أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الخاتمة














المزيد.....

زمن موناليزا الحزينة: الخاتمة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6736 - 2020 / 11 / 18 - 20:28
المحور: الادب والفن
    


ماتَ جمّو في بلد الإغتراب، السويد، الذي استقر فيه قبل ذلك بثمانية أعوام. كان قد أقتربَ من سنّ التسعين، ولم يكن يعاني من أيّ مرض غيرَ الزهايمر. ووري الثرى، ثمة في مقبرة للمسلمين، كون أمرأته وأكثر أولاده يعيشون في بلد الإغتراب. عاشَ معظم سني عُمره في القرن العشرين، فيما الأعوام الأربعة الأخيرة شهدها القرنُ الجديد؛ وكان عندئذٍ قد توغلَ في مجاهل الخَرَف. في خلال فترة وجوده في الخارج، سافرَ مرة واحدة إلى دمشق، وهناك لم يكن بمقدوره التعرّف على أصدقائه، الباقين على قيد الحياة.
بعد ذلك بعامين، ذهبت بيان لوحدها للشام وتركته في رعاية أولادهما. في خلال الأيام الأولى لغيابها، كان جمّو يشير إلى الأبنية البعيدة، متسائلاً: " هل الحارة تقعُ خلف هذه الأبنية؟ ". إلى أن أفاق ذات صباح، وقررَ اللحاق بامرأته. عندما افتقده الأبناءُ عقبَ استيقاظهم، اتصلوا بالبوليس. ساعة على الأثر، ثم ظهرَ وهوَ بملابس النوم برفقة عنصرين من الشرطة كان أحدهما امرأة. الشرطية، كانت قد ألبسته معطفها في خلال الطريق، كونها لحظته يرتجفُ من البرد في تلك الساعة المبكرة. قالت لأبنائه بنبرة مشفقة: " لحُسن الحظ أنه سارَ على الطريق العام ولم يدخل إلى الغابة ".

***
في الأعوام الأربعة الأولى من غربته، حافظ والدنا على صفاء ذهنه. لكن كان واضحاً عدم ارتياحه في الشقة، التي خصصت لمعيشته مع امرأته، وأنه يحن للمنزل الأول؛ أينَ قضى كل سني حياته، وفيه مخزون ذكرياته. في ذلك الوقت، كان المنزلُ بصدد التحول إلى عمارة حديثة لو وفّقَ المتعهّدُ بحل قضية الورثة، المزعومين. قال لي الأبُ مرةً، تعقيباً على حديثٍ عن تلك القضية: " لقد عاشَ الآباءُ والأجداد في منزلنا، وكان قدَري وحدي أن أشهده يُزال أمام عيني ". غيرَ أنّ المنزلَ بقيَ، والعجوزُ الملول هوَ مَن غادر الدنيا دونَ أن يعرف هذه الحقيقة. في واقع الحال، أن شكواه المضمرة تركزت على حديقة المنزل، وكانت كما علمنا قد أضحت بقعة من الفردوس على يده، الخضراء.
صادف في نفس الفترة انتقالي إلى شقة، تنفتح شرفتها على مسكبة معشوشبة، كبيرة نوعاً. نهدتُ إلى العمل فيها، بدءاً من إحاطتها بسياج معدنيّ مع باب خشبيّ على شكل القوس. عقبَ الانتهاء من إشادة أربعة أحواض رئيسية، مترعة بالورود، كانت الحديقة مكتملة تقريباً. والدي، وكان آنذاك في كامل صحته البدنية والذهنية، قدّم لي إرشاداتٍ مهمة في كل ما يتعلق بالحديقة؛ بالأخص، كيفية استنبات بذور الأزهار الصيفية وغرس بصلات زنابق الربيع وتقليم الورود ودرجة تحمّل العرائش لفصليّ الخريف والشتاء. كان يُسْعَد بالجلوس في الشرفة، متأملاً اللوحة الغنية بالألوان، مستعيداً فيها لوحة حديقة داره في دمشق. في الأثناء، دأبتُ على الاصغاء إليه باهتمام وهوَ يُفرغ شيئاً فشيئاً مخزونَ ذاكرته. غبَّ رحيله عن الدنيا، صرتُ أفيدُ في هذا المجال من والدتنا. كانت ذات ذاكرة فذّة، ويكفي ذكرُ عشقها للسينما والدراما، بحيث أنها تحفظ حتى أسماء الممثلين الثانويين.

***
كان مما له مغزاه، ولا مِراء، أن يُدفنَ سليلُ الحاج حسين في السويد، التي عُدّت بمثابة الفردوس المأمول للأجيال الجديدة. الحاج، مؤسس السلالة، كان قد قَدِمَ مهاجراً إلى الشام الشريف بنفس الصفة الفردوسية وأنها أيضاً مُجتبى خلق الله في يوم الحشر. ثمانية أجيال من السلالة، تعاقبت مذ وصول الرجل إلى دمشق وكان بعدُ شاباً، مترعاً بالآمال الكبيرة. ابنه الوحيد، ورثَ عنه عمله الوظيفيّ في سرايا الولاية العثمانية، وأصبح لاحقاً بصفة وظيفية أرقى؛ كزعيمَ للحي الكرديّ. هذا الجد، نبغَ في الكتابة الأدبية باللغة العربية من خلال تسويد مجلّدٍ ضخم، ضمّ أشعاراً وحِكماً ونتفاً من السيرة الذاتية وأخبارَ زمنه. المجلد بقيَ مخطوطاً، وآل إلى ملكية أكثر أبنائه بُعداً عن الاهتمام بالأدب والقراءة. لم أحظَ إلا مرة واحدة بالاطلاع على المخطوط، بشكل سريع وكمن يرتكبُ فعلاً محرّماً.
يُقال في هذا الشأن، أن كل سلالة عريقة توهَبُ ابناً يَحفظ لها سيرتها إن كان عن طريق الشعر أو النثر أو الفن. كاتبُ سطور هذه السيرة، كأنه كان كذلك. ومن حُسن حظه، أنّ ذاكرته اختزنت على مر العقود ما سمعه من والديه وأقاربه.
من ماردين ( في تركيا اليوم ) إلى دمشق الشام، ومن ثم إلى السويد، انتقلت هذه السيرة مع هجرة أصحابها، إلى حين أن اكتملت كمخطوطة في بلد آخر؛ في مراكش المغربية، التي منحتني ظروفاً رائعة للكتابة. كذلك، اختلطت دماءُ آخر طفل من نسل جمّو وبيان بدماءٍ أمازيغية؛ ولعله يؤسس في المستقبل، بَدوره، فرعاً جديداً من السلالة في موطن الأطلس.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع عشر/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع عشر/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: مستهل الفصل التاسع عشر
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الثامن عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل السابع عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع عشر/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع عشر/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل السادس عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: مستهل الفصل السادس عشر


المزيد.....




- “صناعي – تجاري – زراعي – فندقي” رابط نتيجة الدبلومات الفنية ...
- إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف ...
- بوابة التعليم الفني.. موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- البندقية وزفاف الملياردير: جيف بيزوس يتزوج لورين سانشيز في ح ...
- شاهد.. الفنانون الإيرانيون يعزفزن سمفونية النصر في ساحة الحر ...
- طلبة التوجيهي يؤدون امتحان -اللغة الإنجليزية-.. مروحة واسعة ...
- “برقم الجلوس والاسم فقط” Link الاستعلام عن نتيجة الدبلومات ا ...
- العراق يواجه خطر اندثار 500 لهجة محلية تعكس تنوعه الثقافي ال ...
- رحيل الفلسطيني محمد لافي.. غياب شاعر الرفض واكتمال -نقوش الو ...
- موعد نزال توبوريا ضد أوليفيرا في فنون القتال المختلطة -يو إف ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الخاتمة