أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ثمنُ المكالمة














المزيد.....

ثمنُ المكالمة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6596 - 2020 / 6 / 18 - 18:26
المحور: الادب والفن
    


من امرأته الأولى، رُزقَ تاجرُ الحقائب النسائية ابناً بلغ في فترة أحداث حكايتنا العشرين من عُمره. الابن اسمه، " كنعان "، وأخوته الثلاثة من أبيه، الذين جاؤوا على رؤوس بعضهم البعض، حملوا أسماءً على نفس الوزن؛ وهم بالتسلسل: " عمران " و" حيان " و" عدنان ". هؤلاء الأخيرين، كانوا يحبون أخاهم الكبير غير الشقيق ويحترمونه. لكنهم كانوا يتضامنون ضده، ما لو تعارك مع أحدهم. هذا كان يُغضب الأب كثيراً، لدرجة إنزاله بهم العقاب الجسديّ. وكان حرياً بالأب أن يغضب من أبنائه الأربعة، لو علم بما يفعلونه أحياناً خلال غيابه.
والدة كنعان، انتقلت للعيش في أمريكا عقبَ طلاقها. كون المكالمات الهاتفية المنزلية باهظة جداً مع هكذا بلد بعيد، وصلَ تفكيرُ الابن إلى تدبير مناسب. الشقة الكائنة تحت شقتهم مباشرةً، ارتبط ابنا أصحابها الوحيدان بصداقة مع كنعان وعمران. ومنهما عرف كلاهما أن الأسرة تقضي سهرة الخميس غالباً لدى الأقارب أو الأصدقاء. كون باب شرفة أولئك الجيران يُترك موارباً عندما يذهبون للسهرة، فإن ذلك ألهمَ كنعان هذه الفكرة المتهورة: أن ينزل عبرَ شرفة مسكنه إلى تلك الشرفة ومن ثم يستعمل هاتف الشقة لإجراء مكالمة هاتفية مع والدته، الموجودة في أمريكا. أربع مرات، نجح الشابُ في اقتحام شقة الجيران دونما أن يشعر به أحد. في المقابل، تعففَ عن مد يده إلى أي من أشياء الشقة. فمجرد إنهائه للمكالمة، كان يعود من حيث أتى وبنفس الطريقة في التسلل.

***
في الخميس الخامس، حدثَ أمرٌ مفاجئ لم يكن ضمن حسابات المقتحم الملول. صاحبُ الشقة، السيد " سعيد "ـ وكان موظفاً مرموقاً في وكالة غوث اللاجئين ـ تذكّرَ عقبَ خروجه مع الأسرة أنه نسيَ هديةً كان يُزمع تقديمها للأسرة المضيفة في مناسبةٍ ما. هنا، عاد أدراجه إلى المسكن، تاركاً أسرته تكمل طريقها مشياً وعلى مهل. حالما فتحَ باب الشقة، بوغتَ بمروق شبحٍ من صالة الاستقبال إلى حجرة الجلوس. أشعل مصباح المدخل، صائحاً بقوة: " من هناك؟ ". حل الصمتُ، بينما الرجلُ يفكّر بسرعة وقد غلبه الخوف. عمد بعدئذٍ إلى إغلاق باب صالة الاستقبال ثم توجه إلى المطبخ بخطى خفيفة، ليستل من أحد الأدراج سكيناً طويلة النصل. تفكّر مجدداً، وهوَ يصيخ السمع. لم تصدر أي حركة عن اللص المفترض. خاطبَ السيد سعيد داخله: " على الأرجح ما يزال في حجرة الجلوس، وخطته للهرب أن يلف عبر حجرة الأولاد ومن ثم المطبخ إلى الباب الخارجيّ؛ وذلك لو أنني هاجمته من جهة صالة الاستقبال. وإلا فإنه سيفعل العكس، لو أنني هاجمته من ناحية المطبخ ". ثم تذكّرَ فجأة أن باب الشقة بقيَ دونَ قفل، لكنه لم يجد الوقت للعودة إليه: لقد عزمَ على إخراج مسدسه الصغير من خزانة حجرة نومه.
خفَّ إلى تلك الحجرة، وخلال لحظات كان المسدس في يده. فما لبث أن وضع خزان الطلقات بمكانه. بمجرد أن لقّمَ المسدس، تناهى لسمعه وقعُ خطواتٍ هاربة من جهة صالة الاستقبال. اندفع بدَوره إلى ردهة الباب الخارجيّ، ليرى شخصاً سميناً يحاول الهربَ. لحظة إطلاق الرصاص لمرة واحدة، تهاوى ذلك الشخص خارجَ باب الشقة وكان قد لحقَ وفتحه. كان قد صوّبَ إلى الظهر، لكن الرصاصة استقرت في العنق. لما قلبَ جسدَ الشخص المحتضر، غمغمَ بذهول: " كنعان..! ". ثوان وارتفعت ضجة حوله. كان أخوة الشاب أول من هُرع على صوت الرصاصة. عند ذلك، تراجع الجارُ إلى شقته وقفل بابها. على الأثر، صدر طرقٌ عنيف على الباب تخلله عويلٌ وشتائم وتهديدات. سار مترنحاً نحو صالة الاستقبال، فأمسك سماعة الهاتف. ضربَ أولاً رقمَ الإسعاف ومن ثم رقم الشرطة.

***
مع حزنهم الشديد على أخيهم الراحل، وما أحسوا به من تبكيت الضمير، قررَ الأشقاء الثلاثة أن ينكروا علمهم باقتحامه لشقة جيرانهم. فعلوا ذلك كيلا يتورطوا بالقضية، مقتدين بقول معروف؛ وهوَ أن الحي أبقى من الميت. المحقق في القضية، احتارَ للوهلة الأولى من ملابساتها. فالشقة لم يُفتح بابها بمفتاح بديل ولم يُخلع، مثلما أن شيئاً من أشيائها الثمينة لم يُمس. تركّزَ انتباهه على باب شرفة الشقة، وكان غير مقفل وقت وقوع حادثة القتل. عندئذٍ ضغط على أخوة القتيل الثلاثة، كونهم تواجدوا في مسكنهم إبّان مقتله. لما أنكروا أيّ علم لهم بالموضوع، عمد المحقق إلى الحيلة: عزل كلاً منهم عن الآخر في خلال الاستجواب، ثم أوهمهم أن أحدهم اعترفَ بمعرفته لدافع الأخ القتيل من التسلل إلى الشقة عبرَ الشرفة.
عقبَ نجاحه في كشف ملابسات القضية، وجّه المحققُ للسيد سعيد تهمةَ القتل غير المتعمد. هذا، لم يستطع إثبات أن القتل تم دفاعاً عن النفس، لأن سكين المطبخ كان عليها بصماته. قال له المحقق، لما واجهه بالتهمة: " حتى لو افترضنا أن مقتحمَ الشقة كان لصاً، فإنه لو تم توقيفه لحُكم بسنتين سجن إلى ثلاثة؛ كونه غير مسلح. بينما أنتَ حكمت عليه بالإعدام، لمجرد أنه أرادَ توفيرَ ثمن مكالمة هاتفية إلى والدته في أمريكا ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثاني عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الثاني عشر
- بضعة أعوام ريما: الفصل الحادي عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الحادي عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الحادي عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الحادي عشر
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل العاشر
- بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 3
- عصير الحصرم 78
- الباب الصغير
- بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل التاسع
- بضعة أعوام ريما: الفصل التاسع/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل التاسع
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 4
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الثامن
- المارد والحورية
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل السابع


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ثمنُ المكالمة