أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: الفصل التاسع/ 3














المزيد.....

بضعة أعوام ريما: الفصل التاسع/ 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6582 - 2020 / 6 / 3 - 20:48
المحور: الادب والفن
    


بطبيعة الحال، وصل خبرُ انتشار وباء الريح الأصفر إلى ريما فيما يصل من أخبار ما صارَ يُعرف بإقليم " ما وراء الخط الحديديّ ". في ذلك الخريف، المعقّب صيف الجائحة، كانت امرأة رمّو آغا الشابة قد أكملت عاماً من إقامتها في بلدة المنفى؛ عامودا. صُدمت في البداية من مشهد البلدة، الذي كان الصيفُ قد أحرقه وجعله أرضاً يباباً. البقعة الوحيدة، المحتفظة بالخضرة، كانت شريطاً مزدوجاً يحفّ جدولاً، يشق البلدة، مع نباتات متنوعة يستخدم السكان بعضها كغذاء أو دواء. المساكن، كانت رثة لا تختلف عن أمثالها في القرى؛ وربما باستثناء دور بعض الوجهاء؛ ومنهم بالتأكيد، رجل ريما. لكنها مع مضي الوقت اكتشفت جانباً جميلاً في هذا المكان الموحش، ألا وهوَ طيبة الناس وميلهم إلى المعاشرة والمرح والطرب.
كونها حضرت للبلدة في أوج موسم حصاد الحبوب، التقت ريما بالعديد من القرويات العاملات وما لبثت أن اصطفت إحداهن لخدمتها في الدار. " حنيفة " هذه، كانت تقريباً تماثل سيّدتها في السن، وكذلك في الطول والرشاقة؛ ملامحها حسنة، لكن بشرتها الحنطية مسمرّة بسبب جو المنطقة، القاريّ. فضلاً عن الخدمة، راحت تهتم برعاية بيروزا الرضيع، لتمسي مع مرور الأيام بمثابة المربية. ترملت حنيفة مبكراً دونَ أن ترزق بذرية، ما جعلها تصب حنانها على ابنة سيدتها. من ناحيتها، كانت ريما تعامل الخادمة كأنها من أهل الدار. أفردت لها حجرة نوم جيدة، وفي أوقات غياب الآغا كانتا تتناولان الطعام سويةً وتتبادلان مختلف الأحاديث. وإنها هيَ، حنيفة، مَن فتحت صباحاً بابَ البيت للغلام الغريب، الذي ما عتمَ أن تساءل بنبرة مترددة: " أختي ريما، تقيم هنا؟ ".

***
خلال ذلك، كانت ريما تتطلع إلى ناحية باب البيت وهيَ جالسة في صحن الدار مع طفلتها الصغيرة. لما تنحّت الخادمة جانباً، رأت ريما غلاماً قصير القامة، مطرقاً برأسه إلى الأرض. عرفته فوراً، وما أبطأت في النهوض نحوه هاتفةً: " أخي حّدو..! ". عانقته مطولاً، مرددةً: " الشكر لله، الشكر لله ". انخراطه في البكاء، علاوة على ملامحه التعسة، أحالتها ريما إلى معاناته من النفي وهوَ في سن الأولاد. بعدئذٍ طلبت من حنيفة تسخين ماء الحمّام، فيما سلّمت ابنتها للخال الصغير قائلة وقد أشرق وجهها: " ستبقى بيروزا معك، ريثما أحضّر الفطور ". تخففَ ما بداخل حدّو نوعاً، وما عتمَ أن أخذ يداعب البنت. بعد قليل، دُعيَ إلى الحمّام وكانت أخته ما تفتأ في المطبخ. عندما سلّمَ الطفلة للخادمة، اشتعل داخله مجدداً بالذكريات. لكنها كانت ذكريات أيام سعيدة، كان قد قضاها في مدينة أضنة تحت سقف امرأة، أرملة ووحيدة.
" مررتَ بالتأكيد على ميكار، أليسَ كذلك؟ "، سألت ريما أخاها بينما تضع لقمة في فمه. أومأ برأسه إيجاباً، ثم أجابَ باقتضاب عن سؤالها التالي عن أحوال الأهل: " كلهم بخير ". هنا أيضاً، تبخّرت شهيته لمجرد نبش صوَر المنزل المهجور والمقبرة الكئيبة. غيرَ أنه سرعان ما سلا كل ذلك حينَ استيقظ صهره من النوم، وصار في حضنه. هذا الأخير، كما سبقَ وعلمنا، كان بمثابة الأب الحنون لحدّو لما أقام خلال ثلاث سنين في منزل ماردين. رمّو آغا، التفت من ثم نحو امرأته ليسألها مبتسماً: " هل طمأنك عن الأهل؟ "
" بلى، إنهم بخير والشكر لله "
" إذاً سنؤجل زيارتكِ لميكار إلى الربيع "، قالها الآغا ثم استدرك ملتفتاً إلى ابن حميه: " ولكن لم تقل لي، أأطلقوا سراحك عقبَ انتهاء عقوبة النفي؟ ". بكلمات مختصرة، تكلم حدّو عن كيفية هروبه من مدينة أضنة، مستغلاً الفوضى الناجمة عن انتهاء الحرب وهزيمة الدولة.

***
حسّو الحوذيّ، لم يكن مستعجلاً في العودة إلى ميكار. على أثر اطمئنانه لاهتداء راكب عربته إلى منزل الأخت، بقيَ في البلدة لتناول الفطور. سأل عن مطعم، فأشاروا له إلى دكان سمانة صغير. طلبَ خبزاً ولبناً من البائع، وكان شيخاً مرسلاً لحيته البيضاء حتى صدره. ثم جلسَ على كرسيّ في مدخل الدكان، فأخذ يتبادل الحديث مع الرجل وهوَ يأكل. بعد قليل، تزايد عدد الرجال الفضوليين ممن جذبتهم حكاية الغلام المنفيّ وكيفَ عاد إلى قريته ليجد جميع أفراد أسرته قد رحلوا بوباء الريح الأصفر.
في مساء اليوم نفسه، حضرَ إلى منزل رمّو آغا أحدُ وجهاء البلدة وكان برفقة امرأته. هذه الأخيرة، وكانت متوهمة أن ثمة عزاءً في منزل الآغا، ما لبثت أن قابلت ريما قائلةً: " صَدَمَنا ما سمعناه، رحم الله والديك وأخوتك ". بقيت ريما جامدةً لبرهة مثل تمثال، وما لبثت أن تركت صالة الاستقبال لتهرول إلى حجرةٍ مخصصة لأخيها. بعد ثوانٍ، خرجت من الحجرة وكان صوتُ عويلها يسبقها ويشق هدوءَ المساء.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل التاسع
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 4
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الثامن
- المارد والحورية
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل السابع
- المنحوتة
- المرآة السحرية
- غرام الأميرة الصغيرة
- بضعة أعوام ريما: الفصل السابع/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل السابع/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل السادس
- بضعة أعوام ريما: الفصل السادس/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل السادس/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الخامس
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الخامس
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الرابع
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الرابع
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 4


المزيد.....




- “برقم الجلوس والاسم فقط” Link الاستعلام عن نتيجة الدبلومات ا ...
- العراق يواجه خطر اندثار 500 لهجة محلية تعكس تنوعه الثقافي ال ...
- رحيل الفلسطيني محمد لافي.. غياب شاعر الرفض واكتمال -نقوش الو ...
- موعد نزال توبوريا ضد أوليفيرا في فنون القتال المختلطة -يو إف ...
- الليلة..الأدميرال شمخاني يكشف رواية جديدة عن ليلة العدوان ال ...
- أعظم فنان نفايات في العالم أعطى للقمامة قيمتها وحوّلها إلى م ...
- “أحداث مشوقة في انتظارك” موعد عرض المؤسس عثمان الحلقة 195 ال ...
- نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس فور ظهورها عبر nateg ...
- صدر حديثا : محطات ديوان شعر للشاعر موسى حلف
- قرنان من نهب الآثار التونسية على يد دبلوماسيين برتبة لصوص


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: الفصل التاسع/ 3