أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبداللطيف الحسيني - شرمولا














المزيد.....

شرمولا


عبداللطيف الحسيني
:(شاعر سوري مقيم في برلين).


الحوار المتمدن-العدد: 6871 - 2021 / 4 / 17 - 04:51
المحور: الادب والفن
    


قبل خمسة عشرَ عاما ، قبل عشرين . كان صعباً الصعودُ إلى شرمولا . وإن جازفتُ أقول : مستحيلاً . وسهلاً اللعبُ فوقه لانبساطه . ومساحته الهائلة . أنا الذي لعبْتُ فوقه .
تمددتُ على عشبه ، وربما غفوتُ فوق نقاوة ترابه . ولو أني كنتُ أحسّ بدفق الماء تحتي , وقلق الموتى . وقفتُ فوقه كإمبراطور : فاتحاً رجليَّ ، واضعاً يديَّ على خاصرتي ، محدّقاً إلى بيوت عامودا الترابية : لأرى طفولتي في شوارعها , ومراهقتي وشجاري مع نفسي , لأرى حبّي لابنة الجيران . ليكون غير الأخير . كنتُ أدلُّ صديقي الذي معي بإصبعي على شارع بيتنا ، حتّى أنّني كنتُ أكذبُ عليه . وأقولُ له : تلك حارتنا : ألا ترى طفولتي فيها ؟ ألا ترى طفولتي المستحيلة فيها ؟ ولا أدري كيف تحملتُ العيش فيها . وذاك بيتنا ! وذاك أبي : ألا تراه يصاحبُ الجدارَ كي يصلَ إلى ما يريد ؟ . ألا ترى الدرج المشّوه ؟ والبابَ الخشبيّ القديم ؟ ألا ترى الداخل إليه . والخارج منه . وكان صديقي يصدّقُ كلامي المحموم . وأنا نفسي لم أكن أرى بيتنا ، لا الداخل والخارج منه وإليه . وبعد عشرين عاماً _ الآن _ سوف أصدّقُ نفسي بأني كنتُ أراه فعلاً . ولم أكن بكذّاب ، ولا بمخادعٍ . وأنّه لم يكن يتراءى لي بيتنا . الآن أصدّق نفسي ، أصادقها حين أقفُ على شرمولا . ولا أرى إلاّ أبنيةً إسمنتيةً قاسية وجبارة تحجب لا بيتنا فقط . بل تحجبُ نقاوة الهواء والغبار الذي يثيره الأطفالُ . وهم يلعبون بالتراب الملائكيّ : ذاك التراب الذي كان بإمكانك أنْ تأكله , أو تشربَه مع الماء . خاصةً لو ملأْتَ كفك اليمنى به ، وكفك اليسرى بترابه الآن – المستعار – وقارنتَ ما تحمله كفّاك . كان ظلُّ شرمولا ظليلاً . كان استراحةً لمن يأتي إلى عامودا قادما من قرى الجنوب : ((جولي , سنجق سعدون . سنجق خليل )). راكباً حصانه وفرسَه أو حمارَه . يأخذ هؤلاء راحتهم تحت ظله الرطب . وربّما نّومتهم رطوبةُ ظله . شرمولا الآن . يسهل على الصبي صعودُ قمته . ويصعبُ عليه اللعب فوقه : لفقره وموته . ليس فوقه إلا مساحةٌ صغيرةٌ متشققة تخافُ أنْ تبتلعك . تخاف أنْ تتجه إلى اليمين أو اليسار . تخاف أنْ تقودك قدماك إلى اليمين أو اليسار . وتسقط في هوّة . أو تتدحرج من فوقه كما حجرٍ يتزحلق من فوق منحدر . أنْ تصعد فوقه الآن يعني : أنك تصاب بالبؤس والتقزز . لو قارنت علوّه السابق بانخفاضه اللاحق ., هل لي أنْ أقول : إن الحياة أيضاً هكذا . وإن الأصدقاء والأقارب والأعداء والسفلة والطيّبين هكذا , وإنّ النفس ماتتْ . وإنّ قوةً ما عظيمةً اضمحلتْ بداخل كلٍّ منّا . ولو أنّنا لم نفقد إحساسنا بالجمال والمعنى بعدُ . ولأن شرمولا رمزٌ, ولو اندثر . فقد تغنى به كثيرون . كتب عنه ((أحمد حسيني ومحمد عفيف )) بحرقة قاتلة . وهما البعيدان عنه . وغنّى له (( أنور ناسو )). وهو صديق لشرمولا وجار . كان شرمولا علامة .. منارةً ، علاماً . كان علامتنا : أنا الذي كنتُ أراه هكذا . هو الذي رآني . هكذا أحسستُ به . هو الذي أحسَّ بي . كان للحياة طعم العيش فيها . تغريني بالعيش فيها . خاصةً لمن ابتعد عن عامودا مدةً قصيرةً . فلو دخل هذا المسافر إليها : طريق قامشلي = عامودا الأكثر تكراراً ومشاهدةً . ورأى من بعيدٍ شاهدة ملك " ايلو " فوق التل . كان يحسُّ هذا المسافر أنّ الطمأنينة احتلت أنفاسه وكيانه . يا الهـ ....ي . فكيف بالمسافر البعيد الذي ابتعد عن عامودا زمناً طويلاً . لو عاد هذا المسافرُ إليها . ولم يَرَ شاهدة ملك ايلو . لا بدَّ وأنّ هذا المسافر يموت في داخله آلاف الرجال . ولو كان المسافرُ – الرجلُ امرأةً . لبكى , ولبكى لبكائه العالم . ولكان دمعه ودمهُ فيضاناً الآن فقط : أُبعد نظري عن شرمولا ، لئلا أراه . وقد فَقَدَ دفئه المتفجّر بداخله . لئلا أراه . وقد فقد شاهدته . (إنّه الموتُ الحق ، فلترقد روحي بسلام
عبداللطيف الحسيني :(شاعر سوري مقيم في مدينة هانوفر الألمانيّة).



#عبداللطيف_الحسيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تسونامي
- المشرقيّ مغاربي.
- لطيفة لبصير.
- أهلُ الحوار المتمدّن..أهلي.
- سوريا أرض منخفضة يتسابق إليها المتوحشون والمجرمون.
- عبداللطيف الحسيني باحثاً عن اسمه الجريح.
- هوارو.
- أنتَ منذ الآن غيرُك.
- هناء القاضي على شبّاك السيّاب
- الدكتور محمد عزيز شاكر ظاظا.
- عبد اللطيف الحسيني يرسم ألم المدائن.
- اللغةُ الوسطى.
- حدّثتني نافذتي بالكرديّة.
- فوبيا سهيلة بورزق.
- ابتهالات فاطمة الزهراء بنيس في.
- طين الطفولة,
- الشاعرة فينوس فائق.
- أزمة السلطة ثقافيّاًَ وفكريّاً
- لطيفة لبصير والاحتفاء بالمكان.
- الشاعر في مدونة المكان والكائن.


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبداللطيف الحسيني - شرمولا