أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - حميد طولست - اعادة التدوير ، توفير وليس تقتيرا !














المزيد.....

اعادة التدوير ، توفير وليس تقتيرا !


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 6829 - 2021 / 3 / 2 - 20:20
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


ـفكرة إعادة تدوير الأشياء ليس بالأمر الجديد، كما يبدو من إرتباط مفهومه بالدعوات المستحدثة التي برزت في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي كأهم المبادرات المحافظة على البيئة التي أنتجها الكساد الاقتصادي الذي عم العديد من دول العالم ، والتي تراجعت شعبيتها بعد تحسنه ونموه ، وتمت إعادة طرحها بقوة في يوم الأرض الأول عام 1970م ؛ والتي هي في حقيقة أمرها فكرة وعملية قديمة جدا ، مورست منذ العصر البرونزي ، حيث أذاب الإنسان المواد المعدنية ليحولها إلى أدوات جديدة.
وللفصل في ثنائية قدم اعادة التدوير وحداثيتها ، وجدتني مدفوعا للبرهنة على ذلك باللعودة إلى الماضي الجمعي لحينا "فاس الجديد" ، وبالتحديد إلى نسائه الواتي كن يعدن تدوير كل شيء ، وأضرب لذلك مثالا بوادتي رحمها الله ، التي كانت قيد حياتها -كباقي نساء جيلها - طباخة ماهرة ، وخياطة حذقة، ومصلحة وملمعة بارعة لأحذية أبنائها ، ومزراعة مقتدرة في إستغلال مرافق سطح بيتنا وتحويل فضاءاته إلى حديقة جميلة وجلسة مميزة ، ومغنية صداحة لأغاني تنويم صغارها ، إلى جانب كل المميزات ، حيث كانت رحمها الله من أمهر جاراتها في إعادة تّدوير كل الأشياء والمواد البسيطة المستهلكة المتوفرة لديها، والتي كانت ترفض التخلص من أي منها ، ولا تسخى برميها في القمامة ، وعلى رأسها ألبسة الأطفال وجوارب جميع أفراد العائلة ، التي لم يكن لها عندها أي نهاية للصلاحية ، زائدة كانت عن الحاجة أو غير زائدة ، حتى ما صغر منها أو أصبح قديماً ورثا ، والذي كانت تعيد رتقها للاستعمال الآني ، أو لتخزينها "لدواير الزمان" -أي الرجوع إليها عند الحاجة كما كانت تردد دائما- بوضعها في صنادق تُركن في "القوس*" أو "الطارمة*" التي أصبحت مع الزمن كمغارة علي بابا ، أو جوطية بوجلود في زمانها الذهبي ، جراء ما كدسته بها وزاحامته فيها من ملابس ومتاع وأثاثات من كل الأصناف والأنواع .
لم تكن أمي ،رحمها الله، تعيد تدوير الأشياء لفقر أو حاجة - فقد كانت أسرتنا متسوطة الحال ، نملك ما يكفينا دون أن يفيض عن حاحاتنا ، كما هو حال أكثر ساكنة حينا الشعبي "فاس الجديد" الذي لم يكن حي غنىً أو ثراءً - ولكنها كانت تفعل ذلك انطلاقا من امتثالها لتعاليم دينها الإسلامي الداعي إلى الإستفادة من خيرات الله دون إسراف أو تبدير أو فساد ، والمحافظة عليها بالاعتدال في إنفاقها واستهلاكها. ومن اعتقادها بقيم مجتمعها الذي كان ولازال يطلق اسم "المرأة الحادقة " أي المدبرة على المرأة التي تدبر أحوال أسرتها وتنتج أشياء من مواد بسيطة ومستهلكة ما يساهم في التقليل من تكاليف مصروفات بيتها ، وصرف نقم مكاره الزيادات على ميزانية أسرتها ، وربما كانت تنطلق في عملها ذلك من فطرتها التي كانت تجعلها تجد لذة فيما تكسب بيديها ، ما لا تجده فيما يساق إليها دون كد أو ثعب ، تماما كما في مقولة طه حسين التي وردت في "المعذبون في الأرض" : "مهما يبلغ الفقر بالناس، ومهما يثقل عليهم البؤس، ومهما يسيء اليهم الضيق، فإن في فطرتهم شيئاً من كرامة تحملهم على أن يجدوا حين يأكلون مما كسبت أيديهم لذة لا يجدونها حين يأكلون مما يساق إليهم دون أن يكسبوه أو يحتالوا فيه".
ومما آسف له كثيرا اني لم أرث من أمي عادتها في تدوير الأشياء وترتيبها ، وورثت من والدي رحمة الله عليه ولعه بفوضوية الإحتفاظ بالأشياء والأغراض القديمة ، ومتراكمتها في كل مكان دون ترتيب ، في انتظار الوقت المناسب لإصلاح المعطوب والمكسور منها، العادة التي صاحبتني حتى بعد زواجي ، وكانت مصدر تعاسة نفسية لزوجتي التي لم تكن مثلي تجد في الفوضى راحة أو ابداعية ، الأمر الذي تسبب لنا في الكثير من التوترات التي بلغت دروتها ، يوم عدت إلى المنزل فوجدتها قد نظفت البيت من كل ما كان يملأ أرجاءه من أشيائي ، وتبرعت بها لأول محظوظ مر أمام البيت من بائعي المتلاشيات ، ابتسمت مع نفسي و قررت إنهاء هذه العادة ..
هوامش: – الطارمة أو القوس في العامية :الطارمة هي مكان لحفظ مواد التموين وخاصة السوائل منها من زيت وسمن وعسل بالإضافة إلى الزرع وحبوب القطاني ، وكل ما زاد عن الحاجة منها. والقوس هو مكان يشبه الطرمة ولكنه لا لحفظ الأغطية الصوفية وخزنها في أيام الصيف الحارة ، إضافة لبعض الأفرشة الصغيرة ، وقد توضع فيهما الأشياء الزائدة والتي يمكن الرجوع إليها عند الحاجة

"حميد طولست [email protected]
مدير جريدة"منتدى سايس" الورقية الجهوية الصادرة من فاس
رئيس نشر "منتدى سايس" الإليكترونية
رئيس نشر جريدة " الأحداث العربية" الوطنية.
عضو مؤسس لجمعية المدونين المغاربة.
عضو المكتب التنفيذي لرابطة الصحافة الإلكترونية.
عضو المكتب التنفيدي للمنتدى المغربي لحقوق الإنسان لجهة فاس مكناس



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إظهار المحبة أبقى للمودة والألفة.
- تعددية حزبية مفرطة بدون رهانات سياسية !
- مذمة الناقص شهادة بالكامل.
- لا يفل الحقد والكراهية إلا الحب، فلماذا لا نحتفل به وقد دعا ...
- معضلة الانتخابات9
- فاس لا تئن من الفقر والجوع فقط !
- ليس بالتفاؤل وحده تتحقق الأماني !
- ما هو الإنسان إن لم يكن سؤالاً؟.
- معضلة الانتخابات8
- بمناسبة السنة الأمازيغية ID N USGGAS !!
- رجل العام .
- التكريم ظاهرة حضارية .
- معضلة الانتخابات7
- معضلة الإنتخابات!6
- قراءة في التحية ب -السلام على من اتبع الهدى- !!
- التطبيع يحتاج الى تحليل وتفهم وليس الى تخوين وتكفير
- معضلة الانتخابات5
- التَّرحم مجاملة اجتماعية وليس عقيدة أو عبادة !
- معضلة الانتخابات!4
- معضلة الإنتخابات !3


المزيد.....




- الرئيس الإيراني: -لن يتبقى شيء- من إسرائيل إذا تعرضت بلادنا ...
- الجيش الإسرائيلي: الصواريخ التي أطلقت نحو سديروت وعسقلان كان ...
- مركبة -فوياجر 1- تستأنف الاتصال بالأرض بعد 5 أشهر من -الفوضى ...
- الكشف عن أكبر قضية غسل أموال بمصر بعد القبض على 8 عناصر إجرا ...
- أبوعبيدة يتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي ي ...
- شاهد: المئات يشاركون في تشييع فلسطيني قتل برصاص إسرائيلي خلا ...
- روسيا تتوعد بتكثيف هجماتها على مستودعات الأسلحة الغربية في أ ...
- بعد زيارة الصين.. بلينكن مجددا في السعودية للتمهيد لصفقة تطب ...
- ضجة واسعة في محافظة قنا المصرية بعد إعلان عن تعليم الرقص للر ...
- العراق.. اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادثة انفجار معسكر -كالس ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - حميد طولست - اعادة التدوير ، توفير وليس تقتيرا !