أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - بلال عوض سلامة - قلعة بيتا: فهم الجنون في السياق الاستعماري















المزيد.....

قلعة بيتا: فهم الجنون في السياق الاستعماري


بلال عوض سلامة
محاضر وباحث اجتماعي

(Bilal Awad Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 6936 - 2021 / 6 / 22 - 23:39
المحور: القضية الفلسطينية
    


لقد بات الفلسطيني متيقناً بأن سبب الهزيمة هو عدم الفعل والرضوخ لسياسات وممارسات الاستعمار الاحلالي الصهيوني وميليشيات المستوطنين، فتأكيد الوجود له في المشهد والدفاع عن الأمكنة التي أُعلن فيها المحتجون كجزء من تصورهم لذواتهم، للتأكيد أن الانسحاب إلى الأماكن الخاصة"البيوت" -والتي لم تعد حتى آمنة كحي الشيخ جراح-، إنما هي هزيمة، وهنا يدرك الفلسطيني أن جميع الأمكنة العامة هي خاصة للكل الفلسطيني، "جبل صبيح النا" كشعار وفعل مقاوم يمارسه شبان و"حراس الجبل" في قرية بيتا بنابلس، يكون بنضالهم وأفعالهم النضالية التي قد تعد فِعلاً مجنوناً في هكذا بنية، ولكنه هو الكفيل فقط لكسر حالة "التطبيع المجتمعي" وقواعد الاحتجاج ضمن المسارات والتعبيرات الاحتجاجية والمسوح بها من حيث المقاومة "السلمية اللاعنفية"، فيكون حضورهم الدائم من أجل التعبير عن حقهم في استعادة جبل ابو صبيح، والأهم بغير المسموح به، عبر عدة فعاليات متنوعها أهمها وحدة الارباك الليلي في قرية بيتا.
فيتساؤل الصحفي مجاهد مفلح قائلاً: "مجانين #بيتا" والإرباك الليلي في #جبل_صبيح. كيف، ولماذا يفعلون ذلك؟ (1)، فهل أصبح النضال بهذه الاندفاعة والاستماتة والعاطفة والمناشط اليومية من أجل الدفاع عن جبل صبيح، فعلا ودرباً من الجنون؟، وهل في سياقنا الاستعماري ومفرداته الليبرالية معنى للتعقل/ والعقلانية المفرطة، وأي سلوك يتضارب مع ممارساتها كذلك سيعد جنوناً، فقد عملت هذه المنظومة على مدار عقدين من الزمن على تطويعنا وصياغتنا واشباعنا بمفاهيم ولغة التخاطب والسلوك لنكون "عقلانيين ولا عنيفيين ومتسامحين" في مواجهة بنية استعمارية تتسم بجنون النظام وتطرفه وغباء اجزائه وحقدهم من ميلشيات المستوطنين؟، أو في خطاب وممارسة السلطة الفلسطينية في تعاطيها مع التساؤلات المصيرية التي يطرحها الشعب، ليكون السلوك "العقلاني" لها بعدم الفعل والموات، أو الارتهان للمنظمات والمؤسسات الدولية وقوانينها، التي لا تعد إلا حبراً على ورق إذا ما تعلق الأمر بالفلسطيني وحقوقه، فأي سلوك يعد هو "الجنون"، فإذا كان النضال في تحدي هكذا بنية جنوناً، فعلينا أن نكون مجانين كما هم أبطال قرية بيتا.
في معنى الجنون الفلسطيني:
لسنا هنا بصدد معالجة الجنون أو المسميات المرتبطة به في السياق التاريخي من منظور سايكلوجي مرضي، أو باثولوجي رغم وجود محاججات فلسفية عليه، وكيفية توظيفها من قبل الدولة في ممارساتها البيو سياسية" من حيث الهيمنة والسيطرة والمراقبة على الجسد في الغرب الرأسمالي، وإنما بمنظور ثقافي وسياسي في سياق بنية استعمارية تنتج العنف وتعيد أنتاجه في الوعي والجسد والتاريخ من منظورها، في محايثة لها في السياق الاستعماري الفلسطيني والقوة المفرطة وفرضها كمنظومة من الإكراهات والخيارات المحدودة للعيش/الموت/ الجنون للفلسطيني.
فنستخدم في سياقنا الفلسطيني كلمة مجنون في مجالات عدة، نقول مثلا "أنت مجنون"، أو فلان في فعتلته تلك كان مجنوناً، وفي مشهد مقدسي: حينما ركل شاب من شباب باب العامود وجه جندي اسرائيلي، يحاول الاحكام في قبضته وتقييده لشاب آخر ممدد تحته، وقد نقول لحبيتنا "أحبك بجنون"، وفي وصف حدث اجتماعي: "مجنون ألقى حجر في بئر ماء بحاجة لمائة عاقل أن يطوله"، بل في المشكلات الاجتماعية نقول "كل عيلة إلها مجنونها" فتنتطبق هذه الكلمة على السياسي والاجتماعي والديني والاقتصادي، خصوصاً في المسلكيات التي قد تبدو غير "معقولة" أو متطرفة كان ذلك في الحب أو في طوشة عائلية، وعليه وكأن الكلمة تستخدم بوصفها عن تفكير أو سلوك او موقف قد يبدو/يقدم كبديل ومتاخم للعقل.
وعليه، قد يبدو حالة الاستخدام المفاهيمي لكلمة "الجنون" وبعلاقتها وارتباطها بالعقل أو بدلاً عنه، أو في علاقتنا أو علاقة "الآخرين" الذين هم من ناحية افتراضية يمثلون العقل والعقلانية ويمنحونها قيمة ضرورية باعتبارهم "أذكياء"، يستحضرني كلمة قديمة لحسني مبارك في وصف سلوك القائد والشهيد صدام حسين ضد الأمريكان، "عاوز تقاتل أمريكا دا انت مجنون"، على أنه من العقلانية المفرطة أن لا تقول كلمة لا لأمريكا، فماذا نقول في هذا السياق في وصف سلوك القائد السنوار حينما قرر أن يعود مشياً على الأقدام إلى مكتبه وتفقد بيته المقصوف، ويجلس على أريكته التي اعتاد أن يجلس عليها، ولكن هذه المرة فوق ركام بيته، لقد كان مجنوناً، ولكن هذا "الجنون" والتحدي المنافي للعقل والتحديات والثمن الذي قد ندفعه لخسران هكذا قائد فذ بهذا السلوك، ومع ذلك انبهرنا بجنونه وتحديه بل وتماهينا في إنموذج البطولة التي افتقدناها بسلوكه، حتى لو قاد هذا السلوك الجنوني إلى استشهاده، وكأنه في لحظتها مارس الحكمة اليابانية التي تقول "لا تفكر، فالتفكير يصنع الجبناء" وهنا، وكأن "التفكير" الذي موقعه المفترض "بالعقل"، أصبح ضرباً من الجبن، لأن العقلانية في التفكير تفترض أن تقيس الأمور على قاعدة الربح والخسارة، باعتبارك في سوق ليبرالي، الذي من الممكن أن تخضع كرامتك للتداول عليها، كما يفعل "العقلاء"!.
فلإدراك "الجنون" وحقيقته في إطار معالجتنا لموضوعة المقالة الحالية جانبان، الأول: من حيث بعدها الطبي على أرضية العقلانية، وقد عالج هذا الجانب وأبدع فيه الطبيب والثائر فرانتز فانون في تشخيص "المرض" في سياق تحليل حالات المرض والعصاب والذهان الناجم عن الاستعمار الفرنسي من خلال كتابه معذبو الأرض، والثاني، البُعد الأخلاقي والثقافي على أساس "المعقول" والمعقول هذا، تحدده الثقافة الشعبية المهيمنة أو المهيمن عليها بمفهوم غرامشي من قبل النظم السياسية، هذه الثقافة الشعبية التي قد توطن الهيمنة وتؤبدها، فتكون توقعات السلوك منهم ومعقوليتها في مواجهة الهيمنة الاستعمارية بمساحات حمل الورود لهم أو الاكتفاء لمواجهة مسيرة الاعلام في مسافر يطا البارحة بتاريخ (21 حزيران 2021) برفع اعلام دون اشتباك معهم، أو أنها تقوم بتخريب هذه السلطة والهيمنة عبر الإبداء عن مسلكيات لم تكن "معقولة أو عقلانية أو متوقعة" كما افترضها الاستعمار الاحلالي، وفي ذيله المنظومة الأمنية والسياسية للحكم الذاتي، نموذج صمود وجلد بل والجنون النضالي لقرية بيتا في تصديهم لممارسات اجتثاثهم من أرضهم.
فعلاقات الهيمنة كما هي المصطلحات والتوقعات بنية مشتركة تصاغ ويعاد صياغتها عبر علاقات قائمة بين الجماعات(الفلسطيني/ الفلسطيني أو الفلسطيني/ "الاسرائيلي") والصراع على المكانة او الهيمنة، يعاد ترتيب هذه العلاقة والتبدل فيها فقط عبر ردود الفعل ومكان محدد وجهود الفاعلين والمناضلين الفلسطينيين، ويعيد تشييد سقف التوقعات التي يبديها الفلسطيني في قبول أو رفض المعطى له ولحدود سلوكه المتوقع والعقلاني، وهنا يفهم الجنون في هذه الحالة، باعتباره القاعدة التي تقوم على تكسير واعادة صياغة هذه العلاقة خارج المألوف والمتوقع والعقلانية المفرطة والمتطرفة، لتعيدها إلى معقولية نضالية، وشكل من أشكال الوجود اليومي للفلسطيني في مكانه الذي ينتمي اليه.
مجانين بيتا العقلاء، لن نتخلى عن دماء شهدائنا.
في إطار تحليله للجنون يقول جاك لاكان "المجنون ليس كل من فقد عقله، بل هو ذلك الشخص الذي فقد كل الأشياء ما عدا عقله"، بهذه المقولة التي تدافع عن "الجنون"، نستطيع تبنيها في التحليل الحالي، بإعطاءه معنى في بنية استعمارية، ليكون موضوع الجنون كفعل يشير للحرية حسب قوله، ضمن سياقها السياسي والثقافي الفلسطيني، بل يجب أن "تُجن" من هذه البنية، وتفعل كل ما هو متوقع وغير عقلاني من نوبات غضب/ ثأر/ عقاب/ حرق/ اشتباك جنوني كجزء من عملية التحرر ذاتها وأدواتها الفعالة، ألم يقل فرانتز فانون أن المستعمَّر يحرر عضلاته من توترها الوجودي في نضاله ضد الاستعمار الفرنسي، بل وذهب أبعد من ذلك، في أن "المرضى" يشفون فقط عبر وسيلة واحدة وهي العنف الثوري والنضال لإعلانه عن وجوده الجديد، كثائر ومناضل.
لقد شكل "الجنون العقلاني" الفلسطيني الوحيد في قرية بيتا دفاعاً عن جبل صبيح انموذجاً وكأيقونة ومختبر ثوري يستدعي النضال والاحتذاء به، فالثورة عدوى للمناضلين، فهذه القرية منذ أشهر بل سنوات: يقودون حرباً مستعرة في الدفاع عن ملكيتهم الفردية والأهلية في أراضيهم، فجبل صبيح من المواقع القليلة غير المسجلة كأراضي أميرية يستطيع الاستعمار الصهيوني "تبريره" للاستلاب والاجتثاث، هذا إن كانت بالأصل معركتنا قانونية حسب ما يتم تصويرها، فاستغل السكان كل شيء في الدفاع عن أراضيهم، من القنوات القانونية وحرب الاستئنافات والأوراق الرسمية والطابو "ملكية الأراضي"، إلى التظاهر "السلمي"، إلى الصلاة وغيرها ضمن قواعد العلاقات التي تم بناؤها بعد تشكل منظومة أوسلو في الأمكنة الفلسطينية كشكل جديد و"عقلاني" للاحتجاج، للحد من اندفاع الجسد والروح ولعدم تخطيها حدود "المعقول" ووصولها للممكن عبر النضال الجنوني بكل وسيلة متاحة.
في السياق التاريخي للنظام الرأسمالي الليبرالي تم عزل "المجنون" في المستشفيات لمحاولة فصله عن الأسباب الاجتماعية والثقافية والأخلاقية التي كانت سبباً في "جنونه"، ولعلاج "المجنون" كما يرى ميشيل فوكو كان عليهم معاقبته حتى يتعلم السلوك "العاقل" بوسائل عدة، فيستبطن "المريض" هذا النمط من "العلاج" ومن العقاب في سلوكه ووعيه، حتى يكون سلوكه غير متخارج عن "المألوف" "والعقلانية" المشيَّدة، ولايختلف كثيراً السياق الفلسطيني عن كيفية معاملتهم "كمجانين ووحوش" وخطر، فما الفرق بين المعازل والكانتونات عن تلك المستشفيات؟، فالمنظومة واحدة هدفها هندسة الفلسطيني ووعيه وتدجينه عبر جدار الاجتثاث الصهيوني، وأبرجة المراقبة ونقاط التفتيش والحواجز في كل مكان، والتجزئة الاستعمارية في التواصل الجغرافي، وحالة الفصل المراد لها بين قرى بيتا ويتما وقبلان عن محيطها الفلسطيني، والعقاب الجماعي الجسدي والمعنوي له، ووسائل الاكراهات والمعاقبة والقتل، واستلاب الاستعمار الاحلالي لكرامته وقيمة ووجود الفلسطيني وابتذالها، وتحويله لكائن بيولوجي بل لأقل مستوى بالمعنى الذي ذهب اليه "فانون"، ليجبر الفلسطيني عن التخلي "جنونه" الذي يحدد مصيره وحريته، فيكون جنون الفلسطيني في هكذا بنية معنى لتحرره.
فحتى يشفى الفلسطيني كان لا بد من التعبير عن جنونه في رفضة لحالة الابتذال والامتهان والحط من مفهومه لذاته، ليتحلل من منظومة "العقلانية والسلمية والقانونية" كثقافة "عقلانية" مفرطة تم تلقينها اياها في نظام المعازل والسبات الاستعماري، ليفجر طاقات الجنون الثوري له، عبر وسائل فعالة وموجعة لمليشات المستوطنين وللجنود أبرزها وحدة الارباك الليلي وتمفصلاتها، وعودة "لجنون بيتا" كما يصفها الصحفي مفلح:
" مجانين" عزّ الظهر" و "نصّ الليل" إنهم يفعلون ذلك ليقلبوا الليل نهار، ويقلقوا راحة من استوطنوا الجبل عنوة؛ لن يُشعروهم بطمأنينة ولو لدقائق، واعتبر مفلح أن لسان الحال أن "الإرباك" يقول للمستوطنين إن وجودكم لن يكون سهلًا، ولا مريحًا، ولا آمنًا؛ في النهار نُزكم أنوفكم ونُحشرج صدوركم بالكوشوك، ونحرم عيونكم من الاستمتاع بإطلالة الجبل، وليلُكم سيكون سوادًا فوق سواد"(2).
إن حالة الاستلهام والاستنهاض بهذه الصورة النموذجية والبارعة في قرية بيتا لم تكن منعزلة عن هبة شباب باب العامود ومعركة سيف القدس، وإنما كانت في خضمها ووليدتها بصورتها البيتاوية، فما بين "الجكارة المقدسية" وجنون شباب قرية بيتا مسافة الوطن، البيت، الحي، الكرامة، الهوية، الشهيد، استملاك المكان، وبمعنى واحد وهو تعبير الرفض والنهوض من جديد، لأن البيتاوي قد يكون فقد كل "الأشياء" ولكنه ما زال يحتفظ بعقله بمفهوم لاكان. إن حالة التنظيم العالي للنضال وتمفصل أدوات نضالية متعددة وابتكارات وحدات منها "وحدة الكاوتشوك، ووحدة المراقبة، الأبواق، ووحدة الالعاب النارية، ووحدة الاضاءات العالية" والتهديد باستدخال وحدات أخرى مثل "وحدة التفجير والصورايخ الكرتونية" في ارباك المشهد والاعلان أن "الجنون" قد وصل لمرحلة عدم العودة للمكان الذي كانوا فيه بالسابق، لأن العودة تعني بيع وترك دماء الشهداء الذين قضوا في الدفاع عن الجبل على حد تعبير أحدهم، لعلهم مرضى بعشق الشهداء وتقديسهم لدمائهم لمرحلة "الجنون"، أن يحبون الشهداء بجنون أهل بيتا.
ما بين دبلوماسية حي الشيخ جراح وجنون قرية بيتا:
لقد كانت ليلة أمس (22 حزيران 2021) ليلة قاسية لأهالي حي الشيخ جراح، وربما توشي بمخطط واعتداءات أشد شراسة في المستقبل القريب يفترض التنبه له من قبل غلاة ومتطرفي ميلشيات المستوطنين، المسؤولين عن كل حالات الاستلاب للأرض وللروح الفلسطينية، كجماعات "تدفيع الثمن وشبان التلال"، أو زعران التلال كما يلقونهم البيتاوية، عبر عنه في الضرب وتكسير المنازل بالحجارة والبلطجة والزعرنة، بل بغباء وجنون للاستعمار ومستوطنيه، وقف "الجندي والشرطي" الاسرائيلي موقف الحامي والمدافع للمستوطنين وان لم تخلو بعض من تصرفاته كالطلب من المستوطنين الدخول للبيت المستلب من الفلسطينيين بهدوء، في مقابل عنف مفرط من اطلاق الأعيرة وقنابل المسيلة للدموع والمياه العادمة برائحتها الكريهة لتفريق سكان الحي الفلسطينيين.
لقد برع سكان الحي في المواجهة السابقة مع المستوطين في الاعلاء من قضيتهم والتوعية وحشد التأييد المحلي والعالمي لقضيتهم ولمكانهم وكشف زيف رواية الاستعمار موثقة بالصوت والصورة، من خلال الشباب والصبايا المرابطين/ات، أبرزهم محمد الكرد الناطق باللغة الانجليزية واخته منى الكرد المتحدثة باللغة العربية وصاحبة تحريك الفضاء الافتراضي بقضية حي الشيخ جراح، شكلا معاً سفراء لهذه المعركة الدبلوماسية بجدارة وامتياز وأفضل بكثير من المستوى الرسمي الفلسطيني، والتي حاول وما زال يحاول الاستعمار تقديمها باعتبارها نزاع قانوني وليست قضية تطهير عرقي وإبادة الشعب الفلسطيني، ولكن السؤال المطروح حالياً، هل تكفي هذه الدبلوماسية في مواجهة جنون النظام الاستعمار وهمجية مستوطنيه ودمويتهم؟.
لقد تم عزل الحي كمكان عن محيطه الفلسطيني عبر حواجز اسمنيتة، وخلق حالة الاحتجاج ومحاصرته وقمعه في الخارج، مما يشكل خطورة على حياة قاطنيه ضمن التحريضات اليومية وتدفق المزيد من متطرفي المستوطنات في المكان، وهي توشي بنفس مصير شارع الشهداء في الخليل بعدما تم عزله عن محيطه، وسكان الحي غير قادرين على التعبير عن نضالهم بمستويات أعلى، الأمر الذي قد يهدد وجودهم أو حريتهم، فهم يعملون ضمن صيغ من الصعب اختراقها والنفاذ منها في هكذا حصار وعزلة، الأمر الذي يستدعى حالة من الاشتباك والاستنزاف والتعاضد اليومي مع سكان الحي في محيطه لتشكل ثمن باهظ لوجودهم لا بد من دفعه وما دون ذلك، سيكون هنالك خطر حقيقي على ارواحهم.
ولست هنا في مجال للمقاربة أو المفاضلة، فكل مكان يستدعي شكل الاحتجاج وشكل الحضور والنضال، بقدر ما أريد الاشارة إلى وجود نمط واحد في الاحتجاج وبنفس الوتيرة يعطي الاستعمار الصهيوني القدرة على دراسته وتنبؤ حركاته، وبالتالي امكانية محاصرته وعزله، وهذا ما استشعرت به ليلة الأمس الذي دفعني للتفكير بأهمية وجود نظام/نمط آخر من النضال يربك حالة التواتر في المشهد والتي يراد اعادتها الى المربع الأول، وكأن المسألة نزاع قانوني بعدما اصبحت قضية وطنية بامتياز، إذا لا بد من "جنون" ما كجنون أهل بيتا المقاومة لخلق إرباك.
وحتى تواجه البنية الاستعمارية وقوتها المفرطة لا بد للفلسطيني أن يكون مجنوناً بمكان، فيقول لاكان "أنه لن يكون كائن بشري ما لم يحمل بداخله الجنون كحد لحريته" فالجنون يقف كثيراً وراء الابداع والابتكار والتفكير خارج عن المألوف ليصبح اللاعقل واللامعنى مكان الدلالة الحق في بنية استعمارية مفرطة، ونزع الحرية منها لا يكون إلا عبر الجنون وارباك الاستعمار والقدرة لديه من التكهن بالخطوة الأخرى التي تليها لحركتك، وهذا سر ابداع وتميز جنون شبان قرية بيتا في نضالهم واستبسالهم ولابداعهم أدوات نضالية كان من الجنون أن نعتقد أن أحداً ما سيستخدمها من قبل في قرية بيتا أو في غيرها، أو تعتقد قبل شهرين أن هنالك انتفاضة قادمة بهذه الصورة واشتباكا، ولقلت ذلك لظن الكثيرين أن هذا ضرب "الجنون".
واخيراً يقيم ميشيل فوكو تماثل ما بين الجنون والموت، ليصل إلى نتيجة مفادها أن الجنون وسخريته قد حلت مكان الموت وجديته، فحينما ينعدم خوف الفلسطيني من الموت يكون نضاله جنونياً بصورة مضاعفة، هذه الصورة التي تبهرنا في صمود وعطاء وتضحية قرية أهل بيتنا تجعلنا متعدين بهم، بل نتمنى أن نكون مجانين كحبهم لأرضهم ووفائهم للشهداء، فظاهرة الجنون الفلسطيني ليست منفصلة عن السياق والمعنى الفلسطيني، ومتأصلة في نضاله ووجوده تبحث ان اللحظة والمكان المناسبين لاستخراجها بكفاءة.











(1). نورس نت (20/6/2021). " أبطال بيتا يربكون الاحتلال ومستوطنيه ويقولون كلمتهم"، على الموقع الالكتروني التالي: http://www.nawres.net/archives/81001
(2). الموقع السابق.



#بلال_عوض_سلامة (هاشتاغ)       Bilal_Awad_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قرية بيتا: نموذج نضالي -لتنظيف المكان-
- درس (15) الإضراب؛ استعادة الحيوية الثقافية
- درس (14) تجذير الوعي بالإمكانية التاريخية
- درس (13) حينما يتحول البيت -كمكان- إلى ساحة للقهر:
- درس (12). في معنى حد -سيف القدس- لحرب الأمكنةf
- درس (11) ثرثرة نوستالجيا الانتفاضة الشعبية للطبقة الوسيطة؟
- درس (10) وبيان غير رسمي رقم(98) بتاريخ 10/5/2021: المطلوب اس ...
- درس (9) فهم هوية الحضور في باب العامود، لنتعلم الدرس في حي ا ...
- درس (8) ما بعد -التطبيع المجتمعي-: خيار التدفق إلى الشوارع ب ...
- درس (7) واقعة باب العامود؛ استعادة المكان رمزياً،،، فن الحضو ...
- درس (5). في خلفية المشهد والسياق والفعل الفردي/الجمعي في الق ...
- درس (6) ميلشيات المستوطنين؛ استباحة الجسد وطمس الهوية الفلسط ...
- درس (4) في تأطير مكان باب العامود بالقدس: رئة الحياة وشبكة ا ...
- درس (3) اللامكان المقدسي؛ في استلاب المكان ومعناه في البلدة ...
- درس (2) في معنى المكان: القدس كبلدة -الله والفلسطيني- العتيق ...
- درس (1) من دروس شباب باب العامود؛ من الدندرة إلى الجكارة؛ با ...
- محاولة أولية لتفهم الأرقام الكورونية -بين أزمة وتأزيم-‏
- تسعة وستون عامًا على النكبة: الثقافة السياسية والتمثيل للاجئ ...
- الشباب الفلسطيني اللاجئ؛ بين مأزق الوعي/ والمشروع الوطني وان ...
- قنوات العمل للاجئي المخيم: من تعدد التمثيل إلى تمثلات السلطة ...


المزيد.....




- بيان من -حماس-عن -سبب- عدم التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النا ...
- واشنطن تصدر تقريرا حول انتهاك إسرائيل استخدام أسلحة أمريكية ...
- مصر تحذر: الجرائم في غزة ستخلق جيلا عربيا غاضبا وإسرائيل تري ...
- الخارجية الروسية: القوات الأوكرانية تستخدم الأسلحة البريطاني ...
- حديث إسرائيلي عن استمرار عملية رفح لشهرين وفرنسا تطالب بوقفه ...
- ردود الفعل على قرار بايدن وقف تسليح
- بعد اكتشاف مقابر جماعية.. مجلس الأمن يطالب بتحقيق -مستقل- و- ...
- الإمارات ترد على تصريح نتنياهو عن المشاركة في إدارة مدنية لغ ...
- حركة -لبيك باكستان- تقود مظاهرات حاشدة في كراتشي دعماً لغزة ...
- أنقرة: قيودنا على إسرائيل سارية


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - بلال عوض سلامة - قلعة بيتا: فهم الجنون في السياق الاستعماري