زياد عبد الفتاح الاسدي
الحوار المتمدن-العدد: 6633 - 2020 / 8 / 1 - 01:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الجزء الثاني : بدايات التحرر الوطني والنهوض القومي ثم التراجع والاخفاقات
ذكرنا في الجزء الاول كيف تاسست في المنطقة العربية ولا سيما في المشرق العربي العديد من الاحزاب الشيوعية والماركسية وأحزاب اليسار القومي في المشرق العربي منذ نهاية الحرب العالمية الاولى وإلى خمسينات القرن الماضي ... حيث شهدت مُختلف أنحاء العالم العربي على المستوى الشعبي والسياسي مرحلة مُتصاعدة من حركات التحرري الوطني والنهوض القومي ضد المُستعمر الغربي قادت في نهاية الامر إلى الاستقلال الوطني ( وليس بالضرورة الاستقلال السياسي) للعديد من الشعوب العربية ولا سيما في ليبيا والجزائر وفلسطين سوريا ولبنان ومصر واليمن والعراق ... وسنستعرض فيما يلي بعضاً من أهم الاحداث والحركات الوطنية والتحررية التي شهدتها المنطقة :
1. ليبيا : قاد المجاهد الكبير عمر المختار حركة الجهاد والتحرر الوطني ضد المُستعمر الايطالي الى أن تم أعدامه عام 1931 ليتبع ذلك ببضعة شهور استشهاد خليفته المجاهد يوسف بورحيل في معركة جهادية عنيفة ضد المُستعمر الايطالي الذي قتل وهجر مئات الآلاف من الليبيين والمُجاهدين .. لتخمد بعد ذلك حركة الجهاد الوطني ... ومع هزيمة إيطاليا ودول المحور في الحرب العالمية الثانية في مواجهة الحلفاء, إحتلت بريطانيا وفرنسا برقة ومصراته وطرابلس وفزان , لتحصل ليبيا أخيراً على إستقلالها عام 1951 مع تتويج إدريس السنوسي ملكاً على البلاد , وذلك في استقلال شكلي كان نتيجة مُباشرة لهزيمة إيطاليا وألمانيا وانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
2 . الجزائر : بدأ الجهاد المُبكر في الجزائر ضد المستعمر الفرنسي منذ أحتلاله الجزائر عام 1830 بعد طرد العثمانيين منها .. وكان الامير عبد القادر الجزائري من أهم رموز المقاومة الشرسين ضد المُستعمر الفرنسي الى أن تم اعتقاله عام 1847 ونفيه بعد ذلك الى دمشق عام 1855..... أما حركة التحرر الوطني وحرب التحرير الجزائرية فقد إنطلقت أواخر عام 1954 بمشاركة المئات من الثوار والمقاتلين الجزائريين وحتى من بعض المُتطوعين العرب .. وتلقت الجزائر وجبهة التحرير دعم عربي وقومي شامل قاده الزعيم الراحل جمال غبد الناصر .. وقد شهدت حرب التحرير خلال عام 1955 معارك شرسة وضارية ضد المُستعمر الفرنسي , سقط خلالها مئات الالوف من الشهداء .. لذا سُميت ثورة الشعب الجزائري ضد المُستعمر الفرنسي بثورة المليون شهيد .. وقد حظيت جبهة التحرير الوطني على تأييد مُطلق وكامل من الثوار والشعب الجزائري .. لتنتهي حرب التحرير الجزائرية عام 1962 بإعلان استقلال الجزائر, ومغادرة مئات الالاف من الفرنسيين من الذين أقاموا في الجزائر منذ احتلالها عام 1830.
3 . سوريا ولبنان : بدأت حركة المقاومة الوطنية السورية ضد الاحتلال الفرنسي منذ بدايته عام 1920 بعد سقوط حكم الملك فيصل الاول الذي سبقه انهيار الحكم العثماني في المشرق العربي .. لتنطلق بعد ذلك الثورة السورية الكبرى في جبل العرب بقيادة سلطان باشا الاطرش عام 1925, وينضم اليها لاحقاً مئات الثوار من مختلف المناطق في سوريا ولبنان وحتى من الاردن في الوقت الذي أمعن فيه الاحتلال الفرنسي في إجرائاته القمعية وملاحقة واعتقال المجاهدين والوطنيين وزرع الفتن الطائفية بين مُختلف مكونات الشعب .. حيث قام الاحتلال الفرنسي بتقسيم سوريا الى دويلات ضعيفة مُمزقة, ومنها دولة حلب ودولة جبال العلويين في الشمال ودولة لبنان الكبير في الغرب ودولة السويداء (جبل الدروز) في الجنوب , مع منح لواء الاسكندرون لتركيا عام 1939 بعد أن كان تابعاً لدولة حلب .. كما حاول الاحتلال الفرنسي أيضاً نشر الثقافة الفرنسية على حساب الثقافة العربية والوطنية .. إضافة الى تجاهله لمطالب القوى الوطنية بوضع سقف زمني لاستقلال سوريا ولبنان ... ولكن مع تصاعد المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الفرنسي وسقوط مئات الشهداء تم إجبار السلطات الفرنسية على التخلي عن تقسيم سوريا الى دويلات والسماح بأجراء انتخابات برلمانية , ليخرج الاحتلال نهائياً من سوريا ولبنان بعد انتزاع الاستقلال عام 1946.
4 . مصر : إحتل الجيش البريطاني مصر عام 1882 بعد معركة بين الجيش المصري بقيادة أحمد عرابي والقوات البريطانية والايرلاندية التي تمكنت من الاطاحة بأحمد عرابي وهزيمة الجيش المصري لعدم التكافؤ الكبير بين قوات أحمد عرابي والجيش البريطاني الذي قام أثناء غزو مصر بقصف عنيف لمدينة الاسكندرية التي استسلمت بعد صمود ومقاومة شديدة للغزو البريطاني .. وقد دام الاحتلال البريطاني لمصر 72 عاماً .. حيث ظلت القوات البريطانية في مصر إلى أن تم عقد المعاهدة الأنجلو – مصرية عام 1936 التي منحت الملك فاروق سيادة شكلية على الأراضي المصرية وقناة السويس باعتباره حاكما صوريا (أي الملك فاروق) تديره الحكومة البريطانية .. واستمرت السيادة البريطانية على قناة السويس حتى تم تأميمها عام 1956 من قبل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعد 72 عام من الهيمنة والاضطهاد والاستغلال .. حيث غادرت القوات البريطانية قناة السويس عام 1956 بعد توقيعها قبل ذلك (عام 1954) معاهدة مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تنص على جلاء القوات البريطانية من مصر خلال فترة أقصاها عشرون شهراً .
5 . فلسطين : بدأت حركة المقاومة الفلسطينية للاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية منذ هبة البراق عام 1929 .. كما إنطلقت الثورة الفلسطينية الكبرى بعد استشهاد الشيخ عزالدين القسام عام 1935 واستمرت هذه الثورة خلال سنوات 1936 وحتى 1939 ... وبعد إحتلال أجزاء كبيرة من فلسطين وهزيمة الجيوش العربية عام 1948 .. تم تشريد معظم الشعب الفلسطيني واغتصاب أراضيه ومدنه وقراه ... لتعود المقاومة الفلسطينية من جديد في المهجر ... حيث تمت العملية الاولى للمقاومة الفلسطينية في مطلع عام 1965 بعملية لقوات العاصفة إنطلقت من الاراضي السورية وتمت إذاعة البيان رقم واحد لقوات العاصفة من إذاعة دمشق ... وتلا ذلك انطلاقة ىالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1967 ... وقد خاضت المقاومة الفلسطينية العديد من العمليات والمواجهات من العدو الصهيوني وقدمت عشرات الالوف من الشهداء والجرجى والاسرى .. ومن أهم المعارك التي خاضتها المقاومة الفلسطينية مع العدو الصهيوني معركة الكرامة عام 1968 ومعارك المواجهة للغزو الصهيوني لجنوب لبنان من البر والجو والبحر عام 1978 ... حيث تصدى مقاتلو المقاومة الفلسطينية لهذا العدوان الكبير من خلال خرب عصابات ضارية ومُتحركة قادها حين ذاك القائد العسكري لقوات الجنوب الشهيد سعد صايل .. حيث انسحبت القوات الاسرائيلية بعد قتال ضاري دام حوالي اسبوع .. اضطرت بعدها قوات الغزو للانسحاب بعد تكبدها خسائر كبيرة بين الجنود والدبابات والمعدات العسكرية .
مرحلة النهوض القومي :
شهد العالم العربي منذ مطلع الخمسينيات الى مابعد منتضف الستينات مرحلة من النهوض القومي التي قادها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بمشاركة الاحزاب والانظمة القومية والاشتراكية وحركات التحرر الوطني في فلسطين والجزائر ... حيث بدأت هذه المرحلة مع تأميم عبد الناصر لقناة السويس ودخوله في مواجهة مفتوحة مع الدول الاستعمارية , ثم انتصاره على العدوان الثلاثي في حرب السويس عام 1956.. حيث تم في هذا العدوان استشهاد الضابط السوري جول جمال الذي تخرج من الكلية العسكرية البحرية في الاسكندرية عام 1956 وذلك عند قام بتفجير مُدمرة حربية فرنسية عند إقترابها من شواطئ بور سعيد .... لتصل مرحلة النهوض القومي بعد ذلك الى ذروتها أيام الوحدة بين مصر وسوريا (1961-1958) , والتي تبعها أيضاً انتصار حرب الاستقلال في الجزائر على يد جبهة التحرير الجزائرية عام 1962 بدعم عربي وقومي شامل .
وكان لهذه المرحلة أثراً عظيماً في تنامي ووحدة المشاعر الوطنية والقومية في مختلف أنحاء الوطن العربي الذي لم يشهد في تلك الفترة أي شكل من أشكال التطرف والانقسام الاجتماعي والثقافي أو الصراع المذهبي والطائفي التي نشهدها هذه الايام .
بداية مرحلة الهبوط والتراجع :
ولكن لم تستمر أجواء النهوض القومي طويلاً , وبدأت في الهبوط والتراجع مع توالي الضربات والهزائم التي تعرضت لها الانظمة القومية وحركة التحرر الوطني في المشرق العربي على مدى سنوات بدءاً من هزيمة حزيران عام 1967 وأحداث أيلول عام 1970 ونهاية الحكم القومي في مصر بوفاة عبد الناصر في نفس العام وخروج المقاومة الفلسطينية من الاردن عام 1971.. ليتبع ذلك إخفاقات حرب اكتوبرعام 1973 في ظل حكم الرئيس المصري أنور السادات المُتواطئ مع الولايات المُتحدة والغرب .. و تبع ذلك بعد عامين اندلاع الحرب الاهلية في لبنان عام 1975 . حيث قام الرئيس ياسر عرفات حينها بتوريط المقاومة الفلسطينية على نطاق واسع في تلك الحرب الاهلية الطائفية المُدمرة , مما أدى الى التدخل السوري ونشوب اقتتال سوري ولبناني وفلسطيني على الساحة اللبنانية عام 1976 والذي سرعان ما تحول فيما بعد الى قتال طويل ولسنوات عديدة بين الجيش السوري والميليشيات المسيحية اليمينية حتى انتهاء الحرب الاهلية اللبنانية بسيطرة تامة للجيش السوري عام 1991 بعد أن حصلت القوات السورية في لبنان على شرعية عربية وقبول غربي في البقاء في لبنان .
ومع خضم التراجع لحركة النهوض القومي العربي , تم خروج مصر من الصراع العربي الاسرائيلي بعد توجُه السادات في زيارة خيانية للكيان الصهيوني عام 1977 وتوقيعه لمعاهدة السلام عام 1979 , ثم تبادل السفراء عام 1980... ولكن أشد الضربات قساوةً على المسار القومي لحركة التحرر العربية كانت في الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان وحصار بيروت عام 1982 والذي ترافق مع تواطؤ عرفات وقيادة قوات الجنوب لحركة فتح المُعينة من قبله والتي هربت من مواقعها في الجنوب وأعطت أوامر بالانسحاب الكيفي لآلاف المقاتلين الفلسطينيين من الجنوب .... مما أدى الى انهيار المعقل العسكري المنيع للمقاومة الفلسطينية في النبطية والسقوط السريع لمجمل الجنوب اللبناني باستثناء الصمود البطولي والاسطوري للمقاتلين في قلعة شقيف الذين استُشهدوا جميعاً ... ليتبع ذلك بعد أكثر من شهرين الاستسلام للحصار الاسرائيلي على بيروت وترحيل آلاف المقاتلين الفلسطينيين من لبنان عن طريق البحر بقراراستسلامي من قبل ياسر عرفات لم يلقى للاسف أي إعتراض من بقية القيادات الفلسطينية باستثناء القائد العسكري الشهيد سعد صايل .. وتمت عمليت الترحيل بحضور المبعوث الامريكي فيليب حبيب ومئات الجنود الفرنسيين وقوات المارينز الامريكية والقوات الدولية التابعة للامم المُتحدة من أجل الاشراف على عملية الترحيل .... ولكن من جهة أخرى خاض الجيش السوري مع بعض فصائل المقاومة الفلسطينية معارك عديدة مع قوات الغزو الصهيوني ومواجهات كبيرة بمشاركة سلاح الجو السوري .. ومن أهم هذه المعارك حدثت في البقاع اللبناني بالقرب من قرية السلطان يعقوب عندما قامت وحدات من الجيش السوري بالاشتراك مع وحدات من المقاومة الفلسطينية والميليشيات اللبنانية بعمل كمين مُحكم لرتل من الدبابات الاسرائلية المنتشرة في وادي البقاع حيث دارت معركة ليلية ضارية بينهم وبين الدبابات الاسرائيلية أسفرت عن مقتل ثلاثين جندي اسرائيلي وتدمير 8 دبابات وأسر ثلاث دبابات أخرى .
#زياد_عبد_الفتاح_الاسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
