أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 2














المزيد.....

زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6649 - 2020 / 8 / 17 - 18:15
المحور: الادب والفن
    


العمّة، كانت في أوان زياراتها للحارة تقيم في بيتٍ خصصه رجلها لأولاده من امرأته الأولى. البيت، كان يقع في أعلى زقاق " الحاج حسين "، تسكنه العشيرة بشكل خاص. وكان للزقاق مكانته المعتبرة، لأنه مُكنّى على اسم والد زعيم الحي السابق، " الحاج حسن ". الابن البكر لهذا الأخير، هو زوج سلطانة، ولم يكن يقل مكانة بسبب عمله وكيلاً لأعمال عدد من الاقطاعيين، كان آخرهم " ابن الإيبش "، الذي يملك أراضٍ واسعة في جنوب شرق الشام. قرية البيطارية، كانت مركز ذلك الاقطاعيّ وفيها قصره. ولقد سكن وكيله هنالك في بيت واسع، مؤثث على الطريقة الريفية. امرأته، وكان لديها أربعة أولاد آنذاك، دأبت على الضجر في الريف ولم تكن تدع سانحة مناسبة إلا وتهيب برجلها أن يدعها تعود لزيارة الحارة. في هذه الحالة، كان الرجلُ يتشدد في بادئ الأمر لحين أن يرق قلبه ويسمح لها بالذهاب.
دافع تشدد الزوج، معرفته بأن الزيارة سيعقبها مشاكل لا سبيل لتجنبها. فأولاده من امرأته الراحلة ( كان عددهم أربعة أيضاً )، قد انقطع حبل الود بينهم وبين سلطانة منذ صغرهم؛ لما لاقوه من معاملتها السيئة. لكنهم كبروا الآنَ، وصار في وسعهم رد الصاع صاعين. الأكبر فيهم سناً، كان في ذلك الوقت يعيش بدَوره في الريف مع امرأته ( وهيَ أخت بيان من والدتها )، ثمة أين مقر خدمته في الدرك. شقيقته الأصغر بقليل، كانت متزوجة من أحد أبناء عشيرة " آله رشي "، وكان مسكنهم يقع على الجادة الرئيسة ليسَ بعيداً عن مدخل زقاق آلها. هكذا بقيَ ابنان عازبان في منزل الأب، شاب في نحو العشرين وشقيقة تصغره بقليل.

***
وفاة شقيقها الأكبر، حاجي، كان حجّة للمرأة القادمة من الريف كي تبقى في مسكن أبويها لما يزيد عن الأسبوعين. في حقيقة الحال، أن علاقتها بشقيقها الآخر، والد بطلة سيرتنا، لم تكن جيدة في يوم من الأيام. بالرغم من ذلك، كانت بيان تسعد كثيراً بحضور أولاد عمتها لما يدخله وجودهم الطارئ من تغيير في الحياة اليومية للمنزل. ابنة العمة المماثلة لها في السن، كانت تشارك معها في ألعاب أولاد الدار، وكذلك في قطف ثمار أشجار الحديقة من تين ومشمش وتفاح وغيرها. إذاك، كانت البنت تتباهى أمام أولاد خالها بكون مزرعتهم في الريف أشبه بالجنّة. لكنها اعترفت لهم يوماً، إبّان تناول الغداء، أن طبخهم في غاية اللذة: " والدتنا لا تغذينا سوى بالمصران، وتحشوه بالبرغل بدلاً عن الرز "، قالتها وهيَ تزم شفتيها تبرّماً.
في أحد تلك الأيام، أبلغ زوج أخت بيان، هاتفياً، أنه موجود في مدينة زحلة، حيث انتقلت خدمته إليها. لكن مناسبة المهاتفة، أوضحها الرجل بالقول أن امرأته مريضة وترغب في وجود والدتها معها. زوج هذه الأخيرة، وكان قد ربى ابنتها كأنها من صلبه، أبدى على الفور استعداده لمرافقتها إلى لبنان بسيارته. وما لبثا أن اتفقا أن يأخذا معهما ابنتهما الصغيرة، " تحيّة "، البالغ عمرها ثلاثة أعوام، فيما تبقى بيان مع عمتها بالمنزل. سابقاً وفي مثل هذه الأحوال، كانت زوجتا الأب تتحملان مسؤولية الأولاد جميعاً. لكن إحداهما تطلقت مؤخراً وراحت مع ولديها لتقيم في مسكن شقيقها الوحيد، الكائن في الحارة. بينما الأخرى هجرت المنزل، على خلفية مشاكل مع الزوج، فأخذت أيضاً أبناءها الثلاثة إلى دار والديها في الصالحية.

***
العمّة، كانت تكنّ وداً خاصاً لبيان، وطالما داعبتها بالقول أنها خطيبة ابنها، " زيدان "، الذي يكبرها بحوالي ثلاث سنين. على ذلك، تساهلت مع الصغيرة حينَ أبدت هذه امتناعها عن أكل الوجبة الأبدية، المصران المحشو بالبرغل، فتركتها تلهي معدتها بحواضر المطبخ. الجدّة، كانت من العجز في تلك الآونة المتأخرة من حياتها، أنها دأبت على ملازمة سريرها. وإلا لكانت هيَ من تولت إعدادَ غداءٍ معتبر للعائلة، ولما تركت الأحفاد تحت رحمة الابنة الشحيحة والمقتّرة. لم تكن أيضاً علاقة المرأتين جيدة، وربما بسبب أن البخل يجلب معه كل الخصال السيئة. لم يكن بلا معنى، أن تنال الابنة منذ صغرها لقبَ " الهارون "؛ أي القط الكبير، الشرس والعدوانيّ.
عادت السيدة " ريما " من زيارة ابنتها في زحلة بعدما اطمأنت على صحتها، لتجدَ الابنة الأخرى مريضة. فإن بيان، وقد غلبتها المعدة المتطلّبة، كانت قد أرغمت نفسها على أكل المصران المحشو بالبرغل. ومع الأيام، أثّرت هذه الطبخة المتكررة على معدتها الرقيقة، فراحت تتقيأ وارتفعت حرارتها. الأم، وحالما دخلت المطبخ كي تعدّ مغلياً لصغيرتها، فغم أنفها رائحة الطبخة الأبدية؛ فأدركت عندئذٍ مُسبب المرض. لما التقت ابنة حميها، قالت لها بلهجة عتاب: " سامحك الله. المطبخ ذاخر بالخضار واللحوم، وابنتي غير معتادة على طبيخ المصران هذا ". فما كان من سلطانة إلا الرد بنبرة شديدة: " أولادي أكلوا معها المصران، فلم يتضرر أحد منهم ". هزت الأخرى رأسها، دلالة على الفهم، ثم علّقت بالقول ساخرةً: " لعلها أخذت برداً ". كان الوقت في أواخر الصيف، والحرارة شديدة لا تطاق.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 1
- بضعة أعوام ريما: الخاتمة
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الرابع عشر
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الثاني عشر
- ثمنُ المكالمة
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثاني عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الثاني عشر
- بضعة أعوام ريما: الفصل الحادي عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الحادي عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الحادي عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الحادي عشر
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل العاشر


المزيد.....




- مهرجان -شدوا الرحال- رحلة معرفية للناشئة من الأردن إلى القدس ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- وصمة الدم... لا الطُهر قصة قصيرة من الأدب النسوي
- حي المِسكيّة الدمشقي عبق الورق وأوجاع الحاضر
- لا تفوت أحداث مشوقة.. موعد الحلقة 195 من قيامة عثمان الموسم ...
- أزمة فيلم -أحمد وأحمد-.. الأكشن السهل والكوميديا المتكررة
- بي بي سي أمام أزمتي -والاس- و-وثائقي غزة-... هل تنجح في تجاو ...
- من هم دروز سوريا؟ وما الذي ينتظرهم؟
- حسان عزت كما عرفناه وكما ننتظره


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 2