أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - لسعة السياط … ! ( قصة قصيرة )














المزيد.....

لسعة السياط … ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 6809 - 2021 / 2 / 8 - 11:26
المحور: الادب والفن
    


أصبح حيّنا باهتاً خجولاً ، فجارنا ابو وسن يبدو شاحباً ، وكأن الدم قد تسرب من شرايينه حتى نضب جسده .. وجهه متعب يقطر بالعرق ، يتحرك مثل قرد عجوز ، وهو يهمهم مع نفسه ، ويأخذ الحي طولاً وعرضا في حركة لا تهدء ، يرتعد عاجزاً حتى عن التقاط انفاسه ، ويدمدم بكلمات غاضبة مفزوعة .. لا احد يعرف ما الذي جرى له .. لم يُعرف عنه الاختلاط بالناس .. ولم يُعرف له اصدقاء .. يعيش مع بناته الاثنتين وسن وشقيقتها ملَك في شبه عزلة عن الناس ، ويحرِّم عليهن الخروج ، والاختلاط حتى مع الفتيات من اقرانهن …
بعد الابتدائية منعهن من تكملة الدراسة ، وحجزهن في البيت .. فكل شئ يطلبنه يأتيهن .. جعل من بيته سجناً للفتاتين .. يا ترى هل حانت اللحظة التي لم يكن يتوقعها ابداً طوال حياته ، وفرت الطيور من اقفاصها ، والطائر الذي يفر لا يعود ؟ هربن من سجنه بحثاً عن ضوء جديد ، نحو نوع جديد من الحياة بعيدة عن لسعة سياط الكبت والعبودية ، وهل يعود اي شئ يذهب ؟ كما علق احدهم قائلا بان هذا امر طبيعي ومتوقع ، فالضغط اكيد سينتج عنه انفجار ، وهكذا كان مع الفتاتين …
ربما كنتُ الوحيد الذي رأى الفتاتين مرات بحكم الجيرة ، والتصاق بيتينا ، وهن ينشرن الغسيل ، او يتسامرن فوق السطح .. ربما هرباً من هواء البيت الثقيل .. كانت ملَك اكثر جمالا ، وخفةً من اختها وسن ، احتفظتُ بسري الثمين هذا ، ولم ابوح به لاحد .. بقيتْ صورهن عالقة في ذاكرتي حتى وهنت ذكراهن بمرور الأيام ، وتدافع الذكريات ، وامتلاء خزانة الذاكرة بالغث والسمين .. ! أما الاب العجوز فقد كان الموت يزداد اقترابا منه .. ولم يمهله طويلاً ، اصابته سكتة دماغية انهت حياته ، وبقي مصير بناته المراهقات مجهولاً !
بعد ان لعبت الخمرة في عقولنا ، اقترح احد الاصدقاء ان نُكمل السهرة في ملهى الفارابي ، فثمة راقصة رائعة في رقصها الشرقي ، والاروع فيها جمالها الأخاذ .. بدءً من افخاذها البيضاء الجميلة ، وصدرها الناهد ، واستمر حتى اجزل في الوصف .. إعترضت وقررت ان اعتذر ، هتف صديقي بلسان ملتوٍ محاولاً اقناعي : سترى اكثر مما تتوقع ، واخذ يلح لعله يغير رأي قائلاً : سيفوتك ، لن تندم انا متأكد ..
اقول لنفسي : انها مجرد ليلة واحدة فلتكن على سبيل التجربة .. لعلي أفر من الضجيج الذي يعوي في داخلي .. دائماً ما كان مشهد الراقصات ، وعلى شاكلتهن تبعث في داخلي نوعا من القرف ، أخيراً أومأت برأسي موافقاً تحت الحاحه واغرائه ، يزفر صديقي بارتياح .. ذهبنا الى هناك بالباقي من وعينا ، كان الترقب هو الجو السائد ، والكل في انتظار وصلة الراقصة سوسو بفارغ الصبر .. تناولنا المزيد من الشراب حتى نسينا اسمائنا …
اخيراً ظهرت .. ناصعة ، غضة ، رقيقة الجلد ، قلت في نفسي : جميلة بالفعل كما قال صديقي .. جسدها يعلن عن وجوده المحسوس ، كل انحناءة او بروز منحوت بدقة متناهية .. ينفرج فمها عن ابتسامة مصطنعة .. تحيط بها العيون الجاحظة والفارغة من كل جانب .. تتقافز بخطوات رشيقة سريعة من فرط هرمونات الانوثة التي تفور في داخلها ، وكأنها تستعرض علينا جمالها الفتان اولاً ، تهفهف باجنحتها ، وهي تدور حول المسرح .. ثم اخذت تتلوى مع حركة الايقاع الصاخبة ، وتهز صدرها النافر باثارة مقصودة ، تدفع بمؤخرتها شيئاً فشيئا باتجاهنا ، وتتلاعب بها بغنج ، يعلو الصفير ، والتهليل ، وعواء السكارى ، تُحرك رأسها حركات هستيرية ايحائية فيتناثر شعرها المرسل في كل اتجاه معانقاً الهواء .. كان جسدها كله يشارك في الرقص .. كأن الطاقة التي تشع منها تملأ كل الفراغ حولها ، تتعالى الآهات واللوعات المحرومة ، ومنهم من يضرب جبهته حسرةً ومرارة ..
تستقبل هذه الانفعالات بالضحك في فرح حقيقي .. العيون مبحلقه تكشف عن نظرات الاشتهاء ، وجنون الرغبة ليس على روعة رقصها ، بقدر ما كان التركيز واضحاً من سيل لعاب الافواه الفاغرة ، والعيون التي تكاد تنط ، وتخرج من محاجرها على افخاذها ، وباقي مفاتنها .. يالها من امرأة ، صاح احدهم ، واو .. كم هي جميلة : هنيئاً لمن يمتطيها ، ويلتهم جسدها في نهلةٍ واحدة ، حاول البعض القفز الى المسرح بخطوات ثقيلة متعثرة ، ومترنحة .. تعرض لهم حراسها الشخصيين اصحاب العضلات المخيفة ، والشوارب المفتولة .. وعند انتهاء الوصلة ، يهدء الصخب ، ويسود سلام زائف على الجميع .. ثم تعود السهرة الى حالتها الطبيعية …
اما انا فتبسمرت نظراتي على المرأة ، ونسيت الراقصة ، طافت عيناي الغائمتان فوق وجهها ، وباقي جسدها .. قلت لنفسي : اين رأيتها يا ترى .. شكلها ليس غريباً علي ، يبدو ان ملامحها كانت مطبوعة في اعماقي دون ان ادري .. اختلج في اعماقي طيف بعيد .. لذكرى تأتي من لحظات باردة بعيدة .. ظللت أنظر في ذهول .. أتأمل وجهها ، واعصر ذهني ، واغمض عينيّ لعل الظلام يمنحني فرصة لافكر في هدوء ، واحاول ان انبش ذاكرتي ان كان عندي اصلاً ذاكرة في تلك اللحظة .. دخل قلبي يقين مؤكد بانني اعرف هذه المرأة .. !
وفي اليوم التالي عندما طارت السكرة ، وجاءت الصحوة ، بدءت البحث من جديد في أزبال الذاكرة التي كنت أوشك أن اختنق بتدافعها في داخلي .. ازحت اكوام الباهت منها ، واقصيت من شاخ ، قلبتها عاليها سافلها حتى عثرت على ضالتي .. يتشكل وجهها الجميل امامي فجأةً .. صرخت كالمجنون .. وجدتها ، وجدتها .. ملَك هي سوسو ، و سوسو هي ملَك !



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مخالب الشيطان … ! ( قصة قصيرة )
- قلوب لينة … ! ( قصة قصيرة )
- من أيام الحصار … ! ( قصة قصيرة )
- الفرصة لمن يقتنصها … ! ( قصة قصيرة )
- بائع الجرائد الاعرج … ! ( قصة قصيرة )
- أحلام مستحيلة … ! ( قصة قصيرة )
- لحظة شجاعة نادرة … ! ( قصة قصيرة )
- أرملة في بازار … ! ( قصة قصيرة )
- مشروع زواج فاشل … ! ( قصة قصيرة )
- هاشم الغبي … ! ( قصة قصيرة )
- موعد مع اليأس … ! ( قصة قصيرة )
- جريمة شرف … ! ( قصة قصيرة )
- مأساة ( حربونة ) … ! ( قصة قصيرة )
- يوم … في حياة زوج ، وزوجة ! ( قصة قصيرة )
- اللحظات الاخيرة قبل الرحيل … ! ( قصة قصيرة )
- زوج خائن ، و مخادع … ! ( قصة قصيرة )
- أستاذ علي … ؟ ( قصة قصيرة )
- ألارتماء في أحضان ألموت … ! ( قصة قصيرة )
- زواج مشروط … ! ( قصة قصيرة )
- لقاء عابر … ! ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- -من أعلام الثقافة العربية الأصيلة-.. هكذا وصف تركي الفيصل ال ...
- خطوة جرئية من 50 فناناً امريكياً وبريطانياً لدعم فلسطين!
- الفنان محمد عبده يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان
- مش هتغيرها أبدا.. تردد قناة وان موفيز “one movies” الجديد 20 ...
- دق الباب.. اغنية أنثى السنجاب للأطفال الجديدة شغليها لعيالك ...
- بعد أنباء -إصابته بالسرطان-.. مدير أعمال الفنان محمد عبده يك ...
- شارك بـ-تيتانيك- و-سيد الخواتم-.. رحيل الممثل البريطاني برنا ...
- برنامج -عن السينما- يعود إلى منصة الجزيرة 360
- مسلسل المتوحش الحلقه 32 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- -الكتابة البصرية في الفن المعاصر-كتاب جديد للمغربي شرف الدين ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - لسعة السياط … ! ( قصة قصيرة )