|
ليس بالتفاؤل وحده تتحقق الأماني !
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 6810 - 2021 / 2 / 9 - 02:40
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لقد أصبح التحقيق والتدقيق ضرورة ملحة للتأكد من مدى صحة أو انتفاء صحة المسلمات التي اكسبها التكرار صبغة القداسة ، لدرجة غدت معها أي محاولة للمراجعة أو التفكيك أو النقد بقصد الفهم نوعا من التحريم يعرض المقدم عليه للتكفير. ومن بين زخم تلك الأقوال المأثورة والأمثال الشعبية الدائعة التي يجب التوقف عندها -وما أكثرها- بالتدقيق والتفحص للتثبت من صحتها ، المثالين الشعبيين المشهورين "تفاءلوا بالخير تجدوه" و "ما بعد الشدة إلا الفرج" وغيرهما كثير من المقولات المأثورة التي حولتها كثرة الترديد إلى مسلمات لا يتقبل عامة الناس وخاصتهم نقضها ، لما يشعرهم به تفاؤلهم ، بأن كل شيء سيكون على ما يرام مع قدوم العام الجديد 2021 ، ويعينهم على تجاوز إجهاد ما عاشوه مع محن جائحة "كورونا" خلال 2020 . فهل فعلا يستطيع التفاؤل مهما كانت قوته على طي صفحة سنة أبرز ما كان من مميزاتها الاعتيادية ، هو حصدُ الأرواح ، ونشرُ المآسي المرعبة والكوابيس المخيفة ، ومحق المتمنيات البشرية في الصحة والعافية ، وقهر لذة تطلعاتهم للأمن والأمان والاستقرار، واستبدالها - رغم فظاعة خسائرها المادية والبشرية - بأخرى أجمل ، يُتجاوز فيها اليأس والإخفاقات ، وتُتحقق خلالها الطموحات والأمنيات ، وتعود أثناءها القيم الإنسانية والدينية إلى أصالتها النقية القادرة على فتح أبواب الأمل والرجاء ، وفسح مجالات الفرح واسعة يحلق الإنسان خلالها في بهجة الحب وعذوبة التسامح ومتعة العفو وسمو مسح الدموع وتخفيف الآلام وتضميد الجراح. صحيح أن تغيير قديم السلوكيات وبالي الأفكار وعتيق المعقدات، لهو العدو اللدود للإنسان ، ولو كان في لمصلحته ، وصحيح كذلك أن إعادة تصويب مسير الفرد ومساره بما يرضي الله ، وضبط وتنظيم علاقاته بما يخدم الوطن والإنسان ، لأمر صعب وشاق جدا ، لكنه غير مستحيل أمام ما يختزنه الإنسان بدواخله من قدرات جبارة على الانتقال بأحوال نفسه من صحاري التوحش وهمجية الأمر بالسوء ، إلى عوالم الإنسانية التي يرتفع بها منسوب الوعي بقيمة التضامن بين الناس ، وتزداد فيها شحنات التحفيز على عمل الخير وتأمين النظام وخدمة الجماعة ، الذي لا يُقاسُ إلا بحجم ما يُقدم للأوطان والإنسان من عون على اجتياز الأزمات ومساعدات على علاج الأوجاع ، وتحويلها من نفس شريرة إلى خيّرة ، ومن بخيلة إلى كريمة معطاءة ، ومن خاملة إلى مبدعة . الأمر الذي لا ولن يتأتى -رغم إمكانية حدوته بيسر وسهولة -بالاعتماد الكلي على ما اعتاد عليه البعض من تفاؤل رومانسي يبقي صاحبه سجين أوهام لا تدفع به إلى تحدي الواقع وتجاوز ظروفه الصعبة ، وخاصة إذا كان التفاؤل من النوع غير المقرون بالعمل الذي يغير أحوال النفس -الأمارة بالسوء- ويحررها من انغلاقيتها ، وينقدها من جموديتها ، وينقيها من الأدران المباعدة بينها وبين باحة إنسانيتها ، التغيير الذي أمر رب العالمين في كتابه العزيز : "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" ، والذي ليس إلا دعوة ملحة وصريحة لإعادة الإنسان لحساباته واستبدال أوضاعه المقلوبة ، والعودة بها إلى إنسانيتها ، والنحو بها نحوًا أكثر رقيًّا وتحضرا ورحمةً وإنسانية، والسمو بها فكريًّا و اجتماعيا و دينيًّا ، فوق كل الأنانيات . ولذلك، وحتى لو كان التفاؤل والابتعاد عن التشاؤم أقوى الأسلحة التي يمكن أن يتسلح بها الإنسان لإخراج أفضل ما لديه في الظروف الحرجة ، فإنه على المتفائل استخدام جرعاته بشكل محسوب وبكميات صحيحة ومعادلة لمقدار لمقدار ضرر النتائج السيئة ، حتى لا يصاب بخيبة أمل عدم تتحقق آماله ، و يصبح تفاؤله –الذي ليس هو بعصا سحرية -مجرد وهم في واقع قاتم . وعليه فإنه علينا ألا ننظر لسنة 2020 -ورغم حجم الخسائر البشرية والمادية – بنظرةٍ تشاؤمية ، لأنها سنة تعلمنا الكثيرَ مما جعلنا أشخاصا أكثر صبراً وعنايةً بأنفسنا ، وأكثر إدراكا لقيمة الحياة ومكانة العائلة وقيمة العلاقات الإنسانية . حميد طولست [email protected] مدير جريدة"منتدى سايس" الورقية الجهوية الصادرة من فاس رئيس نشر "منتدى سايس" الإليكترونية رئيس نشر جريدة " الأحداث العربية" الوطنية. عضو مؤسس لجمعية المدونين المغاربة. عضو المكتب التنفيذي لرابطة الصحافة الإلكترونية. عضو المكتب التنفيدي للمنتدى المغربي لحقوق الإنسان لجهة فاس مكناس عضو المكتب التنفيدي لـ "لمرصد الدولي للإعلام وحقوق الأنسان "
#حميد_طولست (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما هو الإنسان إن لم يكن سؤالاً؟.
-
معضلة الانتخابات8
-
بمناسبة السنة الأمازيغية ID N USGGAS !!
-
رجل العام .
-
التكريم ظاهرة حضارية .
-
معضلة الانتخابات7
-
معضلة الإنتخابات!6
-
قراءة في التحية ب -السلام على من اتبع الهدى- !!
-
التطبيع يحتاج الى تحليل وتفهم وليس الى تخوين وتكفير
-
معضلة الانتخابات5
-
التَّرحم مجاملة اجتماعية وليس عقيدة أو عبادة !
-
معضلة الانتخابات!4
-
معضلة الإنتخابات !3
-
الوطنية لا تحتاج إلى دروس ، بل إلى أحاسيس صادقة !
-
معضلة الإنتخابات !2
-
معضلة الإنتخابات!
-
كما لو كان ذلك قدراً مقدراً على حينا الشعبي !.
-
سمو الإيديولوجية الإسلاموية على الوطنية !
-
الأمل يضعف ولا يموت .
-
لتطبيع بين السرية والعلن !
المزيد.....
-
بابا الفاتيكان يأمل أن يمهد اتفاق غزة لسلام دائم.. ويجدد دعو
...
-
خوري يلتقي بطريرك القدس للاتين في عمّان ويؤكدان أهمية تعزيز
...
-
ما رمزية ودلالات زيارة بابا الفاتيكان القادمة إلى تركيا؟
-
بابا الفاتيكان: نتمنى أن يكون وقف إطلاق النار في غزة سلام عا
...
-
بابا الفاتيكان يصف وقف إطلاق النار في غزة بـ-شرارة أمل-
-
رئيس الكونغرس اليهودي العالمي يدعو لإطلاق سراح البرغوثي.. وإ
...
-
جدل بسوريا بعد ظهور اسم حافظ الأسد على مئذنة الجامع الأموي ب
...
-
مسيحيو العراق قلقون: تمثيلنا يُختطف من قبل جماعات مسلحة والك
...
-
جدل الإجازات في ألمانيا .. عندما تصطدم الأعياد الدينية بجداو
...
-
تقرير: إسرائيل تجند طلابا يهودا من العالم للانضمام لجيشها وم
...
المزيد.....
-
كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان
/ تاج السر عثمان
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
المزيد.....
|