أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 3














المزيد.....

زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6665 - 2020 / 9 / 2 - 02:34
المحور: الادب والفن
    


في ساعةٍ أبكر من ليلة اليوم التالي، حضرَ مرافقُ الزعيم لورنس الشعلان إلى منزل السيد ممدوح وكان مموّهاً هيئته بنفس ملابس اليوم السابق. لم يدع قريبَهُ يضيّع الوقتَ بواجب الضيافة، لأنه رأى أي تأخير في المهمة قد ينتج عنه ضياع حياة الزعيم. هكذا غادرا المنزل على جناح السرعة، ميميين شطرهما باتجاه الأعالي من خلال زقاق الحاج حسين. العتمة كانت مطبقة، باحتلال الغيوم الرمادية الكثيفة صفحةَ السماء، فيما رذاذ هيّن من المطر تساقط دونَ صوت. بوسائله الخاصة، كان ممدوح قد أخذ العلم مسبقاً بالعنوان المطلوب: الدركي حسني، للمصادفة السعيدة، كان من أقارب زعيم الحي السابق، وزوجة هذا الأخير تعدّ الصديقة الحميمة للسيدة نورا ( خالة ممدوح )، فضلاً عن أن ولديهما أخوان بالرضاع مثلما جرت إليه الاشارة فيما سلف.
بعد نحو خمس دقائق من المسير فوق أرض ممهدة، صار الدربُ وعراً يتخلله أخذودُ السيل، الذي شقّ طريقه من الجبل إلى المصب في النهر. وما لبثت الصخورُ أن تراءت عن بعد، تجللها الظلال، كأنها نساءٌ بدينات التففن بملاءاتهن السوداء. السيد ممدوح، وكان دليلَ صاحبه، تذكّرَ عندئذٍ أن قدميه لم تدوسا هذا المكان منذ أيام الطفولة وشقوتها؛ أي حينَ دأبَ على مرافقة أطفال الحارة في مغامرات استكشاف الجبل وكهوفه مع متعة الاشراف على مشهد المدينة من الأعالي. لا غرو أن يتغيّرَ المكانُ عليه بعد مضي كل تلك الأعوام، لدرجة أن العتمة جعلته غريباً تقريباً عن عينيه. وهيَ ذي الحيوانات المفترسة، المستهلة سمفونية المساء بزمجرتها وعوائها، تلقي مزيداً من الرهبة في نفس الدليل وصاحبه على حدّ سواء. وكانا في الأثناء قد اجتازا منزلين متجاورين، منفردين في الخلاء، الأعلى منهما انبثق من داخله ضوءُ مصباح ضعيف. ما لم يخطر ببال الدليل، أن ذلك كان منزل آكو؛ وأنه سيستقبل بعد نحو خمس سنين ابنة عمته، واسمها " خاني "، وذلك بصفة زوجة الرجل. وفي التالي، فإنها قرابة أخرى، غير مباشرة، لن تتأخر في ربط السيد ممدوح بالدركيّ، المدعو حسني.

***
مَن فتح البابَ للرجلين الغريبين، كان علي؛ وهوَ يستأثر مع والدته إحدى حجرتي النوم في الدار. بعدما علم أنهما يقصدان شقيقه الكبير، قادهما رأساً إلى حجرة صغيرة معدة للضيوف. كان قد اطمأنَ للغة الضيفين، العربية. ففي حالة أخرى، كان من المفترض أن يكونَ أكثر حذراً؛ بما أنه وشقيقه هاربان بروحيهما من طالبي الثأر في موطن الأسلاف. ثم انسحب الشاب من الصالة، بمجرد دخول شقيقه، وما لبثَ أن اتجه إلى امرأة هذا الأخير ليطلب منها تحضير دلّة القهوة من أجل الضيفين. والدته، ظهرت من ثم كي تسأله بشيء من التوجّس عمن يكون الرجلين. إذ لم يسبق للدار أن استقبلت رجالاً غرباء، منذ أن شُيّدت قبل حوالي عامين على أثر وصول أصحابها إلى الشام. أجاب علي باقتضاب: " على الأرجح، أنهما زميلان لأخي في الخدمة ".
على القدر نفسه من التوجس، اتجه حسني نحو الرجلين الغريبين بنظراته المتسائلة. ابتدأ السيد ممدوح الكلامَ، مقدّماً نفسه ورفيقه. ولم ينسَ ذكرَ القرابة الغامضة بينه وبين الدركيّ، وبغير قليل من الحَرَج. سكتَ قليلاً، قبل أن يومئ إلى جهة المرافق، قائلاً: " إنه يحمل إليك تحيات شيوخ قبيلة الرولة، الذين يعتبرون أن حياة زعيمهم بين يديك ". تردد المضيفُ بدَوره في الكلام، وكان يفكّرُ بسرعة فيما وراء أكمة هذه الزيارة. قال أخيراً بنبرة متحفّظة: " بلى، أنا الحارسُ المكلّف بزنزانة الشيخ لورنس الشعلان، وأعتقد أنه يتلقى معاملة جيدة وغذاءً كافٍ ومناسب "
" وهوَ أكّد لنا أيضاً مدى شهامتك في التعامل معه، لذلك نحن نأمل منك المساعدة في خطة لتهريبه من السجن "، بادرَ مرافقُ الزعيم للكلام بشكل متهوّر. ثم أردفَ بسرعة: " عدا عن أنها مهمة وطنية، فإنك ستحصل على ثلاثة آلاف ليرة ذهبية مع مسكن ممتاز في عاصمة إمارة الأردن. كذلك ستؤمن لك هناك الخدمةُ في سلك الدرك، لو شئتَ الاستمرار في هذه المهنة ". بقيَ المضيفُ صامتاً، يتفرّسُ في سحنة مخاطبه. وكان لحسني فيما سلف من أعوام سيرةٌ غير حسنة مع الأعراب، الذين تنتشر مضاربهم إلى الجنوب من مدينة ماردين، وأكثر من مرة اشترك في وقائع دموية معهم على خلفية النزاع حول المراعي. لكنه كان يثق بكلمة الشرف، لو أنها صادرة عن أحد شيوخهم.. بله الآنَ، والقضية تتعلق بحياة أحد أبرز الزعماء القبليين في المشرق. ففي الأيام الأخيرة، تبادلَ الحديثَ مراراً مع الرجل السجين، المحكوم بالإعدام، فأدرك ما يحظى به من مركز رفيع وجاه وثروة.
قال ممدوح، خارقاً الصمتَ في الحجرة: " الخطة في غاية البساطة، ولن يكون فيها أي إراقة للدماء أو خطر عليك شخصياً في خلال فترة تنفيذها ". ثم تابعَ موضّحاً: " سنزودك بسترة رجل الدرك، وسيرتديها الزعيمُ بعدما يكون قد حلق لحيته وشذّبَ شعرَ رأسه. أنت تعرف بالطبع المدخلَ الرئيس للقلعة، وعندما تخرج على ساعة الغداء مع رفيقك لن يرتاب بكما أحد من الحراس. ثمة سيارة، ستكون في انتظاركما خارجاً، لتنطلق بكما على الطريق الصحراوي مباشرةً باتجاه مدينة عمّان ".
قطعَ كلامَهُ، دخولُ الأخ الأصغر مع عدّة القهوة. وما عتمَ شقيقه أن تنهّدَ بصوت مسموع، قائلاً للضيفين: " تفضّلا القهوة، وفيما بعد نتعشى معاً ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الثاني
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 1
- بضعة أعوام ريما: الخاتمة
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الرابع عشر/ 3


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 3