أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - أنا الموتُ














المزيد.....

أنا الموتُ


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6533 - 2020 / 4 / 9 - 20:58
المحور: الادب والفن
    


طوالَ أيام فتك الوباءُ بالبلدة، فأهلك معظمَ سكانها. أخبارُ النواحي الأخرى، أينَ سارت أسرة النبيل إلى إحداها قبل استفحال الجائحة، لم تعُد تصله إن كانت خيراً أو شراً. لقد التزمَ منذ رحيل أسرته حجرةَ المكتبة، يُطالع فيها مجلداتِ التاريخ بعدة لغات. من خلالها، كان يأمل بمعرفة كيفية مواجهة البشر للطاعون وما لو كان ثمة حلٌ سحريّ، أو إلهيّ، للإفلات من شباكه المهلكة. وهوَ ذا يرسمُ ابتسامةَ ظفرٍ على شفتيه الرقيقتين، المحمرتين من أثر العض عليهما: في مخطوطٍ عائد للقرون الوسطى، من تأليف راهب مجهول الاسم، ورد ذكرُ حكاية تخلّص أحد الأمراء من الطاعون بعدما أهلك كل سكان إمارته بمن فيهم امرأته الجميلة، المعبودة.
على الأثر، خرجَ من القصر ليركبَ حصانه مولياً وجهه شطرَ الدير. كان الوقتُ مساءً، المشاعل النادرة في البيوت تدل على كمية الناجين، الذين ربما ينتظرون بدَورهم ملاك الموت. جثثٌ كثيرة، كوّمت على أطراف الطرقات، تنتظر من يُوقد فيها النيران. برغم ذلك، وصلَ الدير وكانت معنوياته عالية. رئيس الدير، وكان صديقاً مقرباً، سرعان ما استقبله ومن ثم أدخله إلى حجرةٍ في القبو، يلوح أنه لاذ بها مذ هجوم الطاعون على الإقليم.
" مع أنني لم أحط علماً بالحكاية، لا بوساطة القراءة ولا بالسماع، لكن الذخائر المعنية موجودة وفي وسعك استعارتها لحين إيابك بالسلامة عقبَ انزياح الجائحة "، علّقَ الرئيسُ على ما سمعه من صديقه. ثم ما لبثَ أن استأذن كي يجلب تلك الذخائر. تبيّنَ أنها رداءٌ أسود اللون، مما يكتسي به الرهبان، وكان له قبعة عالية، فضلاً عن صليبٍ خشبيّ بحجم الكف، مربوط بسلسلة معدنية. شكرَ النبيلُ رئيسَ الدير، ثم غادر المكان وعليه العدّة المقدسة.
تركَ في الحال البلدة المنكوبة، موجّهاً هذه المرة حصانه على طريقٍ سبقَ لأسرته أن اجتازته في سبيلها إلى إقليم آخر. بقيَ الليل بطوله على ظهر الخيل، يسير به خبباً في غالب الأحيان حتى لا يفقد حيويته. فجراً، توقفَ في بقعة كأنها قطعة من الفردوس السماويّ. فربط حصانه إلى شجرة، وما عتمَ أن استلقى لينام بعض الوقت. لكنه أفاقَ على صوت صهيل الحصان، وكانت الشمسُ صارت في الضحى. رؤيته الدابة ترعى الحشائشَ، جعله يشعر بالجوع. فأخرجَ القليل من الزاد من الخرج مع زجاجة نبيذ. غبَّ فراغه من الأكل، صعد إلى صخرة كبيرة كي يُشرف على مشهد المكان. وإذا به يلاحظ وجودَ رجلٍ وسط حقل قمح، وكان يعملُ بالسنابل منجلَهُ ذا العصا الطويلة. انحدرَ من الصخرة، مقرراً التكلم مع الحصّاد.
" أراكَ تعملُ لوحدك، فأين هم بقية القرويين؟ "، سألَ الرجلَ بنبرة السادة المتعالية. رفع هذا رأسه، لتُفصح ملامحه من تحت البرنس عن عُمر يصعب تقديره. رد بعد وهلة تفكير: " لقد أهلكهم الوباءُ جميعاً "
" وأنتَ، كيفَ تمكنت من النجاة؟ "
" أنا الموتُ..! "، قالها وهوَ يُطيح بمنجله رأسَ النبيل الشامخ.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن عشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل السابع عشر
- حديث عن عائشة: الفصل السابع عشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل السادس عشر
- حديث عن عائشة: الفصل السادس عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل السادس عشر/ 1
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 5
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 4
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 3
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الرابع عشر
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 3
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثالث عشر
- حديث عن عائشة: الفصل الثالث عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الثالث عشر/ 1
- مدام بوفاري، في فيلم لكمال الشيخ


المزيد.....




- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - أنا الموتُ