أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الخامس















المزيد.....

بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الخامس


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6563 - 2020 / 5 / 14 - 20:03
المحور: الادب والفن
    


1
برغم تأسيسه أسرة جديدة، أخذت أحوال عليكي تتحسن، كذلك أضحى اسمه معروفاً في سوق ديريك. لكنه تابَ عن المغامرات التجارية غير المأمونة الجانب، مكتفٍ بما يدره عليه محل القماش من ربح. علاقته مع حميه الجديد، في التالي، بقيت محصورة في زيارات عائلية وفي أوقاتٍ متباعدة. فرح الرجل، ولا شك، بقدوم حفيد له من ابنته الوحيدة؛ بالأخص أنه حمل اسم ابنه الراحل. عبّر عن فرحته باستقبال صهره وابنته في مقر إقامته بمدينة ماردين، وما لبث أن وضع حفيده أمامه على الفرس بين جمهرة من أتباعه المحتفلين، وسط إطلاق نار من بنادقهم. عقبَ الاستراحة في إيوان حميه شيخ العشيرة، اقترب هذا بصفحة وجهه التي برز منها أنفه العربيّ الأقنى، ليقول بصوت منخفض: " حصلتُ على معلومة مؤكدة، تكشف عمَن نفذ عملية السطو على قطيع الماشية "
" مَن كان الفاعل؟ "، تساءل عليكي ببرود. إن نبشَ ذكرياتٍ غير سارة، كانت شيئاً غير محتمل بالنسبة إليه؛ هوَ من اضطر لكسر قلب امرأته الحبيبة ليلو على خلفية هذه المسألة. لكن الشيخ لم ينتبه لنبرة صهره، المتسمة بالجفاء. كان يُداعب فنجان قهوة مرة بين أصابعه الطويلة، المنتهية بخواتم ذهبية ذات فصوص من أحجار كريمة. قال مجيباً: " إنه محمد آغا، أحد الزعماء الكرد في ماردين، الذين أثروا من أعمال السطو والنهب بحق قبائلنا العربية ". هذه المرة، لم يعقب عليكي بشيء. اكتفى بهز رأسه دلالة على الفهم، فيما كان يتناول تفاحة ناضجة من على المائدة ويبدأ بقضمها. لقد حصل على ماله، وفوق ذلك، على عروس دون مقابل تقريباً. لذلك لم يكن ثمة سببٌ يدفعه لتعقّب مَن سطا على قطيع الأغنام، سواءً أكان كردياً أو عربياً.

***
في صيف العام التالي، 1908، وضعت ثريا مولوداً جديداً؛ وهذه المرة، كانت بنتاً. امرأته الأولى، بقيت مسهدة مع ضرتها لحين سماعها صوت المولود عند الفجر. دخل عندئذٍ عليكي إلى الحجرة، وتناول قطعة اللحم الحمراء من ليلو: " أنتِ مَن سيختار لها اسماً "، قالها وملامحه تنبض بشعور الامتنان. فكّرت امرأته قليلاً، قبل أن تنطق الاسم المطلوب: " شملكان؛ كي يذكّرنا دوماً بالمرأة الرائعة، وكانت أكثر من أم لنا كلينا "
" بالطبع، وهو اسم جميل الجرس أيضاً "، أكّد عليكي. بسبب قلة نومه في الليلة الفائتة، قررَ ألا يذهب إلى العمل في هذا اليوم. لديه مساعد، سيتعهد أمر المحل في أثناء غيابه. قبيل مغادرته حجرة امرأة الطلق، ألقى نظرة عليها وكانت شبه غائبة عن الوعي من الإجهاد والنعاس. عند الظهيرة، سمع جلبة عند مدخل الدار، فخمن أنه حميه حضرَ كي يهنئه بالمولود. ابتسمَ في نفسه عندئذٍ: " لا مِراء أنه سيصاب بخيبة، كون المولود بنتاً! ". لكن القادم لم يكن سوى مساعده، وسرعان ما مثل بين يديه: " السوق تم نهبه، يا آغا. الفوضى عمت البلدة فجأة، على أثر سماع الأخبار الواردة من تخت السلطنة "
" ما الأمر؟ أيّ أخبار؟ "، هتفَ عليكي. هنا، أخذ الأجيرُ نفساً عميقاً، قبل أن يبدأ بذكر ما يعلمه. تحدث عن حركة عسكرية في العاصمة، أجبرت السلطان عبد الحميد على إقرار الدستور. وأضاف: " ما أن نم الخبر إلى بقية الولايات إلا وعمت مظاهر الفرح، ما جعل البعض يستغل الموقف ويبدأ بنهب الأسواق وإشعال النيران "
" وماذا عن المحل؟ "
" لم يصل الحريق إلى المحل، والشكر لله. لكن أولئك اللصوص سرقوا العديد من قطع القماش، إلى أن حضرت قوة من الجندرمة أخيراً "
" بكل الأحوال، ما كان عليك ترك المحل في هكذا ظروف "، قالها المعلّم مؤنباً. ثم استدرك، فطلب من معاونه المكوث لحين تقديم الغداء: " سأعود معك إلى ديريك، كي أحسب بنفسي ما خسرناه ". ترك معاونه في غرفة الضيوف، ثم اتجه إلى الداخل ليضع ليلو في صورة الوضع. قال ما أن التفتت إليه، وكانت مع ابنتهما الصغيرة: " لقد نهبوا سوق ديريك، لكن خسائر المحل محدودة مثلما فهمت من أجيري "
" يا إلهي، كيفَ حدث ذلك؟ "
" إنه يوم مبارك، على أي حال؛ إذ تم فرض الدستور بقوة الجيش، وهذا كان سبب الفوضى في أنحاء السلطنة "، رد بحماس. هزت ليلو رأسها في حيرة، متمتمة باستغراب: " يوم مبارك! ".

2
شاء عليكي إلقاء نظرة أخرى على امرأته الثانية، علّها تكون أفاقت من النوم. أطل على حجرة نومها، فرآها محتضنة ابنتهما تحاول إرضاعها. خفضت بصرها فيما كانت تتلقى التهنئة، ثم تمتمت بعبارة شكر. تملّى قليلاً في ملامح ثريا، وكانت ما تنفك عليها علامات الإجهاد والضنك. كانت سمراء على شيء من الجاذبية، عيناها جميلتان لولا ما فيهما من نظرات الخنوع؛ شأن معظم نساء البدو العرب. آثر الانطلاق باتجاه ديريك على ظهر الخيل، بما أن معاونه فعل نفس الشيء حينَ قدم منها. بعد بضع ساعات، كانا في سوق البلدة وقد بدأت الشمس تميل إلى الغروب. عناصر الجندرمة، ظهروا في أكثر من مكان وكانت نظرات غالبيتهم تشي بالجشع والطمع.
" صديقك، ماموستا، حضر إلينا للاطمئنان وكان برفقة عدد من رجال عشيرته المسلحين بالبنادق "، خاطبَ الأجيرُ معلمه حين صارا داخل المحل. كان يقصد رجلاً من أعيان البلدة، اسمه " عزت زيا "؛ استحقَ لقب ماموستا ( أستاذ )، كونه من المهتمين بإحياء الثقافة القومية. غبَّ فراغه من تفقد خسائره، غادر المحل تاركاً المعاون وهوَ منهمك في التنظيف والترتيب. اتجه إلى دار صديقه، الأستاذ، وكانت تقع في أحد أحياء البلدة، المشرفة على أكبر جداولها، والمزدحمة ببيوت أقاربه وعشيرته. أحد الأعوان، وكان مسلحاً يقف مع آخرين عند مدخل الدار، رحّبَ بالضيف ثم استلم حصانه وقاده إلى الإسطبل. كان الأعوان يعرفون عليكي، وما عتم بعضهم أن سار أمامه إلى إيوان الدار. ثمة، تقدم صديقه لتحيته ثم قدّمه لشخصٍ في قيافة موظفي الدولة: " صالح بك، هذا أخونا عليكي من وجهاء الشام الشريف وقد استقر في مازيداغ منذ نحو ثلاثة أعوام ".
" الوجيه الشامي "، كان بوسعه معرفة الضيف حتى دونَ حاجة لتقديم. فما لبثَ أن هتفَ، مقاطعاً المضيفَ: " صالح بك؟ يا له من يومٍ حافلٍ بالمفاجآت! ". الضيف، ما أبطأ أيضاً في التعرّف على عليكي، فتقدّم بدَوره إليه كي يعانقه في حركة ود حميمة: " صديقي الدمشقي القديم، كم أنا مبتهج أيضاً بهذه الصدفة السعيدة ".

***
صالح بك، كان من أسباط الأمير بدرخان الكبير، ولد في مدينة اللاذقية؛ أينَ كان أبيه يخدم هناك الدولة، كقائم مقام منطقة جبل صهيون. بالأساس، كان الأب صديقاً للعم أوسمان، زوج السيدة شملكان، وفي ذلك الوقت كان عليكي يعمل أجيراً عنده على عربة تشدها الخيل. لكنه في خلال تلقيه العلم بالمدرسة الرشدية في سوق ساروجة، أضحى على صلة وثيقة بزميله صالح بك والذي يصغره بأعوام قليلة. لاحقاً ومن خلال صديقه، تعرّفَ عليكي على نشاط الجمعيات السرية، المناوئة لحكم عبد الحميد المستبد؛ بالأخص الكردية منها، الطامحة أيضاً للحصول على الحقوق القومية. وهيَ ذي الآمال تحققت في فرض الدستور على السلطان، ويلوح أن الأمور لن تقف عند هذا الحد.
" لن يستسلم عبد الحميد بسهولة، مثلما شهدنا اليوم في قيام أعوانه بالحرق والنهب في سوق ديريك وكذلك في مدن أخرى "، خلصَ الضيفُ عالي المقام إلى هذه النتيجة. وافقه الأستاذ عزت، مؤكداً بحَسَب شهود عيان أنهم عناصر الخيالة الحميدية، مَن اجتاحوا السوقَ انطلاقاً من مقرهم الرئيس في بلدة ويران شهر، القريبة. إذاك، استعاد عليكي صورةَ صديقٍ آخر يُمكن أن يكون له صلة بما حدثَ اليوم في السوق: إنه حمّوكي، مَن شاء مرافقته في الرحلة إلى موطن الأسلاف، وكان طموحاً دوماً للانضمام إلى خيالة الحميدية، المشكّلة بالأساس من أفراد عشيرته الملّية، بما فيهم قائدها الأعلى؛ الجنرال إبراهيم باشا، أحد المقربين للسلطان. لقد مرت ثلاثة أعوام دونَ أن يظهر حمّوكي أو يسأل عنه، ما يشي بانضمامه المحتمل لتلك الفرقة العسكرية ".
كذلك كان عليكي يفكّر، وفي الأثناء كان خادمٌ يضع صينية عليها أقداح كريستال عالية العنق، مخصصة لشرب الكحول مع زجاجة من نفس البلور الثمين، محتوية على العَرق. ثم جيء، تباعاً، بالمازوات من لحوم جافة وقشدة وكبّة نيئة وفاكهة وموالح. قدّم الأستاذ قدحين مترعين لضيفيه، ثم رفع قدحه كإشارة لنخب صداقتهم. في المرة التالية، رفع صالح بك ما دعاه " نخبَ ثورة الدستور العثمانية، المجيدة ". شاركه الصديقان الأملَ بفتح صفحة جديدة في تاريخ السلطنة، قوامها العدل والمساواة والإخاء. مع تبادل المزيد من الأنخاب، تجرأ صالح بك وقد لعبت الخمر برأسه على القول: " الثورة الفرنسية بدأت بفرض الجمعية التأسيسية، ثم انتهت بإعدام الملك وإعلان الجمهورية؛ وهذا ما سيحصل مستقبلاً على أثر ثورة الدستور، العثمانية! ".

* مستهل الفصل الخامس/ الكتاب الخامس، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الرابع
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الرابع
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 3
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الثاني
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثاني/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثاني/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقيةالفصل الأول
- بضعة أعوام ريما: الفصل الأول/ 2
- بضعةُ أعوام ريما: الفصل الأول/ 1
- حديث عن عائشة: الخاتمة
- حديث عن عائشة: الفصل العشرون/ بقية
- حديث عن عائشة: الفصل العشرون/ 3
- حديث عن عائشة: الفصل العشرون/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل العشرون/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل التاسع عشر
- حديث عن عائشة: الفصل التاسع عشر/ 3


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الخامس