أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جعفر المظفر - مقتل رئيس جامعة البصرة مطلع السبعينات















المزيد.....

مقتل رئيس جامعة البصرة مطلع السبعينات


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 6772 - 2020 / 12 / 27 - 18:01
المحور: المجتمع المدني
    


تحدث الدكتور حميد عبدالله في الحلقة الأخيرة من برنامجه (تلك الأيام) عن حادثة كان لها صدى كبيرا في بداية السبعينات من القرن الماضي ألا وهي مقتل رئيس جامعة البصرة المرحوم الدكتور خليل الطالب على يد طالب الهندسة ورئيس الإتحاد الوطني لطلبة العراق في محافظة البصرة المرحوم موسى عبدالحميد.
لا شك أن الدكتور عبدالله صار يبذل جهدا كبيرا لتغطية عناوين برنامجه وتحليل المعلومات التي يحصل عليها بجهده البحثي أو تلك التي ترد إليه من مصادر ذات صلة بالحدث, وهو غالبا ما ينوه أن بإمكان أي شخص آخر بمعلومات مغايرة أو مضافة أن يدخل على الموضوع ليقترح التعديل أو الإضافة المناسبة.
إن إضافاتي هذه تأتي من هذا الباب, وقد رأيت أن أكتبها لأني عشت الحدث على مستويين, أولهما إنني كنت ناشطا في تلك المرحلة وصديقا قريبا من مسؤول الحزب في البصرة المرحوم (كاظم جعفر) الذي تمتد علاقتي به منذ عام 1966 وحتى العام الذي ذهبت إليه في داره في العشار من البصرة لكي أودعه قبل رحيلي إلى خارج العراق وبعد أن إشتد عليه مرضه القاتل, وكان ذلك قبل الإحتلال بشهر واحد.
كان الرجل شريكي في السكن بعد أن تم نقله في بداية عام 1971 من البصرة إلى بغداد وأذكر أنه أتى مرتين وبصحبته صديق مقرب إليه قدمه لي على أنه رئيس لفرع الإتحاد الوطني للطلبة في محافظة البصرة. وقد كان هذا الشاب هو نفسه موسى عبدالحميد الذي أقدم بعد عدة شهور على إغتيال رئيس جامعة البصرة الدكتور خليل الطالب والذي أمر أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية آنذاك بتعليق جثته أمام باب الجامعة في (التنومة) بإدعاء أن ذلك سيعيد هيبة الدولة التي كانت قد هزتها الحادثة المؤلمة.
في المرتين اللتين شارك فيها (موسى) مجلسنا في محل سكناي كان يبدو هادئا وخجولا, وكما أتذكر فإنه إلتزم الصمت في المرتين, ولا أدري إنْ كان ذلك هو طبعه في العادة أم أنه كان قد فضّل الصمت في حضرة ضيوف أغلبهم كان أكبر منه بسنين. وحسبت أن صمته ذاك قد أتى لوفرةٍ في الإحترام وليس لعِلّةٍ في اللسان, فلو أن الأخيرة كانت هي المانع لما تم إختياره لمهمته في رئاسة الإتحاد وهي مهمة كانت تشترط من ضمن ما تشترطه أن يكون صاحبها بلسان طلق ٍمبين.
ومع أن هذه الميزة عادة ما تحسب للإنسان المسالم المتصالح مع نفسه والآخرين, غير أنها ليست شرطا ملازما لسلامة صحته النفسية, فالمعروف أن الهدوء والصمت قد يخفي خلفه إستعدادات للعنف الشديد, وما أذكره على سبيل المثال أن (ناظم كزار) كان معروفا بصمته, إذ قبل أن يصبح هذا الرجل مسؤولا عن بناء أمن النظام البعثي الجديد ومديرا عاما للدائرة المختصة, فلقد كان عضوا في المكتب التنفيذي للإتحاد الوطني لطلبة العراق الذي شاركت فيه بصفتي مسؤولا عن الثقافة والإعلام. ولم أتذكر أن (كزار) كان قد تحدث أكثر من مرتين طيلة العام الذي سبق تفرغه لبناء المؤسسة الأمنية.
وبعد أن قام بمحاولته الإنقلابية للقضاء على حكم القبيلة الذي كان آخذا بالتوسع والإمتداد إستمعنا إلى صدام في قاعة الخلد وهو يشرح قصة (المؤامرة) معلقا على الصمت الذي عرف عن (كزار) : لا نريد صامتين في الحزب بعد اليوم. لكن, وبعد أن تمكن (صدام) من ترسيخ حكمه تبين أن النطق الذي نصح به هو فقط ذلك الذي يُمجده, شعراً أو أغنيةً أو مقالة.
وإذا عدنا عن صدام وكزار إلى (موسى عبدالحميد) فإن التطرق إلى صمته وأدبه لا يشي بالرغبة لتبييض صفحته, فليس من الأمانة أبدا أن نقول ما يرضينا وإنما الأمانة أن نقول ما نعرفه وما نعتقد بصحته, فإن تحدثت عن هدوئه وسلاسة معشره فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن دواخله كانت صافية كمظهره, وأن نواياه كانت طيبة كسلوكه, وإن من حق الذين عاصروه يوم أن كان طالبا وحزبيا في البصرة أن يبدوا آراء مختلفة ومخالفة قد تصل إلى النقيض مما أُبْديه, خاصة وأن زيارة أوزيارتين عابرتين لن تكفيان بطبيعة الحال لتكوين رأي نهائي عن أي إنسان.
لقد صار هناك إختلاف على تفاصيل الحدث فثمة من يقول أن فصل موسى من الجامعة كان بسبب الرسوب لثلاث سنوات متكررة, كما قال البعض أنه تم ضبطه وهو يمارس الغش وأنه ذهب إلى رئيس الجامعة يسأله المساعدة, وهناك من يؤكد على أن موسى كان بدأ دراسته الجامعية في البصرة ولم يكن أبدا من قبلها طالبا في جامعة بغداد, وإنه إضطر إلى قتل المسؤول الجامعي في لحظة إنفلات أعصاب بعد أن تبعه هذا الأخير شاتما ومتوعدا أمام الطلبة. كل ذلك سأتركه لمن كان في موقع الحدث نفسه. وإن ممن أثق في روايته من الأحياء هو الأستاذ إحسان السامرائي عضو قيادة تنظيم البصرة والمسؤول عن مكتبها الطلابي الذي كان ضمن أولئك الذين غدر بهم صدام بحجة إشتراكهم في المؤامرة المهزلة عام 1979. وكنت قد إستمعت إلى المرحوم كاظم جعفر مسؤول الحزب في البصرة آنذاك, والذي كان صديقا مشتركا بيني وبين موسى حيث قال يومها أن موسى قد مات مظلوما وأن الدكتور خليل الطالب سار إلى الموت بقدميه.
غير أن أفضل ما يمكن إسترجاعه لفهم أبعاد ذلك الحدث, أو الذي هو على شاكلته, أن جريمة القتل بحساب القانون قد تكون هي غيرها بحساب علم الإجتماع وعلم النفس. ولقد كنتُ من ضمن الذين عانوا آنذاك من إشكالية الحزب والسلطة وتبعاتها المرهقة, وهي إشكالية ترجع بنا إلى الأعوام التي تلت إنقلاب عام 1968, يوم كان هناك صراع بين الإدارات الرسمية بمختلف مستوياتها من جهة وبين المسؤول الحزبي أو النقابي من جهة أخرى, وكان هذا الصراع متفاوتا من حيث الحدة أو من حيث التمظهر.
بالنسبة لبعض المسؤولين الإدارين كانت العملية أشبه بمحاولة كسر الأذرع وليس لوْيها فقط, أما الغرض فهو تأكيد الهوية وإعلاء المركز وإبراز الذات, وقد بدت العملية على المستوى الإداري وكأنها حتمية لحسم من هو صاحب الكلمة الأولى في المؤسسة. أما السبب فلم يكن شخصيا بطبيعة الحال وإنما هو راجع للإشكالية التي خلقها وجود الحزب في حالة مواجهة مخفية مع جهاز الدولة القديم, وحيث لم يجرِ فك الإشتباك تماما بين المسؤوليتين الإدارية والحزبية.
إن الخلاف بين موسى المسؤول الإتحادي من جهة وبين رئيس الجامعة من الجهة الأخرى كان يتأسس إلى حد بعيد على طبيعة هذا الصراع وكان يتغذى به, وكان بعض دواعيه ضرب الآخر القوي حتى يهابك الناس ويخشوك. وليس معنى ذلك أن (موسى) لم يكن مقصرا في واجبه الحزبي والمهني حينما سمح لنفسه بالرسوب لعامين أو ثلاثة متتاليات, فالحزب الذي صار ثورجيا أكثر من اللازم حينما رفع شعار من لا ينتج لا يأكل ومن لا يعمل فهو غير شريف كان لزاما عليه منذ البداية أن يرفع شعار من لا يدرس ومن لايجتهد لا يصلح أن يكون مسؤولا إتحاديا. لأن المسؤولية الإتحادية والإحترام الذي يجب أن يناله الحزبيون الإتحاديون كان يجب أن يعتمد في أحد وجوهه على إلتزام الإتحادي بواجبه الدراسي وحتى التفوق فيه إذا ساعدته الظروف. لكن الأمر غالبا قد جرى عكس هذه الشروط, إذ كان كثيرا من الإتحاديين يعولون على مراكزهم أكثر مما يعولون على عقولهم. وكان من ضمن الخطوات التي إقترَحناها عام 1969 لتشذيب هذا الواقع المربك هو غلق الدفاتر الإمتحانية على أسماء اصحابها وإستبدالها بالأرقام التي ستعفي الأستاذ من الضغوط التي قد تمارس عليه من قبل الإتحاديين أو الطلبة الحزبيين.
في ذاك الزمن البصري بدى تكرار رسوب موسى عبدالحميد وكأنها فرصة أمام الرئيس المقتول لكي يثبت هويته وجدارته وكفاءته ومقدرته وزعامته على حساب مكانة رئيس الإتحاد, وقد وجد هذا الموظف الكبير الفرصة لكي يؤكد لموظفيه أولا وللطلبة ثانيا بأن لديه قدرا كبيرا من الشجاعة لكي يواجه الحزب ومنظمته الإتحادية ويحسم من هو صاحب الكلمة الأولى في الجامعة. ولو أن موسى عبدالحميد كان قد غش في الإمتحان فقد كان مفترضا أن لا يُسمح له بتكملته, أو على الأقل الإعلان عن حادثة الغش بعد إنتهاء الإمتحان مباشرة وليس الإعلان ذلك بعد ظهور النتائج.
ولم يكن ذلك قد جرى بطريقة القوة الناعمة, بل أن ما دعى إلى جريمة القتل نفسها هو خروج رئيس الجامعة من غرفته مهددا القاتل بلغة شتائمية محرجة وكأنه يؤدي مشهدا من مشاهد إستعراض القوة وتأكيد الهوية وغلبة الذات.
إنها لحظة من إنفلات الإعصاب تشارك فيها القاتل والقتيل.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لقاح بدهن الخنزير
- دولة البصرة ودولة الموصل
- رفع الإصبع الوسط في وجه الحاكم الغلط.
- حينما تذكرت الجلبي.
- العزيزان : عزيز السيد جاسم وطارق عزيز (2)
- العزيزان : عزيز السيد جاسم وطارق عزيز (1)
- شيطنة العدو .. بين تعنت الإيديولوجيا ومستحقات السياسة
- إنقلاب تموز عام 1968 ومشاركة عبدالرزاق النايف*
- 17 – 30 تموز ... (1)
- وقد يتعدد الجلادون وتختلف الأسواط لكن المجلود واحد
- ترامب أيضا لا يريد أن ينطيها
- ما هكذا يكتب التاريخ*.. عن العراق الملكي وهل كان طائفيا
- حرب السبعينات بين النجف وكربلاء (4)*
- العراق بين بكائيتين
- حرب السبعينات بين النجف وبغداد .. (3)*
- حرب السبعينات بين النجف وبغداد (2)*
- بضعة أفكار عن قضية الإعتراف الإماراتي بإسرائيل.
- المشكلة العراقية والمشكلة اللبنانية
- قلبي مع الموصل كما هو مع بيروت
- كابوسي البيروتي الذي تحقق


المزيد.....




- عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس تحتشد أمام مقر القيادة العس ...
- استئجار طائرات وتدريب مرافقين.. بريطانيا تستعد لطرد المهاجري ...
- تعذيب وتسليم.. رايتس ووتش: تصاعد القمع ضد السوريين بلبنان
- كنعاني: الراي العام العالمي عازم على وقف جرائم الحرب في غزة ...
- كيف تستعد إسرائيل لاحتمال إصدار مذكرة اعتقال دولية لنتنياهو؟ ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بش ...
- الأمم المتحدة: الطريق البري لإيصال المساعدات لغزة ضرورة
- الداخلية التركية تعلن اعتقال 23 مشتبها بانتمائهم لـ-داعش- بع ...
- تقرير كولونا... هل تستعيد الأونروا ثقة الجهات المانحة؟
- قطر تؤكد اهتمامها بمبادرة استخدام حق الفيتو لأهميتها في تجسي ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جعفر المظفر - مقتل رئيس جامعة البصرة مطلع السبعينات