أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - بلال عوض سلامة - درس (8) ما بعد -التطبيع المجتمعي-: خيار التدفق إلى الشوارع باعتبارها مساكن شعبية للفلسطيني















المزيد.....

درس (8) ما بعد -التطبيع المجتمعي-: خيار التدفق إلى الشوارع باعتبارها مساكن شعبية للفلسطيني


بلال عوض سلامة
محاضر وباحث اجتماعي

(Bilal Awad Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 6892 - 2021 / 5 / 8 - 02:45
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


لست هنا بصدد الكشف عن مدى تغلل التطبيع المجتمعي في بنية وسلوك الفلسطيني رغم الإشارة اليه مسبقاً، بقدر النبش عن الخيارات الشعبية والجماهيرية والشبابية المنفلتة من هكذا بنية، فبالحضور في الشوراع كفيل بفكفكة وزعزعة حالة التكلس في الوعي/الفعل في تلك البنية، وبما أن التساؤلات الكبرى في بنية استعمارية تبقى راسخة ومتجذرة،- وإن اصابها بعض التلف والترهل أو الضمور-، فتكبيل البنية الفلسطينية الرسمية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً بمكتسبات حزبية/فردية تحاصره دائماً اكراهات العيش تحت الاستعمار وكيفية البحث عن المصير المشترك وان كان موقعياً أو لحظياً أو موسمياً أو مقدساً، يكون عبر وخلال الجماهير وحناجرها المنتفضة وأجسادهم فقط، وكفيل بتحريك المياه العكرة من تحتهم، فبتدفق الجماهير إلى الشوراع والساحات والأحياء، مثل سريان الدماء الجديدة في الجسد الفلسطيني في سبيل إعادة الاحياء أو الانعاش أو الإيقاذ من السبات الاستعماري، فالحضور الجماهيري/الشبابي كفيل بالعودة مجدداً إلى التساؤلات المُؤسِسة للهوية/المصير/ المستقبل الفلسطيني المشترك.
يقال أن اللغة السياسية مكانية في الساحات والأحياء والمواقع، وبالضرورة، نستطيع القول: أن الرموز واللغة والشعارات والهتافات وحتى الجكارة المكانية تكون سياسية بامتياز وتأطيرية بالضرورة، فهوية الحضور تتبلور ويعاد إنشائها من جديد، عبر تحويل الشوارع كمساكن شعبية وكملكية جماعية لما له من أهمية في الاستملاك والاستعادة، وتحوله إلى معنى يجدد الهوية بالمكان وبالقضية التي يرمز لها، فيكون رصد أثر قوة القداسة الوطنية والدينية هنا، وفي هذه الأماكن سهلاً وميسراً ومختصراً، وغير قابلة للتأويل بصور لا تتعاطى مع معنى الحضور والاصرار عليه إلا مقاومة اشتباك الفلسطيني/المقدسي مع من سلبه المكان أو الكرامة الشخصية/الجمعية، وديناميات الحضور تؤسس آليات الدفاع عنها وطرق مواجهة التحديات لها، بهوية فلسطينية جمعية مرمزة بالمشترك للحضور، تعمل على توجيه/تفريغ العنف أو التوتر الوجودي في مكانه الصحيح، وبالمقاومة.
على الرغم من أن الاحتجاجات والثورات العنيفة قد تفضي إلى توقف الحياة فجأة والتدمير واللايقين(1) (ص. 20) خصوصاً كما آلت اليه الأحداث في السياق والمشهد العربي، إلا أن فعلها بالسياق الفلسطيني والمقدسي حالياً له مفاعيل ونتائج مختلفة بتاتاً بل معاكسة في الاتجاه والمعنى، فالتظاهرات في المسيرات الجمعية في الساحات، أو رفع صوت المسجل للأغاني الحماسية في السيارات المارة، على مسمع ومرآى الجنود ومن أمامهم انتصارا معنوياً وتحدي المشهد في الصورة.
وكما الحضور في الأحياء المهددة باستيلابها فزيقياً أو معنوياً عبر مائدة للإفطار، فرشت من الشارع كسفرة للمنازل المهددة، تقود إلى تدفق الحياة وعودتها بل وتجدد مساراتها ومعنويات الجماهير الفلسطينية الحاضرة والمتابعة، لأن الاستدمار حاصل وعدم الفعل هو موات، فيشكل الشارع كعنوان/ومكان جديدين للفلسطيني كإعادة تحرير/استعادة الاماكن/الارادة من بنية الاستلاب، وإلى عودة اليقين والتيقن من وجودك كفلسطيني هنا في خضم الاشتباك وبما استطعت اليه سبيلا.
ويدرك الفلسطيني وبأن سبب الهزيمة الفزيقية/المعنوية له، هو عدم الفعل والرضوخ لأرض الواقع وفرض أمر الواقع لسياسات وممارسات الاستعمار الصهيوني وميليشيات المستوطنين، فيكون الاشتباك مع الجنود وإجراء "قفزة هوائية وانقضاض على حشد كبير من "الجنود الاسرائيليين" على باب باب العامود، وكأنها قفزة جديدة إلى رحم الحياة، ولكنها تختلف عن القفزة الأولى بالولادة- حين يبدأها الطفل بالبكاء-، أنها ولادة جديدة ومن نوع ومعنى آخر، يرسمها بابتسامة وتحدي وجرأة وجدعنة واقبال على الحياة، يدرك حينها الفلسطيني بولادته الجديدة؛ حجم وجوده وقدرات وفعله وصورته من جديد، ففي حين أنه أراد بفعلته أن يصنعها، بينما في الحقيقة هي من قامت بتشييده بحق، وبمعنى جديد بسلوكه وحضوره كفاعل.
يدرك الفلسطيني بحق؛ بأن فعله وحضوره لا يشكل مسارات جديدة، وإنما هي عودته الى المسار التاريخي الذي ابتعد عنه، الذي ينتجه عبر أمكنة في مواقع معينة، وعلى حدود قامت بتعينها حالياً حول البلدة العتيقة والمسجد الأقصى التي رسمها الحاضرون، ويتدفق المزيد عبر بواباتها المتعددة، لتتحول البوابات إلى مداخل فعل واشتباك ينتشر ويتوسع بالحضور ويتدحرج إلى جغرافية المشهد الفلسطيني، ففهم أثر القوى فيها بفهم المعنى الذي يخلعوه الحضور على تلك الأماكن وما مدى تقديسها، وكلما كبرت بقعة المواجهة، كلما تتسع دوائر الفعل ومساحة القدسية، فيضحى حي الشيخ جراح والمسيرات المساندة والاحتجاجات الشبابية في حيفا أو نابلس أو بيت لحم والخليل وغزة، أو في العملية النوعية في نابلس، أو بالهاج تاغ مسافة/مساحة فاصلة لمعنى قدسية لفلسطين، تتحدد في الخارطة الوطنية بصورة الفعل والحضور في الشارع.
فتتحول الشوارع/الساحات/ الأحياء مكاناً مؤدلجاً للحضور الفلسطيني، ومناخ التأطير للهوية الجمعية، تجد في تلك الأمكنة مكاناً للتعبير عن انتماءها ورفضها ونضالها، فبالمكان فقط كلغة سياسية، وسياسة مكانية يتقاطع فيه االفلسطينيون؛ كأفراد وجماعات تتشكل وتنبني فيه الهوية الجمعية والمترابطة تعبر عنها بصور التضامن، فالجميع ما زال يستطيع استعادة حالة التأطير الشعبي والجماهيري والمؤسساتي في القدس للمرابطين/ات والمتحتجين/ات من الشباب والكبار والصغار والنساء، كما تدفق فلسطينيو 48 في هبة البوابات الإلكترونية عام 2017، وكيف تم تنظيم الأفراد/ الجماعات وبناء هوية جامعة واحدة رغم الاختلافات الخفية والظاهرة والايدلوجية والعقائدية وحتى الدينية المتنوعة لهم، والتي دفعتهم للحضور إلى القدس.
فتأكيد الوجود لهم في المشهد والدفاع عن الأمكنة التي أُعلن فيها المحتجون كجزء من تصورهم لذواتهم، كما هو الحال الذي لم يختلف عن أحداث باب العامود وحي الشيخ جراح، للتأكيد أن الانسحاب إلى الأماكن الخاصة"البيوت في هذه الحالة" هو هزيمة، لتصبح الأمكنة العامة هي خاصة للكل الفلسطيني، وتسقط قواعد "التطبيع المجتمعي" وقواعد الاحتجاج ضمن المسارات المسوح بها، بل الحضور بغير المسوح به، وهذا ما افصحت عنه الصبية المناضلة من حي الشيخ جراح بقولها "لمن تشكي والقاضي غريمك" لتصبح الشوارع المحكمة الجماهيرية الكفيلة باستعادة الحقوق، أو باعلان صوت الرفض والحق ومن هم أصحابه.
إن الحضور في الشوراع والساحات من خلال الاحتجاج والاشتباك هو اعادة تعيين وتشييد المكان ورسمه حدوده ومساحته من جديد وشكل الحضور/الفعل فيه، فإعادة تشييده فقط يكون بأيدي من قاموا بالفعل وليرضى الناس ويشبع احتياجاتهم في المكان(2) (ص. 61) حتى ببسطات باب العامود التي فرشت في المكان-رغم احتجاج وتشكك بعض المحللين منه- إلا انني أعتقد أنه أصبح حضورا ومن نوع آخر، ومن أشكال الحضور والاحتجاج، فالسوق كما أشرنا سابقاً، هو سبباً اضافياً للخروج والتواجد في الساحات، لتتقاطع مع احتياجات أخرى في المكان، وتتقاطع جميع الاحتياجات، ليعلن ويدعو الأب مناويل مسلم " على المسيحيين الحضور والرباط في المسجد الأقصى والدفاع عنه" إلى جانب المرابطين والمرابطات، حتى حضور ما يسمى "بالدود/ الدوديم" الجدعان يكون حضورهم مقدساً على باب العامود، بل جزءا مكملاً من شعائر تعزز الانتماء للمكان، وتوسع من دوائر الفعل والاشتباك.
الساحات، هي فقط الكفيلة بتذويب واخفاء الاختلافات والمقاصد والدوافع المتعددة، وفي المواجهة فقط يؤدلج ويعزز الوعي الثوري، ويؤسطر المكان/الحضور في معاني أوسع وأبعد من المقاصد المُؤسسة لشكل التعبير الاحتجاجي النضالي، ففيها تتناسل أدوات ووسائل مواجهة جديدة ومتنوعة بتنوع الحضور فيها، هذا ما نحتاج اليه حالياً وفعلياً، فيجب أن تتحول الشوارع كمساكن شعبية وجماهيرية فلسطينية، والتواجد فوق المنازل، وحضور باصات المرابطين من 48 وحضورهم الدائم، وتدفق الفلسطينينون من الضفة الغربية إلى القدس، والاعلان عن صلاة التروايح في الايام القادمة في حي الشيخ جراح لاعادة تعينه بالمعنى المقدس والصحيح في المعنى الشامل لقداسة المكان للفلسطيني، ومسيرات من السيارات في نقاط الاشتباك، وايقاف شبكة المواصلات في الكيان، واطلاق الاغاني الوطنية بصوت عالي أمام الجنود، والهاج تاغ ،والتيك توك هي التعبيرات المناسبة في الأماكن العامة، والاعلان أن فلسطين بالأمكنة العامة فيها اصبحت مساكن شعبية ومقدسة للجميع.













(1) بيات، أصف (2014). الحياة سياسة: كيف يغير بسطاء الناس الشرق الأوسط. ترجمة أحمد زايد. القاهرة. المركز القومي للترجمة.
(2) أوجيه، مارك ( 2018). اللاأمكنة: مدخل أنثروبولوجيا الحداثة المفرطة. ترجمة ميساء السيوفي. البحرين: هيئة البحرين للثقافة والآثار.



#بلال_عوض_سلامة (هاشتاغ)       Bilal_Awad_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- درس (7) واقعة باب العامود؛ استعادة المكان رمزياً،،، فن الحضو ...
- درس (5). في خلفية المشهد والسياق والفعل الفردي/الجمعي في الق ...
- درس (6) ميلشيات المستوطنين؛ استباحة الجسد وطمس الهوية الفلسط ...
- درس (4) في تأطير مكان باب العامود بالقدس: رئة الحياة وشبكة ا ...
- درس (3) اللامكان المقدسي؛ في استلاب المكان ومعناه في البلدة ...
- درس (2) في معنى المكان: القدس كبلدة -الله والفلسطيني- العتيق ...
- درس (1) من دروس شباب باب العامود؛ من الدندرة إلى الجكارة؛ با ...
- محاولة أولية لتفهم الأرقام الكورونية -بين أزمة وتأزيم-‏
- تسعة وستون عامًا على النكبة: الثقافة السياسية والتمثيل للاجئ ...
- الشباب الفلسطيني اللاجئ؛ بين مأزق الوعي/ والمشروع الوطني وان ...
- قنوات العمل للاجئي المخيم: من تعدد التمثيل إلى تمثلات السلطة ...
- العمليات الاستشهادية الفلسطينية: الجسد كأداة مقاومة
- اللاجئين الفلسطينيين ومسألة التمثيل في الخطاب السياسي
- حزب التحرير الاسلامي- فلسطين: من مرحلة الوعي السياسي إلى الم ...
- سوسيولوجيا الكتابة بالحمام: تحليل مضمون كتابة ورسومات المراه ...
- فلسطين: كلمات موجعة وكتابتها مؤلمة... بلد الالتباسات
- الفاعل الاجتماعي( 1) : رؤية نقدية على ضوء تحديات المشهد الفل ...
- فشة خلق تعبوية بفلسطين الهوية والمنهاج
- شذرات سريعة في المخيم والقدس والقهر
- وسائط الاتصال/الاعلام وثقافة المقاومة الفلسطينية: من حرب الع ...


المزيد.....




- في ذكرى 20 و23 مارس: لا نفسٌ جديد للنضال التحرري إلا بانخراط ...
- برسي کردني خ??کي کوردستان و س?رکوتي نا??زاي?تيي?کانيان، ماي? ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28 مارس 2024
- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - بلال عوض سلامة - درس (8) ما بعد -التطبيع المجتمعي-: خيار التدفق إلى الشوارع باعتبارها مساكن شعبية للفلسطيني