسد كأداة مقاومة
- اللاجئين الفلسطينيين ومسألة التمثيل في الخطاب السياسي
- حزب التحرير الاسلامي- فلسطين: من مرحلة الوعي السياسي إلى الم ...
- سوسيولوجيا الكتابة بالحمام: تحليل مضمون كتابة ورسومات المراه ...
- فلسطين: كلمات موجعة وكتابتها مؤلمة... بلد الالتباسات
- الفاعل الاجتماعي( 1) : رؤية نقدية على ضوء تحديات المشهد الفل ...
- فشة خلق تعبوية بفلسطين الهوية والمنهاج
- شذرات سريعة في المخيم والقدس والقهر
- وسائط الاتصال/الاعلام وثقافة المقاومة الفلسطينية: من حرب الع ...
- فلسطين: يوجد مقاومة ولكن ليس هنالك انتفاضة ؟ من يقرر ذلك؟
- سلطة القمع والخضوع والتمرد ما بين سلطة أوسلو وقهر الاستعمار؛ ...
- أن تعمل في بيئة غير قابلة للعمل: نحو تأصيل مفهوم وممارسة الع ...
- استطلاع رأي بمناسبة الاحتفالية ب 40 سنة لتأسيس جامعة بيت لحم
- الحركة الطلابية الفلسطينية ما بين الواقع والامكان *
- الثقافة المدنية: حصار الثقافة وغياب المدينة في فلسطين
- الحركة الطلابية في بيت لحم
- تحليل نقدي للمجتمع الفلسطيني: البنية الثقافية والمجتمع المدن ...
- مكونات وعناصر المجتمع المدني في الخليل (فلسطين)


المزيد.....




- فيديو يُظهر ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت ...
- شاهد كيف علق وزير خارجية أمريكا على الهجوم الإسرائيلي داخل إ ...
- شرطة باريس: رجل يحمل قنبلة يدوية أو سترة ناسفة يدخل القنصلية ...
- وزراء خارجية G7 يزعمون بعدم تورط أوكرانيا في هجوم كروكوس الإ ...
- بركان إندونيسيا يتسبب بحمم ملتهبة وصواعق برد وإجلاء السكان
- تاركًا خلفه القصور الملكية .. الأمير هاري أصبح الآن رسميًا م ...
- دراسة حديثة: لون العينين يكشف خفايا من شخصية الإنسان!
- مجموعة السبع تعارض-عملية عسكرية واسعة النطاق- في رفح
- روسيا.. ابتكار طلاء مقاوم للكائنات البحرية على جسم السفينة
- الولايات المتحدة.. استنساخ حيوانين مهددين بالانقراض باستخدام ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - بلال عوض سلامة - تسعة وستون عامًا على النكبة: الثقافة السياسية والتمثيل للاجئي مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة