أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 4














المزيد.....

بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6579 - 2020 / 5 / 31 - 01:32
المحور: الادب والفن
    


" هذا القماشُ الدمشقيّ، لن تلحق أن تلبسه؛ لأنه سيكون كفناً لكَ "
هذا القولُ النذيرُ، الذي سَمِعَهُ عليكي آغا الصغير من درويشٍ مَجذوبٍ أثناء تبضّعِهِ في سوق مدينة ماردين، جازَ له أن يَستعيدَهُ خلال سويعات الاحتضار المَديدة، المُمِضة. الحمّى، الطاحنة كدَوَران الرّحى، اعتادت أن تسلّمُهُ للهذيان خلال أسبوع كامل، وخصوصاً في جَوف الليل. وبما أن خبَرَ انتشار الوباء، المُروِّع، لم يكن قد تناهى حتى الساعة إلى القرية، فإن ليلو ما كانت ترتابُ وقتئذٍ في إصابته بنوع من الحمّى المعويّة، العَرَضيّة؛ طالما أن الغثيان والقيء والإسهال هيَ من أعراضها البيّنة. إلى ناحيَة زوجته الحَبيبة، كان الرّجلُ المحتضرُ يتلفت بين آونةٍ وأخرى كي يَبثها بنجوىً شجيّةٍ، مؤلِمَةٍ، عن مَدى افتقادِهِ لابنتهما، نازو. هذه الابنة البكر، كانت قد فارقت الحياة في ذات العام، الشاهد على رحيل أسرتها إلى موطن الأسلاف. فكأنما أحس والدها، المحتضر، بقرب لقائه بها في العالم الآخر.

***
" هذا القماش الدمشقيّ، لن تلحق أن تلبسه؛ لأنه سيكون كفناً لك "
عليكي آغا الصغير، جدّ والدتنا لأمها، حق له أن يُفاجأ بهذه العبارة المُنذِرَة، التي سدّدها إليه درويش، مَجذوبٌ، كان يَقفُ على مَدخل القيسارية. ذلك الحَدَث، جدَّ قدّام أحد الحوانيت ذات الأقواس، المَنحوتة في المَقدِس الجلمود، الواقعة في قلب سوق ماردين . ثمّة، إذن، كان عليكي يَهمّ بتأبط لفة القماش والمضيّ في طريقِهِ، عندما أصدى في سَمَعِهِ بقوّة صوتُ الرّجل الأخرق، الذي كان مُلتحفاً بخِرَق باليَة، خلِقة، على عادة أمثاله من المَجذوبين. المُحَيّر في الأمر، لدرجة أن يبقى عليكي واجماً لهنيهةٍ، كان تشديدُ الآخر على صِفَة القماش. إذ أنّ جائحة الريح الأصفر، المُهلِك، لم يكُ بعدُ قد انتشر في المدينة.
" إنه مجرَّدُ انسان مسكين.. "، فكّرَ عليكي وقد أفاق في الحال من دوّار دهشتِهِ. وما عتمَ أن مدّ يَدَه إلى جيب الصدريّة، فيما هوَ يرمق الدرويشَ بنظرةٍ باسِمَة، مُتسامِحة. حينما لم يُبادر هذا إلى تقبّل الصَّدقة، أدرَكَ المتصدق بنظرةٍ أخرى، مُتمعّنة، أنه يقفُ أمامَ رجلٍ ضرير.
جدّ والدتنا، اعتادَ على زيارة ماردين بين آونةٍ وأخرى؛ هيَ المدينة القديمة، الساحرة، التي كان يَمحَضها حباً خاصّاً مذ أن وطأت أقدامُهُ هذه البلاد، للمرة الأولى، قبل ثلاثة عشرة عاماً. جاز له هنا أن يَستعيد ذكريات الشام، مسقط رأسِهِ، كلما نظرَ إلى هذه الأحياء المُحلقة في الأعالي. ثمّة، في حي الشهيدية، ما تفتأ رائحته باقية في منزلُ ابنته المُنيف، المَشغولة عمارته من حجر الجير البركانيّ، المُلوّن. لقد رافقت ريما زوجَها إلى بلدة عامودا، بعدما تمّ نفيه قبل بضعة أشهر بسبب قتلِهِ أحد شيوخ العرب، المَعروفين. من أعالي ماردين، كان باستطاعة المَرء الإشراف على مَشهد بلدة المنفى، المُستلقية في رخاء السهول الشاسعة، الخصيبة. بيْدَ أن عليكي لم يَزر ابنته بعدُ، على الرغم من قرب المسافة، الفاصلة بين مقامَيْهما. " سأفعلُ ذلك في طريقي إلى الحج، عاجلاً. ومن هناك، سأمرّ على الأهل في الشام "، فكّرَ مُنشرحاً وهوَ يَشدّ حزمة القماش، المُلتصقة بإبطِهِ. شراؤه للقماش، في هذا اليوم المُبشّر بربيع دافئ، كان من واردات خطة الزيارة، المُرتقبَة ـ كما علِمَت ابنته إثرَ عودتها للبلدة بعدَ نحو العام.

***
" ونفخ في الصّور فصُعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله "
لابدّ أن عليكي آغا الصغير قد ردّد أكثرَ من مرّة هذه الآية الكريمة، كلّما خرجَ مُستقلاً العربة خِللَ باب الصّور في طريقه من ماردين إلى الجبل. ولا ندري، بطبيعة الحال، ما إذا كان قد رَبَط بين الآية وذلك النذير، الرّهيب، الذي تفوّه به مجذوبُ السوق في ظهيرة اليوم نفسه. تشديدي على الجَمْع، في مبتدأ الجملة الفائتة، أحيلهُ إلى كون مَصدر الواقعة هيَ جدّتي، ريما؛ التي دأبت على إنارة غلسة سهراتنا ببوارق من ذاكرتها المُتَوَقدة. غيرَ أنها، من ناحية أخرى، كانت مُتأكدة من يقين معلوماتها فيما يخصّ مَرَض أبيها، المُفاجئ.
دَهَمَت الحُمّى عليكي، مُباشرةً بُعيدَ وصوله إلى بيتهِ قادماً من ماردين. كان يَهذي طوال الوقت، وكأنه مُلتخٌ سُكراً. ولكن العناية الحَنونة، التي شمِلَ بها مريضنا من لدن زوجته وضرتها، كانت وبالاً عليهما وعلى أسرتيهما. أسبوع واحدٌ، إثرَ دفن عليكس آغا الصغير، ولم تلبث امرأته الحبيبة، ليلو، أن أصيبَت بنفس أعراض مَرَضِهِ. المقبرة الصغيرة، الكائنة على مرتفع هيّن في قرية الأسلاف، ما عتمت أن توسّعت بفعل الأجداث المُتدفقة إليها في آونة الجائحة، الكالحة.
الوباءُ، كان خاتمة ثالوث الأثافي، الذي ابتلي به الخلق بعدما خمَدَ أوارُ الحرب العظمى وما رافقها من الفرمان المشنوع، المَنذور للرعايا الأرمن وغيرهم من " الكفار " في السلطنة. قبل ذلك بعقدَين من الأعوام، عندما فتحَت ريما عينيْها على نور الحياة في الشام، كان ملاكُ الموت يحلق أيضاً فوق كردستان. إذ أصبَحَت هذه البلادُ وقتئذٍ مَسرحاً لفتنةٍ دينيّة، كبرى، بفعل تحريض الولاة الغاشمين ومن خلفِهِم الباب العالي. غيرَ أن سنجق ماردين، في المقابل، نأى بنفسِهِ عن الفتنة إجمالاً. سبعة أعوام على الأثر، حينما قدِمَت ريما مع أهلها إلى موطن الأسلاف، مازيداغ، كانت العلاقات ما تني طيّبة بين سكانها على اختلاف أديانهم. مثلما في أخوات القرية، المُتراميات على كتف الجبل، كان غالبية النصارى هناك من اليعاقبة. على الرغم مما يُقال عن أصل تسميَة مازيداغ ( من " ماسيس " الأرمنية؛ أيْ شجَر العفص أو البلّوط )، إلا أنّ أفراد هذه الملّة كانوا مُنتشرين غالباً في مدن السنجق؛ مثل ماردين و قوصر و ديريك.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الثامن
- المارد والحورية
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل السابع
- المنحوتة
- المرآة السحرية
- غرام الأميرة الصغيرة
- بضعة أعوام ريما: الفصل السابع/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل السابع/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل السادس
- بضعة أعوام ريما: الفصل السادس/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل السادس/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الخامس
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الخامس
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الرابع
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الرابع
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 3
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 1


المزيد.....




- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...
- الممثلة الإباحية ستورمي دانييلز تتحدث عن حصولها عن الأموال ف ...
- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 4