أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الثاني عشر















المزيد.....

بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الثاني عشر


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6597 - 2020 / 6 / 19 - 21:11
المحور: الادب والفن
    


4
ونشبت الحربُ فعلاً بعد بضعة أعوام، وكانت عالمية الطابع شأن تلك، التي سبقتها وعُرفت على لسان أهالي بلاد الشام ب " سفر برلك ". السنة الأولى من الحرب، مرت دونَ أن يشعر بها الأهالي؛ اللهم إلا ممن يتابعون الأخبار، وكل منهم تحمّسَ لطرف من المتحاربين. صالح، كون شيمته لا تسمح له بالاهتمام بالقضايا العامة، بقيَ بمنأى عما يحصل في القارة العجوز من معارك كبرى، سجّل فيها الألمان انتصارات سريعة وحاسمة. لكن عليه كان أن يواجه حرباً في بيته، وعلى عدة جبهات.
افتتحَ العام 1940 بوفاة السيدة شملكان، وكانت برغم شيخوختها المتأخرة تلعبُ دوراً مهماً في حياة الأسرة، بالأخص تأثيرها الكبير على ابنها. قبل ذلك بسنتين، دفنت ابنها البكر، حاجي، وكان كما علمنا يعاني منذ الصغر من تخلّف عقلي. الضربة الأخرى، التي تلقاها صالح، ولم تكن أقل إيلاماً من رحيل الأم، تمثلت في موت السيدة عايدة. إذاك، كانت ابنتها مليحة قد حصلت على الطلاق البائن، فحكم لها القاضي برعاية ولديها الصغيرين. الابنة البكر، " رودا "، كانت في التاسعة؛ فيما شقيقها، " أوسمان "، يصغرها بثلاث سنين. وكان صالح قد بقيَ على عهده حتى العام الأخير، الشاهد على مرض والدة طليقته، العضال، يمر بين يوم وآخر على منزلها وهوَ يحمل ما أمكن من الزاد فضلاً عن الهدايا لطفليه. إذا كان انقطع عن ذلك عقبَ رحيل السيدة عايدة، فلأن ابنتها طلبت منه أن يكتفي بدفع النفقة لها ولابنيهما: لم تعُد تطيق رؤيته، وكان هوَ يُبادلها نفسَ الشعور.

***
هوَ ذا رجلٌ قصير القامة في قيافة عناصر الجيش الفرنسيّ، يُذكّر من يراه متبختراً في الشارع بالمحاربين على جبهات أوروبا. جاء حدّو إلى الحارة، وما لبثَ أن حل ضيفاً على أخته ريما. فاجأ الصهرَ، بينما كان يُعزيه بوفاة والدته. إذ انهمرت الدموع من عينيه، مع أنه بالكاد عرفَ السيدة شملكان أو رآها أكثر من بضع مرات منذ ظهوره فجأة في الشام قبل أربعة عشرة عاماً. الرجلُ الملول، استعادَ في حقيقة الحال صورةَ بربارا، حاميته وعشيقته، وكانت قد رحلت عن الدنيا قبل نحو سنة على أثر نوبة قلبية حادة. غبَّ استيلاء أقاربها على منزل بحمدون، استأجرَ حدّو شقة صغيرة في بيروت لحين أن سعى في نقله إلى الشام. سرعانَ ما صارَ سائقَ جنرالٍ فرنسيّ، يُشرف على إدارة القسم العسكريّ من مطار المزة في دمشق. مثلما سبقَ وذكرنا في مكان آخر، أنّ صالح عرضَ على حدّو قطعةَ أرضٍ، لصق منزل المرحومة زَري، فقام هذا الأخير بتعمير بعض الحجرات على مهل وبما يسمح له دخله. لما انتقلت خدمته إلى دمشق، كان المنزلُ قد أضحى مكتملاً تقريباً؛ فتكوّنَ من قسمٍ علويّ لغرف النوم، وقسم سفليّ للمطبخ والحمّام علاوةً على صالة الاستقبال والحديقة الصغيرة.
" ما شاء الله، ابنتك أضحت بعُمر العرائس. أذكرها لما كانت بعدُ طفلة في العربة، وكنتُ أمشّيها في أرض الديار! "، قالها لحواء لما حضرت كي تسلّم عليه. ابتسمت المرأة الحزينة، ولم تعلّق بشيء. كانت ابنتها، ديبة، على وشك فعلاً أن تغدو عروساً. ابن خالها، ويُدعى " محمد "، سبقَ أن خطبها من والدتها وأعربت له هذه عن قبولها. لما فاتحت طليقها صالح بالأمر، قال لها عابساً أنه يرفض تزويج ابنته لأحد شبان آل لحّو: " ألم تتعظي بما عانيتِ منهم، يا امرأة؟ "، اختتمَ محاضرته بهذا السؤال الساخر.

***
أسبوعٌ على الأثر، ثم فاتحَ صالح امرأته ريما بخصوص ديبة: " لقد طلبها مني أخوك حدّو، وأنا وجدته مناسباً "
" كيفَ وجدته مناسباً، وهوَ يكبرها كثيراً؟ "، تساءلت ريما باستنكار. كانت تحب أخاها، بل إنها كانت له بمثابة الأم سواءً في موطن الأسلاف أو هنا في الشام. لكنها أشفقت على ديبة، كونها تعلم بأن قلبها يميل إلى ابن خالها، المماثل لها في السن.
قال صالح برصانة: " أنا أيضاً أكبركِ كثيراً "
ردت ريما: " ولكنك تكبرني بتسعة أعوام وليسَ بنحو عشرين عاماً ". ثم ذكّرته بالخطيب الآخر: " ما عيبه ابنُ خالها، وهوَ شابٌ ذو أخلاق عالية فضلاً عن أنه بمكانة لائقة كمعلّم مدرسة؟ "
" إنه إنسانٌ يُشرّف أي فتاة، إلا ابنتي! المسألة، أنني أكره آل لحّو كما تعلمين "
" بلى، وأعلمُ أيضاً أنك ستحمل خطيّة هذه البنت، كونها تفضّل ابن خالها الذي صادقته منذ الصغر "
" صحيح، كان محمد بمثابة أخ لها. والآنَ، عليها أن تقبلَ برجلٍ ناضج زوجاً؛ وهوَ علاوة على ذلك ابنُ عمي "، قالها بنبرة قاطعة على عادته في البت بأمور هامة.

5
عدة قرارات مصيرية، تتعلق بآنسات عائلته، اتخذها صالح بشكل أشبه بالتعنّت ثم أدت لاحقاً في بعض الحالات إلى كارثة ومأساة. وافق أولاً على إعطاء شقيقته الوحيدة إلى موسي، وكان هذا متزوجاً من امرأة مختلة العقل ولديهما أربعة أولاد. بطبيعة الحال، أضحت سلطانة في نظر أولئك الأولاد، امرأةَ الأب الشريرة والساحرة، طالما أنها أساءت معاملتهم. أكبر هؤلاء الأولاد، تقدم في مرحلة لاحقة لخطبة ابنة ريما البكر، بيروزا، وكان صالح يعدّها كأنها من صلبه. هنا أيضاً، ضغط زوجُ الأم من أجل تسهيل الزواج مع علمه بأن طالبَ القرب، ديبو، شابٌ سيء الخلق وفيه لوثة ورثها عن أمه. شقيقه الأصغر، فيّو، وكان يعاني من ضعف شديد في السمع جعله منذ الصغر بهلول العائلة، سيُعرب لصالح مستقبلاً عن رغبته بالاقتران من ابنته. رودا هذه، كانت آنذاك تعيش في منزل الأب من وقت ترك مليحة لها ولشقيقها الأصغر كي تلحق بخطيبها الشركسيّ إلى عمّان. في هذه الحالة أيضاً، أسمع صالحُ امرأته ريما ريما نفس الجواب: " لا أرغب بتكرار حكاية خصام والدك مع والد موسي، وما جره ذلك من شقاء على أسرتكم ". لكن صالح عاشَ ليرى أيّ شقاءٍ سببه لابنته حين أجبرها على معاشرة رجلٍ شبه أبله، وفوق ذلك، تتحكم فيه شقيقتان حاقدتان بعمق على امرأة أبيهما.
لعل موافقة صالح على إعطاء ابنته لحدّو، كان أهون قراراته تلك. لقد أدى فقط إلى تحطيم قلب الابنة، ديبة. لكنها مع مرور الأيام أضحت بليدة الشعور، وسينعكس ذلك على أولادها، الذين افتقدوا دوماً لحنانها. طفولة ديبة نفسها، ما كانت سعيدة؛ برغم أن شيئاً لم ينقصها هيَ وأمها وشقيقها. ذلك كان بسبب الخلافات العائلية، وتعدد حالات الطلاق حتى بات الانفصال واقعاً بين والديها. وإذاً، رأت ديبة منذ الصغر أمها تعامل بإذلال من لدُن رجل ما أحبها قط. بعيد انفصال صالح عن امرأته حواء، أراد أن يعيدها مع ولديها إلى أهلها مع علمه بما ينتظرهم هناك من زيادة المعاناة. إلى أن تدخلت الضرّة ريما، فحملته على أن يسمح لحواء باستحواذ القسم التحتانيّ من منزلهم. ولم تنسَ ديبة، أبداً، موقفاً شهدته وكانت طفلة بعدُ. إذ كان الأب يداعب ربيبته بيروزا وأختيها، فقالت له حواء بنبرة تأنيب: " أنت تقول أنك تحب البنات؛ فلِمَ لا تدلل أيضاً ابنتك ديبة؟ ". فأجابها صالح ضاحكاً: " صحيح أنا أحب البنات، لكن البنات الحلوات! ".

***
في صيف ذلك العام، زُفَّت ديبة إلى حدّو في حفلٍ حافل. العروس، وكانت قد أضحت فتاة حنطية اللون ذات قسمات معتدلة، احتفظت بوجهٍ متجهّم طوالَ الحفل. بعد قرابة شهر، عقد أخو العريس الكبير، آكو، قرانه على امرأة بقيَ يُبادلها الحب منذ ما يزيد عن عقدين من السنين: إنها خاني، وكانت قد رزقت من زواجٍ سابق بأولاد، رحلوا صغاراً الواحد بأثر الآخر، فلم يبقَ لها سوى ابنٌ وحيد صار عُمره عامين. من ناحيته، بقيَ آكو دون زواج من وقت وفاة امرأته الأولى وكان ابنهما الوحيد، " شيخموس "، يبلغ الرابعة من عُمره. بينما شغل هوَ وقته بعمله في دكان سمانة، فإن شقيقته ريما أخذت ابنه الصغير إلى منزلها واحتضنته كأم. في وقت زفاف آكو، كان ابنه يستعد للتطوع في سلك الدرك. عامٌ على الأثر، ثم عقد الشابُ الدركيّ قرانه على " فوزية "؛ ابنة موسي من امرأته الأولى. من بعد، لم يعُد يسأل مرة قط على عمته، التي ربته طوال أعوام كابن من صلبها. قسوة القلب هذه، لعله ورثها عن أبيه: آكو، برغم شدة محبة شقيقته له، لم يجد حرجاً حين كانت أرملة بعدُ من أن يحاول إجبارها على الاقتران برجل من الجزيرة مقابل زواجه هوَ من شقيقة الرجل. إنه نوع من الزواج، معروف في الريف الكرديّ، يسمونه " برديلة ". لكن ريما رفضت بإصرار الفكرة، واستعانت بقريبها الحاج حسن، زعيم الحي، لحث آكو على صرف النظر عن ذلك. ويُقال في هذا الشأن، أن الحاج حسن هوَ من اقترح على صالح ضمَّ ريما إلى حريمه.
آكو، ظل شبح الحرب يؤرق ليالي وحدته مذ هربه من الجندية وعودته إلى مسقط رأسه في الشام. قبل ذلك، مر في الطريق إلى مَوطن الأسلاف، لكي يرى أهله. فأعلمه الأقارب هناك بأن و.باء الريح الأصفر قضى على والديه وأخوته جميعاً. قبل ذلك، وكان ما زال جندياً ملتزماً، اتفقَ أن واجَهَ مَوقفاً رهيباً، مُماثلاً نوعاً لما امتُحِنَ به زوجُ شقيقته؛ أي لما وجد هذا الأخير المتعصبين يهمون بقتل طفلة أرمنية. لكن آكو، الممتلئ آنذاك بالتحريض ضد الأرمن على خلفية إعتداءت نفذوها بحق المدنيين الكرد بدعم من الجيش الروسي الغازي، تصرّفَ بشكل مغاير تماماً. لقد رأى نفسَهُ، إذن، في مواجهة إحدى وقائع القتل، الجماعية، المنذورة لرعايا السلطنة، " الكفار ". على حين فجأة، إذا بفتاة صغيرة تمرّ راكضة بالقرب من موقفه، وقد بدا من ملامحها ذعرٌ شديدٌ حدّ الخبال. بقلبِهِ القاسي، المأثور عنه، التقط آكو البنيّة من وَسَطها خطفاً، ثمّ ما لبث أن رفعها إلى الأعلى بلمحةٍ ليَهويَ بها بكلّ قوّة ذراعِهِ على صخرة قريبة. دماغ الطفلة، الناصعُ البياض، الذي تناثرَ يومئذٍ على أرض الجريمة، عليه كان أن يُعذبَ لياليه، الحالكة السّواد



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثمنُ المكالمة
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثاني عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الثاني عشر
- بضعة أعوام ريما: الفصل الحادي عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الحادي عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الحادي عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الحادي عشر
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل العاشر
- بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 3
- عصير الحصرم 78
- الباب الصغير
- بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل التاسع
- بضعة أعوام ريما: الفصل التاسع/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل التاسع
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 4
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الثامن
- المارد والحورية


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الثاني عشر