أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالله محمد ابو شحاتة - ضد نيتشه















المزيد.....

ضد نيتشه


عبدالله محمد ابو شحاتة

الحوار المتمدن-العدد: 6853 - 2021 / 3 / 29 - 18:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


رأى نيتشه في الأخلاق بصورتها التقليدية مهزلة إنسانية تُعيق القوة وتُبجل الضعف واللين والمرض ، تُنكل بأصحاب الإرادة لصالح منعدمي الإرادة. لقد كان بالطبع ينبذ التعاون و يذكي الصراع ، بل إن مشكلة الأخلاق عنده أنها تواجه الصراع ، إنها تعطي للجميع ذات الحقوق ، تساوي القوي بالضعيف بل وتفضل الضعيف على القوي وتجعل من رجل الشارع نموذجاً للجميع ، إنها تخلق القطعان وتحارب التميز. فعلينا وفقاً لنيتشه أن نحارب الأخلاق في شكلها النمطي الحالي، ونترك الصراع يعمل عمله ويقضي على الضعفاء ويُبقي على الأقوياء وبهذا يأخذ التطور و بقاء الأصلح مجراه ويولد الإنسان الأعلى. لقد كان نيتشه ابناً لداروين كما وصفه ويل ديورنت، ولكنه في الحقيقة لم يكن أبناً باراً ؛ لقد أعطى أعداء الداروينية الفرصة الذهبية لتصويرها في هيئة المُحاربة للأخلاق والمشجعة على البطش بالضعفاء. ولقد كان أيضاً حليفاً لشوبنهاور وسيوران؛ حيث رأى في عدميتهم عوناً له على سرقة التفاؤل من الضعفاء وبالتالي دفعهم للموت والانتحار اليائس مُفسحين المجال لبطله المنتظر ( الإنسان الاعلى ) . لقد رأى نيتشه في تجاوزه للأخلاق تجاوزاً للعدمية؛ فلقد رأى في الأخلاق الاجتماعية و التعاونية الاشتراكية جر الانسان للعدمية، إنها تحارب الإنسان الأعلى بتقييده بقيم القطيع وقتل التميز وبالتالي دفعه لليأس، وذلل نيتشه في حقيقة أن القطعان ليست إلا سمة المجتمعات المنحطة والأخلاق الميتافيزيقية ، أما القيم الواقعية فلا تبحث بالطبع عن قطعان ، ولا تريد إقرار مساوة ساذجة بين البشر، فالبشر متفاوتون تلك حقيقة لا سبيل لإنكارها، وفي ذلك التفاوت تكمن القوة ؛ فالتفاوت يجعل الاتحاد أكثر إلحاحاً. ولذلك فإن ما نرمي إليه هو المساواة في الفرص التي تُنمي الإبداع والتميز، المساواة في الفرص لا المساواة التعسفية في النتائج، فعندما نلغي تأثير الطبقية تكون الكلمة العليا وقتها للنبوغ ، حيث لا ندع فرصة لمكتسبات الطبقات أن تقتل النبوغ في مهده. فالأخلاق وبالأخص أخلاق التعاون والاشتراكية هي جوهر الإنسان ، وهي مكمن القوة ، فكيف تكون للإنسان قوة إن لم يكن يملك السيطرة على ذاته !. إن الفارق ذو الوزن بين الإنسان والحيوان هو في كون الإنسان يعلم أنه ليس كل ما يريده يمكنه أن يفعله ( الالتزام الأخلاقي ). إن بمقدوره أن يراقب أفعاله ليستخلص منها ما يحقق له المنفعة البعيدة ، ولقد استخلص حقيقة كون القوة التي يكتسبها بالتعاون أبقى من تلك المؤقتة التي ينالها بالانتصار في الصراع، وبالتالي الحياة بحكمة وفقاً لأخلاقيات عقلية نريدها لنتائجها لا لذاتها. لقد كان للرواقيين سبقاً في هذا الأمر حين أعلنوا عن أخلاق لأجل السعادة لا أخلاق لذاتها كما يقول الانحطاط الافلاطوني، ومبدأ الرواقية هو ما نبحث عنه نحن من اصحاب عقلانية الأخلاق. أن نضع أخلاق لأجل سعادتنا، وسعادتنا هنا على تلك الأرض لا في أي مكان آخر، أخلاق من هذا العالم ولأجل هذا العالم ، لا اخلاق من الميتافيزيقا ولأجل الميتافيزيقا. لقد كان من الممكن لنيتشه بعدما ثار على الاخلاق المسيحية أن يؤسس لأخرى عقلانية ، ولكنه للأسف قد اكتفى بالهدم ورأى الأخلاق بمجموعها كانحطاط ، وهي الرؤية الفريدة المتفردة في تاريخ الفلسفة ، ورغم ذلك فهي ثورة محكوماً عليها بالفشل فالإنسان الاجتماعي أخلاقي بطبعه ، ويبدو أنه مع مرور الوقت يصبح أكثر أخلاقية. أما انسان نيتشه الاعلى فبالطبع لا مكان له في مستقبلنا، والأخلاق النيتشاوية (إن صح تسميتها أخلاقاً ) لن تُنتج سوى مجتمعا يستحيل عليه الاستمرار.

((٢))

ولكن رغم اختلافك مع نيتشه إلا أنك بالطبع سوف يأسرك أسلوبه البهي الشاعري ، وسوف تنفذ كلماته إلى أعماق عقلك لتتركك بعدها تترنح لأيام. لقد وجدت في أسلوبه القوة وقابلية التأثير، و لقد كان بالإمكان أن تصبح فلسفة نيتشه علامة فارقة في تاريخ الحضارة الإنسانية كأسلوبه، ولكن أفسدها تطرفه في كراهية المسيحية الذي جعله يرى كل نقيض لها صحيح بالضرورة ؛ فرفض بذلك الأخلاق القائمة بالكلية، لقد رأى فيها نقيضاً للقوة ، مجرد مؤامرة يحيكها من ليس له انياب. ولكن الواقع أنها هي القوة بذاتها ، هي التي مكنت انسان العصر من ركوب الطائرات بعدما ظل انسان الأرستقراطية القروأوسطية بطل نيتشه المفضل قروناً خلف قرون يركب الأحصنة وتفتك به الأمراض، ولا تتجاوز معرفته حدود أنفه .
لقد أساء نيتشه التعامل مع الداروينية، فأخذ يحدثنا عن الصراع الذي ينتج عنه بقاء الأصلح، فلا يجب علينا إذاً أن نواجه الصراع، بل علينا أن نذكيه حتى تتقدم الإنسانية؛ ولذلك فقد قدر العهد القديم ومفهوم جهاد الطلب في الإسلام، لما فيهما من إعلاء للصراع والقوة، إنها من شيم الأنسان الأعلى عند نيتشه، وحدها المسيحية هي الانحطاط ، لقد حملت أخلاقيات الضعفاء في رأى نيتشه، والأكثر انحطاطاً منها هو المساواة و مجتمع الاشتراكية الذي يريد أن يساوي بين مواطنيه، لقد اعتبر تلك الأشكال الأخيرة للمجتمعات "مسيحية بدون لاهوت ". والعجيب في الأمر ان يظل إنساناً كنيتشه يرى في الانتخاب الطبيعي أداة لتطور الجنس البشري ، يكفينا أن نعلم حقيقة أن داروين قد أدرك الانتخاب الطبيعي بعدما لفت نظره الانتخاب الصناعي الذي يقوم به البشر لاستحداث سلالات حيوانية مدجنة أكثر ملائمة لحاجاتهم. لقد تجاوزت الحضارة البشرية الانتخاب الطبيعي منذ أمد بعيد ، إننا الآن قادرون على تطوير أنفسنا بأنفسنا ، بقوة الاتحاد الجبارة ، قادرين صناعة إنسان المستقبل القوي فكريا وفيسيولوجياً بتقدم التعليم والعلوم الطبية ، إننا قادرون على القضاء على الضعف وليس القضاء على الضعفاء كما أراد نيتشه، فالنموذج الإنساني الأعلى سيصنعه الإنسان لا الطبيعية .

((٣))

لقد أفسدت معاناة نيتشه من فوبيا العدمية فلسفته، وأني أرى عند كثير من الفلاسفة خوفاً هستيرياً من شبح العدمية ، والأمر عندي أبسط كثيراً من ذلك. فالعدمية ظاهرة طبيعية يمكن أن تحدث لجميع البشر ، والضجر من الحياة وفقدان القيمة وارد ، ومع ذلك فإنه يظل شعوراً على درجة عالية من الذاتية ولا يؤثر على مجمل العلاقات الإجتماعية. كما أن العدمية عند الكثيرين مبدأ ووجهة نظر فلسفية للوجود أكثر منها احساس تشاؤمي فعال ، فالعدمي لا يكون بالضرورة مكتأب عابس الوجه فاقد للإنتاجية ، تلك نظرة السطحية الناتجة عن خلط ساذج بين العدمية و الاكتئاب المرضي وكأنهما وجهان لعملة واحدة ، وهو ذلل يقع فيه حتى ذوي الثقافة من المتخصصين، فهناك بون شاسع بينهما، كما أن هناك بون شاسع بين انتحار اليائس المضطرب وانتحار الإرادة الواعية لإنهاء الحياة ؛الأول نابع عن اختلال الاكتئاب النفسي أما الثاني فنابع عن العدمية، ولا يشكل إلا نسبة قليلة من حالات الانتحار ، الأول علينا أن نحاربه باعتباره مرضياً ، أما خيار الانتحار الثاني فلا ينبغي أن نجزع منه فإنه فعل إرادة صحية .
ولكن نيتشه لم يكن ليرى الأمور بهذا الشكل، لقد رأى في العدمية وحشاً سيلتهم كل من تخلى عن الإيمان اللاهوتي، فأبتدع مفهوم إرادة القوة كبديل عن الفراغ اللاهوتي، والذي أراد أن يقلب به نيتشه تصور القوة من كونها وسيلة لكونها غاية في ذاتها ومحركاً رئيسياً للوجود. والحقيقة أني لا أفهم هذا التصور إطلاقاً، ولا أظن أنه يمكن أن يكون مفهوماً أبداً؛ فأن تُخبرني أن القوة غاية في ذاتها كأنك تريد أن تُخبرني أن الأسد يطارد فريسته لفرض السطوة؛ فلا يمكن أن تكون القوة سوى وسيلة، هذا ما أفهمه وهذا ما فهمه البشر على مر العصور. فبالرغم من رفض نيتشة لفكرة المفاهيم في ذاتها إلا أنه عاد وابتدع مفهوماً في ذاته ( إرادة القوة) وكأن نيتشة قد ابتل في تلك اللحظة بِرزاز الأفلاطونية. والواقع أن الإنسان في سعيه للقوة لا تحيد عينه عن الهدف، فطفل نيتشه الذي يريد أن يصبح أقوى من زملائه لا بد أنه لا ينظر سوى للاحترام والامتيازات لا للقوة في ذاتها، بل إن المرء ليبحث دائماً عن الطريقة التي تُمكنه من بلوغ غاياته مع بذل أقل قدر ممكن من القوة.

((٤))

ولكن اللامعقولية النيتشاوية لم تبلغ مداها إلا حين فسر لنا أخلاقيات الضعف والاستكانة والطاعة بأنها من صنع العبيد، من صنع الطبقات الدنيا كرد فعل على الأخلاق الأرستقراطية والتي هي أخلاق الفروسية والشجاعة والبطولة. لقد حاول العبيد كما يقول نيتشه قلب القيم، خلقوا قيم موازية بغرض الانتقام من التفرد الأرستقراطي، ولكن أي انتقام هذا الذي يصب في مصلحة المُنتقم منه ! . إن أخلاقيات الضعف تلك لا تصب سوى في صالح الطبقات المسيطرة نفسها، والتي لن تتمنى أكثر من رعونة العامة وتساهلهم وضعفهم، وحتى لو وصمتهم تلك الأخلاقيات فيما بعد بالشر والفساد فليس هذا بالطبع بذي أهمية. وهكذا نرى كيف كان لماركس السبق على نيتشه في كشف أصول أخلاقيات الضعف بكونها حتماً أرستقراطية المنشأ، وهذا هو البديهي، أن تتقصى عن المستفيد حين تبحث في الأصول. بل إن الأمر ليتضح حتى في تزاوج رجال الدين برجال السلطة، فمتى كان رجل الدين الذي يكرز بالصبر والطاعة واللين بين العامة يقف بجانبهم فعلياً ؟ . وفي أي مكان من العالم لم نجد رجل الدين عند أقدام الحكام وذوي النفوذ ؟.



#عبدالله_محمد_ابو_شحاتة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدمي المنحط
- الإباحية الحلال
- لتتحرر الأخلاق كما تحرر العلم
- انحطاط الأخلاق العربية
- انحطاط الفن
- هل يريد العرب التقدم للأمام ؟
- نيتشه الجينالوجي
- التفكير الزائف لدى القطعان
- سيكولوجية العبيد
- إهانة المواطن العربي
- اللاأدرية لماذا ؟
- حوار مع صاحب رسالة الغفران
- حتمية اللاإنجابية
- الأسلام دين ودولة
- طاعة المؤمن
- هل يمكننا القضاء على الجوع ؟
- مصطلحات الحداثة في خطاب جماعات الرجعية
- المجتمع وحق التملك
- اليهود بيننا
- هل توجد علاقة طردية بين تدين المجتمعات و فسادها..؟؟


المزيد.....




- سلاف فواخرجي تدفع المشاهدين للترقب في -مال القبان- بـ -أداء ...
- الطيران الإسرائيلي يدمر منزلا في جنوب لبنان (فيديو + صور)
- رئيس الموساد غادر الدوحة ومعه أسماء الرهائن الـ50 الذين ينتظ ...
- مجلس الأمن السيبراني الإماراتي يحذّر من تقنيات -التزييف العم ...
- -متلازمة هافانا- تزداد غموضا بعد فحص أدمغة المصابين بها
- ناشط إفريقي يحرق جواز سفره الفرنسي (فيديو)
- -أجيد طهي البورش أيضا-... سيمونيان تسخر من تقرير لـ-انديبندت ...
- صورة جديدة لـ -مذنب الشيطان- قبل ظهوره في سماء الليل هذا الش ...
- السيسي يهنئ بوتين بفوزه في الانتخابات الرئاسية
- الفريق أول البحري ألكسندر مويسييف يتولى رسميا منصب قائد القو ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالله محمد ابو شحاتة - ضد نيتشه