أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - مدخل إلى عصر الرعب: البرج السادس















المزيد.....



مدخل إلى عصر الرعب: البرج السادس


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6761 - 2020 / 12 / 15 - 21:55
المحور: الادب والفن
    


1
شمسُ الصيف اللاسعة، جعلت الأشجارَ تلوحُ سقيمةً ومتهدلة الأغصان. لكن الحرارة المرتفعة لم تمنع الخلقَ من التجمهر على طول الطرقات، المفضية إلى سرايا الدولة. كنا في اليوم الأول من عيد الأضحى المبارك، الموافق للعاشر من ذي الحجة. موكبٌ كبير، يتألّف من مختلف الطرق الصوفية، كان يسير باتجاه قصر الوالي، بخرقه الملونة وطبوله ومزاميره، فيما الرايات تخفق فوق رؤوس أفراده العارية وأسمالهم الخَلِقة. في مقدمة الموكب، مشى عددٌ من حاملي مجامر الند والبخور، يطلقون نداءً يحيّ رب العالمين، فيُردد صداه بقية الموكب. النداءُ، المترافق مع طرق الطبول والدفوف وألحان المزامير، جعل الحماسة تدبّ في الخلق المتجمهرين، بالأخص حينَ عمد بعضُ الصوفيين إلى عرض قواهم الخارقة؛ من قبيل الدوس على الجمر المشتعل بالأقدام الحافية أو بغرز السيخ في الخصر ليخرج من الجنب. هذه المواكب المحتفلة، كانت تلاقي استهجانَ المتزمتين، لكنهم اعتادوا عليها منذ عهد أسعد باشا. خَلَفُهُ على رأس الولاية، مورلي باشا، لعله شجّع هذا العام احتفالَ العيد بطريقة صاخبة كي يُلهي الأهالي عن ذكر واقعة المحمل الشريف.
لقد فكّرتُ بأسى يومئذٍ، أنني كنتُ الآنَ مع الحجّاج، أطوف حول الكعبة المشرّفة، لولا إعتراض قافلتنا من قبل الأعراب. إذاً مضى نحو شهر على عودتنا من منتصف الطريق إلى الحجاز، وكان شهراً حافلاً بالأقاويل على لسان الجميع، المترقبين خبراً مهماً من جانب الأستانة. أخيراً حضرَ الصدرُ الأعظم، المدعو شتجي باشا الدياربكرلي، يجر في أذياله جيشاً جراراً. كونه جعل حلب مكانَ تجمّعٍ للعساكر، القادمة من مختلف الولايات، فإنه وليَ على المدينة لفترة قصيرة. في الأثناء، قدم وفدٌ من ناحية شاه العجم، للتفاوض حول سبايا فارسيات كن قد وقعن بالأسر أثناء قيام الصدر الأعظم بحملة في أطراف البلاد العراقية. ثمانية فيلة، كانوا من بين الهدايا، التي أحضرها الأعاجمُ معهم وذلك على سبيل الصداقة وتسهيل الأمور. لاحقاً، عندما تحرّك شتجي باشا باتجاه الشام، جعل الفيلة في مقدمة موكبه. وما لبثت هذه الحيوانات الغريبة أن ظهرت في موكب العيد، وكان أهالي الشام يرونها للمرة الأولى. كانت فيلة مدربة، يأمرها الرجال الأعاجمُ المتولون شئونها بمد خراطيمها كي يصافحها الأطفالُ، الذين جاؤوا مع آبائهم للاحتفال بالعيد ومشاهدة الموكب.

سألتُ باسيل، الذي جاء إلى منزلي كي يهنئني بالعيد: " هل حصلت تجاوزاتٌ من قبل العسكر، المرافق للوزير؟ ". كنت في هذا اليوم معفياً من الخدمة في الديوان، وبالأمس شاركتُ مع زملائي بتهنئة الوالي. كوني مسئولاً عن المراسلات، علمتُ قبل الجميع بخبر قدوم شتجي باشا إلى المدينة بهدف التحضير لحملة تأديب الأعراب. القوات، المجلوبة مع الوزير، كان غالبيتها يتألف من السباهية [ أي الفرسان ـ ملاحظة المدقق ]، وهؤلاء معروفون بالميل إلى الاعتداء على الحريم والسلب والنهب.
قال لي باسيل، رداً على سؤالي: " لم يقترب عسكر الوزير من حينا، وربما سبقَ وشدّدَ عليهم بالتزام الانضباط وعدم التعرّض للناس حتى لو كانوا من النصارى واليهود والمتاولة ". لقد لاحظتُ بنفسي ذلك الانضباط، حينَ ذهبتُ صباحاً لمشاهدة موكب الاحتفال بالعيد. لكن صديقي النصرانيّ لم يجرؤ على الذهاب، كذلك لم أرَ أحداً من أبناء ملّته في مكان سير الموكب. مع أنني وغيري من المسلمين، نهرع أحياناً لمشاهدة مواكب النصارى في أعيادهم، وكان يُسمح بها لو وصل فرمان بذلك من جهة الباب العالي. هذا الأخير، كان سماحه مشروطاً بحُسن علاقته مع الدولة الأوروبية، المعتبرة حامية لطائفة معينة من النصارى. هكذا كنتَ ترى الملكيين، على سبيل المثال، يحتفلون علانية بعيد ميلاد السيّد المسيح.. بعد أسبوعين، لما يحين احتفال المشاقين بنفس المناسبة، فإنهم يتلقون قراراً بالمنع؛ ويعلم الجميع عندئذٍ، أنّ الباب العالي علاقته سيئة مع قيصر المسكوب.
عندما هبط الظلام، اقترحتُ على باسيل أن نطل على صديقنا، ربيب الأحاجي. لكنه اعتذر، خشيَة اعتراضه من قبل أفراد عسكر الوزير: " حقاً إنهم مُنعوا من اقتحام حاراتنا، غير أنهم لن يمتنعوا عن مسك نصرانيّ وبلصه المال لقاء إطلاق سراحه "، قال لي. تهيأ للانصراف، بعدما عرفَ نيّتي زيارة صديقنا برو لتهنئته بالعيد. وإذا هذا الأخير يظهرُ مع خادمي، وكانا قد التقيا بالقرب من البيت. بعدما قدمتُ للضيف التهنئةَ المطلوبة، هنأني بدَوره على الوظيفة الجديدة. علمتُ عندئذٍ أن خادمي أخبره، لما التقيا قبل قليل على سبيل المصادفة. التفتّ من ثم نحو باسيل لأطلب منه البقاء. مضيفاً: " سنتعهّد فيما بعد ايصالك لمنزلك ". لحظتُ شحوباً شديداً يعتري سحنة صديقنا برو، فرجّحتُ أنه نتيجة السهاد والارهاق. قلتُ له: " أعجبُ من قلة نومك، برغم أنك تقضي جل النهار بحمل أغراض الآخرين من تجار ومتسوقين؟ "
" لا يَسأل عن حال المُدنف، مَن كان سبباً بهذا الحال "، غمغمَ برو وهوَ يتنهد. عادةً، كنتُ أتفكّه عندما أسمع كلامه الغامض وغير المألوف. لكنني في الآونة الأخيرة صرتُ أكثر تحفّظاً، وأكثر إشفاقاً على حاله. لم نكن قد التقينا منذ ليلة الوليمة عند كبير حيه، وكان وقتئذٍ قد سلمني الورقة، المبثوث فيها لواعجُ عشقه المستحيل.
عندما عدنا معاً، عقبَ توصيل باسيل إلى بيته، أخبرته ببعض تفاصيل لقائي بالسلطانة. لم يُعلّق على كلامي. لكنني لما ودعته بدَوره أمام باب بيتي، قال لي وقد ارتسمت ابتسامة ساخرة على طرف فمه: " عندما تمضي أنتَ مع الوزير بحملته على الأعراب، ستؤثر السلطانة صحبتي بسبب ضجرها ". أردتُ أن أذكّره، بأنني لستُ رجل حرب كي أرافق الوزير، لكنه كان قد دار وجهه وبدأ بالابتعاد مع ظله العملاق.

2
الشكوك الأولى، بتحقق نبوءة صاحب الأحاجي، راودتني عندما ظهرَ حاجبٌ على باب بيتي ليطلب مني مرافقته إلى الديوان. كان الوقتُ صباح اليوم الثاني للعيد، وكنتُ قد نمتُ متأخراً بما أنني أحظى بعطلة لمدة أربعة أيام. استمهلته ريثما أرتدي ملابسي، وفي الأثناء كان خادمي ينق حولي بأقوالٍ، مفعمة بالتطيّر على مألوف عهده في هكذا مناسبة. تركته يثرثر، وما لبثت أن ركبت العربة المشدودة بالخيل، لتنطلق بنا عبرَ دروب الحي باتجاه المدينة القديمة. في خلال مرور العربة بالسوق، انتبهت لخلوه من أفراد السباهية، الذين اعتادوا على التواجد لازعاج الخلق وبالأخص النسوة. قدّرتُ أن الوقتَ مبكرٌ، أو أنهم لم يفيقوا بعد من سهرة الأمس في هذه الحانة أو ذلك المبغى.
" سعادة الوزير يُتوقَّع حضوره الديوان، وأظنّ أنه صاحبُ الدعوة "، قال لي أحد زملائي من معاوني الوالي. وبالفعل، ظهرَ شتجي باشا في آخر الرواق، وكان الوالي برفقته. عجبتُ من منظرهما، وكانا يسيران معاً بكل هدوء وبشاشة. إذاً العريضة بحق باشا الشام، فكّرتُ، لم توتِ أكلها؛ ما لو حكم المرءُ على المظاهر. لكن من مألوف عادات الباب العالي، أن يضربَ المعنيَّ عندما يكون هذا بأقصى حالات اطمئنانه ورخائه ودِعَته. أوقفتُ تيارَ افتراضاتي، لما صارَ الرجلان بحَذائي ثم تجاوزاني إلى قاعة الديوان. على الأثر، ظهرَ حاجبٌ ليطلب منا الدخول. كان الوزيرُ جالساً على السدّة الخشبية، المهيمن عليها مظلة من نفس المادة على شكل قبة صغيرة يتخللها النقوش والزخارف. أخذنا مكاننا وقوفاً بجانب الوالي، وكان هذا الأقرب لمجلس الضيف عالي الشأن. وربما عليّ وصف الرجل، كونه سيظهر في الصفحات التالية، المفصّلة سيرَ الحملة على الأعراب: شتجي باشا، كان بالأصل من بلاد الأكراد، التي يتسم أهلها بالقوة والعناد والمراس الشديد. هيئته كانت على جانب كبير من الهيبة، ولا أتكلم بالطبع عن قيافته، ولا شك أنها فريدة ببذخها وتأنّقها. لقد كان فارعَ القوام، متينَهُ، رأسُهُ صغيرٌ، يطل منه عينان وادعتان لكن فيهما بريقٌ يُنذر بالغضب لأقل الأسباب. لحيته الصهباء، وكانت تصل إلى صدره، علمنا لاحقاً أنها تعبّر عن ورعه وتديّنه. كان عالماً، لديه عدة تآليف في الفقه والتفسير.
خاطبنا الوزيرُ، منقلاً عينيه بيننا: " أظنكم تعلمون، بأنني انتزعتكم من بهجة العيد لأمر هام ومستطير. مع ذلك، الكل يعلم بالتحضير للحملة بما فيهم العامّة. وأعلمُ أيضاً، أن للأعراب عيونٌ في المدينة كي تنبئهم بتحركاتنا. هذا معناه، أن شرطاً مهماً لنجاح الحملة سيُنحّى جانباً؛ وهوَ المفاجأة. لكننا نحتفظ بشرط آخر، بذلناه للعدو حينَ استعرضنا قواتنا الكبيرة والمجهّزة جيداً. مثلما يفعل النسر عند ظهوره في السماء لعينيّ أرنب مذعور؛ كذلك نأمل أن يكون ظهور قوتنا بأجلى صورة في أعين أولئك الأعراب الكفرة والمنافقين ". توقفَ الوزير لاسترداد أنفاسه، وفي الأثناء لحظتُ تكراره لمفردة " العلم "، المتوافقة مع اهتماماته الفكرية المذكورة. لما عاد ليتحدث، اكتفى ببعض التوصيات عن ضرورة الحزم في جعل المدينة بعيدة عن الفوضى بغياب العسكر. وقال أن الوالي سيبقى على رأس وظيفته، وكذلك أركان الديوان. لكنه تساءل، عمن يُجيد بيننا كتابة انطباعات عن الحملة يُمكن أن تفيد لاحقاً المؤرخين والمدونين. هنا، أومأ الوالي نحوي، مخاطباً الوزير بتهيّب: " السيّد حسن البرزنجي، هوَ الكاتب في الديوان مثلما أنه كان بالأساس مدرّساً في المدرسة الشامية الكبرى ". لكنه لم يذكر حقيقة أخرى، وهيَ أنني كنتُ ضمنَ المحمل الشريف عندما هاجمه البدو. لعله لم يشأ النبشَ مجدداً بتلك الذكرى، المؤلمة والمخزية في آنٍ معاً.
" إذاً، ينضمّ كاتبُ الديوان إلى الحملة ويكون من جُملة حاشيتي "، قالها شتجي باشا ثم ما لبثَ أن أعلن انفضاض جلسة الديوان. عددٌ من الأعضاء، ممن دأبوا على حسدي على وظيفتي، برقت عيونهم في الأثناء: لقد تهللت نفوسهم، ولا ريب، لامكانية ذهابي مع الحملة دونَ رجعةٍ أبداً.

مساءً مررتُ على صاحب النبوءة، وكان في نيّتي أن أودّعه أيضاً. لم يكن من المعلوم، تحديداً، موعد انطلاق الحملة؛ ولو أن أغلب التوقعات تُداور على اليوم المُعقّب انتهاء العيد. فوجئتُ بوجود الطواشي عند صديقنا، وقال هذا أنه وصل لتوّه. أخبرتهما حالاً بنبأ ضمّي إلى الحملة، وفق الملابسات المعلومة. تمادى عندئذٍ المضيفُ في سخريته، بترديد القول المأثور: " ما كل مرة، تسلم فيها الجرّة ". لكنّ حكيم بادر بالشد على يدي، متمنياً ليَ سفرة موفقة والعودة تحت رايات النصر. عقّبتُ بالقول: " ربما يُتاح لي القيام بأداء العُمرة، بما أن موسمَ الحج فاتني. والواقع أنني لا أعلم لو يُتاح لي الحج في السنين القريبة القادمة، بسبب مشاغل وظيفتي الجديدة ". ثم عرّجتُ على موضوع استمرار الوالي بمنصبه، برغم وصول الصدر الأعظم مع العسكر.
علّقَ حكيمُ بالقول، رامقاً المضيفَ من جانب عينيه: " بل إنّ مورلي باشا، فوقَ ذلك، كوفئ بصدور أمر الباب العالي بزواجه من مولاتنا السلطانة. وبطبيعة الحال، لن يقام أي حفل لا هنا ولا في الأستانة وذلك بسبب ما جرى للمحمل الشريف ". بدَوري، راقبتُ صديقنا برو وكان قد انتفضَ لدى ذكر الخبر. شعرتُ بالشفقة نحوه، وأنه ما زال يتعلّق بالسراب. لكنني، في المقابل، انتظرتُ ما يعلّق به على الخبر. بقيَ ذاهلاً عن بقية حديث الطواشي، وكان هذا يواصلُ الكلامَ عن ارتياح مولاته لقرار شقيقها السلطان وذلك لشدة شغفها بالشام.

3
مثلما كان متوقعاً، انطلقت الحملة عقبَ انتهاء العيد، وكان في وداعها الوالي والأعيان والعلماء وقادة الأصناف. كان موكباً شبيهاً بسابقه، الذي سار بالمحمل الشريف قبل نحو شهرين ـ تقدّمه قارعو الطبول ورافعو الأعلام. قطع المدفعية، كانت تسير في الخلف، محمولة على عربات مشدودة بالخيل. في المقابل، كان عدد الجمال قليلاً؛ وكنتُ أمتطي أحدها. المطبخ المتنقل، الموضوع بخدمة العسكر، جعلني أستغني عن جلب الزاد. علينا كان أن نمضي النهار الأول على أراضي بر الشام وحوران، حتى إذا انتشر الظلامُ توقفنا كي نتناول العشاء ومن ثم نخلد للنوم. مع مغادرة المعسكر أرضَ الولاية عند مشارف شرقي نهر الأردن، بدأ الهواء الصحراويّ الساخن يلفح سحنتي، ما جعلني أحتمي باللاثة. كنا في أوج هاجرة الصيف، وما زلنا في أول الطريق تقريباً، أين تتخلى الأراضي الزراعية عن مواقعها لزحف البيداء. وكنا نزحف بدَورنا، مودّعين المناطق الآهلة ومستقبلين الأرضَ الموات.
" على رسلك، يا أخي "، سمعتُ أحدهم يصيحُ من خلفي. لما حاذاني، وكان راكباً أيضاً على جمل، عرفتُ فيه رجلاً من أعوان شتجي باشا، سبقَ أن التقيته في ديوان الولاية. ذلك كان لما نحّى جانباً من العمامة، المغطية وجهه، الملتمع فيه عيناه من أثر حمّى الهاجرة. عرّفني على اسمه ومركزه: " يدعونني عمر أفندي، وأشغل وظيفة دفتردار الباشا ". لكن لم يتسنّ لنا تبادلَ حديثٍ حقيقيّ إلا على أطراف بلدة معان، لما وقف المعسكر بغيَة الراحة وتناول الغداء. أعلمني الرجلُ أنه بالأصل من نواحي دياربكر، فتساءلتُ بالكردية مبتسماً: " أي أنك والباشا من نفس الموطن، أليسَ صحيحاً؟ ". تحدثنا قليلاً بلسان الأم، لكننا عدنا إلى العربية بسبب صعوبة التفاهم بين اللهجتين، الجنوبية والشمالية. مع ذلك، سررتُ بهذه الصُحبة، كون الرجل من المحسوبين على أهل الوظيفة وليسَ من عناصر العسكر. في الأثناء، أصبنا شيئاً من الطعام. قبلَ أن نُأمر ثانيةً بمتابعة المسير، استأذن الرجلُ بالذهاب إلى خيمة الباشا لشأن ما على أن يعود إليّ لاحقاً.

بلغنا أخيراً الصحراء الحقّة، وكنتُ أعرف الآنَ أننا على الطريق المؤدي إلى مدينة تبوك. بين فينةٍ وأخرى، كنتُ أخرج كناشي لتسجيل ما تراه عيني من مشاهد. كان جملي يخطو على مهل على الأرض البور، وأحياناً يتوقف لو عثرَ على دغلٍ شوكيّ يانع كي يقضم سيقانه الخضر بشراهة. لم ينعدم أيضاً وجود الواحات على طريقنا، ما جعل الحيوان في غاية السعادة وهوَ يغوص بالتربة الرطبة أو ينهل من معين أحد الجداول. ما لبثَ عمر أفندي أن انضمّ إليّ، وكانت الشمسُ تميل إلى الغروب. كان كل مرةٍ يسألني بفضول، عما سجّلته في الكناش. لقد علم بسبب زجّي في هذا المعسكر، برغم صفتي الوظيفية، فعلّقَ بالقول: " لعلنا نحظى بمؤرخٍ، بعدما أجدبت المعارف عندنا من هذا النوع من العلم. أعتقدُ أنه منذ سقوط دولة المماليك، لم يعُد أحدٌ يعتني بتدوين التاريخ في مشرقنا الإسلاميّ "
" بلى، لقد تراجعت العلومُ الأخرى أيضاً في عهد بني عثمان. لا غرو أن تغلبنا ممالك الفرنجة، وذلك لتقدمها علينا بمجالات المعرفة كافةً "
" الملامة تقع على هيئة العلماء وقادة الانكشارية، الذين رفضوا دوماً سياسة الاصلاحات. فكم من سلطانٍ، دفع حياته ثمناً لمحاولته إدخال العلوم الحديثة إلى الجيش والدولة. هذا، عدا الفساد المستشري في كل مفاصل الحياة. الباب العالي، يكتفي بعزل الوالي ومصادرة أمواله مع معرفته أنها مال حرام أنتزع ظلماً من الرعية "
" حقاً كان بودي أن أسألك، ما لو ثمة خبر عن والي الشام السابق؟ "، سألتُ رفيقَ السفر. وكنتُ قد غفلت من قبل عن هذا الموضوع، بسبب غلبة أحداث معيّنة خلال الأشهر المنقضية. تساءل مبتسماً، لافظاً اسمَ ذلك الوالي مثلما دأب الشوام على فعله: " أتقصد سعدو باشا؟ ". ثم تكلّفَ لهجة جادة، لما أضافَ: " يلوحُ لي أنك لم تعرف ما جرى له؟ وإذاً، إعلم أنه وجد مخنوقاً في حمام قصر الولاية بمدينة سيواس، وكان قد نزل بضيافة القصر في خلال الأشهر الأخيرة. يُقال، أنّ وزيراً من ديوان الباب العالي هوَ مَن تولى ترتيبَ قتل الرجل. كذلك سمعتُ، أن هذا الوزير كُلّفَ بالذهاب إلى الشام لحصر ممتلكات القتيل تمهيداً لمصادرتها "
" أعجَبُ من القانون، المبيح للسلطان وراثةَ ولاته ووزرائه مع وجود أولادهم وحريمهم على قيد الحياة؟ "، علّقتُ على الخبر. أومأ إلى ناحية خيمة الباشا، وقد التمعت عيناه: " بل وهذا غالباً مصيرُ المتسنمين منصب الوزير الأعظم، سواءً عزلوا أو تقاعدوا ". أردتُ أن أقولَ شيئاً، لكن صوتَ بوق المعسكر تصاعد على حين فجأة. قلت عندئذٍ بلهجة العارف، بناءً على تجربتي السابقة: " أعتقدُ أننا سنبيت هنا في هذا الوادي، وفي الغد ندخل إلى مدينة تبوك ". بينما كنا نعدّ منامتينا في الأرض المكشوفة، المهيمن عليها ظلال النخيل، كان جملانا يتعانقان بود بتقاطع رقبتيهما. المشاعل، أعطت لمشهد المعسكر بُعداً خرافياً وسط هذا الوادي، الورديّ اللون، والمحيطة به الجبال كأشباح العماليق. على خلاف شعوري فيما مضى، لما هجعنا مع المحمل الشريف في ذات الوادي، كنتُ الآنَ خالي البال من أيّ هواجس ومخاوف: هذا المعسكر اللجب، كان في وسعه غزو مملكة كفّار؛ بله في مواجهة قبيلة من الأعراب، بعدد مقاتليها الزهيد وعدّتها البدائية. لكن غابَ عن بالي، أننا كنا وقتئذٍ قد أضحينا على خط المواجهة الأمامي ولن تلبث المعركة أن تبدأ.

4
رقدتُ في هذا المكان المستوحش، المهيمنة عليه قبة السماء بقمرها ونجومها، وما كان أسرع استسلامي للنعاس. أفقتُ أولاً على صوت النفير، الداعي لأداء صلاة الفجر، وكانت الخيوط الأولى من الشفق قد أمحت تقريباً أثرَ النجوم. عقبَ الصلاة، التي أديتها مع رفيق السفر، عدنا إلى النوم. لعلني غفوتُ ساعةً أو نحوها، عندما تداخلت مع الحلم أصواتُ سنابك جيادٍ كأنها آتية من عالم آخر. وهذا عمر أفندي يُبادر إلى إيقاظي، وبالكاد تعرفتُ على شخصه وأنا بين المنام والواقع. كلامه، المفيد بأننا نتعرضُ لهجومٍ، ضاع وسط الصيحات الوحشية والطلقات النارية، المملوء بها جو المكان. بحركة تلقائية، رميتُ نفسي خلفَ الجمل، وكانت عيناه مفتوحتين وفمه يتحرك. لم أكن مسلحاً سوى بالخنجر، المغروس في زنّار وسطي، وكنتُ أنحّيه جانباً وقت النوم. لكنّ الهجومَ لم يستمر سوى لدقائق، ثم عاد الهدوء للمعسكر وكما لو أن ما جرى كان من تضاعيف الكابوس.
ذلك كان، في حقيقة الأمر، اختباراً لقوة الحملة من جانب الخصم، الذي ينتظرُ المواجهة في مكانٍ آخر، إختاره وأعدّه بشكل جيد على أغلب تقدير. بيد أنّ الباشا وأركان حربه، لم ينساقوا إلى الفخ. في المقابل، تم إرسال قوة استطلاع وراء ثلة المهاجمين المنسحبة، لكي تحاول معرفة مكان إنتشار القوة الأساسية لأفراد القبيلة. كان النهارُ قد انتصفَ، لما عادت قوة الاستطلاع إلى المعسكر مع معلوماتٍ عن مضارب قبيلة حرب، المنتشرة عادةً في شرق مدينة تبوك. بعد صلاة الظهر ودفن قتلى الهجوم، وعددهم أربعة، تناولنا الغداء على عجل. في الأثناء، كانت الخيام تقتلع من أرض المعسكر والعربات المشدودة بالخيل تتهيأ لجر قطع المدفعية والتجهيزات الأخرى. لضيق الوقت، لم أستطع كتابةَ شيءٍ في كناشي. غير أنني كنتُ مملوءاً بالنشاط والحيوية، متهيئاً للتحرك على جملي عند سماع صوت البوق. برغم حر الصحراء اللاهب، كان النسيمُ النقيّ يتسلل إلى هذه الواحة المتوحّدة، التي ستستعيد سريعاً جلالَ صمتها غبَّ مغادرتنا لها.

أكملنا سيرنا باتجاه الشرق، وكنا نتحركُ ببطء تحسباً من احتمال التعرّض لكمائن في خلال الطريق. لم نتوقف سوى مرةً واحدة، وذلك بالقرب من مدينة تبوك، حينما قدم بعضُ آمري قلعتها لتحية الباشا والتشاور معه بأمر المعركة. لعلني لم أذكر بعدُ، أنني كنتُ أوافى بالمعلومات الضرورية، أولاً بأول، عن طريق أحد عناصر الحملة، المرافقين للباشا. هذا الأخير، هوَ مَن أمرَ بذلك؛ كوني بمثابة المؤرخ المُعتَمد للحملة. من خلال حامل المعلومات، عرفتُ أن آمري الانكشار ية أبدوا امتعاضهم لعدم اهتمام الباشا بالمكوث في تبوك أو طلب المساعدة العسكرية منهم. سجّلتُ بعض الوقائع في كناشي، وذلك حينما وقف المعسكر للمبيت على بعد مسيرة يوم من تبوك. ثم ما لبثت السماءُ أن ترصّعت بالنجوم، وآن وقتُ الاخلاد للنوم. كمألوف العادة، تم إيقاظنا على موعد صلاة الفجر. لكننا لم نعُد ثانيةً للرقاد، بما أن عملية رفع المعسكر كانت على قدم وساق. كان واضحاً، أن ساعة المعركة الفاصلة قد اقتربت. هذا، مع أنّ الصحراء المترامية حولنا كفراغٍ هندسيّ، كانت توحي بأننا نطاردُ مخلوقاً خرافياً.
ظفرنا بخصمنا في أوان الظهيرة، وكان غافلاً على أرجح تقدير. كنا قد أشرفنا من صخرة كبيرة على واد صغير، أشبه بواحة، أينَ نُصبت مضاربُ القبيلة المطلوبة. عمد قائدُ حملتنا لسد منافذ الوادي بإحكام، وذلك قبل أن يأمر المدفعية بصب حممها على الخصم. بقيتُ ورفيق الرحلة في مكاننا فوق الصخرة، نتتبع سيرَ المعركة ونحن نلهثُ من الحماسة. كان فرساننا قد انحدروا بعد توقف القصف عبرَ ممر صخريّ، لا بد أن القبيلة المارقة استخدمته طوال قرون من الزمن لمهاجمة القوافل التجارية المارة في الطريق إلى تبوك. وهيَ ذي القبيلة تتعرضُ للهجوم، وكان من الضراوة أنّ دخانَ القنابل وغبارَ سنابك الخيل قد حجبا رؤية الوادي بأسره. في أثناء ذلك، بقيَ العنصرُ المكلف بنقل المعلومات يُهرع إليّ بين فينةٍ وأخرى كي يضعني في صورة المعركة. لكنني لم أمد يدي إلى الكناش، مؤثراً تتبع المعركة بعينيّ وليسَ على الورق. استمر القتالُ حتى فترة العصر، وعند الأصيل حضر صاحبُ المعلومات كي يبشّرني بانكسار العدو والاستيلاء على مضاربه: " وأنتَ مدعوٌّ لرؤية خيمة الشيخ صخر، لتراه وقد وقع بالأسر مع معاونيه "، إختتم حديثه بنبرةٍ فخورة.
الأسطر الأخيرة، سجّلتها في حقيقة الأمر بمكان إقامتي في قلعة تبوك، التي عُدنا إليها بعد انتهاء المعركة. موكبُ الباشا، كانَ قد دخلَ إلى المدينة جاراً خلفه الأسرى، المغلولين بالسلاسل الحديدية وفي مقدمتهم الشيخ صخر. وكنتُ قد التقيتُ هذا الأخير في خيمته، بناءً على طلب الباشا. كان آنذاك قابعاً وسط الخيمة، مقيداً وملفوفاً بالعار كونه استسلم ولم يمت على أرض المعركة. سحنته، كانت شبيهة بالذئب الصحراويّ، الذي كان أفراد الحملة يطاردونه ويصطادونه في خلال المسير، وذلك منذ استقبالنا البيداءَ إلى الجنوب من بلدة معان. شهدتُ وقتئذٍ مخاطبةَ الباشا للشيخ، وتقريعه الشديد له على جرأته على مهاجمة المحمل الشريف وسبي النساء بعد سلبهن بطريقة مهينة لا يُدانيها الكفّار. وعليّ كان أن أحضر إعدامه في ساحة القلعة مع عدد من معاونيه، بعد وصولنا بيومين. تدحرجَ رأسُ الشيخ أمام عينيّ، بينما جسده تخبّط للحظات وسط بركة من الدماء. فيما بعد، أرسلت الرؤوسُ إلى الأستانة وهيَ في براميل مملوءة بالخل كي تُعرضَ أمام سلطان الكون.

5
أبدى شتجي باشا إعجابَهُ بالتذكرة القصيرة، المخصصة لسرد تفاصيل الحملة على الأعراب. ولقد سمحَ لنفسه أيضاً بقراءة معلومات سابقة، كانت مسجّلة في الكناش. قال لي عقبَ دفعه الكناشَ إليّ، بينما يحدّق بعينيّ في إمعان: " قرأتُ ما وردَ من أخبار ذلك الرجل، المدعو بالنبيّ كيكي، وكنتُ قد سمعتُ به وأنا بعدُ في تخت السلطنة. وربما أرغبُ بلقاء الرجل، لدى عودتي إلى دمشق ". ثم أضافَ بنبرة لطيفة: " لعلك عرفتَ بأن لديّ تآليفاً في السيرة والفقه، ولا مانع عندي من إطلاعك عليها لو كنتَ سترافقنا في طريق العودة؟ "
" أرغبُ يا سيّدي، من بعد الحصول على إذنك، بأداء مناسك العمرة؛ كوني حُرمت من الحج، بسبب هجوم البدو على محملنا الشريف. لكنني سأكونُ مسروراً ولا شك بقراءة تلك المؤلفات، عند إيابي للشام "، أجبت بشيءٍ من الخجل والحَرَج. هزّ رأسَهُ بحركة تعبّرُ عن التفهّم، وسمحَ لي بالذهاب لأداء العمرة. لكن لن يُقدّر لي لقاءُ شتجي باشا مرةً أخرى، ولا الاطلاع على تآليفه في حياته: برغم قضائه على شيخ القبيلة المارقة وعودته منتصراً من الحرب، صدرَ أمرُ الباب العالي بعزل الباشا من الوزارة وإحالته على التقاعد. عامٌ واحدٌ على الأثر، ثم تم التخلّص من الرجل بنفس الطريقة تقريباً، التي أنهت حياة سعدو باشا.

مع أنني اكتسبتُ دِرْبَةً بمعرفة الصحراء، شئتُ العودة إلى دمشق بحراً. كان ذلك عقبَ معرفتي بأن سفينةً تستعد للاقلاع باتجاه الأستانة، وأنها ستقفُ في طريقها بمرفأ بيروت. كانت هيَ المرة الأولى، أترك نفسي محمولاً وسط البحر ذي الرموز الملغزة، الشبيهة برموز الصحراء. شأن حالتي في هذه الأخيرة، وفقتُ بعقد صداقةٍ مع رجلٍ متوسط العُمر من سكان بيروت، كان يُتاجر بالحرير. عرّفني على نفسه باسم " سعيد "، وقال أنه استغل وقوفَ سفينته، القادمة من بلاد فارس، في ميناء جدّة، لكي ينزل منها ويسير إلى الأماكن المقدسة لأداء شعائر العمرة. خرجنا مساءً من نفس المدينة، وما لبثت سفينتنا أن سبحت في بطء عبرَ المياه السوداء، المنعكسة عليها أنوارُ المرفأ.
" سمعتُ بفعلة الأعراب القبيحة بالمحمل الشريف، وكنتُ عندئذٍ ما أزال في بلاد فارس. وقد حمدتُ الله، كوني صرفتُ النظرَ عن الحج واكتفيتُ بالعمرة، بسبب انشغالي بصفقة تجارية أوصلتني لذلك البلد البعيد "، قال رفيقُ السفر عندما حدثته بالموجب الأساس لوجودي في الحجاز. ثم أضافَ، متهللَ الوجه: " ولله الحمد، فوق كل شيء، على هزيمة أولئك المنافقين المارقين على يد باشا الشام ".
قلتُ له، مصححاً: " مثلما سبقَ لي ذكره، أنه الوزير الأعظم من قاد الحملة على الأعراب. بينما باشا الشام، هوَ من كانَ على رأس المحمل الشريف لدى الهجوم عليه ". هزّ رأسَهُ دلالة على الفهم، ثم بيّنَ رأيه بأنّ البابَ العالي لا بد وعزل الباشا عن ولاية الشام. أجبتُ مبتسماً: " بل لقد كافأه، بأن عقَدَ قرانَهُ على شقيقته السلطانة "
" أحياناً، يصدرُ عن الباب العالي أشياءٌ غير منطقية؛ كأن يكافئ المقصّرين والمفسدين ويُعاقب المقتدرين الأكفّاء والعادلين. لكن الأوضاع عندكم في دمشق أرحم مما لدينا في بيروت والجبل، وذلك لابتلائنا بزعامات عديدة وكلها متعادية وعلى القدر نفسه من الطغيان والجشع. كذلك فإن ملّة السنّة معززة مكرّمة في الولاية الشامية، فيما هيَ لدينا ضائعة مشتتة بين صراعات زعماء الطوائف المختلفة "، قالها وهوَ ينفخُ تعبيراً عن الأسف. في الأثناء، كان المركبُ يتأرجح بنا وسط العتمة والأمواج الهادئة. بقينا نتجاذب الحديثَ ساعة أخرى، ثم ما لبثنا أن مضينا لأخذ نصيبٍ من النوم في عنبرٍ منذور للركاب. صباحاً، أفقتُ معانياً الدوّارَ بفعل اهتزاز المركب مع اشتداد الريح وقوة الأمواج. رفيقُ السفر، المعتاد على الرحلات البحرية، لاحَ غيرَ متأثرٍ بذلك العامل. في المقابل، منحني بعضُ الارشادات، التي جعلت تحمّلي للسفر أفضل في خلال الأيام التالية.

ذاتَ مساءٍ جميل، حط بنا المركبُ في ميناء بيروت. أبصرتُ عمائرَ المدينة عن بُعد، باستخدام منظار أحد النوتيّة، وكانت مضاءة ويغلب عليها اللونين الأبيض والأزرق بينما أسقف بعضها من القرميد البنيّ. بدت لي المدينة أشبَهَ بلسانٍ طويل، يمتد بين البحر والجبل، تتناثر السحبُ الرمادية في سمائها المُنارة بالقمر والنجوم. ظلّ السيّد سعيد برفقتي في خلال النزول من السفينة، وما عتمَ أن دعاني للحلول في داره، قائلاً أن السفر إلى دمشق ليلاً غير مأمون العواقب بسبب قطّاع الطرق. حاولتُ الاعتذارَ عن دعوته، بالرغبة في النزول بأحد الخانات، لكنه لم يدعني أتملّص. كونه يحملُ تجارةً، أتى بها من فارس والحجاز، فإنه استأجرَ عربةً مشدودة بالخيل، ما عتمت أن سارت بنا إلى ناحية منزله.
" هوَ ذا المنزلُ، وإنه قريبٌ من المرفأ كما لحظتَ "، خاطبني مضيفي ومن ثمّ هتفَ بالحوذيّ كي يتوقف. كان المنزلُ بناءً منيفاً، متكوّناً من دورَيْن أساسيين، تحيطه حديقة كبيرة ذات أسوار من المعدن المشغول. كان يتوجّبُ ارتقاء بضع درجات إلى المدخل ذي الباب الأنيق، الخشبيّ المقوّس. أسرع أحدُ الخدم للمساعدة بنقل البضاعة من العربة، وكنتُ في خلال ذلك قد حللتُ في الإيوان، الذي أبهرني بزخارفه ونقوشه. كوننا منهكين من السفر، لم نُطِل السهر، كما أنا أكتفينا بوجبة عشاء خفيفة. في صباح اليوم التالي، أراد المضيفُ أن يأخذني بجولة إلى الجبل، لكنني أعتذرت بشدة شوقي للشام. في مقابل ذلك، أصرّ على مكوثي في داره لحين تناول طعام الغداء.

* الكتاب الثاني من رواية " الأولى والاخرة "، المنشورة في الموقع عام 2010



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج الخامس
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج الرابع
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج الثالث
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج الثاني
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج الأول
- مدخل إلى عصر الرعب: توطئة
- مدخل إلى عصر الرعب: تنويه من المحقق
- زمن موناليزا الحزينة: الخاتمة
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع عشر/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع عشر/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: مستهل الفصل التاسع عشر
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الثامن عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 2


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - مدخل إلى عصر الرعب: البرج السادس