أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - الحُبُّ في زمنِ الكِمامة














المزيد.....

الحُبُّ في زمنِ الكِمامة


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 6660 - 2020 / 8 / 28 - 18:44
المحور: كتابات ساخرة
    


كانت سحائب الظلام تغشى جوانب المكان، ونحن نجلس في ركنٍ منعزلٍ على مقعدٍ خشبي في زاوية الحديقة العامة، بعد أن ألغت الحكومة حظر التجوّل ليلاً. وأصبح بمقدورنا اللقاء كمألوف عادتنا. ضممتُها بشوقٍ وشغف فور تثبّتنا من خلوّ المكان من الرقباء، وقد اجتاحني حنينٌ ملحاحٌ عذبٌ كمراهقٍ يخوض تجربته الأولى في عالم الغرام. وسرعان ما خفق قلبي وتدافعت أنفاسي. واتّقدت العواطف الخبيئة واستعرت لهفة القُبل في أعماقنا.
وبمشاعر شابّ جزلان لا تسعه الدنيا، أزحْتُ رأسها الصغير عن صدري بلطف متأمّلاً عينيها الصافيتين اللتين تشعّان سحراً وشهوةً، ومددتُ يدي إلى كِمامتها ونزعتُها برفق عن وجهها البهيّ الفتّان. وأنا أتضوّر شوقاً للوصول بسرعة إلى شفتيها المكتنزتين المنفرجتين لارتشاف اللذائذ منهما. فتورّد وجهها واضطرب جفناها. وفجأةً ألقت نظرة خاطفة على الكِمامة التي ما زالت بيدي، وقد اضطرب جسمها بأكمله وكأن دبُّوراً لسعها وحذّرتني بتوسّل قائلةً:
- أرجوك حبيبي اِحرصْ عليها. فهي بالكاد ستكفيني لحين عودتي إلى منزلي. إنها من أرخص الأنواع وتستخدم لمرّة واحدة فقط. وكما تعلم فإن وضعنا المعيشي لا يسمح بشراء كِمامة كل يوم.. هل تعلم أن سعرها (400) ليرة؟ الحمد لله أننا لم نُصَبْ حتى الآن بهذه الجائحة. مع أن منظمة الصحة العالمية تقول بأن فايروس كورونا قد يشمل جميع البلدان، وستكون الضحايا بعشرات الملايين وربما أكثر! (ندّت عنها زفرة أسى وأضافت) أيه.. كلنا سنموت آجلاً أم عاجلاً.
وبينما هي مسترسلة في حديثها عن الكِمامة والكورونا والموت، هوى عليّ القنوط دفعةً واحدة. وبدأت مشاعري ولهفتي بالتلاشي.. ورغبتي في إكمال ما نويتُ عليه بالاضمحلال. واحتراماً منّي لأنوثتها، فقد جاريتُها بلباقة وقطفتُ من على جانب ثغرها قبلة سريعة مجاملاً. وهمدتُ مسدلاً ذراعيّ واعتدلتُ في جلستي متشاغلاً بإشعال سيجارة.
حدجتني بنظرة ارتياب وسألتني عمّا بي؟ فأجبتها وبصري إلى الأرض مُدارياً خيبة أملي ومستعيناً بعذرٍ كاذب:
- لا أدري، الحقيقة أنني أشعر ببعض التعب.
رفرفت عينيها متفحّصةً وجهي باندهاش ثم قالت باهتمام:
- هل تشكو من شيء حبيبي!؟
أجبتُ في سهوم وبشيء من الجفاء لم أستطع إخفاءه:
- لا، كل ما في الأمر أنني كلما تذكّرتُ هذا الوباء اللعين الذي أقلق البشرية، أشعر بالغمّ.
ارتسمت على وجهها طيف ابتسامة توحي بالغنج وقالت بنبرةٍ مثيرة:
- وكأنك لستَ مشتاقاً إليّ!
أجبتُ مستنكراً قولها بصوتٍ تركض فيه الغبطة والسرور. بعد أن وضعتُ راحتي على خدّها الناعم مداعباً:
- ولَوْ حياتي! والله أنت هديّة كونيةً لم أتوقع الحصول عليها أبداً. فأنا أضطرم شوقاً إليك حتى وأنت أمامي.
أطفأتُ سيجارتي بسرعة ودنَوتُ منها إلى أن التصقتُ بها، وقد لاحت على شفتَيّ ابتسامة ظفر. وقلتُ في سرّي ينبغي استيعاب الصدمة واستثمار هذا الظرف الذي طال انتظاره. فقد لا يجود الزمن بفرصة مماثلة قريباً. وفي لحظة، وثبت في صدري مجدّداً مشاعر الوجد والحماس وتوهّجت. واستعدتُ ما كان قد ذوى من أحاسيس اللهفة. فوضعتُ رأسها على كتفي أداعب شعرها بلطف تمهيداً لبدء جولةٍ من القُبل. وفجأةً سقطت بضع حصوات بالقرب منا مجهولة المصدر. وأصابت إحداها مسند المقعد الحديدي فأصدرت رنّةً مزعجة أجفلتنا. ارتعش جسمها واتسعت عيناها بدهشة وخوف وصاحت:
- ما هذا؟! هل يُعقل أن يكون أحدٌ من الفريق الديني الشبابي أو القبيسيات الذين ازداد نفوذهم في السنوات الأخيرة، يقوم برصدنا ومنعنا من إكمال اللقاء!؟
طيّبتُ خاطرها مهدّئاً انفعالها بأن طوّقتها بذراعيّ وأنا أكاد أصل إلى شفتيها وهمستُ:
- لا تكترثي حياتي، قد تكون هذه الحصوات قد وقعت من عش عصفور في الشجرة التي فوقنا..
وما إن لامست شفتاي ثغرها حتى خفق جناحا طائر خفّاش بالقرب منّا. فما كان منها إلّا أن انتفضت مذعورةً وارتجَّ جسدها البضُّ وشهقت بارتياع:
- ياي خفّاش! إنه مصدر شؤم بالنسبة لي. فكما تقول بعض المصادر أنه وراء السبب في تفشّي فايروس كورونا! لأن الخفّاش يستطيع أن يحمل فايروسات مختلفة دون أن يمرض. ولكن هناك مصادر أخرى تقول غير ذلك! على أيّ حال، العلماء جادّون بالتوصّل إلى لقاح. وأعتقد أنه في غضون أسابيع قليلة ستزفُّ إحدى الدول نبأً سيُسعد سكان هذا الكوكب المعذّب..
عباراتها تلك، كانت بمثابة رشقة قوية من الخذلان. سكبتْ في قلبي امتعاضاً ومرارة. وأخمدت كل براكين الشوق في داخلي. ولم تعد أعصابي تحتمل الجلوس بعد أن أدركتُ أن الحظَّ لن يحالفنا هذه المرة. بلعتُ ريقي في اغتياظٍ وارتباك، وقلتُ لها متبرّماً بعد تنهيدة:
- ما رأيك يا عمري أن نغادر هذا المكان؛ فهو اليوم على ما يبدو مسكون بالطاقات السلبية. وسنحدّد للقائنا موعداً لاحقاً قريباً؟
أطرقتْ قليلاً لائذةً بالصمت، ثم التفتت صوبي وقد افترّ وجهها عن ابتسامةٍ يائسةٍ وقالت مستكينةً بصوتٍ هامس:
- كما تريد حبيبي.
ساعدتُها في ارتداء الكِمامة، ونهضنا مودِّعَين أحدنا الآخر. وتطايرت أحلامنا كنثار قشٍّ تذروه الرّياح.. وا أسفاه!



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما أبرعهم!
- فلسطين
- بعد طول انتظار
- عيون ومخارز
- «توقاً إلى الحياة»
- حوار مع رفيقي «القائد!»
- الجماهير ترقص فرحاً
- لماذا نحن متخلّفون؟!
- العَوْراء
- وأنا الشيوعي، كيف نسّبوني إلى «البعث»؟
- حلاوة
- نبوءة صادقة في حرفها الأول!
- لكنّنا لم نلتقِ!
- مسلمة الحنفي – قراءة في تاريخ محرّم
- هل وحدة الشيوعيين السوريين ممكنة؟
- وأغلقَتِ الخطّ!
- «جبال الأغاني والأنين»
- «البلد»
- ألو بابا، أنا ابنك!
- «النباتية»


المزيد.....




- الموسيقى الحزينة قد تفيد صحتك.. ألبوم تايلور سويفت الجديد مث ...
- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- صدور ديوان الغُرنوقُ الدَّنِف للشاعر الراحل عبداللطيف خطاب
- صدر حديثاً رواية - هذا أوان الحبّ- للأديبة الفلسطينية: إسرا ...
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - الحُبُّ في زمنِ الكِمامة