أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 2














المزيد.....

زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6659 - 2020 / 8 / 27 - 16:26
المحور: الادب والفن
    


بخلاف العديد من زميلاتها، الآتيات من القسم الشرقيّ للحي، لم تكن بيان قد واجهت مشكلة في تقبل اللغة العربية. لأن بعض أولئك الزميلات كن حتى لحظة دخولهن المدرسة لا يعرفن غير لسانهن الأم، ما جعلهن محل سخرية وتندّر من لدُن الآخريات، اللواتي قدمن من القسم الغربيّ ومن حي الصالحية. الفضل في استعمال اللهجة الشامية في المنزل، كان يرجع لامرأة أبيها، مليحة. الأب، كان في البداية يُشدد على ولديه منها بألا يتكلمان سوى بالكردية. لكنه اضطر مع الأيام إلى غض النظر عن ذلك، لما لحظ أن بيان نفسها باتت تتحدث معهما أحياناً باللهجة الشامية.
مثلما سبقَ القول، أنّ بطلة سيرتنا لما بدأ العام الدراسيّ الجديد كانت قد سُرّت لبقاء أكثر زميلاتها ممن نلن معها العلم في الفصل الأول. إلا إحداهن، وكانت ابنة وجيه معروف، يقع منزله بالقرب من ساحة شمدين غير بعيدٍ عن المدرسة. " خولة " هذه، دأبت في خلال العام الدراسي المنقضي على تسميم جو الفصل بلمزها وغمزها من هذه وتلك من زميلاتها. وكانت تخص بعبارات تهكمها كل بنتٍ في نطقها عجمة أو رطانة، كذلك ترمي نظرات احتقار إلى ملابسها لو كانت غير أنيقة ونظيفة.

***
وهيَ ذي بيان، بمجرد دخولها الفصل، محلّقةً بهيئتها الأشبه بملاك، تمسّها النظرات المتكبّرة. خولة، كان لها مبررٌ كافٍ للغرور بما أنها كانت جميلة فوق ذلك. لكنها رأت في بيان منافسة قوية مع نضج جسم هذه الأخيرة وتفتّح حُسنها، بدخولها في عامها الثامن. ولا غرو أن يشتعل الحنق في نفس التلميذة المغرورة، لرؤيتها منافستها تركب كل مرة في سيارة أبيها عند الوصول والمغادرة. كانت هيَ مجبرة على المشي، طالما أن منزل أسرتها على بعد خطوات قليلة من المدرسة. مع مرور الأيام، لم تبرُز أيضاً على بيان في مجال الدراسة، ولكن لاحَ أن هذه الناحية لم تكن مهمّة لديها.
" هل ثمة بنت في المدرسة، تملك مثل عينيّ؟ "، قالت خولة ذات مرة بصوتٍ عال في خلال الاستراحة بين درسين. بعض الزميلات ممن كن يتوددن لها، أجبن أنهن أمام معجزة. في حقيقة الحال، أنّ عينيها رائعتان، عميقتا السواد وبلمعان العقيق، تكاد رموشهما تظلل خدّيها. بيان، وكانت ربما المقصودة بتلك الجملة المتباهية، أوحت دوماً لمن حولها بقلة اكتراثها بما حُبيت به من جمال. صباحاً، لما كان يتعيّن عليها الاستسلام ليديّ والدتها كي تساعدها في لبس ثيابها وتمشيط شعرها الأشقر، كانت معتادة على الانصات لكلمات المديح عن حُسنها وفتنة عينيها الخضر.

***
" سأدبّر لتلك المغرورة مقلباً، يحيلها إلى إنسانة بكماء طوال ما تبقى من العام "، همست بيان ذات يوم لصديقتها ملك وكانتا تجلسان على ذات المقعد في الفصل. بيد أنها لم تزد شيئاً، سوى بغمز من عينيها عن ضرورة التكتّم. لما حانَ موعدُ درس الرياضة، أخذت البنات في تغيير ملابسهن وكن يثرثرن طوال الوقت قبيل وصول المعلمة. عندئذٍ قالت بيان بصوتٍ مسموع، مخاطبة صديقتها: " أختي الكبيرة، قرأت في مجلة فنية مصرية عن طريقة لجعل رموش العينين أكثر طولاً وجاذبية، وذلك باستخدام مقص صغير لتشذيبهما مرةً على الأقل في كل عام ". خولة، كانت إذاك منهمكة في تبديل ملابسها كالأخريات. خفّت حركتها مع انصاتها لحديث زميلتها اللدودة، ثم ما لبثت أن استقامت بجسدها الرشيق. حينَ حضرت المعلمة كي تقود تلميذاتها إلى الباحة، ساد الصمتُ في الفصل.
" رباه، ماذا جرى لعينيك الجميلتين؟ "، صاح أكثر من صوت في صبيحة اليوم التالي. كذلك استقبلت خولة من قبل بعض زميلاتها، اللواتي لحظن عينيها شبه المجردتين من الرموش. ردت مغتصبةً ابتسامة ذابلة: " رموشي ستنمو ثانيةً، فتصبح بهذا الطول ". ووضعت أربعة إصابع بالعرض أمام عينيها، تعبيراً عما تعنيه. لكنها فيما تلى من أيام راحت تضيق ذرعاً بملاحظات زميلاتها، حدّ أن تجهش في البكاء. إلى أن صارت تحضر إلى الفصل بنظارة قاتمة اللون، وكانت المعلمة في كل مرةٍ تجبرها على انتزاعها وسط المزيد من البكاء.
لم يُقدّر للبنات الانشغال عن الرموش الشهيدة لزميلتهن، إلا حينَ دوى ذات نهار صوتُ انفجار هائل، أعقبه صرخات ذعر وفوضى شاملة. عندما عادت بيان للمنزل دونَ أن تكمل الدوام، وجدت والدها فوق السطح مع بعض جيرانه. ارتقت بدَورها إلى السطح بوساطة سلّم خشبيّ، وكانت أختها الكبيرة قد سبقتها. من هناك، كان في الوسع رؤية دخان كثيف يتصاعد من جهة المدينة ويختلط بخط الأفق، المخترَق بغيوم الخريف المتأخر. سمعت أباها يقول، أن قنبلة ضخمة ( قازان ) قد أسقطتها طائرة ألمانية فوق مطار المزة، ثمة أين يوجد معسكر للجيش الفرنسيّ.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الثاني
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 1
- بضعة أعوام ريما: الخاتمة
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الرابع عشر
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 1


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 2