أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إطعامُ الثعبان














المزيد.....

إطعامُ الثعبان


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6535 - 2020 / 4 / 11 - 21:34
المحور: الادب والفن
    


عندما حل مولانا في الشام، كان واليها يستعد لمغادرة منصبه. هذا الأخير، بحَسَب ما علمه الأول منذ يوم وصوله للمدينة، كان حاكماً عادلاً لم تشهد فترة ولايته حرباً أو مجاعة. بل وكأن الوباء عقد في تلك الأثناء هدنة مع الأهالي، فلم ينكبهم بهجماته الدورية. وهذا ما زُعمَ أيضاً عن فيضان نهر بردى، الذي كف عن إغراق المنازل والبساتين كلما جاء الربيع. أما الزلازل، فالحق أن أكبر المعمّرين في الولاية شَهد أحدها وكان عمره عاماً واحداً.
" إذاً ماذا جناه الرجلُ من إثم كي يرفع الأعيان عريضة للباب العالي، يرجون فيها باسم الأهالي أن يعزله من منصبه؟ "، تساءل مولانا. انبرى للإجابة أقرب الجالسين، وكان مريداً من سكان المدينة. قال أن الأهالي جعلوا الباشا محل سخريتهم، فألفوا الطُرفَ والنكت عنه حتى قللوا من هيبته وجعلوا الأشرارَ يتجرؤون على التمادي في أفعالهم دونَ خشية من العقاب. اختتم المريدُ بالقول: " الناس سمعوا عن الوالي السابق، وأغلبهم عاش في حقبته. لقد حنوا جميعاً إلى حكمه، وكان اتسمَ بالجبروت والحروب المظفرة مع الولايات المجاورة والبعيدة ".
مع حلول مولانا في المدينة، خفتت بشكل كبير أصواتُ الأهالي، المعرّضة بالوالي. اهتموا الآنَ بما سمعوه عن كرامات شيخ الطريقة الصوفية، المُدين بها حتى جلالة السلطان بقدر ذاته. تناقلوا أيضاً خبرَ بساطته، قلة كلامه، اعتماده على الكسب بيديه من خلال زرع بستان خلف التكيّة بأنواع الفاكهة والخضار. عليهم كان أن يوجهوا سهامَ سخريتهم للرجل، بسبب مخالفته للمألوف من مسلك رجال الدين، لولا خشيتهم من زوال بركته عن المدينة وكذلك إغضاب جلالة السلطان. ثم ما لبثوا أن انشغلوا عنه أيضاً، وقتما علموا أنه تم عزل الباشا وسيصل قريباً مَن يخلفه على رأس الولاية. أيامٌ أخرى على الأثر، وهبّ هؤلاء لإقامة الزينات ومظاهر الفرح بقدوم الوالي الجديد. ما عتمَ موكبُ الرجل أن دخل المدينة القديمة، وكان هوَ في مقدمته على حصان أبيض اللون. انتبه إلى خروج لحّام من دكانه وبيده ساطور، فأمرَ أقربَ الحراس برميه بطبنجته. بعدئذٍ طمأنت الحاشيةُ الباشا، بأن اللحام القتيل كان يبتغي ذبح خروفٍ في المناسبة ومن شدة الزحام التُبِسَ أمره. تشاءم الباشا، ومن شدة حنقه أمرَ بجلب الموقوفين على ذمة قضايا جنائية كي يتم قطع رقابهم في مجلسه بالديوان ومن ثم يعرضون للخلق على باب السرايا,
في الديوان، انتبه الوالي إلى غياب مولانا وكان قد سمعَ بعظيم قدره عند السلطان. قال له الحاجب: " إنه غريبُ الأطوار، معتادٌ على مراسلة ذوي النفوذ وليسَ بمقابلتهم ". عند ذلك أمرَ أن يكتبوا إليه رقعةً باسمه، لتكون فاتحة المراسلة بينهما. سارت الأمورُ على هذا المنوال، وفي الأثناء كان الباشا يتولى تغيير طريقة حكم سلفه، التي جلبت عليه سخرية سكان الولاية. في البدء، رحب التجارُ بغض النظر عن تلاعبهم بالأسعار. لكنهم بوغتوا لاحقاً بقرار الوالي احتكار تجارة العديد من السلع المهمة؛ كالملح والسكر والشاي والصابون وزيت الزيتون. من بين قراراته، التي وجدوها أيضاً جائرة، منع تدخين التبغ والنرجيلة واعتبار القهوة حراماً كالخمر والمقاهي كالخمارات. إلى إعادة تمييز النصارى واليهود بملابس خاصة، وحرمانهم من ركوب الخيول. إذا بالتململ يتحول إلى ثورة في النفوس، عبّر عنها الأهالي بإطلاق النكت عن الباشا وغالبيتها كانت منحولة عن سلفه. كذلك تندروا بثعبان يربيه في قصره، يطعمه بيديه فاخر اللحوم بينما الكثير من رعيته لا يعرفون طعم الدهن حتى في الأعياد.
ذات يوم، ورداً على إحدى مكاتباته، تلقى الوالي هديةً من شيخه عالي المقام. كانت عبارة عن زجاجة دقيقة الحجم، تحتوي على سائلٍ صافٍ بلا لون. الرقعة المرفقة، كشفت ماهية السائل: " عطرُ النبيّ ". هاتان الكلمتان، فضلاً عن الهدية غير المقدرة بثمن، جعلت مزاج الباشا في غاية الصفاء حدّ أنه أجّل الاستماع لمتهمين بخرق قانون منع تدخين التبغ كان من المؤمل سيل دمائهم على الأثر. لكنه لم يشأ تجربة العطر، مؤجلاً ذلك إلى مناسبة قيّمة بالنظر لكميته القليلة. في صباح اليوم التالي، أفاق متعباً من سهرة الأمس مع الراح والقيان والجواري. شعر بالدوار، فذهب إلى الحمّام كي يتقيأ. بعدئذٍ تحسنت حالته نوعاً، تذكر أمرَ عطر النبيّ. أمر بجلب الزجاجة، فوضع نقطة من السائل على كل يد وفركهما. شم الرائحة العبقة، وأكد للحاجب بالقول: " لو اجتمعت كل عطور الرسل، لما تغلبت على رائحة عطر نبينا عليه الصلاة والسلام ". ثم سارَ باتجاه وكر الثعبان، وكان عبارة عن كوخ دقيق الحجم من القش والأعواد الرفيعة، بابه يفتح من قبل الحاوي. وكان هذا مغربيّ الأصل، سبقَ أن جلبَ الزاحف السام من موطنه في جبال الأطلس فأهداه للحاكم. الثعبان، كان يستدل على صاحبه من رائحة جلده: هذه الطريقة، ما لبث الوالي أن اتبعها لحين أن أضحى في وسعه إطعامه دونَ خوف من العضة القاتلة.
في ظهيرة اليوم نفسه، تعالى صوتُ المنادي مع طبلته، يعلن وفاة الباشا نتيجة عضة الثعبان. وكان المنادي يُضيف: " الحاوي المغربيّ، سيتم إعدامه شنقاً بتهمة التسبب بموت الوالي وذلك في مشهدٍ عام بساحة المدينة غداً بعد صلاة الظهر ".
مولانا، خرجَ لأول مرة من تكيته كي يشهد الإعدام. كان قد أحيط علماً بخلفية وفاة الحاكم، فاعتبرَ نفسه مسئولاً عن إزهاق روح المغربيّ البريء. لكنه لم يستطع فعل شيء له. في اللحظة التالية لتعليق حبل المشنقة برقبة هذا الأخير، رفع شيخُ الطريقة يده بالدعاء. وإذا بهمهمة تكبير تجتاحُ الخلق، أعقبها اندفاعُ عددٍ من الفتيَة الجسورين للهجوم على الحراس ومن ثم تخليص الرجل المدان. ثم مضوا به محمولاً على الأعناق، ليطوف موكبهم في دروب المدينة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن عشر/ 3
- أنا الموتُ
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن عشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل السابع عشر
- حديث عن عائشة: الفصل السابع عشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل السادس عشر
- حديث عن عائشة: الفصل السادس عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل السادس عشر/ 1
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 5
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 4
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 3
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الرابع عشر
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 3
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثالث عشر
- حديث عن عائشة: الفصل الثالث عشر/ 2


المزيد.....




- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إطعامُ الثعبان