أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 3














المزيد.....

زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6660 - 2020 / 8 / 28 - 15:45
المحور: الادب والفن
    


فيما كان لغطُ الرجال يأتي من السطح، التقطت ريما وهيَ في موقفها بأرض الديار اسمَ مطار المزة، باعتباره هدف الغارة الألمانية. عند ذلك، صرخت وهيَ تهمد على الأرض مقرفصةً: " ويلاه، أخي حدّو يخدم في المطار ". صرختها، وصلت بدَورها إلى السطح، ما استدعى هروع الزوج للاطلالة برأسه إلى ناحيتها كي يسأل عما دهاها. ثم ما لبثَ أن أمرَ ابنتيه بالنزول عن السطح، ليلحق بهما على الأثر بعدما أبلغ جيرانه الواقفين ثمة عن جزع امرأته بخصوص مصير أخيها. أخذَ من ثم يحاول تهدئة مخاوف المرأة الملولة، بالقول أن خبرَ ضرب المطار لا يعدو عن كونه افتراضاً، حَسْب: " فأينَ نحنُ من ضاحية المزة، التي من المحال رؤيتها من هنا بالنظر لبعدها "، أختتم كلامه مع ايماءات يديه ورأسه. لكن الخبرَ وصل لنساء الجيران عن طريق أزواجهن، وما أسرع أن توافدن الواحدة تلو الأخرى بغيَة التخفيف عن ريما.
استعادت بيان قبقابها من قاعدة السلّم، أين تركته قبل ارتقائها إلى السطح، وفي الأثناء راحت صورةُ الخال تتراءى لمخيلتها وهوَ في هندام الجيش الفرنسيّ، الأنيق. سبقَ لها أن افتخرت أمام زميلاتها في المدرسة بالخال، محوّلةً إياه إلى ضابطٍ رفيع المقام. لكنها كفّت عن هذه السيرة، لما نبهتها ملك بالقول عقبَ انفرادها بها أمام باب المدرسة: " لا تذكري مرة أخرى شيئاً عن خالك، لأنهم يعتبرون كل من يخدم الفرنسيين خائناً لوطنه ". في مناسبة سابقة، كانت ابنة علي زلفو آغا قد تباهت على الملأ بأن والدها من كبار الوطنيين. بعد عودتها للمنزل يومئذٍ، سألت بيان والدها عمن هم الوطنيين. فأوضحَ باقتضاب، عابساً: " إنهم جماعة من التجار، الذين يرتزقون من السياسة، دكاكينهم في البرلمان والوزارة! ". لكن وعيها كان محدوداً آنذاك، فلم تفهم شيئاً تقريباً من كلام الأب.

***
الخال، حظيَ بمكانة كبيرة عند أبي بيان أيضاً. كان والداهما ابنا عمومة، وعاشا في نفس البيت مع أسرتيهما. ظروف قاهرة، سبقَ والمعنا إليها في مكان آخر، أجبرت والد ريما على الرحيل إلى موطن الأسلاف، ثمة أينَ استقر وما عتمَ أن اقترن بفتاة بدوية أنجبت له حدّو. هذا الأخير، امتُحنَ منذ صغره بالنفي وبفقدان أبويه وأخوته في جائحة الريح الأصفر. لما ظهرَ في الشام لأول مرة في حياته، كان قد تجاوز سنّ العشرين وعليه هندام الجيش الفرنسيّ. مع أنه كان كتومَ الطبع، دأبَ لسانه على الانطلاق مع الصغار وربما لأنه حُرمَ من الطفولة. هكذا كان يقص على بيان مغامراته في المنفى، حاذفاً منها بالطبع الأشياءَ غير المناسبة لسنّها الغض. حينَ أضحى بمثابة الخطيب الرسميّ لأختها الكبيرة، أخذهما ذات مرة إلى صالة السينما، وكانت تعرض فيلماً مصرياً رومانسياً: تلك كانت المرة الأولى، تجد فيها نفسها بمقابل الشاشة الكبيرة، المسحورة، التي تستطيع استيعاب مدينة بأكملها مع شوارعها وحدائقها، ناسها يتكلمون بلهجة غريبة بالكاد تُفهم؛ وهيَ نفس لهجة المغنية أم كلثوم، المُغرم بصوتها الوالدُ بشكل خاص.
أول صورة فوتوغرافية شخصية، حظيت بها بيان في تلك السنّ المبكرة، كانت بفضل الخال. لقد جلبَ يوماً آلة صغيرة، لا تكاد تُشبه بشيء كاميرا العجوز الأرمنيّ، الذي يحضر أحياناً إلى الحارة، جارّاً قدميه المتعبتين، ليأخذ صوراً للذكور تحت أشعة الشمس. كانت كاميرا الخال مزودة بمصباح، يُضيء عند التقاط الصورة في مكان عتم أو بعد الغروب. مناسبة مجيء الخال ذلك اليوم، اتفقت مع بدء بيان دراستها في الفصل الثاني. عندئذٍ طلبَ منها أن ترتدي الهندام المدرسيّ، المكوّن من رداء بلون قاتم مع صدرية من الدانتيل، ناصعة البياض ومزركشة الحواف: ستظهرُ في الصورة بشَعرٍ بلون العسل، مفروقٍ ابتداءً من الجبهة ومنسدل من الخلف على شكل ضفيرة سميكة. وجهها المستدير، يلوحُ في غاية النقاء وتناسق القسمات، يبرز منه أنفٌ دقيق مدببٌ قليلاً عند المنخرين، مثلما أن الأذنين صغيرتان. الحاجبان الرفيعان، الفاتح لونهما، يُظهران العينين دكناوين. ثمة، أينَ انبثقت نظرةٌ عميقة وملغزة، منسجمة مع ظل ابتسامة حزينة على الفم المنمنم؛ نظرة، تذكّرُ المرءَ بمثيلتها في لوحة " الموناليزا "، الخالدة!

***
همسات مَن حولها من الأقارب، كانت تُلمّح إلى عدم رضا الخطيبة بحظها. الأخت الكبرى لبيان هذه، كانت في ذلك الوقت تعيش مع شقيقها الوحيد في منزل عائلة الأم. لم يكن بقيَ للأم غير شقيقها، وكان هذا لديه أسرة صغيرة يعيلها من دكان سمانة تقع في منتصف جادة الحي. كون الهمسات تعرّضت إلى ما أشيع عن ميل قلب الأخت لابن خالها، فإن الأم رأت بعد الخطبة أن تعيدها إلى بيت طليقها ريثما يتم الزواج. لا شك أن بيان سُعدت بعودة أختها الكبرى إلى الدار، ومنذ ذلك الوقت صارت ترافقها حينَ يأخذها خطيبها في مشاوير إلى السوق أو السينما.
" هل في وسع الخال الاقتران من ابنة أخته؟ "، سألت بيان ذات مرة أختها المخطوبة. تكلّفت هذه ابتسامة باهتة، تعبيراً عن سذاجة صاحبة السؤال، ثم ردت بالقول: " حدّو ليسَ خالي، بل هوَ أخو والدتك ". ثم أضافت تسرح بفكرها بعيداً: " خالي الوحيد، هوَ آدم، الذي يملأ جيبك بالسكاكر كلما مررتِ من أمام دكانه وطلبَ منك ايصال رسالة مسجّلة باسم أبينا ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الثاني
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 1
- بضعة أعوام ريما: الخاتمة
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الرابع عشر
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 2


المزيد.....




- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 3