أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 3














المزيد.....

زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6656 - 2020 / 8 / 24 - 02:48
المحور: الادب والفن
    


رغبةً منها في إخراج رجلها من حالة الحزن والاكتئاب، الملازمة له غبَّ وفاة أمه وزواج طليقته، اقترحت ريما ذات يوم السفرَ إلى حوران بحجّة الاطمئنان على ابنتها البكر. تساءل عندئذٍ، وكان ما يني شارد النظرات كأنه في عالم آخر: " وماذا بشأن الأولاد؟ "
" السيارة تتسع لنا جميعاً، وسيَسرّ بيروزا أن تلتقي مع أخوتها "
" ولكن زوجها يضيق ذرعاً بأطفاله، فكيف الحال بأطفال الآخرين؟ "، رد صالح بنبرة ساخرة. مع ذلك، لاحَ أن فكرة السفر بغيَة تغيير الجو، راقت للرجل الملول. أجواء الحرب، التي دخلت عامها الثاني، كانت قد حالت دونَ القيام بنزهاتٍ في خلال الصيف. كذلك فكّرَ ولا شك بالحالة النفسية لكل من رودا وأخيها الصغير، وكانا ما برحا يفتقدان لوالدتهما ويعبّران عن ذلك بالشكوى تارةً وبالصمت المجلل بالدموع تارة أخرى.
بيان، بدت أكثر الجميع فرحاً بخبر الرحلة إلى حوران. هكذا سلّمت نفسها ليديّ والدتها، بلا أيّ نأمة اعتراض أو تذمّر، لتعتني بتسريح شعرها واختيار ملابسها. فعادةً، كانت تحب أن تقوم بذلك بنفسها. ما أن أفلتت من يديّ الأم، إلا واندفعت كي ترى هيئة أختها رودا. الصغيرة تحيّة، وكانت قد بلغت الخامسة من العُمر، ما لبثت أن اتجهت إلى والدتها باكيةً: " أنا أيضاً أريد أن تكون ملابسي جميلة مثلهما ". فحاولت الأم تهدئتها، بالقول أنها تبدو بهيةً أكثر من أختيها سواءً بالشكل أو الهيئة. وهوَ ذا الذكر الصغير، أوسمانو، يظهر أيضاً وكان يجرّ سلة مؤونة في طريقه إلى السيارة. باركت له ريما همّته، ثم ما عتمت أن دخلت المطبخ لتنقل بدَورها إحدى السلال: مع أنها امرأة أبيه، فإنها تكنّت باسمه؛ " ديا أوسمان ". صالح، من ناحيته، كان قد كرر ما فعله والديه حينَ تبنيا اسمه كنيةً بدلاً عن شقيقه الكبير، المرحوم حاجي.

***
الثلث الأول من الطريق، وكان معظمه يقع ضمن حدود برّ الشام، كانت تترامى عليه ظلال الأشجار، ملطّفةً من قيظ الصيف. فيما باقي الطريق كانت تطل عليه الصخور السوداء، الموحية بشقوقها المنبثق منها النباتات والصبّار بأشكال العفاريت وعيونها المتطاير منها الشر؛ بحسب حكاياتٍ سمعها الأطفال من الكبار. وكانت بيان تراقب الطريق طوال الوقت، وهيَ بمكانها في المقعد الخلفيّ للسيارة مع رودا وأوسمانو. بينما صغرى البنات، تحية، جلست بحضن والدتها ولا تكف عن اضجار والدها بالعنعنات. وكان بين فينةٍ وأخرى يلفت أنظار الركاب إلى أماكن تعبرها السيارة ويعرفها هوَ حق المعرفة، كونه عمل لفترة طويلة على خط حوران في شبابه.
في خلال الطريق، كان صالح يستعيدُ في نفسه ذكريات رحلاته إلى بصرى الشام، برفقة صهره موسي. شقيقة الصهر، " عيشو "، كانت آنذاك تتحدى الرجال بهمتها العالية، فضمنت أرضاً من أملاك أحد أعيان الحارة، زرعتها بالخضار كي تعيش منها على أثر مقتل رجلها في إحدى معارك الثورة السورية الكبرى. ثم عادت بعد سنين إلى ذات البلدة، أينَ كان يخدم زوج ابنتها الوحيدة في الدرك. المصادفة، شاءت أن يُنقل زوجُ ابنة ريما إلى مخفر الدرك نفسه. وكانت الأم، مثلما سبقَ وعرضنا في حينه، قد زارت مؤخراً ابنتها في مدينة زحلة اللبنانية، ثمة حيث خدم الزوج. الصهرديبو، لم يكمل تقريباً العام في أي مخفر استقر فيه، وذلك على خلفية شكاوى رؤسائه من سوء مسلكه وفظاظة طبعه.

***
ها هوَ الصهرُ على صهوة جواده، يستقبل سيارة أقاربه وكانت قد توقفت في محطة البلدة غير بعيد عن مخفر الدرك. وكان الرجل قد أخذ علماً بموعد وصول ضيوفه، عن طريق هاتف المخفر. ظهرَ سعيداً بهم، يهتز شارباه المعقوفان بعناية من مداعباته للأطفال. من المفارقات في طبع زوج بيروزا، أنه كان على خلاف ذلك في تعامله مع ولديه. فلما ظهرت امرأته ببطنها الكبير، المعلن عن قرب استقبال طفل جديد، فإنه علّقَ متجهاً بالقول لحماته: " أصرت على الاحتفاظ بالجنين، مع أنها محتارة في أمر ولديها "
ردت الحماة مبتسمة: " أنتَ مثل بافي أوسمان، تميل إلى البنات. فلعل بيروزا، هذه المرة، تنجب لك بنتاً "
قال ديبو وأصابعه تفتل شاربه بحركة زهو، مألوفة: " لو رزقت ببنت، سأدعوها على اسم المرحومة والدتي وعليّ نذرٌ من الآن بأن أولم للعشيرة في أول إجازة تعفب الولادة ". هنا، وبينما صالح يراقب أطفاله الفرحين بولديّ المضيف، عقّبَ قائلاً: " ذكّرتني بما علمته من والدتي، عن نذر مماثل لجد ريما حينَ ولدت أمها "
" بلى، إن جدّي أدهشَ الأقارب والجيران بتلك الوليمة، لأنها كانت منذورة لبنت لا لصبيّ "، أكملت ريما الحكاية. كان الاستقبالُ حسناً إذاً، شجّعَ صالح أن يبقى في البلدة عشرة أيام كاملة. ما لم يدُر بخلده آنئذٍ، أنه في العام المقبل سيكون موعده مع رحلة إلى ريف آخر، يقع هذه المرة في أقصى الشمال الشرقيّ من البلاد، ولن يعود منه قبل سماعه تباشير انتهاء الحرب.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 1
- بضعة أعوام ريما: الخاتمة
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الرابع عشر
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الثاني عشر
- ثمنُ المكالمة
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثاني عشر/ 3


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 3