أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الثامن عشر















المزيد.....

زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الثامن عشر


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6727 - 2020 / 11 / 8 - 19:07
المحور: الادب والفن
    


4
في ذلك الوقت من أواخر الصيف، صارت رودا تتغيّب مع أولادها عن البيت؛ تحل ضيفة عند أختها بيان أو تقيم لدى السيّدة مليحة. في هذه الحالة، كانت أمّو بدَورها تتبعد عن بيت شقيقها. هذا الأخير، كونه ينام جل ساعات النهار ثم ينطلق إلى عمله الليلي، فإنه أهمل العناية بحال الدار أو أنه لم ينتبه إلى ذلك أصلاً. كادت طيور الكناري والحسون أن تهلك عطشاً وجوعاً في القفصين، المخصصين لها. وهذا كان أيضاً حال نباتات الحديقة الصغيرة، حيث جفّ الكثير منها. علاوة على تعشش العناكب في زوايا الحجرات، وانتشار الغبار والأوساخ في جميع أركان البيت. هجر رودا لدارها، تبيّنَ أن له هدفاً محدداً: دفع الرجل لحلف اليمين عليها أو الحصول على الطلاق في المحكمة.
شهرٌ آخر مضى على هذا الحال، عندما فاتحَ فيّو عمه، الملاحظَ على نواطير البستان، بهمومه العائلية. أنصت فَدو لابن أخيه، ثم علّقَ بالقول: " أنا عشتُ عشرة أعوام عقيمة مع امرأة مثل مزيّن، ونادم الآن لأنني لم أطلقها منذ البداية ". فهمَ فيّو ما يرمي إليه العمُ، وتمتم قائلاً: " لكن رودا لوثت شرفي بالعار؛ فهل أتركها بهذه السهولة؟ "
" ماذا تقول، أنتَ؟ امرأتك انسانة شريفة، ومن يقول لك العكس إنما يبتغي شراً لكما كلاكما "، هتفَ العمُ بنبرة تعبّر عن سخطه وذعره في آنٍ معاً. ثم استطرد، مخففاً من اندفاعه: " رب العالمين جعلَ الطلاق حلاً، عندما ينعدم الوفاق بين الرجل والمرأة ". بقيَ فيّو صامتاً، ولم يَعُد إلى المجادلة.

***
تقرر أخيراً لجوء الزوجين إلى القاضي، لكي يحكم بالطلاق والنفقة. للمصادفة أنه كان يوم خميس، والمحاكم لا تعمل بعد الظهر. هكذا عادا إلى الدار، مؤجلين العودة للمحكمة إلى يوم السبت. في الأشهر الأخيرة، كانا يعيشان منفصلين؛ هيَ في حجرة مع الأولاد، وهوَ في حجرة أخرى تشاركه فيها شقيقته وذلك منذ تدهور حياته الزوجية. لكن في ذلك اليوم لم تحضر أمّو إلى منزله، وأعتقد هوَ أنها ستأتي لاحقاً لمعرفة ما حصل في المحكمة. لما حل الغروب دونَ أن تظهر، ذهب إلى دار والده كي يراها. قالت له بهيئة شاردة: " فوزو شعرت بالمرض، فبقيت عندها لتحضير الطعام ". استفهت منه بعدئذٍ عما جرى في المحكمة، فأبلغها بأنها كانت مغلقة: " غير أنني راجعت نفسي الآنَ، وعزمتُ على ألا أريح ابنة صالح بالطلاق "
" يا أخي، أغلق هذا الباب مرةً واحدة ونهائية "، قالتها مكررة نصيحة العم. تساءلَ وكأنما لم يسمع كلامها، ما لو كانت ترغب بالنوم في منزله في هذه الليلة. أومأت بالايجاب، محدقة فيه بنظرة متفحّصة. أقلقها ما أفصحت عنه ملامحه من تصميم خفيّ، ظهرَ جلياً في العروق النافرة بوجهه ورقبته. لكنه ابتسم لها بود، لما انتبه لنظرتها الملية. عادا معاً إلى الدار، فسمعا أنين أوتار العود بين أنامل رودا. كانت جالسة بالقرب من البحرة، فيما الأولاد الثلاثة الكبار يلهون حولها. كونها ليلة خميس، يعطل في خلالها عن العمل، آثرَ فيّو قضاء شطر منها في المقهى. غبَّ ذهابه، قالت أمّو لامرأته متكلّفةً نبرةَ عتاب هادئة: " تعلمين أنه باتَ يتضايق من عزفك على العود، وتزيدين ذلك بالجلوس على مرأى من الجار المستأجر؟ "
" لم يعُد له حكمٌ عليّ، لأننا في سبيلنا للطلاق عند القاضي. ثم إن الجارَ سافر إلى أهله "
" وكيف عرفتِ أنه سافر إلى أهله؟ "، تساءلت أمّو بطريقة تنم عن الريبة والاتهام. توقفت الأخرى عن اللعب بأوتار العود، لترد بوجه متجهّم: " لأنه غائبٌ عن الأنظار، مثلما أنها ليلة خميس. هل فهمتِ الآنَ كيفية معرفتي للأمر؟ ". ثم عادت للعزف، مطرقة برأسها إلى ناحية العود.

***
تلك الليلة، نامت أمّو في الحجرة وبجانبها رقد كل من ولديّ شقيقها الكبيرين. حلمٌ، آلى إلى كابوس، جعلها تستيقظ عند الفجر لتجد أن فراشَ شقيقها فارغٌ. فكّرت إذاك أنه ربما تأخر في السهرة بالمقهى، وشاء من ثم المبيت في البستان، أينَ مقر عمله. بقيت لا تستطيع الاغفاءَ مجدداً، وقد حاصرتها أشباحُ الهواجس والظنون: " أيمكن أنه نام في حجرة زوجته، بناءً على تأكيده بصرف نظره عن موضوع الطلاق؟ ولكن رودا طردته من زمان من معاشرتها، بله الآنَ وقد صممت على الافتراق عنه نهائياً ".
ومع أنها ليست المرة الأولى، تطلب من ولدي شقيقها الكبيرين النوم معها في الحجرة، فإن ذلك زاد من شعورها بالقلق. بغيّة التخلص من هذه المخاوف، لم ترَ سبيلاً إلا النهوضَ والتوجه إلى الحجرة الأخرى. تأكدت هنالك أن بابَ الحجرة موصدٌ بالمفتاح، وكادت أن تعود أدراجها لولا تناهي صوتُ الطفل الرضيع من الداخل.

5
بينما كانت أمّو تقف أمام باب حجرة نوم شقيقها، مترددةً في الطرق عليه، سمعت هذه المرة صوتَ بكاءٍ مكتوم. كانت الابنة ذات العامين تنام مع والدتها، علاوة على الطفل الرضيع، الذي تناهى أيضاً صوتُهُ. عندئذٍ بادرت العمّة إلى هز الباب بوساطة مقبضه، منادية امرأة الأخ باسمها. جواباً، انطلق صوتُ بكاء الطفلين بشكل أحدّ. مع قيامها بالطرق على الباب، استيقظ ابنا شقيقها الكبيران، وهُرعا لمعرفة ما يجري. بنبرة قانطة، طلبت العمّةُ من كبرى الأولاد أن تذهب إلى منزل العم فَدو كي تستدعيه. دقائق على الأثر، عندما هُرع العمّ تلبيةً لطلبها، أخبرته أمّو بجليّة الأمر وكانت ترتعشُ.
" جريمة تهزّ حي الأكراد! الفهد يخنق امرأته! "؛ بهذين العنوانين العريضين، صدرت إحدى الصحف الدمشقية في ذلك اليوم. وفي التفاصيل، أن القاتل عقبَ ارتكابه الجريمة أقفل بابَ الحجرة على الضحية وولديهما ثم أسرع إلى مخفر الحي ليسلّم نفسه. من ناحية أخرى، شهد الزقاقُ حضورَ عددٍ من عناصر الشرطة مع محققين من ذوي الملابس المدنية. كانت هيَ المرة الثالثة، يتواجد فيها رجالُ السلطة في الحارة في خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة: الأولى كانت عقبَ إطلاق النار على ابنة زينو من قبل أبيها، والثانية على أثر مقتل أحمي بيد شقيقه الكبير.

***
للمرة الثانية أيضاً، يحصل إنشقاقٌ في العشيرة بين فرعيها الرئيسين. الانشقاق الأول، مثلما علمنا، كان على خلفية رفض والد السيّدة ريما إعطاء شقيقتها الكبيرة لموسي، نجل زعيم الحي. وهوَ ذا ابنه، فيّو، يُسبب الفرقة والتباغض بين الأهل نتيجة جريمته، الوحشية والمجانية. لكن موسي كان الآنَ طاعناً في السنّ، لدرجة العجز عن فهم ما يجري. لذلك عمدت ابنته أمّو للاتصال بشقيقها الكبير كي يحضر حالاً من مكان خدمته في ريف دمشق. غبَّ حضوره، بادر ديبو للمرور على منازل بعض الأقارب، طالباً منهم الشهود في المحكمة أن الجريمة كانت لغسل العار عن الشرف. فعل ذلك، متحججاً بأن الضحية لن تعود إلى الحياة وأن أولادها بحاجة إلى وجود الأب معهم كيلا يشعروا باليتم من الناحيتين.
لكن الأولاد عانوا أكثر من مشاعر اليتم، وذلك على أثر الحكم بالسجن على أبيهم. تم إرسالهم إلى عمتهم الأخرى، المقيمة مع أسرتها في زقاقٍ متفرع عن حارة الكيكان. ثمة، ولحين انتهاء محكومية الأب، تعرضوا للمهانة والاذلال علاوة على شظف العيش. عندما كان يتسنّى للابن الكبير فرصة الافلات من الرقابة، كان يتوجه إلى منزل خالته بيان كي يريها آثار الضرب في أنحاء مختلفة من جسده. بسبب انقطاع العلاقة مع أولئك الأقارب، كانت الخالةُ عاجزةً عن التدخل لوقف المعاملة السيئة بحق أولاد أختها الراحلة. ووصل الغل بالعمتين، أنهما دفعا ذلك الطفل لكسر شاهدة قبر والدته؛ بزعم أنها جلبت في حياتها العارَ للعائلة وباعتبار أن موتها تسبب بسجن عائل الأسرة.
في حقيقة الحال، أن شهادة شقيقتيّ القاتل كانت الوحيدة في المحكمة، المدعية تلوث شرفه. لأن باقي الأقارب رفضوا هكذا ادعاء، برغم مسعى ديبو في هذا الشأن. بالنتيجة، حُكم على فيّو بعقوبة سجن هيّنة لقاء جريمته البشعة. من حُسن حظه، أن عفواً عاماً سيصدر مع إعلان الوحدة بين سورية ومصر؛ ما خففَ من مدة محكوميته. بكل الأحوال، فإن إطلاق سراحه كان لفائدة أطفاله، بما علمناه عن مدى معاناتهم بين يديّ العمتين.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل السابع عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع عشر/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع عشر/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل السادس عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: مستهل الفصل السادس عشر
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الخامس عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس عشر/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس عشر/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الرابع عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: مستهل الفصل الرابع عشر
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الثالث عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث عشر/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث عشر/ 1


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الثامن عشر