أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: الفصل العشرون/ 1














المزيد.....

حديث عن عائشة: الفصل العشرون/ 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6543 - 2020 / 4 / 22 - 21:20
المحور: الادب والفن
    


عقبَ اشتعال الثورة السورية بنحو سنة، حضرَ إلى الحارة شابٌ قصير القامة، له سحنة الطير الجارح. لكنه لفت الأنظارَ بسترة الجيش الفرنسيّ، التي امتلأ بها جرمه الصغير، وكذلك بمشيةٍ خيلاء اهتزَ لها رأسه الضخم. ما لم يعلمه الفضوليون، المهتمون بمراقبة كل غريبٍ قادم إلى الحي لشأنٍ ما، أنّ علامات التعب على هيئة ذلك الشاب إنما لكونه قد قطعَ مشياً المسافة بين ساحة شمدين آغا ومسجد سعيد باشا. في حقيقة الحال، أنه كان منهكاً نفسياً بسبب هدره الوقت عبثاً وهوَ يسألُ عن عنوان أقاربه. كان صباحاً من أواخر الربيع، تنفّسَ عبيرَ أزهار حدائق الدور، المتزاحمة على جانبيّ الجادة، ما جعل الجنديَّ الغريبَ أشبه بالثمل. أخيراً، أشارَ له أحدهم إلى دكان سمانة، يكاد مدخله لا يتسع سوى لصاحبه الشاب ذي الشكل الطريف، مسمياً إياه بكنيةٍ وقعت أحرفها في سمعه مثل لحن عذب. ذلك كان آدم، مَن سيفاجئ لاحقاً الجنديَّ الغريبَ بقرابةٍ أخرى تربطهما معاً.
" أنتَ إذاً، حِدُّو، ابن عم صهري صالح؟ يا لها من مصادفة سعيدة! "، علّقَ آدم على ما سمعه من قريبه عن دافع مجيئه للحارة. بعدما ارتاح هذا الأخير قليلاً، اعتذر عن شرب الشاي ثم وقفَ كي يتابع طريقه: " ليسَ من داعٍ لتركك رزقك، فأنا أستطيعُ المضيّ وحدي حتى منزل صهرنا المشترك! "، قالها مبتسماً. لقد علمَ تواً أنّ ريما، أخته غير الشقيقة، قد نزلت ضرّة على شقيقة آدم؛ أنهما تعيشان تحت سقف المنزل نفسه، الكائن في زقاق معرّفٍ باسم العشيرة الآله رشية. هكذا سارَ حدّو ربع ساعة أخرى، لحين واجهته منارة مسجد سعيد باشا ذات الطراز العثمانيّ. ثمة، عليه كان أن ينتبه لبائع قاتم السحنة، قابع وراء سدّة دكانه، كأنه جزءٌ من العتمة المكتنفة داخلها. قال له البائعُ، واسمه " جروس "، رداً على سؤاله: " صالح جارنا، الجدار بالجدار. سيارته في إزاء المنزل، وهيَ ستكون دليلك! ".

***
ثمانية أعوام على الأثر، وشاءت عيشو الاستعانة بنفوذ ذلك الشاب، الذي عُدَّ آخرَ شخصٍ من الأقارب، القادمين من موطن الأسلاف. لكنه لم يأتِ مباشرةً إلى الشام، وإنما تعيّنَ عليه خوضَ المغامرة تلو المغامرة حتى وجد نفسه في خدمة الفرنسيين. من ناحيتها، كانت عيشو قد أنهت موسمَ الحصاد لما جاءتها مكالمة من شقيقها موسي، حثّها فيها على العودة بسرعة لمسقط رأسها. ثمة أعلمها شقيقها بأن ابنتها البكر، كَولي، عُدّت بمثابة مفقودة منذ أن رافقت ابنه إلى الزبداني ومن ثم هربها منه بوهم أنه أحضرها كي يتخلّص منها بعيداً عن عائلتها. أنصتت للقصة، وكانت ما تنفك واهنة القوى غبَّ غشيانها في بحران المناحة مذ لحظة معرفتها سببَ استدعائها من حوران.
" أعلمُ أن شقيقي يبتغي إبعادَ شبهة القتل عن ابنه، وعلى ذلك كرر أمامي تلك القصة الملفقة "، قالت الأمُ الثكلى لقريبها صالح بحضور السيدة ريما. ثم توجهت بالكلام لهذه الأخيرة: " أرجو منك إبلاغَ أخيك حدّو رغبتي اللقاء معه، والأفضل هنا بأقرب وقت ممكن ". قبل أن تفتح امرأته فمها، تدخل صالح ليقول للقريبة بنبرة الناصح: " حدّو نادراً ما يحضر للشام، كون خدمته في لبنان. بكل الأحوال، لا أعتقد أنّ في مقدوره عمل شيء بخصوص ابنتك المفقودة "
" إنها ليست مفقودة، وأنتَ تعلم الحقيقة مثلي. كل ما أطلبه، أن أضم جدث ابنتي في قبرٍ بجوار قبر أبي. هل هذا كثيرٌ، ياهو؟ "، هتفت عيشو والدموع تتفجر من عينيها المحمرتين من كثرة البكاء والوسن. ناولها قريبها قدح ماء، ثم ما لبثَ أن رد بالقول: " هذا من حقك، ولا مِراء. لكن ذلك لن يكون سوى بفتح محضر عند الشرطة، وتوجيه التهمة لشخص معيّن. فهل أنت مستعدة لخسارة شقيقك موسي؟ هذا لو لم يكن آخرون من الأقارب متورطين بالقضية؟ "
" يا إلهي، لم أعُد أعرفُ رأسي من قدمي ولا الحق من الباطل. بل ربما عليّ أيضاً أن أقبّل اليد السوداء، التي قتلت ابنتي، شاكرة صاحبها على حفظ شرف العائلة "، غمغمت عيشو مطرقةً بالأرض. بعد بضعة أيام، عندما أرسلوا خبراً إلى السيدة سارة عن وجود حدّو في دار أخته، جاءهم الجوابُ بأن ابنتها عيشو قد سافرت إلى حوران.

***
ظن كثيرون أن الضربة الأخيرة، المتمثلة بمقتل الابنة البكر، ستقضي على عيشو، أو بالقليل يُمكنها شل إرادتها وتسليمها لليأس. لكنها أثبتت قدرتها على تحمل المصائب في صبرٍ وجَلَد، بحيث لا تهزم في معركة الحياة. أرادت أن تعيش من أجل ابنتها، خالدو. قبيل إياب عيشو إلى مكان عملها في حوران، زُفّت خالدو إلى ابن عمها، علي. كانا الوحيدين، اللذين بقيا من شجرة الأسرة، بفرعيه المذكّرين، المُعرّفين باسميّ الراحلين حسّو وخلّو. علي، كان قد ترعرع في الجبال والكهوف والغابات، مرافقاً في كل مرةٍ والده قاطع الطريق. برغم مرارته من التيتم مبكراً، كان باراً بأمه؛ كما أن صلته بكل من خالته وعمته، كانت وثيقة.
مع تأسس الأسرة الجديدة، أدارت عيشو ظهرها للشام بشكلٍ لاحَ أنه نهائيّ. هذا الاعتقاد، جازَ للأهل والأقارب عندما مضى خمس سنين على ذهابها برفقة الابنة والصهر. بيد أن السيدة سارة تواصلت مع ابنتها في خلال تلك الأعوام عن طريق الهاتف، وكانت تبلغها في كل مرةٍ عن حدث زواج أو طلاق؛ عن مولود جديد أو راحل آخر ترك الدنيا. في الأثناء، كانت نُذر الحرب تدوي في أوروبا وتجد لها صدىً في كل مكان من العالم.
عيشو، كانت قد أسعدت قلبَ والدتها، بعد عامين من عودتها إلى حوران، عندما أبلغتها بولادة خالدو لابنتها البكر: هذه الابنة، ستكرر مستقبلاً سيرةَ خالتها الراحلة، كَولي، ولم يكن مصيرها أقل مأسوية.

* مستهل الفصل العشرون/ الكتاب الرابع، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث عن عائشة: بقية الفصل التاسع عشر
- حديث عن عائشة: الفصل التاسع عشر/ 3
- حديث عن عائشة: الفصل التاسع عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل التاسع عشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثامن عشر
- إطعامُ الثعبان
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن عشر/ 3
- أنا الموتُ
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن عشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل السابع عشر
- حديث عن عائشة: الفصل السابع عشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل السادس عشر
- حديث عن عائشة: الفصل السادس عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل السادس عشر/ 1
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 5
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 4
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 3
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 1


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: الفصل العشرون/ 1