أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد رياض اسماعيل - السواد















المزيد.....

السواد


محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)


الحوار المتمدن-العدد: 6906 - 2021 / 5 / 22 - 15:36
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


في العام 1971 ، عندما كنت في المرحلة الإعدادية ، دخل استاذي الفاضل المرحوم احمد وهبي القطب ، مدرس اللغة العربية ، الى الصف ماسكا بيده اليسرى قلما ، يضعه بين اسنانه بين الفينة والأخرى ، ويقف عند النافذة المطلة على الشارع العام ، ثم تناول طبشورة وهَمَ الى السبورة وكتب عليها( السواد ! ماذا توحي لك هذه العبارة؟) ، طلب منا كتابة انشاء في مضمون الموضوع خلال يومين ، وعاد ليلقي محاضرته في قواعد اللغة ... لا اعلم ما كان يجول في خاطره حين كتب تلك العبارة على السبورة ، وكانت الكتب اليسارية رائجة ايامها ، وتعرض للبيع في الشوارع بأسعار مناسبة ، كنا والأصدقاء نتسابق لاقتناء هذه الكتب وقراءتها ثم المجادلة حولها ، كل بحسب فهمه لمضامين محتوياته، و الكتب اليسارية كانت مشوقة وسهلة الفهم ،تسرد التاريخ البشري وتطوره بسلاسة ، و تنبذ الفوارق البشرية واستغلال الانسان لأخيه الانسان ، وتدعوا الى مجتمع سوي تسود فيه العدالة الاقتصادية بين البشر وتنبذ احتكار وسائل الإنتاج ، ويحكمه نظام اجتماعي منصف ... كنا نتجادل مع جماعة الاخوان المسلمين ، ونقتني الكتب الدينية مثل قصة الايمان و كتب سيد قطب ، اذكر منها (شبهات حول الإسلام) ، لنتمكن من مجادلتهم ، وهم لا يقتنون الكتب اليسارية لأنها بدع وضلالة وحرام !! وهذا ما كان يدفع بعض الأصدقاء اليساريين، ان يمطوا العلوم اليسارية كما شاءوا ، لتكون غلبة النقاش لصالحهم .. اعود لموضوع الانشاء ، فقد ارسل المرحوم الأستاذ احمد وهبي (وكان يساري التوجه في حينه) احد الطلبة يستدعيني للحضور الى غرفة المدرسين ، واثنى كثيراً على الانشاء الذي كتبته وقال لي بان مكانك هنا ، معنا في غرفة المدرسين ، وليس مع (باعة الكرفس) ويقصد به زملائي الطلاب !.... واعود القهقري الى العام 1971 وهذا المقال الانشائي الذي كتبته في حينه ، الان تغيرت عندي الصور الفكرية بالتأمل ، الا انها كانت محاولة جيدة في مسيرة حياتي ،اترككم مع المقال واعتذر عن الاطالة .
السواد ! ماذا توحي لك هذه العبارة ؟
انتبهت الى نفسي وانا امعن النظر في هذا الذي امامي والانتباه مواجهه حقيقيه بين الواقع المحدد بالزمان والمكان ومرتب على اساليب المنطق والقانون واللاواقع بحكم وجوده الفوضوي ولم يكن انتباهي ابناً شرعيا لقاعده سلوكيه او عرف منطقي، بل كان مزيجاً غامضاً لاغتصاب فكري بين الوعي واللاوعي الداخل في اعماق الوجود ممتصاً نزيفه من ضمير الزمن ، وبدأت الأسئلة كالسلاحف تزحف الى ميناء الفكر !
ترى ما معنى السواد ؟ ماذا يريد كاتب العنوان التعبير عنه؟ ثم هل اتحدث عما توحيه الكلمة من احداث او من معان ام عن الوضع الاجتماعي ، الذي فاق سواده عنترة العبسي في الليل ، ام عن الازمه الفكرية التي تمزق رؤيه المفكر تجاه الكون وعلى كل بقعة من بقاع البسيطة .
الواقع ان هذه الكلمة تشمل اكثر من شيء او اكثر من وضع ، فحينما نعوذ بفكرنا الى 6000 عام قبل الان ، عندما وقف الانسان الاول يوجه الى نفسه هذا السؤال : ايهما الاول انا ام الطبيعة ؟ كان يعني الفكر والمادة بمفهومنا الحاضر، وعندما تباينت الأجوبة ولدت الفلسفة، وعاش الانسان املا ان يجد في حياته الراحة باحثا عن الوهم الكبير الذي سماه بالسعادة الأبدية ، وتوالى الفلاسفة يفسرون ويشرحون كل على مقدار فكره وولدت من رحم الفلسفة المثالية والمادية. وصار كل فريق يفسر على هدى مبادئه، وانقسمت المثالية في نفسها الي ذاتيه (ديكارتيه) ممثله في مقوله (كوجيتو) وموضوعيه ممثله في فلسفه فوضى الطبيعة (كانط) وتوالت المذاهب المثالية تشرح وتفسر، من (البراكماتزم) الى الوجودية الى العبث ، و كانت المذاهب المثالية الأخيرة عودا الى البدء بعد رحله الانسان المتعبة للبحث عن اليقين . فلم تتمكن المثالية الصمود امام التطور الهائل في الفكر والكون رغم انها ابتدعت وسائل كثيره لتفسير الظواهر وحصر الفكر في الفرد وعزله ، ثم في جعل الفرد الموجود الوحيد في الكون (التحول الفاعل والاختيار)، ثم في تفسير اليه العمل (أسطورة سيزيف والانسان المتمرد) كل هذه التفاسير لم تقنع الانسان وما تمكن منه ، فاسدل الانسان المفكر الستار الاسود على المثالية، فكانت سوادا الى الابد .
والاديان لم تتمكن من اقناع الانسان بان هناك عالم اخر يجازي فيه المرء على عمله ، فكانت الأسئلة ولا تزال تنهال بصوره كثيفه وعنيفة تقف الاديان حائره في الجواب عليها، وتهتك ستر الاطمئنان الكاذب ،وتخلق تلفاً فكريا يكون زخما للتطور والتغيير.
فعلى المقولة الدينية التي ترى الحياة سطرا في جبين الانسان ان تتحمل وزر الانسان ، لأنه ليس مسؤولا كتب في جبينه. ولا يلام من يرى الدنيا سجن المؤمن ان يتحرر المؤمن من ذلك السجن (ان صح التعبير) وخاصة حين يمثل المجتمع الديني مجتمعا متفسخا يتميز بالعبودية والازدواجية بكل ما في العبارة من وضوح ، ولذلك اسدل الانسان المفكر الستار الاسود على الدين فكانت الاديان سواداً الى الابد . وبتطور الفكر، فكرالانسان في الطبيعة فولدت المادية في حضن الطبيعة ، فإنها انتظمت في تناسق وحاولت اقناع الفكر البشري بانها القوانين الأبدية التي بموجبها يسير الكون ، ولما كانت المادية فلسفته تناقض المثالية ، لذلك لم تخل من هفوات ولدتها طبيعة الصراع بينه الفلسفتين المتنازعتين ، فأضيفت آلام فكريه جديده الى مجموعه آلام الانسان امام غموض الكون . وفشلت المادية ان لم تكن الان ففي الغد القريب! في الضمان الفكري الأكيد، لان القانون الوحيد الذي نستخلصه هو ان التكرار يولد الملل ،هذا هو التركيب النفسي الحقيقي للإنسان المفكر، اما ما بعد الملل فلسنا بصدد البحث عنه ، وهكذا اسدل الانسان (او سيسدل) على المادية الستار الاسود ، فكانت المادية او يكون سواداً الى الابد. والعلم هذا الاله المزيف لم يتمكن ان يحل مشكله الانسان ان لم اقل جعل من المشكلة لا حل لها، فنسبيه اينشتاين لن تحمل كيساً من الحنطة من ظهر حمال في السوق ، و جاذبيه الارض لن تتمكن من جذب افكار حكام واشنطن ليتخلوا عن الاعتداء السافر على البلاد الآمنة، ونظريات فرويد وادلر لا يمكن ان تلغي الاشتهاء المستعر في اعماق الانسان الى الجنس، والمتشرد الذي يجوب الشوارع عاريا لن يكسي عريه نظريه داروين او مسائل التفاضل والتكامل وجميع مبادئ الهندسة الإقليدية والهندسة اللا اقليدية . انه الجوع الذي لا يرحم. فاذا لم نسدل الستار الأسود على العلم فقد لطخ التاريخ وجهه حين بصق عليه الاطفال المكسحين في هيروشيما و ناجازاكي .
لا بد لكم ان تتساءلوا وعلى شفاهكم بسمات الاستهزاء ما لهذا المجنون يصبغ كل شيء بالسواد ما له يصول و يتكلم على هواه؟! انا لم افعل شيئا سوى تقرير واقع. فلست رهين المحبسين ولست داعيا الى التصوف. ان واقعنا الملطخ بالسواد والغائص بالوحل هو الذي يقول ويسجل ويتكلم، وفي اعتقادي انه الانتباه من الضمير الى السواد تلك هي المسألة، مساله الانسان المشوه، الانسان المعذب، الذي ماتت السعادة في لحظه حياته، فمتى يأتي اليقين؟! واين الحقيقة في الحياة ام ان الموت هو الحقيقة التي ندركها بعد فوات الأوان؟! ما مصير الكون؟! نحن الى اين؟! تلك الأسئلة والالاف غيرها من سيجيب عليها بحيث يتمكن المرء الركون الى حراره اجوبتها في شتاء الفكر القارص ؟ ولسنا في انتظار زرادشت اخر يضيع علينا ما بنيناه خلال احقاب الحضارة ،وعموما كل شيء كفيل بالزمن رغم ان اشد ما في الكون غموضا هو الزمن...



#محمد_رياض_اسماعيل (هاشتاغ)       Mohammed_Reyadh_Ismail_Sabir#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يمكن القضاء على العنف جذرياً - الجزء الثالث
- هل يمكن القضاء على العنف جذرياً - الجزء الثاني
- متى سيقضي الانسان على العنف جذرياً؟
- خاطرة حول برلمانات الدول النامية
- خاطرة عن وطن الخيال والواقع
- النفط والاقتصاد العالمي الى أين؟
- الأنا محور الشخصية البشرية
- الحب كما اراه
- الازمة الاقتصادية الخانقة في العراق
- الموظف بين الامس واليوم ..
- التعليم المثالي
- رؤية لملامح جديدة للعالم والشرق الأوسط في هذا العقد
- قواعد العشق الاربعين من وجهة نظر اخرى /الجزء التاسع
- قواعد العشق الاربعين من وجهة نظر اخرى / الجزء الثامن
- قواعد الحب والعلاقات
- قواعد العشق الاربعين من وجهة نظر اخرى/ الجزء السابع
- ايليا ابو ماضي / امير امراء الشعر العربي
- حجاب المراة بين الامس واليوم
- قواعد العشق الاربعين من وجهة نظر اخرى /الجزء السادس
- تعاليم الانبياء والأديان باطلة ولا تعاصر زمننا ..


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد رياض اسماعيل - السواد