أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 5














المزيد.....

بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6643 - 2020 / 8 / 11 - 20:48
المحور: الادب والفن
    


على أثر وفاة رجلها، شغلت ريما وقتها في الاهتمام ببناتها الثلاث وأولادهن. كبيرة البنات، كانت تتنقل باستمرار بين بلدات ريف الشام مع رجلها؛ وكان هذا، مثلما ذكرنا أكثر من مرة، دركياً برتبة صف ضابط لا تكاد خدمته تستقر في مكان بسبب شكاوى رؤسائه منه. صغرى البنات، تزوجت من فَدو، ابن الحاج حسن، وكان ذلك بعد وفاة والدها بنحو عامين. عام آخر، ووجدت ريما نفسها مضطرة للاستقرار في منزل الحاج: زوج ابنة ريما الوسطى، جمّو، أعتقل في خلال حملة حكومة الوحدة على القوى اليسارية. كون ابنتها الأخرى تعيش مع رجلها في منزل الحاج حسن ذاته، فإن ريما بقيت إلى آخر أيامها في الحياة تقضي معظم أوقاتها هنا. في حقيقة الحال، أن ارتياح بطلتنا لذلك المنزل يعود أيضاً إلى وجوده في زقاق يعيش فيه أكثر أقاربها؛ وكان منهم أخوها غير الشقيق، حدّو، وكذلك ابن عمها، معمو. والد هذا الأخير، عليكي آغا الكبير، سبقَ أن توفي في بداية الحرب العالمية الثانية؛ هوَ مَن كان قد نجا بروحه في أثناء الحرب العظمى. ابن زَري، كان منزله يستقبل ريما باستمرار، كونها ارتبطت بصداقة وثيقة مع امرأته الصالحانية.
آكو، وكان الجار الأقرب لشقيقته الوحيدة، طلق امرأته خاني ولم يكونا قد رزقا بذرية. قبيل سفرة ريما الأخيرة إلى الجزيرة، خطبت له امرأةً أرملة أصلها من ماردين وكانت تقيم مع ابنتيها في بيت أهلها، الكائن في غرب الحي. عقبَ عودة ريما من تلك السفرة العاثرة، سُعدت بخبر انجاب امرأة شقيقها لصبيّ. منذئذٍ، أضحت شقيقة آكو بمثابة الحامية لامرأته، تتدخل في مشاكلهما لصالحها وتحثه دوماً على معاملتها بالحُسنى والرقة. أول ضربة قاسية تلقتها ريما، كان ذلك بعد وفاة رجلها بحوالي عشرة أعوام. شقيقها الوحيد، آكو، كان يقوم ببناء حجرة جديدة في بيته، عندما وقعت بلوكة على رجله. في المستشفى، أبلغوه بضرورة بتر الرجل المصابة، بالنظر لانتشار الغرغرينا فيها. لكنه لم يعش بعد بتر قدمه سوى أياماً قليلة، ففارق الحياة وكان ابنه الوحيد لمّا يبلغ بعد سن البلوغ. عشر سنين على الأثر، وكان موعد بطلتنا مع مأساة أخرى كادت أن تقصم ظهرها.

***
كان محض اتفاقٍ، أن يتوافق موتُ خالتي، بيروزا، مع نهاية العام 1976، الذي شهِدَ صَيفهُ زيارتي الأولى لبلدة عامودا؛ وكانت هذه كما علمنا هيَ مكان منفى والد الخالة الراحلة. كان يوماً مطيراً، كأنما عين السماء قد انهمرت مدراراً لتغسلَ النعش الضئيل، المَرفوع للتوّ من تابوته الخشبيّ. إنّ أيّ نظرةٍ جانبيّة، مواربَة، كنت ألقيها وقتئذٍ نحوَ جدّتي، ريما، كان يتبعها خنجرٌ مَضّاء يُغرس في قلبي: كانت المسكينة هناك، على طرف التربة، مقرفصة بقامتها القصيرة وهيَ خائرة القوى، ملتفة بملاءتها القاتمة، المبتلة تماماً، فيما رأسها يهتزّ كمروحة. في الليلة المنصرمة، كانت جدّتي تغني فوق رأس عزيزتها الراحلة، بلغتنا القومية؛ وهيَ عادةٌ كرديّة، أصيلة، لا بدّ أنها اندثرت لدينا في الحي مذ فترة بعيدة.
" الجدّة ريما في حالٍ سيئة للغاية "، هكذا افتتحت " نازي " حديثها بالخبَر المُروّع. إن ابنة عمّنا الكبير، المُقيمة على أطراف تربة آله رشي، هيَ من أرسلت هذه الفتاة السمراء، اللطيفة والطيّبة، لكي تنذرنا. ويبدو أنّ ابنة العمّ قد أخبرَت من لدن الفتاة ( وهيَ ابنة زوجها، العفرينيّ الأصل )، بما لحظته يومياً من تكرّر وجود جدّتنا عند قبر ابنتها ومنذ الصباح الباكر. على ذلك، عرفنا داعي امتناع المسكينة عن زيارتنا لأكثر من أسبوع؛ هيَ من اعتادت الاقامة في منزلنا غالباً. وحقّ لي استعادة ملامح خالتي الراحلة، المثخنة بجراح الزمن، ما أن حط بَصَري يومئذٍ على هيئة والدتها، الرثة. ففي عز محنتها بالمرض العضال، كان بعض الأقارب يُمازحون خالتنا بالقول: " لقد أضحَيتِ كما لو أنك الشقيقة الكبرى لريما ". إلا أنني ربما كنت عندئذٍ أستعيدُ، أيضاً، ما أذكره عن جمال خالتي، النادر حقاً؛ بقسماتها الدقيقة، المتناسقة، وشعرها الأحمر وعينيها الربيعيتين: لقد كانت بيروزا، كما ُقيل، نسخة مُطابقة لشكل أمّها؛ جدّتنا الرائعة، الأشبه بالاسطورة.
لكن ريما عاشت خمسة عشر عاماً أخرى، لتشهدَ رحيل المزيد من الأقارب وولادة العديد من الأحفاد. بل إن حفيدتها، ابنة بيروزا، أصبحت في الأثناء جدّة. وفي هذا المقام، ترددت في العائلة طرفة تعبّر عن الحال. فإن حفيدة هذه الأخيرة، وكانت طفلة صغيرة، اتجهت إليها مرةً قائلة: " جدّتي، إن جدّتك تطلبك! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الرابع عشر
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الثاني عشر
- ثمنُ المكالمة
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثاني عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الثاني عشر
- بضعة أعوام ريما: الفصل الحادي عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الحادي عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الحادي عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الحادي عشر
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل العاشر
- بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 3
- عصير الحصرم 78
- الباب الصغير


المزيد.....




- الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت ...
- مصر.. القبض على مغني المهرجانات -مجدي شطة- وبحوزته مخدرات
- أجمل مغامرات القط والفار.. نزل تردد توم وجيري الجديد TOM and ...
- “سلي طفلك الان” نزل تردد طيور الجنة بيبي الجديد 2024 وشاهد أ ...
- فرانسوا بورغا للجزيرة نت: الصهيونية حاليا أيديولوجية طائفية ...
- الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت ...
- المؤسس عثمان الموسم الخامس الحلقة 159 على ATV التركية بعد 24 ...
- وفاة الممثل البريطاني برنارد هيل، المعروف بدور القبطان في في ...
- -زرقاء اليمامة-.. أول أوبرا سعودية والأكبر في الشرق الأوسط
- نصائح لممثلة إسرائيل في مسابقة يوروفيجن بالبقاء في غرفتها با ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 5