آدم الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 6849 - 2021 / 3 / 23 - 16:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في المرحلة الأولى من العلاقة الأمريكية الإسرائيلية كان الموقف الأمريكي من قضايا الشرق الأوسط محدود الاهتمام , لذلك كانت تلك العلاقة تجاه اسرائيل و كذلك تجاه الدول العربية تتسم بالحيادية السلبية .
في تلك المرحلة , بالتأكيد كان السبب وراء حيادية امريكا تجاه اسرائيل و الدول العربية معا هو انشغال الولايات المتحدة الأمريكية بأمور كثيرة اخرى لها الأسبقية في سلم استراتيجياتها منها مشاريع اعادة اعمار اليابان و دول اوربا الغربية , هذه الدول التي خرجت من الحرب العالمية الثانية مدمرة , اعمارها بسرعة لكي تجعلها دول قوية حليفة لها لصد خطر المد الشيوعي في عموم العالم القادم من موسكو و بكين , بالإضافة الى أن جنوب شرق اسيا كانت مهددة ايضا بالسقوط في احضان الشيوعية , اما شبح الصين فكان بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية هو همها المكبوت .
لقد كان من الممكن لتلك المشاغل و معها هموم و اهتمامات و اعباء كثيرة اخرى أن تنهك امريكا رغم انها كانت اكبر اقتصاد في العالم و اكثرها تطورا علميا و تكنولوجيا , لذلك عمدت امريكا في تلك الحقبة من الزمن على عدم اضافة هموم جديدة فجعلت من الشرق الأوسط بكل دوله خارج الاهتمامات الملحة للإدارة الأمريكية .
لكن سرعة امتداد اثار الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي و المعسكر الغربي و تصاعد وتيرتها و وصولها الى منطقة الشرق الأوسط جعل من الموقف الأمريكي ينحرف بشكل تدريجي باتجاه الانحياز لصالح اسرائيل و ذلك لعدة اسباب منها اختيار مصر في عهد عبد الناصر التقارب مع الاتحاد السوفيتي و عقد معاهدة تعاون و صداقة معه و الابتعاد عن الولايات المتحدة الأمريكية و كانت من نتائجه المباشرة هو اختيار امريكا لإسرائيل كي تكون حليفها الاستراتيجي الأول في منطقة الشرق الأوسط و بذلك بدأت مرحلة جديدة من العلاقة الأمريكية الإسرائيلية .
و كانت المؤشرات الأساسية لتلك المرحلة هي الآتي :
اولا : من نتائج و تداعيات الحرب الباردة بين القوتين العظميتين الاتحاد السوفيتي السابق و الولايات المتحدة الأمريكية و تأثيرها على الدول العربية ادت الى انقسام هذه الدول الى مجموعتين , مجموعة الدول الرجعية , هكذا كان يقال , و على رأسها المملكة العربية السعودية و مجموعة الدول التقدمية و على رأسها مصر .
ثانيا : في زمن عبد الناصر رفعت مصر و معها مجموعة الدول العربية التقدمية شعار الحياد الإيجابي , و الإيجابي الغى مفهوم الحيادية و بذلك اصبح عبد الناصر رجل موسكو الأول في منطقة الشرق الأوسط و اسرائيل الحليف الأول للإدارة الأمريكية في هذه المنطقة .
ثالثا : ادركت الحركة الصهيونية العالمية أن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون هي القائدة لمجريات الأحداث السياسية لعدة عقود من الزمن القادم فراهنت على ربط مصيرها بعلاقتها مع هذه القوة الصاعدة أما عبد الناصر و معه مجموعة الدول العربية التقدمية فقد راهنت على الحصان الخاسر الا وهو الاتحاد السوفيتي السابق .
رابعا : انتقل مركز ثقل الحركة الصهيونية العالمية من اوربا الى الولايات المتحدة الأمريكية و بدأت هذه الحركة بنسج خيوط ذكائها السياسي لتشكل منه اقوى لوبي في امريكا هو اللوبي الصهيوني و وجد هذا اللوبي حلفاء له من بعض اللوبيات الأمريكية الأخرى .
خامسا : باشر اللوبي الصهيوني عمله في امريكا في التغلغل في وسائل الأعلام الأمريكية ادراكا منه أن الأعلام سيكون له الأثر الأكبر في صنع عقلية الفرد الأمريكي و قد استفاد هذا اللوبي من اخطاء و غباء الأعلام العربي فشعار رمي اليهود في البحر الذي رفعه بعض السياسيين العرب جعلت من العروبة في نظر الفرد الأمريكي وريثا للنازية و الفاشية حيث قدم هذا الشعار خدمة غير مبررة للوبي الصهيوني , اما حرق العلم الأمريكي جنبا الى جنب مع العلم الإسرائيلي في التظاهرات التي كانت تجوب شوارع بعض المدن العربية حين يتصاعد الحماس العروبي فقد قدمت خدمة كبيرة لنشاط اللوبي الصهيوني في امريكا حيث يعمل هذا اللوبي بإعادة بث لقطات حرق العلمين الأمريكي و الإسرائيلي معا في وسائل الأعلام الأمريكية مرات و مرات و بأكبر قدر من عدد المرات لتثبيت فكرة أن مصير امريكا و اسرائيل هو مصير واحد و أن التحالف مع اسرائيل هو ليس فقط من اجل مصلحة امريكية اسرائيلية مشتركة و انما لكون مصيرهما مشترك .
سادسا : بعد تمكن اسرائيل من كسب امريكا لصفها لم تترك دول اوربا الغربية لذلك اصبح حلف الناتو هو المدافع الحقيقي عن اسرائيل و ليست امريكا وحدها فكان السلاح الفرنسي و البريطاني جنبا الى جنب مع السلاح الأمريكي يتدفق على اسرائيل لتقوية و دعم الآلة العسكرية الإسرائيلية المتنامية القوة و الخبرة .
سابعا : تمكنت اسرائيل من دحر الجيوش العربية لمصر و سوريا و الأردن و معهم كتائب من جيوش عربية اخرى في ستة ايام في ابشع هزيمة عرفتها الحروب الحديثة فقد احتلت اسرائيل سيناء و الضفة الغربية و القدس و غزة و الجولان في حرب خاطفة ادهشت عدوهم و صديقهم و مع كل ذلك اخذ الأعلام العربي يسميها نكسة حزيران , مجرد نكسة بسيطة , حيث كانت الأنظمة العربية تخشى على كراسي حكمهم من قول الحقيقة و الاعتراف بكونها هزيمة .
ثامنا : بعد وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر اختارت المؤسسة العسكرية المصرية رجلا من بين صفوفها هو الرئيس الراحل انور السادات لقيادة مصر باتجاه جديد يتمثل في الابتعاد عن الاتحاد السوفيتي السابق و الاستعاضة عن ذلك بالاقتراب من الغرب عمونا و الاتجاه نحو الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا و ذلك اعتمادا على فكرة أن وراء هزيمة حزيران 1967 هو تمكن اسرائيل من كسب امريكا و حلفائها فباشر السادات بطرد الخبراء السوفيتي و فتح قنوات حوار علنية و سرية مع الإدارة الأمريكية .
تاسعا : تطورت الأحداث في الشرق الأوسط حتى وصلت الى مرحلة حرب التحريك في سنة 1973 التي اطلق عليها اعلام النظام المصري و معه الاعلام الرسمي العربي بحرب التحرير حيث تمكن الجيش المصري من عبور قناة السويس و اختراق خط بارليف ثم حصل التفاف من البحيرات المرة من قبل الجيش الإسرائيلي و تم محاصرة الجيش الثالث المصري الذي عبر قناة السويس عندها توقف القتال بين الجيش المصري و الجيش الإسرائيلي لتبدأ معها أول مفاوضات مباشرة و علنية بين اسرائيل و اكبر دولة عربية هي مصر عند الكيلو 101 , و لولا تلك الحرب و تمكن الجيش المصري من اسقاط خط بارليف لما كان من الممكن جلوس القادة العسكريين المصريين و الإسرائيليين حول طاولة واحدة و التحدث وجها لوجه .
كان النظام المصري بقيادة السادات بحاجة الى نصر حتى لو كان نصرا محدودا ليتمكن من الحديث عن سلام الشجعان و كانت الإدارة الأمريكية تدرك جيدا حاجة النظام المصري و رئيسه انور السادات لذلك النصر فأعطي له ذلك النصر المحدود في حرب هي لتحريك المفاوضات و ليس لتحرير الأرض أو لاسترجاع السيادة و كانت هذه اول خسارة حقيقية لإسرائيل و معها انتهت المرحلة الثانية من العلاقة الأمريكية الإسرائيلية و بدأ المرحلة الثالثة من هذه العلاقة .
(( يتبع ))
#آدم_الحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟