أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبداللطيف الحسيني - ماركس في هانوفر














المزيد.....

ماركس في هانوفر


عبداللطيف الحسيني
:(شاعر سوري مقيم في برلين).


الحوار المتمدن-العدد: 6887 - 2021 / 5 / 3 - 11:34
المحور: الادب والفن
    


عبداللطيف الحسيني/هانوفر

الليلةَ أحتفلُ بالسنوات السبع التي مرّت على تغريبتي وبالسنوات الأربع على وجودي المُرّ في هانوفر التي تماهيتُ معَها,قطعتُ الدنيا لألتقي بعامودا الثمانينيّات حيث يزورُني ماركس يتلو عليّ مقاطعَ من رأس ماله, أصوّب له أخطاءَه في الإملاء والنحو, أحياناً أضخُّه بالأفكار التي رآها في أحلامِه فأذكّرُه بها ليشكرني. أبحثُ عن غيفارا في هانوفر فلا أجدُه غيرَ أنّ حانةً تبرّكت باسمه يجتمعُ فيها ماركسيّو حارتي نشربُ معاً نبيذاً فاسداً ونتحدّثُ عن كلّ شيءٍ بكافّة اللغات دونَ أن يفهمَ أيٌّ منّا أيّاً آخرَ.


رأيتُ ماركس يتجوّل في أزّقة هانوفر حاملاً المعذّبين, ويشربُ النبيذ الرخيص ويرقصُ معَهم في وسط الشارع وحين يستبدُّ به الطربُ يتأبطُّ مراهقةً يحدّثُها في أُذنها ويمشي بها إلى كشك صغير في زاوية الحارّة يشتري لها دخاناً وخمراً, دعوتُه لمنزلي بعدَ أن ساء هواءُ المدينة فلا أقوى أن أتنفّسَه,وتسمّم الماءُ فلا أكرعُه بكفّي.
وحدي أعيشُ ملءَ حياتي, أُلاعبُ الأشباحَ وأراقصُهم, كما تراقصُ أنتَ الفقراءَ الذين تبحثُ عنهم في حلكة الليالي, مثلُكَ أردّدُ:لن أرتاحَ في هذا الكون التعيس مادام فيه معتقَل أو جائع.
زرتُه في منزله بضواحي لندن التي لا تكادُ تُرَى.. تكاد أن تختفي بينَ الضباب والثلوج والأمطار... أكادُ أختفي معَها,قلتُ له: مثلُك أنا... كان لي بيتٌ فصارَ الآن مأوىً لسوانا, وكان لي نهرٌ ألتقطُ منه الأسماكَ,وأبتهجُ حينَ أرى من بعيدٍ الفتياتِ يأتينه مغنّياتٍ, مثلُك بتُّ مشرّداً في برلين وباريس ولندن.
..........
أفضل التقارير تلك التي يكتبُها عنّا المخابرات والمخبرون وصغارُ الكسبة, أستعيرُ هذا التقرير عن ماركس من سعدي يوسف:
إن ذكاءه المتفوق يمارس تأثيراً لا يقاوَم في ما يحيط به في حياته الخاصة، لا يحبّ النظام، مريرٌ، وسيّء المزاج. إنه يحيا حياة الغجريّ، حياة مثقفٍ بوهيميّ، أمّـا الإغتسال والـمَشط وتبديل الثياب فلا يكاد يعرفها إلا نادراً . يستمتع بالشراب . وهو في الغالب لا يفعل شيئاً أياماً وأيّـاماً، لكن إن كان لديه عملٌ يؤدِّيه اشتغلَ ليلَ نهارَ في مثابرةٍ لا تكِـلُّ. ليس لديه وقتٌ محددٌ للمنام والإستيقاظ . وغالباً ما يسهر الليلَ كلَّـه، ثم يتمدد على الأريكة بكامل ملابسه حوالَي الظهيرة، وينام حتى المســاء، غير عابيءٍ بحقيقة
أن العالَـمَ يتحركُ جيئةً وذهاباً في غرفته .
زوجته امرأةٌ مهذّبةٌ لطيفةُ المعشر، عوّدتْ نفسَها على هذه العِيشة البوهيمية ، حبّـاً بزوجها، وهي مرتاحةٌ الآنَ تماماً في هذا البؤس. لديها ابنتان وولدٌ ، والثلاثة حسنو الهندام حقاً، وعيونهم ذكيةٌ مثل عيني أبيهم. ماركس، زوجاً وأباً، أفضل الرجال وأرقُّهم، بالرغم من شخصيته القلِـقة. يعيش ماركس في حيٍّ من أسوأ أحياء لندن أي من أرخصها. لديه غرفتان. إحداهما تطلّ على الشارع وهي الصالون، غرفة النوم في الخلف . وليس في الشقّة كلها قطعة أثاث ثابتة نظيفة. كل شيءٍ مكسورٌ، مهتريءٌ وممزّقٌ ؛ وثمّتَ طبقةٌ ثخينةٌ من الغبار في كل مكانٍ. وفي كل مكانٍ أيضاً الفوضى العظمى.
وسط الصالون طاولةٌ ذات طرازٍ عتيقٍ مغطّـاةٌ بمشمَّـعٍ. على هذه الطاولة مخطوطاته ، وكتبه وصحفه، ثم دُمى الأطفال ، وأدوات زوجته للترقيع والخياطة ، مع عددٍ من الأكواب مثلومة الحافات ، والملاعق القذرة،
والسكاكين والشوكات والمصابيح، وهناك محبرةٌ ، وكؤوسٌ ، وغلايين فخّار هولندية ، ورماد تبِغٍ – أي أن كل شيء على أسوأ حالٍ، وعلى الطاولة إيّـاها. إن أدنى الناس سيرتدُّ خجِلاً من هذه المجموعة المرموقة .
حين تدخل غرفة ماركس ، يدهمك الدخان وأدخنة التبغ حتى لتدمع عيناك كأنك تتلمّس طريقك في كهف .
وبالتدريج ، تعتاد عيناك على الضباب، وتبدآنِ تميِّـزان أشياءَ قليلةً . كل شيءٍ قذرٌ مغطّى بالغبار . والجلوسُ
خطِــرٌ . أحد الكراسي له ثلاث أرجلٍ فقط . وعلى كرسيّ آخر صادفَ أنه متماسكٌ يلعب الأطفال لعبة
الطهي . هذا الكرسيّ يقَـدَّمُ إلى الزائر ، لكن طهي الأطفال يظل في مكانه . إنْ جلستَ ضحّيتَ بسروالك.
لا شــيء من هذا يضايق ماركس أو زوجته . أنتَ تُستَقبَلُ خيرَ استقبالٍ . ويقَدّمُ لك الغليون والتبِغُ وما سوى ذلك بكل كرمٍ ، كما أن الحديث اللطيف المفعَم بالروح كفيلٌ بالترميم الجزئي للنواقص . بل أن المرء
ليعتاد العِشــرةَ ، ويرى هذه الحلْـقةَ مثيرةً للاهتمام وأصيلةً . ها هي ذي الصورة الحقيقية للحياة العائلية
للزعيم الشيوعيّ ، ماركس.



#عبداللطيف_الحسيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استراتيجيّة الإنسان الجديد.
- أمكنة.
- محاكمة الساموراي.
- عن مدينة حالية/عن مدينة تموت.
- -مسودات مدينة -:خرابٌ أينما ذهبت.
- ظلال مشردة.
- تلصص.
- لذكرى (ملا أحمدي نامي )
- جنكيمان عمر.
- محاولة لتجبير - الاسم الكردي الجريح -.
- أنا لستُ لي .
- الأبُ الضالّ
- ضجيج.
- تسونامي .2
- ادي جوان كرد( نادي الشباب الكردي).
- المبعثرُ.
- أبناءُ الجنّ
- شرمولا
- تسونامي
- المشرقيّ مغاربي.


المزيد.....




- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...
- -المتحدون- لزندايا يحقق 15 مليون دولار في الأيام الأولى لعرض ...
- الآن.. رفع جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 الشعبتين الأ ...
- الإعلان الثاني.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 على قناة الفجر ...
- التضييق على الفنانين والمثقفين الفلسطينيين.. تفاصيل زيادة قم ...
- تردد قناة mbc 4 نايل سات 2024 وتابع مسلسل فريد طائر الرفراف ...
- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبداللطيف الحسيني - ماركس في هانوفر