أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 2














المزيد.....

زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6670 - 2020 / 9 / 7 - 15:24
المحور: الادب والفن
    


باءت بالفشل، المحاولةُ الأولى لاسترجاع بيروزا إلى حضانة أمها. إذاك، لم يكن صالح قد ظهرَ بعدُ في حياة هذه الأخيرة. إنه آكو، مَن سافر مع شقيقته إلى ماردين على أمل اقناع أبناء رجلها الراحل بالتنازل عن الصغيرة، وكانت هذه آنذاك في نحو الخامسة من عُمرها. الأم ريما، سبقَ أن عادت إلى الشام من موطن الأسلاف، الذي غادرته وهيَ في سنّ السابعة. لا غرو أن تدهشَ تلقاء عظمة المدينة وسحرها، وكأنما تراها للمرة الأولى وليست مسقط رأسها. ابن زوجها البكر، وكان يماثلها في العُمر، هوَ مَن تعهّدَ ايصالها إلى أهلها عندما رفضت البقاء في ماردين عقبَ ترمّلها. وكان هذا قد عبّرَ بدَوره عن إعجابه الشديد بمشهد الشام، الذي بدا عن بُعد من مكان مرتفع على الطريق العام.
قالت ريما لابن رجلها، الجالس بقربها في المقعد الخلفيّ للسيارة: " لِمَ لا تجرب حظك وتقيم هنا مع عائلتك، ولن يدخر أقاربي وسعاً في مد يد العون لكم؟ ". قالت ذلك، أملاً في استمالته كي يوافق على التنازل لها عن ابنتها، التي بقيت في ماردين. هزّ الشابُ رأسه بحركة غامضة، ولم ينطق بكلمة. استأنفت إغراءه بجدوى العيش في دمشق، فقالت: " المرحوم والدك امتلك منزلاً في عامودا، فضلاً عن أرضٍ كبيرة، ومن الممكن أن يستولي الغرباء عليهما. أما في حالة انتقالك للعيش هنا في الشام، فإنك تعود متى شئت لذلك المنزل، وفي الآن نفسه، تعهد الأرضَ لمن يزرعها، فتستفيد من دخل المواسم عاماً بعد الآخر "
" سأفكّرُ بالأمر، يا خالة، معتمداً على مشيئة الله "، تمتم الشابُ دونما حماسة. فيما بعد، كررَ كلاماً مشابهاً حينَ طلبَ منه آكو إعادة البنت الصغيرة إلى أمها. بقيَ الشابُ ثلاثة أيام في ضيافة شقيق امرأة أبيه، وكانت هيَ قد حلّت في منزله. على الأرجح، أن عدم حماسة الشاب للاستقرار في الشام قد غدت قناعة لديه، لما عاينه من الحال العسرة للأسرة المضيفة. على أثر سفر ابن زوجها، حالت ريما إلى كتلة من القهر والعذاب بسبب بُعدها عن ابنتها الوحيدة. مع سقوطها طريحة الفراش من السَقَم، لم يرَ آكو بداً من وعدها بالسفر إلى ماردين لمحاولة حمل أخوة بيروزا على التنازل عنها.

***
في خريف العام نفسه، وصلت سيارة تحمل ريما وشقيقها الكبير إلى مركز مدينة ماردين. من هناك استأجرا سيارة أخرى، مضت بهما إلى بلدة الأسلاف، وذلك بغيَة زيارة قبور الأهل وقراءة الفاتحة على أرواحهم. مكثا ليلة واحدة في ضيافة أسرة ابن عمهما، وهناك صادفَ وجود قريبهما، المدعو ملا عشير. في نهار اليوم التالي، عندما آبا إلى ماردين، كان الملا برفقتهما في العربة المشدودة بالخيل، والتي استبدلت بسيارة آجرة في ديريك. كون هذا القريب يملك منزلاً في ماردين، فإن الشقيقين حلّا فيه ريثما يذهب هوَ لإبلاغ أخوة بيروزا بوجودهما في المدينة. لكن الرجل بقيَ معهما لتناول الغداء. لما نهضَ بعدئذٍ لتنفيذ المهمة، إذا بأم الطفلة تعرب عن رغبتها في مرافقته.
" في هذه الحالة، ليسَ من المناسب بقائي وحدي في البيت "، قالها آكو وهوَ يستقيمُ واقفاً. هكذا اتجه ثلاثتهم إلى المنزل المطلوب، وكان يقع في حي الشهيدية، المتربع في سفح الجبل ببأبنيته الحجرية ذات الطابع العثمانيّ. وقد أظهرَ الملا خفّته في ارتقاء الدرب الوعر، وصولاً إلى المنزل، هوَ مَن يكبر قريبته ريما بعقدٍ من الأعوام على الأقل. منزل الزوج الراحل، كان من السعة أنّ أسواره تغيب عن الأنطار في نهايته، كذلك امتلك مدخلاً مهيباً ومرتفعاً، يُرقى إليه بعدد من الأدراج الحجرية. ثمة في فناء المنزل، هُرعت ريما في لهفة لمعانقة ابنتها حتى قبل أن تسلّم على المضيفين. هؤلاء، وكانوا أولاد الزوج الراحل ونساءهم، استقبلوا المرأة الملولة بتقبيل يدها؛ على العادة المحلية، المألوفة. بنفس الطريقة، رحبوا بالملا عشير، وكانوا قبلاً يتبركون بحضوره من حينٍ لآخر.

***
غبَّ مضي ثلاثة أيام على حلولها في منزل رجلها الراحل، افترضت ريما على مسمع من مرافقَيْها أن من المحال ثني المضيفين عن عزمهم الاحتفاظ بالطفلة. وكانت بحاجةٍ للانفراد معهما، ما جعلها تتحجج بالرغبة في زيارة السوق لشراء هدايا للأهل في الشام. برغم ما حفل به السوق من الذخائر النفيسة، فإن عينيها ما كانتا تبصران سوى صورة الصغيرة، التي عزلها أخوتها احتياطاً لحين انتهاء الزيارة.
" إذاً لا مجال في هذه الحالة سوى خطف الطفلة، لأنهم يحتجزونها دون وجه حق "، ردّ الملا بنبرة قوية. الشقيقان، فوجئا ولا غرو بحميّة قريبهما، ولعلمهما أرجعاها لكسر خاطره من لدُن أخوة بيروزا، الذين ركبوا رؤوسهم برغم ما أظهروه من احترام لمقامه الدينيّ. أراد آكو أن يعلّق على كلام قريبه، لكن هذا الأخير مضى يقول بطريقة من أعدّ خطة متكاملة: " ستودّعان الجماعة اليومَ، بإيهامهم أنكما ستعودان مباشرةً إلى الشام. غير أنكما تودّان أيضاً توديعَ عائلتي، وذلك كيلا يقوم أحدٌ من أخوة بيروزا بمرافقتكما إلى سيارة الأجرة. مفهوم كلامي، إلى هذا الحد؟ "
" نعم، ولكن ماذا في رأسك بخصوص الصغيرة؟ "، تساءل آكو وقد فهمَ تقريباً ما يفكّر به الملا.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الثاني
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 1


المزيد.....




- وزيرا الثقافة والعمل يتفقدان البلدة القديمة من الخليل
- رحيل المخرج والكاتب المسرحي التونسي الفاضل الجزيري عن عمر نا ...
- ساهم في فوز فيلم بالأوسكار.. فيديو فلسطيني وثق مقتله على يد ...
- ساهم في فوز فيلم بالأوسكار.. فيديو فلسطيني وثق مقتله على يد ...
- -هجوم على ذاكرة شعب-.. حظر الكتب في كشمير يثير مخاوف جديدة م ...
- انطلاقة قوية لفيلم الرعب -ويبنز- في أميركا بإيرادات بلغت 42. ...
- الجبّالية الشحرية: لغة نادرة تصارع النسيان في جبال ظفار العُ ...
- فنانون وكتاب ومؤرخون أرجنتينيون يعلنون موقفهم الرافض لحرب ال ...
- سليمان منصور.. بين الريشة والطين: إبداع مقاوم يروي مآساة وأم ...
- أمير تاج السر: أؤرخ للبشر لا للسلاطين والرواية تبحث عن الحقي ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 2