أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: مستهل الفصل التاسع عشر















المزيد.....

زمن موناليزا الحزينة: مستهل الفصل التاسع عشر


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6727 - 2020 / 11 / 9 - 18:15
المحور: الادب والفن
    


1
الحياة الزوجية لمزيّن، كانت على الوتيرة نفسها من التوتر والقلق والقنوط. مع أنها استقلت في منزلها منذ ما يزيد عن السبعة أعوام، بقيت تشعر كما لو أن الخصوم يحاصرونها من كل الجهات. علاقاتها كانت سيئة بالجميع، وفي مقدمتهم الزوج. هذا الأخير، تلقاء سلوكها العدوانيّ معه ومع أقاربه، كان يهددها في كل سانحة بالطلاق. في الآونة الأخيرة، عقبَ مقتل رودا، ردت على زوجها ذات مرة بالقول: " لعلك لا تطلقني، بل تعمد إلى خنقي، كما فعل ابن أخيك ". ثم تردد هذه الجملة، ساخرةً: " عائلة مجانين ومعتوهين! ". فَدو، لم يزِد على هزّ رأسه مطلقاً ضحكة مفعمة بالهزء والشفقة في آنٍ معاً.
مشروع زواجه من تحيّة، الذي لمّح إليه مع والدتها، أجّل البت فيه احتراماً لمرض صالح الأخير ومن ثم رحيله عن الدنيا. بمجرد انقضاء فترة الحِداد، طلبَ الفتاة من السيّدة ريما. قبل ذلك، واحتياطاً، عمّرَ حجرة نوم جديدة. قال لحماة المستقبل: " ستكون كلاهما بمنأى عن الأخرى، بالنظر أيضاً لوجود المطبخ القديم. أما لو طلبت مزيّن الطلاق، فإن ابنتك ستكون سيّدة المنزل بلا منازع ". عدم رميه اليمين على امرأته، مثلما كان يؤكّد، إنما بسبب صداقته لأخيها غير الشقيق؛ طراد آغا. لكنه واجهها بنيّته جلبَ ضرّةٍ، لما ضمنت السيّدة ريما موافقة الابنة المعنيّة.
جواباً، قالت مزيّن راسمةً على فمها ابتسامة مسمومة: " لن أطلب الطلاقَ إلا لو حبلت امرأتك الجديدة. وهذا أمرٌ محال، لأننا لسنا في عصر المعجزات! ". المفردة الأخيرة في جملتها، تُحيل إلى استهلاك صاحبتها للعديد من الحيل طوال عشر سنين من العشرة الزوجية على أمل الإنجاب. قابلة الحارة، غذّت هذا الأمل بوصفات العطارة إضافةً لارشادات معيّنة فيما يتوجب عمله عند ممارسة الحب. لكن ذلك كله، كان عبثاً. عندئذٍ عادت مزيّن إلى نغمتها القديمة، لتؤكّد أن العقمَ سببه الزوج طالما أنه كان أرمل حينما اقترنت به.

***
وغدت مزيّن امرأة سوداء السريرة، تكره الأطفال في باطنها، وفي العلن لو كانوا أبناء عشيرة الزوج؛ بالأخص أولاد بيان. وكانت تتحيّن الفرصَ، للكيد لهذه الأخيرة. فلو أن علاقة بيان ساءت بإحدى الجارات، فإن مزيّن كانت تظهر الود لأطفال الجارة وتوزّع عليهم السكاكر. ذات صباح، وكان ابن بيان الكبير قد أضحى في سنّ الخامسة، طلبَ منها أن ترمي إليه بحبّة سكاكر أسوةً ببقية الأطفال. عند ذلك، مدت له يدها بطلبه. لما هم بتناولها، قبضت على يده ثم جرته إلى وراء باب البيت وانهالت عليه ضرباً. بمجرد أن أفلتته وخرجَ باكياً، أمسك حجراً بيده وصوَّب إلى نافذة حجرتها. عقبَ عودة فَدو من الخارج، لفتت نظره إلى النافذة: " لقد كسر زجاجها، ابن أخيك الشيطان ". فيما بعد، عندما علم العم من ابن أخيه بسبب فعلته تلك، قال له ضاحكاً: " في المرة القادمة، أكسر لها رأسها بالحجر! ".
ثم أظهرت مزيّن براعتها في دس أنفها بمشاكل الجيران. ابنة حج عبده تلك، التي سبقَ وجعلتها في خدمتها للتجسس على حركات فَدو، كانت ما تفتأ على الود معها عقبَ زواجها من ضابط من أولاد الحارة. لما زارتها هذه وبيدها طفلها الرضيع، لمّحت إلى امرأة أبيها بزعم أنها تُسيء معاملة شقيقتها الصغيرة. في حقيقة الحال، أنّ نجوى كانت صديقة حميمة لبيان؛ وهذا كان سبباً كافياً لمزيّن كي تختلق ذلك الزعم. كانت بمثابة الأم لأولاد رجلها، لكنها اضطرت لتكون حازمة مع الصغار منهم بسبب غيابه؛ هوَ المحكوم بالسجن بسبب قضية مقتل شقيقه أحمي. صغرى أولئك الأبناء، وكانت في عُمر ابنة بيان البكر، هُرعت ذات يوم إلى امرأة أبيها: " ماما، الأولاد قالوا لي أنك لست أمي "، قالتها وهي تبكي بمرارة.
ذلك الفرع من عشيرة آله رشي، وقع فيه الشقاق أيضاً عقبَ مقتل أحمي بيد شقيقه الكبير. شقيقتهما الوحيدة، المقترنة بأحد وجهاء القسم الغربيّ من الحي، قطعت تماماً كل صلة بالقاتل وأسرته. بينما الشقيق الأكبر، وكان رجلاً أرمل بلا أولاد يرتزق من دكان سمانة، اضطرَ للوقوف بجانب امرأة أخيه السجين كيلا تنهار الأسرة في غيابه. هذه الأخيرة، كونها من الصالحية، اعتبرت نفسها بمنأى عن الخلاف في العشيرة. بل وكانت في كل مرةٍ تلتقي فيها بامرأة القتيل تلقي عليها السلام، ولو لم تكن تحظى بالرد أبداً.

2
بقاء تحيّة بدون زواج حتى تجاوزت سنّ العشرين، أحيل إلى مغامرات أبيها. كانت أصغر بست سنين، عندما قررَ الأب الاستقرار مجدداً في الجزيرة لادارة أعماله هناك. بقيت الأسرة في تلك المنطقة النائية ثلاثة أعوام، وفي خلالها تقدّم بعضُ الملاكين لخطبة الفتاة لأبنائهم؛ لكنها رفضتهم الواحد بأثر الآخر: الحياة في الريف، كانت مستحيلة بالنسبة إليها، وظلت على قناعة بأن يوماً سيأتي ويقرر فيه الأب العودة إلى دمشق. ثلاثة أعوام أخرى، كانت قد مضت على عودة الأسرة من الجزيرة حينَ أسلم صالح الروح. لكنه اطمأن، وهوَ على فراش المرض الأخير، على مستقبل صغرى بناته، وذلك لما أنبأته امرأته بعزم فيّو على الاقتران بها.
الخطيب، كان بدَوره قد أضحى ملّاكاً. قطعة أرض زراعية كبيرة مع اسطبل مليء بالمواشي، كان أحدُ الملّاكين الصوالحة قد جعله مشرفاً عليهما بصفته ملاحظ نواطير البستان. عقبَ موت الرجل، سلى أبناؤه هذه المسألة؛ وربما لكثرة ما ورثوه من العقارات والمال. بعد عدة أعوام، عندما فطنوا لذلك الميراث، وواجهوا فَدو كي يعيده لهم، كان جوابه: " لقد عملتُ لسنوات دونَ أن أنال أجرة منكم، والآن أعتبرُ حيازتي للأرض بمثابة التعويض! ". رفضوا حجّته، فدعاهم إلى خوض القضية في المحاكم؛ هوَ من يعلم بأن ذلك يستغرق سنيناً طويلة بسبب الروتين والبيروقراطية وتعقّد القوانين.

***
برغم مرور أشهر على الرحيل الفاجع لأختها الكبيرة، قررت تحيّة الزواجَ بدون حاجة لحفل زفاف. اقتصرَ حضورُ كتب الكتاب على الأقارب من كلا فرعيّ العشيرة، المتخاصمين؛ ما خففَ قليلاً من مشاعر الاحتقان والعداء. أصدقاءُ العريس المقربون، أرادوا أن يحتفلوا بالمناسبة مع قوارير الشراب الناريّ. لكنه فاجأهم بالقول: " لو أنّ الله منّ عليّ بذريّة، فأنا عازم على الحج إلى بيته الحرام ". هذا الأمل، كان مثارَ سخرية امرأة الرجل، التي عاشت معه قرابة العشرة أعوام: مزيّن، مثلما سبقَ القول، رضيت بوجود امرأة أخرى في بيت الزوجية. وفي مقابل ذلك، أكّدت أنها ستطلب الطلاق بمجرد أن تحبل ضرّتها.
تباشيرُ حمل تحيّة، هلّت في وقت مبكّر عقبَ الاحتفال بزواجها. ذلك تأكّد لدى استدعاء القابلة، لكي تفحص المرأة الفتية بعدما تكرر شعورها بالدوّار والغثيان. صوت الزغرودة، المنطلقة من فم إحدى القريبات، وقعَ في سمع مزيّن وكانت وقتئذٍ في حجرة نومها. أصغت من ثم لأصوات أخرى، لتتيقن من أن مخاوفها كانت بمحلها. فما كان منها، مقهورةً وقانطة، إلا الارتماء على سرير النوم، دافنة وجهها في الغطاء وهيَ تبكي بمرارة. بعدما خفتت الأصوات من جهة حجرة نوم الضرّة، نهضت لتخرج من حجرتها والدنيا تدور بها. على طرف باب الحجرة، تحت شجرة الأكيدنيا، كان هنالك عدد من الأصص، المزروعة بأزهار القرطاسية ذات الألوان الزاهية؛ وكانت مزيّن قد جلبتها معها من دارها لما كانت عروساً. اتجهت إلى الحمّام لتجلب مكنسةً ذات يد طويلة، فانهالت بها على الأصص بجنون بينما صراخها يشق آفاق المنزل الهادئ. ثم آبت إلى حجرة النوم، لتحطم هذه المرة مرآة خزانة الثياب الكبيرة، التي ارتسمت على صفحتها صورةُ امرأةٍ فقدت كل أمل.

***
ذلك الخريف نفسه، الشاهد على قيام الوحدة مع مصر باحتفالات شعبية كبيرة، حصلت فيه مزيّن على الطلاق. عادت بعد عقد من الأعوام إلى دار والدها، لتستقر فيه نهائياً كما لاحَ من سورة قهرها وقنوطها وعجزها. من ناحية أخرى، تنفّسَ لأول مرة بيتُ الزوجية وصار في وسع العروس الجديدة استقبال أقاربها وأولادهم دونَ رهبة وإزعاج. في الأثناء، كان الزوجُ يرفد بيته بقفف الفواكه من جني أرضه، علاوة على خير الاسطبل؛ كحمولات الحيوانات والطيور، المذبوحة، وسلال البيض وأواني الحليب. كان ينتظرُ موسمَ الحج، كي يبر بنذره ويحصل على الغفران بمقابل التوبة.
بضعة أعوام على الأثر، ودُعيَ فَدو ذات يوم لسهرةٍ مع الأصدقاء. كان قد استبدل الخمرَ بالنرجيلة، لكنه لم يغيّر أصحابه. كانت المرة الأولى، يزور فيها ذلك الصديق، المفترض أنه يقيم في دخلةٍ تقع مباشرة تحت التربة بأعلى زقاق الآله رشية. كان الوقت أضحى على مشارف المساء، لما جرّبَ الطرق على أحد الأبواب، معتقداً أنه العنوان المطلوب. وإذا باب البيت يُفتح على سحنة مزيّن، الكئيبة والكامدة. بقيَ لحظاتٍ جامداً، قبل أن يطرق برأسه إلى الأرض ثم ينسحب بهدوء.
نحو ربع قرن مرَّ، وكان على بيّان هذه المرة أن تفاجأ بلقاء امرأة فَدو، الأولى. في ذلك اليوم، كانت بيان قادمة من ناحية الجادة، بعدما تسوّقت من محلات الخضار والفاكهة، فأخذت درب زقاق الكيكان للوصول إلى دارها. ثمة في أعلى الدرب، لحظت وقوف امرأة عجوز مستندة بيدها إلى الجدار في إعياء وجهد. حاذتها، فالتقت بنظراتها الغائمة والشاردة. عرفتها على الفور، وما كان منها إلا أن أمسكت بيدها كي تعينها على السير. لما وصلت مزيّن إلى بيتها ذاك، القائم في الأعالي، تمتمت بصوت ضعيف والعبرة تتلألأ بعينها: " أثابكِ الله، يا ابنتي، على عملكِ الخيّر ".

* الرواية الأخيرة من خماسية " أسكي شام "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الثامن عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل السابع عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع عشر/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع عشر/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل السادس عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: مستهل الفصل السادس عشر
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الخامس عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس عشر/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس عشر/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الرابع عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: مستهل الفصل الرابع عشر
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الثالث عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث عشر/ 2


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: مستهل الفصل التاسع عشر