أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 4














المزيد.....

زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6661 - 2020 / 8 / 29 - 17:29
المحور: الادب والفن
    


صلاحو الصغير، طفق يبكي متأثراً بهياج جدّته على أثر سماعها خبرَ قصف المطار. وقد هُرعت بيان لضمه إلى صدرها، مهدئةً من روعه. ما لبثَ والدها أن أشارَ لها أن تمضي بالصبيّ إلى داخل الدار، فيما يده تعبث بجهاز الراديو الكبير، الموجود تحت ظلّةٍ بأرض الديار. لقد خشيَ أن تنتابَ امرأته نوبة جديدة من الهياج، لو أنّ نشرة الأخبار أكّدت قصف مطار المزة. برغم إلمامها القليل بالعربية الفصحى، شاركت ريما في الانصات للمذياع، لحين أن طرق سمعها اسمُ المطار. عندئذٍ رفعت رأسها نحوَ رجلها، متسائلةً: " يتحدثون عن قصف المطار، أليسَ صحيحاً؟ ". ردّ نافخاً في قلة صبر، وكان بدَوره متوترَ الأعصاب: " مطار المزة بحجم هذا الحي، وإنها قنبلة واحدة سقطت هناك. فلا تتصرفي كالأطفال، وعودي إلى صويحباتك اللاتي ينتظرنك في حجرة الاستقبال ".
كان ابن أختها بيروزا ما زال إذاً في زيارتهم، واعتادت بيان أن تتعهد رعايته فور عودتها من المدرسة. وجد الصبيّ الراحة هنا، حدّ أنه لم يذكر مرةً والدته. في غياب خالته الكبيرة، دأبَ على اللعب مع الخالة الأصغر؛ كونه قريباً من عُمرها. تحيّة، كانت تلازم المنزل طوال الوقت لأنه لم يحن بعدُ وقت دخولها إلى المدرسة. في حالة حصول خصام بينهما، كان يتلقى منها كلاماً جارحاً. وقد سمعها والدها ذات مرة، تعيّر ابنَ أختها بأنه عالة. هنا، أبدى صالح سخطه على البنت، فجعلها تركض باكيةً إلى أمها. إلى هذه الأخيرة، توجه بالقول لاحقاً بين الجد والهزل: " هارون جديد، يلوحُ أنه سيظهر من صلبي مستقبلاً ". بما أن هذا كان لقب تشنيع، التصقَ بشقيقة رجلها منذ الصغر، فإن ريما علّقت بالقول مقطيةً حاجبيها: " ليسَ من صلبي على أي حال! ".

***
استأنفت الحياةُ الطبيعية في المنزل، وذلك على أثر ظهور حدّو في نهار اليوم التالي. وكانت ريما يومئذٍ قد منعت البنتين من الذهاب إلى المدرسة، خشيةً حصول غارة جديدة تروّعهما أو ربما ما هوَ أكثر سوءاً. بيان، كانت أول من وقع نظره على الخال من أهل الدار. طالعها بقامته القصيرة وهندامه العسكريّ الأنيق، فاندفعت إلى حضنه صارخةً بفرحة غامرة. ما أسرعَ أن عمّ الهرجُ المنزل، وكان جلُّ مصدرِهِ متأتٍ من أخت الرجل. غبَّ تبادلها الحديث معه، تركته بعدما أشارت لزوجها أن يتبعها. ثمة في المطبخ، قالت لصالح: " إذهب على عجلة إلى هَرْطوشي، لكي يأتي بخروف مناسب نُضحّي به بمناسبة نجاة أخي ". وكانت تعني جاراً في مثل عُمر رجلها، يمتلك زريبة أغنام في أحد بساتين الحارة وكان أيضاً يمدُّ بعضَ بيوتها بالحليب كل صباح.
الهَرَج، تجدد هذه المرة بسبب بهجة الأطفال بمرأى الخروف. لكن تم ابعادهم إلى حجرة نومهم، لحين أن ينتهي الجار من عمله. ثم خرجوا الواحد بأثر الآخر، ليجدوا الحيوان المسكين قد سُلخ جلده بينما رأسه قبع عند البالوعة مخضباً بالدم. صالح، واكن واقفاً بالقرب من الرجل مع حدّو، راحَ من ثم يغمس إصبعه في النجيع ليطبعه على جبين كل طفل؛ وهذه عادةٌ مألوفة في ذلك الزمن. في الأثناء، كانت ريما في الحديقة تُجهّز موقدَ الشواء. عند تصاعد لهيب الموقد، انتقل الأولاد إلى الحديقة كي يراقبوا شيّ اللحم الطازج، المثقل به عددٌ يضطرد ازدياداً من الأسياخ الحديدية، الرقيقة. خطيبة حدّو، كانت قد خرجت من حجرتها لتهنئته بالسلامة. وكانت الآنَ تساعد امرأة أبيها، صامتةً طوال الوقت. شقيقها، ما عتمَ أن حضرَ أيضاً عقبَ ارسال الأب من يبلغه بالوليمة.

***
وهوَ ذا ضيفٌ آخر، قادمٌ إلى الدار مع بشارة سعيدة. يومان على أثر الوليمة، وحضرَ زوجُ بيروزا من حوران كي يبلغ أمها بأنه رُزق بنتاً مثلما كان يأمل. أضافَ فيما أصابعه تعبث بشاربيه في حركة عصبية: " فضّلتُ نقلَ الخبر بنفسي لا عن طريق الهاتف ". لكنه لما أختلى مع صالح، أعترفَ أنه تم استدعاؤه إلى قيادة الدرك ليرد على اتهامات وشكاوى صادرة عن الرؤساء بحقه. حاول اصطناعَ مظهرٍ غير مبالٍ، مختتماً بالقول: " لن يزيدوا عن الأمر بنقلي، وأظن هذه المرة إلى دمشق بعيداً عن الأرياف، التي اشتهرت فيها أكثر من قطّاع الطرق! ". قالها، ثم أطلق قهقهةً عالية.
الصغير صلاحو، بدا غير سعيد بمجيء والده. غير أن هذا الأخير لم يهتم بالسؤال عنه، حتى حينَ جلسَ إلى مائدة الطعام مع حميه. على ذلك، توجّهت إليه ريما لتحدثه بشأن طفله: " أريده أن يبقى لدينا إلى الربيع، بالأخص أن بيروزا ستكون مشغولة بابنتها ". لم يزد ديبو عن هز رأسه، بحركة تعبّر عن التفهّم. ثم ما لبثَ أن نهضَ مستأذناً، قائلاً أنه يود المبيت في بيت أبيه. عقبَ ذهابه، علّقَ صالح بالقول لامرأته: " لا شك أنه اشتاق إلى ملاهي الشام، ولن يعود من أحدها قبل طلوع الفجر ". ثم أضافَ، مومئاً بعينيه إلى جهة حجرة الأولاد: " أبلغي صلاحو قبل أن ينام ببقائه لدينا، كونه بدا قلقاً طوال فترة وجود والده في الدار ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الثاني
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 1
- بضعة أعوام ريما: الخاتمة
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الرابع عشر
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 3


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 4