أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحّال















المزيد.....

مكابدات الرحّال


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 6558 - 2020 / 5 / 8 - 14:51
المحور: الادب والفن
    


محاكمة حلم
الجزء الثاني
بقيّ السالمي في مديرية الامن العامة في بغداد ما بين التحقيق والتعذيب الجسدي والنفسي اليومي المتواصل لمدة أربعة اشهر وكانت التهمة الموجهة ضد السالمي- هي بسبب فكرة طرأت على مخيلته ذات يوم نحس كانت مجرد فكرة لا غير ولا يعرف كيف وصلت تلك الفكرة الى السلطة حين فكر بالهروب خارج حدود أسوار الوطن وكانت عقوبة التخيل بمثل هذا الحلم الخطير والمتمرد تهمة يحال بها المتهم الحالم الى محكمة الثورة ويبقى البت بقرار المحكمة ضد تهمة "حلم الهروب" هي جريمة يكون الحكم ضدها ما بين الإعدام أحياناً أو السجن حسب قناعة الحاكم العسكري في محكمة الثورة وبمدى شعور المتهم بذنبه والتوسل والبكاء بطلب المغفرة من الأفكار الملوثة وعدم تكرار الحلم مرة أخرى فيكون هنالك ترحم وتخفيف العقوبة.
فلا يحق للمواطن العراقي أن يفكر خارج وصايا السلطة.
في الساعات الاولى من وصول السالمي الى شعبة التحقيق إنهالت عليه الركلات والصفعات والشتائم والقهقهات الصاخبة التي كان يطلقها الجلادين وضابط التحقيق لاسيما لدى صراخه الهستيري أثناء كيّ عضوه التناسلي بصعقات كهربائية في حفلة ترحيب لقدومه كما أطلق عليها ضابط التحقيق.
ثم أقتاد أحد رجال الامن المتهم في ممر ضيق يؤدي الى غرفة الاحتجاز ورموا به فوق بلاط بارد بدون أغطية فتكور مثل جنين داخل رحم منسي ومظلم.
بقيّ المحتجز في غرفة إنفرادية بينما الحارس يرمي له الطعام السيء الذي يفتقر الى الملح مع قليل من الماء للشرب مرة واحدة في اليوم من تحت البوابة الحديدية الصدئة لغرفة الاحتجاز المظلمة.
قبع السالمي في جوف المعتقل الانفرادي الصغير دون أن يعرف الى متى سيبقى داخل هذا الكابوس الرهيب المغيّب من الزمن ومن الضوء ومن أي بادرة أمل لكن وسط هذا العذاب والنسيان حاول المعتقل التصالح مع اليأس والعزلة.
على حين غرة وفي هذا الزمن المنسيّ سمع المعتقل الذي كان يجلس القرفصاء في زاوية السجن صرير الباب وهو يفتح مع صياح الحارس الذي أمره بالنهوض والمجيء معه فوراً تسللت صدمة اليقظة والسعادة الى أوصال المعتقل حين رأى الباب الموصد يفتح لم يعرف بالضبط كم من الدهر بقي في حبسه الانفرادي.
أشار الحارس للسجين أن يتبعه الى قاعة السجن الجماعي والتي ستكون أفضل بكثير مقارنة بالحبس الانفرادي لا سيما بعد أن سلمه بطانيتين ووسادة مع منشفة وقطعة صابونة وشارك بقية السجناء بطعام أفضل وكان السجن الواسع يضم أيضاً حمام ومرحاض.
لدى دخول السالمي إستقبله السجناء وساعدوه على إيجاد مساحة لفرش بطانيته فوق أرضية السجن المكتظة بأفرشة السجناء ثم أفرغوا له الحمام كي يغتسل جسده الذي لم يمسه الماء منذ أربعة أسابيع قضاها في حبسه الانفرادي.
كان السالمي يستمع الى حكايات المعتقلين وحواراتهم أثناء مشاركتهم الطعام أو تجمعهم للاستمتاع بلعبتهم المفضلة "الدومينو"
كانت لكل سجين حكاية مختلفة وفترة محكومية متفاوتة أيضا.
ذات مساء وأثناء تناول العشاء سمع السجناء باب السجن يفتح وكان الحارس يصرخ بصوت عالي وينادي بإسم- كريم السالمي وأمره بالنهوض فأقتيد السالمي الى غرفة ضابط التحقيق ومر بنفس الممر المظلم الذي يؤدي الى غرفة التحقيق ثم دفع الحارس
بالمعتقل داخل غرفة التحقيق بينما ضابط التحقيق كان يرتشف قدح الشاي مع ضابطّين كانا يجلسان على أريكة مريحة، حدق الضابط بوجه المتهم ثم أشار له أن ينظر الى طاولة صغيرة كانت تقع في منتصف الغرفة وقد
نصبت فوقها ثلاثة قناني زجاجية فارغة لمشروبات غازية - بيبسي كولا وكوكا كولا وقنينة بلون بنيّ كانت أصغر من بقية القناني من "عصير شراب تراوبي" والذي كان مشهوراً في الاسواق العراقية.
بعدها أمر الضابط وأشار للسجين أن يختار أي قنينة يفضل فهنالك حرية كاملة في ديمقراطية الخوزقة.
إنهار المعتقل باكياً ومرعوبا حين سمع بالخوزقة ثم توسل: أرجوك يا سيدي إعفني من هذا الاختيار فتلك أقسى إهانة وأسوء إنتهاك لكرامة الانسان في وطنه !!؟؟
-لا تضيع الوقت هذا قرار وهو من ضمن أخر عقوبة لك بعدها تغادر المعتقل: صرخ الضابط بحزم بينما الضابطين الاخرين كانا يحبسان ضحكة في صدورهم وبعد أن يأس السجين من توسلاته أجاب بصوت ذليل سأختار قنينة التراوبي اذن:
-حسنا لك ماتريد ولكن لماذا قنينة التراوبي بالذات دون سواها من القناني: سأله الضابط؟؟
-لانها قنينة صغير ياسيدي وألمها سيكون أخف على الاقل: أجاب المتهم بصوت ذليل ومحبط. انفجر الضباط بضحك جنوني عج بثنايا الغرفة فادرك المتهم فيما بعد انهم كانوا يسخرون منه ويتقصدون في إذلاله وتعذيبه الوهمي ومعرفة رد فعله باستفزاز كرامته وطعن إنسانيته.
بعدها أمر الضابط وأخبر الحرس أن ياخذ السجين لتنفيذ أخرعقوبة بشرط أن يتوب ويتبرأ من حلمه بعدها يمكن اطلاق سراحه من مديرية الامن العامة ،زجر الحارس بالمعتقل وهو يدفعه نحو قاعة كانت مكتظة بمئات البساطيل العسكرية والمدنية أيضاً مع جواريب تفوح منها رائحة العفن.
صاح الحارس : مبروك يا إبن القحبة سوف تنال حريتك قريبا ولكن ليس بعد أن تنهي تنظيف وتلميع وترتيب جميع البساطيل والاحذية بشكل جيد وبدون أن ترفع رأسك أو تستريح ولو للحظة واحدة.
سوف تخرج اليوم وتنال حريتك وأنت تكتسب خبرة ومهنة تحسد عليها بمسح الأحذية أنصحك بان تفتح محل اسكافي ترتزق منه خير لك من دراسة الفن.
أخذت تلك المهمة الأخيرة من السجين ما يقارب يومين من العمل المستمر الذي أنهكه حد الاعياء.
لكن الحارس إنبهر من مهارة السجين وسرعته في تنظيف البساطيل وغسل الجواريب وقال له ساخراً هل أدركت الان مدى نفع السجن لك أيها الوغد الحالم بالهروب!!!
سوف تخرج اليوم وتنال حريتك وأنت تكتسب خبرة ومهنة تحسد عليها بمسح الاحذية أنصحك بان تفتح محل اسكافي ترتزق منه خير لك من دراسة الفن.
جاء الحارس بالسالمي الى غرفة الضابط مذنباً ثم مسك بالقلم الذي كان ينتظره فوق الطاولة الخشبية العريضة ووقع أسفل الورقة على حزمة شروط واعتذار وتوبة تحذر من عدم التفكير مرة أخرى أو الحلم بالهروب من الوطن.
"يتبع"



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكابدات الرحال
- حقائب مهجورة في قطار قديم
- بائع الثلج
- حكايات عجلات الزمن والعربات
- عودة البطاريق للجزيرة
- غواية القمر المحتال
- السلوك المتناقض في العقل البشري
- أرصفة الرسام وخيالات العاشق
- حوار مع ماركو
- المهرج والشاعر
- تأملات في آثار بابل
- وحشة المدن المهجورة
- تقاسيم الظّل
- مفارقات ما بين النبل والانحطاط
- هلع الوباء والموت
- موروث الشجن السومري
- آش ماخ كوديا
- وحشة الظّل
- محنة النخيل والوطن
- تجمع المبعثر بعناية


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحّال