أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحال/ الفصل الثامن














المزيد.....

مكابدات الرحال/ الفصل الثامن


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 6587 - 2020 / 6 / 8 - 23:15
المحور: الادب والفن
    


الحرية المعاقة

في المساء الأخير من محنة الاعتقال استدعى المحقق السجين بدر الرحّال وأخبره بأنه نال حريته منذ هذه اللحظة وفي الصباح بوسعه أن يغادر السجن وكان المحقق يظن بأن السجين سيشكره على بشرى خبر نيله الحرية، بينما الرحال كان منحنيّ الظهر ويبدو وكأن الشيخوخة داهمته مبكراً بعد أن فقد بعض من أسنانه وهو لم يزل في بداية العقد الثالث من عمره وحفرت التجاعيد أخاديدها فوق تضاريس وجهه المتعب الذي رسم تاريخ العذابات.
كذلك هنالك بشرى سارة لجميع السجناء سيطلق سراحهم غداً والذي يصادف الرابع عشر من آذار بمناسبة ميلاد "الملا مصطفى البرزاني" : صرح المحقق متباهياً !!
نظر الرحال بوجه المحقق بينما في أعماقه كانت يغليّ بركان من الغضب والقهر يشبه شعوره الاول حين بصق على بندقية الكلاشنكوف قبل أن يغادر سواتر الحرب.
لم يتمالك الرحال أعصابه حين صرخ بوجه المحقق: أنا تعرضت للظلم والاهانة هنا لن أغفر لكم أبداً!!
أطرق المحقق بنظره الى الأرض وقدم اعتذاره للرحال وأخبره: بانهم لم يتأكدوا من صدق أقواله إلا قبل يومين فقط بعد البحث والتقصيّ وتزكية بعض الرفاق الذين أشادوا ببراءتك كنت أتمنى لو وصلنا هذا التقرير في بداية اعتقالك لكن لسوء الحظ وللاسف جاء التقرير متأخراً.
كان الرحال بوجهه الشاحب وجسده العليل يجلس على كرسي خشبي مقابل المحقق وكان لوقع الكلام والاعتذار المتأخر وجعاً أضافياً يعذب روحه بعد أن أدرك مدى القهر والظلم الذي ناله طيلة فترة الاحتجاز الجائر لمدة سنة ونصف.
- نظر المحقق الى الرحال وأخبره "بوسعنا مساعدتك لإكمال رحلتك في أيّ وقت ترتأيه والدليل الذي سيساعدك بتجاوز الحدود التركية بأمان تحت طلبك وكذلك ممكن أن نوصي لك برفاق يستضيفوك في اسطنبول أيضاً ويبقى الخيار لك"
ثم سحب المحقق من جرار الطاولة وأخرج ظرف وقام من كرسيه ليسلمهما الى الرحال : هذا الظرف يحتوي على دولاراتك التي حفظناها لك!!
بعد صمت وتفكير أخبر الرحال المحقق بصوت محبط وهو يكاد أن ينفجر بالبكاء بنيّته وبقراره الاخير أن يسلم نفسه الى أقرب رابية عسكرية عراقية نادماً ربما مغامرة أخرى لتجاوز الحدود سيموت بها سيقتله المرض والقهر دون تحقيق مبتغاه لاسيما انه يعاني من مرض ذات الرئة التي تحتاج الى علاج.
لكن الرحال طلب من المحقق أن يساعدوه في دفن جثة صديقه السالمي التي أودعها في كهف وأن تدفن في مكان آمن حتى اذا تغيرت الاحوال يوماً ما يتسنى الى أهله نقل رفاته.
إرتسمت على وجه المحقق معالم الحزن ثم أومئ برأسه موافقاً على طلب الرحال.
في اليوم الأخر أمر المحقق أن تذهب مجموعة من المقاتلين لتأمين الطريق أولاً ولضمان خلوه من الكمائن وبعد أن تأكدوا من سلامة الطريق إطمئن المحقق وأرسل مع الرحال بضعة رجال مسلحين ومعهم المعاول والفؤوس لحفر قبر لجثة السالمي.
ركب الرحال بغله وهو يكابر الوهن والمرض مع نوبات السعال التي تنتابه، وانطلقت الرحلة نحو الطريق الذي يؤدي الى نقطة الاستدلال والى لحد رفيقه الجبلي.
أضاع الرحال في البدء الطريق الى الكهف مرتين وكان المقاتلين صبورين في البحث عن القبر حتى وصولهم في الأخير الى مكان الكهف.
أشار الرحال نحو الاحجار التي كانت تغطي فتحة الكهف ثم تقدم وأزاح الاحجار بعد ذلك تقدم رجلان من المجموعة وسحبا الجثة خارج الكهف وقمطا الجثة ببطانية ثم حملاها فوق نقالة ونزلا الى الوادي ثم اختاروا مكان للقبر تحت شجرة جوز ضخمة.
تقدم الرحال مكلوماً نحو جثة صديقة قبل دفنها وانفجر بالبكاء بمرارةٍ حتى سمعت نواحه الجنوبي كل جبال كردستان وكأنه كان ينعيّ نيابةً عن امه الثكلى والمفجوعة، أو مثل كلكامش حين رثى رفيقه وخله انكيدو.
القوا بجثة السالمي في الحفرة وأهالوا عليها التراب والاحجار ثم وضع الرحال نقاط إستدلال حول القبر وحفر فوق صخرة بحافة سكين اسم صديقه، ثم برحوا نحو مقرهم نحو سفح الجبل الاخر.
في الصباح جاء بضعة مقاتلون وأطلقوا سراح جميع المعتقلين بعد أن ودعوا بعضهم بالعناق والبكاء وكان كل سجين يختار طريقه وقدره!!
أما الرحال فأخذه الدليل على ظهر البغل نحو أقرب رابية عسكرية عراقية وتقدمه الدليل ممتطياً بغله هو الاخر قاطعاً المسالك الجبلية الخضراء الربيعية ثم أوصله الى طريق ميسمي يؤدي لوحدة عسكرية رفعت فوقها سارية العلم العراقي.
أوقف الدليل بغله ثم ترجل وجاء للرحال يساعده بالنزول من ظهر بغله
صافحه الدليل وتمنى له السلامة ثم رجع مع بغليّه بعد إتمام مهمته.
سار الرحال منكسراً ومهزوماً وعلى مقربة من الرابية رفع قطعة قماش بيضاء لوح بها للجنود فنزلوا ببنادقهم وأحاطوا به.
أعلن الرحال هزيمته وهو يعود خائباً كحطام مغامر كان يبحث عن الحرية والكرامة لكن القدر خذله.
ساعده الجنديان بالسير نحو خيمة ضابط الوحدة العسكرية وهو يتكأ على كتفيّهما في صعود الصخور، حتى وصولهم الى الضابط الذي كان واقفاً أمام الخيمة كي يستطلع الحدث، وبعد أن تحقق الضابط مع الرحال أمر باطعامه والاهتمام به، حتى الصباح كي يرسل بعجلة عسكرية الى دائرة الاستخبارات العسكرية في العاصمة بغداد.
وهنالك تم التحقيق مع الرحال واخذوا جميع أقواله ثم احالوه الى المحكمة العسكرية فترحمت به المحكمة وخفضت عقوبة الحكم من الاعدام الى عقوبة السجن عشرة سنوات لانه سلم نفسه مذنبا ونادماً اضافة لوضعه الصحي الصعب.
ارسل الرحال الى مستشفى الرشيد العسكري لتلقي العلاج وبعد أن تشافى أرسلوه الى سجن "أبوغريب" قضى من المحكومية سنة ونصف ثم جاء عفواً رئاسي للمعتقلين بمناسبة عيد ميلاد السيد الرئيس يوم الثامن والعشرين من نيسان.
وما بين أعياد ميلاد قادة الحروب الأعداء تتلاعب الاقدار وتنبعث الآمال بإكمال الحياة المعذبة والحريات المعاقة!!
"يتبع"



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكابدات الرحّال ظ
- مكابدات الرحّال/ الجزء السابع
- مكابدات الرحّال / الجزء السادس
- مكابدات الرحّال - الجزء الخامس
- مكابدات الرحّال القمر ورحلة البغّال الجزء الرابع
- مكابدات الرحّال الرحلة الشاقة الجزء الثالث
- مكابدات الرحّال
- مكابدات الرحال
- حقائب مهجورة في قطار قديم
- بائع الثلج
- حكايات عجلات الزمن والعربات
- عودة البطاريق للجزيرة
- غواية القمر المحتال
- السلوك المتناقض في العقل البشري
- أرصفة الرسام وخيالات العاشق
- حوار مع ماركو
- المهرج والشاعر
- تأملات في آثار بابل
- وحشة المدن المهجورة
- تقاسيم الظّل


المزيد.....




- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحال/ الفصل الثامن