أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالله محمد ابو شحاتة - ضد الجلادين














المزيد.....

ضد الجلادين


عبدالله محمد ابو شحاتة

الحوار المتمدن-العدد: 6869 - 2021 / 4 / 14 - 09:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الشنق لأجل العدالة. الاعدام في ميدان عام. الأخصاء هو الحل. جمل تتردد كثيراً عقب كل جريمة تُثير الرأي العام، وفي وسط هذا المناخ الهزلي تجد أولئك الذي يقدمون أنفسهم كمثقفين ومتنورين وتقدميين أو كنسويات وإنسانيين، تجدهم وسط المهزلة، أو لربما أحياناً في المقدمة.
فلنلقي إذاً بعلم النفس والاجتماع جانباً وننصب المشانق والمحارق فتلك هي الوسيلة الأنسب لعلاج الانحراف لدى تلك العقول المنحطة. تلك العقول التي ترى العنف كحل ذهبي لعلاج كل سلوك مُشين. فلنبحث إذاً في تاريخ البشرية عن علاجات فعالة وصحية أكثر، فنستعيد الصليب الروماني أو الخازوق العثماني، طالما أن المشنقة لا تفي بالغرض بشكل كامل، ولكي يبدو الأمر أكثر جاذبية.

والأكثر سخفاً أن تجد بعض من يدعون التحرر من الميتافيزيقيا يؤيدون فكرة المسؤولية الكاملة والإرادة الحرة السحرية، فالمجرم في نظرهم مجرم لأنه أراد أن يكون كذلك، ولا تسأل عن معنى ( أراد ) أو كيف تتم تلك الإرادة حتى لا ينظرون لك بعين الريبة ثم لعلهم يدّعون أنك تريد أن تُسوغ للجريمة المبررات.
فهذا الفكر الخرافي الطابع غارق في أوهامه التي تحول بينه وبين عقلنة الأمور، تحُول بينه وبين الأسلوب العلمي في التفكير. فلا بد أن المجرم هو وحدة المسؤول عن جريمته، والمجتمع معفي بالطبع، وسيكولوجية الانحراف تتكون من لا شيء. ولنترك العلم الذي يخبرنا أن مجرد القلق الأجتماعي للأم أثناء الحمل قد يؤثر على سلوك الجنين الاجتماعي طوال حياته، لنترك تلك الأمور جانباً ولا حاجة لنا بها، لنترك علم الاجتماع الذي يخبرنا بأن المجرم نتاج ظروف اجتماعية معينة وأن خير وسيلة لعلاج الأجرام ليست إلا من خلال السيطرة على عوامل تكوينه، لندع تلك الأمور أيضاً جانباً وننصب المشانق بثبات، ننصبها ونشنُق المجرمين دون أن نغير شيء من بنائنا الاجتماعي الشامخ الذي أنتجهم وسينتج غيرهم لنعود ونشنقهم مرة أخرى بلا تردد تحقيقاً للعدالة.

فلو تعطلت منا سيارة في الطريق فيجب جلدها بالسوط حتى تسير، أما استدعاء الفني فليس أمراً ذا فاعلية. كذلك فشنق المجرم خير وسيلة لمحاربة الجريمة وليس لعلماء النفس و الاجتماع فائدة في تلك الأمور.
هكذا يفكر حُراس العدالة الذين لم تتجاوز عقولهم البدائية عقل رجل عاش قبل ألفي عام، فها هو ماركوس أوريليوس يخبرنا من القرن الثاني الميلادي قائلاً "أن تريد من الشرير ألا يرتكب الشر كأن تريد من الرضيع ألا يبكي أو الحصان ألا يصهل"
وها هو شكسبير في هاملت يقول " ولكن عبثاً أن ألومك على مسلكك. فمهما جاهد هرقل الجبار وأجتهد فلا بد للقطة أن تموء وللكلب أن ينبح"
وكذلك نقول نحن أيضاً أنه لابد للمضطرب الجاهل الفقير والمُهمش اجتماعياً ألا يحسن السلوك، ومن المفترض ألا تتوقع منه غير ذلك، وبدلاً من جلد السيارة عليك استدعاء الفني.

(٢)

ولنتحدث بشكل مباشر أكثر. ( الجينات، الوراثة ، البيئة ، التربية ، المواقف الحياتية، الاختلالات الفسيولوجية ...الخ،). جميعها تخبرنا وبوضوح أننا نُجانب المنطق في موقفنا المتزمت في تحميل المجرمين كامل المسؤولية عن أفعالهم. وما أن تنهار المسؤولية حتى ينهار أيضاً مبدأ العدالة في العقاب ، لأن العدالة قائمة في أساسها على المسؤولية ، وعقاب من لا تقع عليه كامل المسؤولية لا يمكن أن يُعتبر عدالة ، و أيضاً مبدأ الردع العام يسقط بفقدانه أساسه الأخلاقي ، فهو الآخر قائم على المسؤولية ، وتحقيق الردع العام بعقاب شخص غير مسؤول ( طفل مثلاً أو مجنون ) لا يمكن أن يعتبر شيء مقبول أخلاقياً .

إن النظرة التي لابد أن ننظرها للمجرم هي نظرتنا لمن يعاني من اختلال عقلي و ننظر للسجون باعتبارها مؤسسات إصلاحية علاجية ، وفي حالة فشل علاج أحد المحكومين فيمكننا أن نعتبرها مؤسسة عزل وحماية للمجتمع من الخطورة التي يمكن أن يشكلها المحكومين إذا تُركوا بالخارج، أما مكافحة الجريمة فلا تكون بتلك الأساليب المنحطة ؛ شرطة تصفع المتهمين، وكلاء نيابة متشنجين ، وقضاة متجهمين ، وجلادين ذو شوارب كثيفة من أجل تعليق المشانق. كل تلك الإجراءات السابقة نابعة من المبدأ الرجعي الذي يرى العنف كخير وسيلة لمواجهة العنف، وبالرغم من كون العنف ضرورياً في بعض الحالات المحدودة إلا أنه لا يمكن أن يشكل حلاً، بل هو أصلاً أحد أسباب المشكلة، إن الحل الأمثل للجريمة لا يكمن في القضاء على المجرمين ، بل في القضاء على العوامل التي تصنعهم ، سواء مادية أو ثقافية ، ولكن كما هي العادة في كثير من المجتمعات وخاصة المنحطة منها ، تكون عوامل إنتاج المجرم متغلغلة في بنية المجتمع الاقتصادية والثقافية، والمجتمع تحت وطأة انحطاطه لا يملك أي نية للتنازل عنها ، وفي هذا تكمن المهزلة الكبرى، وهي أن الجريمة ليست إلا عملية انحطاط مجتمعي يُقدم فيها المجرمين و والمجني عليهم كقرابين في سبيل حفاظ المجتمع على بنائه المنحط شامخاً .



#عبدالله_محمد_ابو_شحاتة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماركوس أوريليوس، مُعالجاً للمجتمعات العربية
- الطفرة العباسية ومغالطات جماعات الأصولية
- التطور السيسيولوجي للإله الابراهيمي
- آفة المجتمعات المنحطة
- الانحطاط والتقدمية كصراع باطني
- ضد نيتشه
- العدمي المنحط
- الإباحية الحلال
- لتتحرر الأخلاق كما تحرر العلم
- انحطاط الأخلاق العربية
- انحطاط الفن
- هل يريد العرب التقدم للأمام ؟
- نيتشه الجينالوجي
- التفكير الزائف لدى القطعان
- سيكولوجية العبيد
- إهانة المواطن العربي
- اللاأدرية لماذا ؟
- حوار مع صاحب رسالة الغفران
- حتمية اللاإنجابية
- الأسلام دين ودولة


المزيد.....




- بآلاف الدولارات.. شاهد لصوصًا يقتحمون متجرًا ويسرقون دراجات ...
- الكشف عن صورة معدلة للملكة البريطانية الراحلة مع أحفادها.. م ...
- -أكسيوس-: أطراف مفاوضات هدنة غزة عرضوا بعض التنازلات
- عاصفة رعدية قوية تضرب محافظة المثنى في العراق (فيديو)
- هل للعلكة الخالية من السكر فوائد؟
- لحظات مرعبة.. تمساح يقبض بفكيه على خبير زواحف في جنوب إفريقي ...
- اشتيه: لا نقبل أي وجود أجنبي على أرض غزة
- ماسك يكشف عن مخدّر يتعاطاه لـ-تعزيز الصحة العقلية والتخلص من ...
- Lenovo تطلق حاسبا مميزا للمصممين ومحبي الألعاب الإلكترونية
- -غلوبال تايمز-: تهنئة شي لبوتين تؤكد ثقة الصين بروسيا ونهجها ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالله محمد ابو شحاتة - ضد الجلادين