أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 1














المزيد.....

زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6653 - 2020 / 8 / 21 - 19:25
المحور: الادب والفن
    


صالح شملكي، لم يكن شخصاً محافظاً على وجه العموم. لعل طبعه المرح واستهتاره بالمال، كانا وراء انطلاق تفكيره. من بيّنات ما سبق، سماحه لبناته بالدراسة وعدم التشدد عليهن باللباس الشرعيّ، المفروض على النسوة الأكبر سناً. لكن الرجل، مثلما أسلفنا أيضاً، كان مزاجياً إلى حدّ كبير وعلى شيء غير قليل من العناد فيما يخص التشبث بالرأي. مثالبه المَوْصوفة، قد تكون جليّة أكثر في طريقة تعامله مع نسائه، وفي التالي، انعكاسها على الأولاد. كان يقترب من الخمسين، لما رمى يمينَ الطلاق البائن على امرأته الثانية وجعلها تخرج من منزله نهائياً. غير أنه سمح لها بأخذ ولديهما، فضلاً عن تكفله بالنفقة.
رودا، كانت آنذاك تداوم في الفصل الرابع من مدرسة " ست الشام "، الكائنة في أقصى الطرف الغربيّ من الحي. المدرسة، كانت في منتصف المسافة تقريباً بين منزليّ والديها. في تلك السنة، بدأت أيضاً بيان في الدراسة هناك. الأب، كان يضعها صباحاً في السيارة ثم يمضي أولاً إلى الصالحية للأتيان بالابنة الأخرى ومن ثم ينتهي إلى ايصالهما كلتاهما إلى المدرسة. بعد انتهاء الدوام، كان يُعيد الكرة ذاتها وبدون أي تذمّر: لقد محضَ الرجلُ حبه وحنانه للبنات، معتقداً أنهن أثمن هدية من السماء يُمكن أن يتلقاها الإنسان. إلى ذلك، كان عاشقاً للجمال ويظن أن بناته ( من مليحة وريما تحديداً! ) هن حوريات يسرن على الأرض.

***
في نفس الشهر، الشاهد على استهلال بيان في الدراسة الإبتدائية، أضرم أوارُ الحرب في أوروبا وكان من المتوقع أن تشمل سريعاً العالمَ بأسره. لا بِدَعَ أن يستعيد الكثيرُ من الدمشقيين ذكريات " السفر برلك "، القاتمة المرعبة، كون البلد الآنَ تحت حماية الفرنسيين. كان السوريون عموماً قد أخذوا ينقسمون بين مؤيد لهؤلاء الأخيرين، على أساس أنهم من معسكر الحرية، وبين المؤيد لهتلر بوصفه المحرر لبلادهم من الإستعمار. بيد أن ما جمعَ جمهور كلا المعسكرين، كان الخوف من امتداد المعارك إلى بلدهم وما قد يتبع ذلك من مجاعة وأوبئة وفوضى. هكذا اندفع الناسُ لمتابعة أخبار الحرب عبرَ وسائل الإعلام، التي تم التضييق عليها من لدُن الإدارة المنتدبة وفق قانون الطوارئ. وكان صالح بعيداً عما يشغل الناس في تلك الآونة، هوَ المعروف بزهده بأحاديث السياسة، اللهم إلا ما يتعلق بإمكانية تأثير الحرب على استثماراته: فضلاً عن سيارة الأجرة والحافلة الكبيرة، العاملتين على خط الحي مع مركز المدينة، كان يتعامل في مجال العقارات، مستغلاً مشاعيّة الأراضي في المنطقة الممتدة بين وادي صفيرة وتربة مولانا النقشبندي.
مع مرور الأيام، رخيّة هادئة، خفّ القلقُ بين الناس دونَ أن تثبط، في مقابل ذلك، همّةُ المتحمسين لأخبار الحرب في أوروبا. وكان صالح لا يني محتفظاً ببرنامجه اليوميّ، وأيضاً معظم عاداته وأهوائه. وكان سعيداً، بالأخص، لأن حفلات معبودته، أم كلثوم، ما تزال تذاع مباشرةً من راديو القاهرة. الحفلة الرئيسة، كان موعدها الخميس الأول من الشهر الجديد، وكان يتم إحياؤها في منزل المريد بما يتفق وأهميتها لديه. على أثر طلاق مليحة، ومن ثم مغادرة حواء المنزل مع ولديها، أضحى عبء السهرة الكلثومية يقع كله على عاتق ريما. كون رجالهن مدعوين للسهر، فإن بعض نساء الأقارب والجيران أسهمن أحياناً في التخفيف عن المضيفة من خلال تقديم المعونة في المطبخ أو في الخدمة. من ناحيته، كان صالح يحترمُ مشاعرَ عددٍ من ضيوفه ممن يعتبرون الخمر منكراً؛ فيكتفي ببضع جرعات من دمجانة العَرَق، وذلك قبيل وصولهم لداره مساءً. وكانت السهرة تمتد أحياناً إلى ما بعد منتصف الليل، فيما لو غادرَ المتحفظون مع انتهاء الوصلة الكلثومية وبقيَ ندماءُ الراح.

***
بيان، وكانت تفتقد لصُحبة أختها رودا، دأبت على أن تنقل لصويحباتها في الزقاق أخبارَ السهرة الفائتة. وكانت إحداهن أمية، ابنة الجار جروس، الذي عدّ أيضاً صديقاً مقرباً لوالدها. قالت لها بيان ذات مرة، أن والدها تبرَّزَ خفيةً في حديقة منزل أسرتها ليلاً في خلال السهرة عندما كان المرحاض مشغولاً. فما كان من البنت إلا نقل الخبر لوالدتها، وهذه عيّرت به زوجها ضاحكةً. لما اجتمع جروس مع جاره، عاتبه على تلفيقه القصة، مختتماً بالقول: " ولو كانت القصة صحيحة، فلعل من فعل ذلك كان من أصحابك، ندماء الكأس ". فرد صالح مقهقهاً: " لا يا شبيه القرد، فإن هؤلاء هم من كرامة النفس ألا يقربوا مرحاض المضيف ولو استمرت السهرة إلى الفجر. أما أنتَ، أيها الآله رشيّ، فبرغم أن بيتك ملاصقٌ لبيتي، فضّلتَ أن تفعلها في حديقتي كيلا تخسر الماء! "
صباحاً، لدى مغادرة صالح مع ابنته في السيارة إلى مدرستها، كان غالباً ما يدبّرُ مقلباً لذلك الجار. في إحدى المرات، وقفت أمية بجانب السيارة وهيَ تغبط في نفسها صديقتها لأنها ستستقلها في الطريق إلى المدرسة. عند ذلك، التفتت بيان إلى أبيها ورجته أن يأخذ زميلتها معهما في السيارة. قال صالح لابنة جاره، بنبرة تتكلّف الجديّة: " سأفعل ذلك، ولكن بشرط.. ". ثم ذكر لها ماهيّة شرطه. بعد دقيقة، وحالما مرت السيارة من جانب دكان أبيها، صرخت الابنة من خلال النافذة: " جروس القرد! ". فخرج الرجل من محله، منتفضاً من الحنق، فبدأ بدَوره في شتم أبي ابنته.

* الرواية الأخيرة من خماسية " أسكي شام "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 1
- بضعة أعوام ريما: الخاتمة
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الرابع عشر
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الثاني عشر
- ثمنُ المكالمة
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثاني عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الثاني عشر
- بضعة أعوام ريما: الفصل الحادي عشر/ 5


المزيد.....




- رواية -الحرّاني- تعيد إحياء مدينة حرّان بجدلها الفلسفي والدي ...
- ضجة في إسرائيل بعد فوز فيلم عن طفل فلسطيني بجائزة كبيرة.. و ...
- كيت بلانشيت ضيفة شرف الدورة الـ8 من مهرجان الجونة السينمائي ...
- رائحة الزينكو.. شهادة إنسانية عن حياة المخيمات الفلسطينية
- لحظة انتصار على السردية الصهيونية في السينما: فيلم صوت هند ر ...
- -أتذوق، اسمع، أرى- كتاب جديد لعبد الصمد الكباص حول فلسفة الح ...
- “انثى فرس النبي- للسورية مناهل السهوي تفوز بجائزة “خالد خليف ...
- وفاة الممثل والمخرج الأمريكي روبرت ريدفورد عن عمر ناهز 89 عا ...
- الشلوخ في مجتمعات جنوب السودان.. طقوس جمالية تواجه الاندثار ...
- سوريا.. فوز -أنثى فرس النبي- بجائزة خالد خليفة للرواية في دو ...


المزيد.....

- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 1