أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحال















المزيد.....

مكابدات الرحال


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 6555 - 2020 / 5 / 5 - 21:00
المحور: الادب والفن
    


محاكمة حلم
الجزء الاول
بعد إكمال بدر الرحال دراسته الجامعية وتخرجه من كلية الآداب في جامعة بغداد سُيق للخدمة العسكرية وكان يأمل بإكمال الخدمة الإلزامية ثم يحصل على وظيفة في مجال تخصصه كمدرس ويعيش حياة طبيعية في وطنه، لكن لسوء الحظ بعد تسعة أشهر من خدمته العسكرية بدأت الحرب العراقية الإيرانية ومن ثم زج الى جبهات القتال في القاطع الشمالي فعاش ويلات الحرب وكاد أن يقتل أكثر من مرة بقصف الهاونات والمدفعية الإيرانية لو لا القدر أو المصادفة التي أنقذت حياته مرتين من موت أو إعاقة جسدية فوق جبل "كردخوك" في حاج عمران والذي دارت فوقه معارك شرسة وامتصت ثلوجه الكثير من دماء الجنود العراقيين والإيرانيين!!
كان بدر الرحال يردد مع نفسه ومع أصدقائه الجنود المقربين بانه يرفض حرب الطاغية التي يريد بها أن يشيد مجده فوق جثث الجنود المغفلين.
أنا حر وحياتي هبة الرب لي!!
وحدي من يقرر وجودي وليس الاخرين الذين يعيشون في رفاهية ويظنون أن الوطن من ممتلكاتهم الشخصية يفعلوا به ما يشاؤون أن حياتي لي ولا أسمح لأي سلطة أن تصادر حياتي أو تجعلني وقود في أفرانها.
لكن أحد المخبرين من الجنود الذين كانوا يتشاطرون مع الرحال الموت المؤجل وسواتر القتال وحجابات الجبهة وحتى قصعة الطعام أرسل تقرير سري الى إستخبارات الوحدة العسكرية يفشي بها تذمر الجندي الرحال وانتقاداته ضد حرب القادسية وتحريضه للجنود: بان تلك الحرب ستطول وستحرق الاخضر واليابس وتدمر البلدين!!
وبعد أن وقع التقرير بيد "كريم السالمي" أحد الجنود الذين كانوا يعملون في قلم الوحدة أطلع على التقرير ثم ذهب على وجه السرعة وأخبر الرحال بخطورة الامر وحذره بان التقرير سيصل خلال ثمانية وأربعين ساعة الى وحدة إستخبارات اللواء.
شكر الرحال صديقه الذي حاول إنقاذ حياته وأخبره بنيته في تسلل الحدود والهروب الى تركيا ثم الى أوربا لطلب اللجوء وطلب من صديقه السالمي أن يساعده بجلب نماذج نزول كي تساعده في تجاوز السيطرات.
أشعل كريم السالمي سيجارته بأطراف أصابعه المرتجفة وكانت تلك اللحظات في تلك الليلة الشتائية مصيرية.
كانت فكرة الهروب من الحرب اللعينة تراود السالمي منذ فترة ليست بالقصيرة وتشحذ به جذوة الامل والحلم بالعيش في وطن آخر يحتمي فيه من الاستبداد ويحافظ على وجوده من الموت.
بعد صمت تطلع الى وجه صديقه الرحال وأخبره بنيّته أن يرافقه مغامرة الهروب.
لم يمانع الرحال لكنه أخبر صاحبه من خطورة الرحلة: أذا تم القاء القبض علينا ستكون عقوبة الإعدام لا محالة ثم قطع حديثهم أصوات أنفجارات وقذائف مدفعية العدو وهي تدك مواقع الجنود في الوحدة القريبة وبعد برهة أجابه السالمي: أعرف العقوبة لكنني
قررت المغامرة وأن أهرب من المعركة معك، ليس كجبان يترك جبهة الحرب بل كمتمرد يرفض دمار بلده ويأبى الموت من أجل طاغية مصاب بجنون العظمة همه البقاء على رأس السلطة ويسعى أن يكون قائد تاريخي عظيم ومقدس على حساب موتنا المجاني.
تسللت الى مخيلة السالمي حكاية إعتقاله ومحاكمة حلمه للهروب خارج أسوار الوطن حين كان يدرس في أكاديمية الفنون الجميلة خلال العام الثاني من الحرب العراقية الإيرانية حين إستبد طغيان السلطة بشكل رهيب وأنعكس ذلك أيضا على مراقبة جميع الكليات ومراقبة تصرفات الطلبة حتى في أدق التفاصيل اليومية البسيطة فكان ثمة خوف وإرباك إضافي يؤرق راحة الكثيرين من الطلبة المحاصرين من قبل جواسيس النظام ووشايتهم ومن كتاب التقارير وحامليّ أدوات التسجيل السرية التي كانت تخفى في جيوب الطلبة الذين يعملون أيضاً وكلاء أمن ومخبرين وهم يتعقبون الطلبة والأساتذة.
وحتى الحوارات اليومية العابرة كانت تصل أغلبها الى اللجان الأمنية وتسجل حواراتهم وإنتقاداتهم، كذلك تصل النذالة والغدر من قبل الطلبة المخبرين الى إسلوب إستدراج زملائهم لحوارات سياسية ضد النظام في الجامعة أو في القسم الداخلي أو جلسة داخل مقهى أو نادي للايقاع بهم في تهمة معارضة الحزب والقائد أو التورط بالخيانة الوطنية.
وكان الكثير من الطلبة يتم أعتقالهم على أثر مزحة ساخرة ضد النظام أو نقاش فيعتقلون لعدة أشهر إذا كانت التهمة بسيطة ضد الحزب أو ضد سيادة "القائد الضرورة" ثم يعودون بعدها مرعوبين وصامتين الى مقاعد الدراسة مرة أخرى ولكن البعض الاخر من الطلبة يلقى القبض عليهم دون عودة فيغيّبون في أقبية وسجون النظام دون أن يعثر على أثر لهم.
تذكر السالمي أيضاً لحظة القبض عليه ومحنة إعتقاله حين جاء
رجل مخابرات الى قاعة المحاضرة وكان يرتدي ملابس مدنية، بملامح وجهه البليد عيون جاحظة وشوارب سلطوية سوداء كثة.. ثم حدّق في وجوه الطلبة من وراء الباب وهو يتفحص المكان وبعدها إستأذن من الاستاذ المحاضر باخذ الطالب كريم السالمي من القاعة الدراسية على أمل أن يرجع في أقرب فرصة ممكنة: انه مجرد استفسار بسيط أبلغ رجل الأمن الأستاذ الذي تسمر داخل قاعة المحاضرة مصدوماً!!
ثم سار الطالب كريم بجانب رجل المخابرات وهو يحاول الاستفسار عن سبب استدعائه لكن ضابط المخابرات حملق في وجه السالمي وأمره أن يسير صامتاً.
أما على الرصيف المقابل من بوابة الاكاديمية فكانت هنالك سيارة "لاندكروز" بيضاء بزجاج مظلل ينتظر داخلها سائق من الصعب رؤيته من الخارج.
فتح ضابط المخابرات الباب الخلفي للسيارة وأمره أن يصعد وأن لا ينبس بكلمة.
إنطلقت السيارة وسط زحام شوارع باب المعظم والميدان باتجاه مديرية الامن العامة بعد أن إستبد بالسالمي شعور بالرعب وكذلك إنتابه قلق على أهله أيضاً لاسيما عن أمه المريضة ماذا سيحدث لها بعد غيابه أو إذا أعدم بطريق الخطأ أفكار كثيرة إنهالت علية جعلته محبطاً لاسيما بعد أن شعر أن حياته مهددة بالموت ولا يعرف أحد قريبا من رجال السلطة أو ضباط الامن كي يتوسط لإنقاذه من تلك المحنة الرهيبة!!
قبل وصول السيارة الى موقف بناية مديرية الأمن شعر أيضاً بثمة أمل وبرغبة في التشبث بالحياة وعليه أن يتحدى ويدافع عن نفسه بقوة أمام الاتهامات التي ستوجه اليه لا سيما أنه لم يرتكب أي جريمة ولم ينتمي الى أي حركة عصيان مسلح أو حزب معارض للنظام..



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقائب مهجورة في قطار قديم
- بائع الثلج
- حكايات عجلات الزمن والعربات
- عودة البطاريق للجزيرة
- غواية القمر المحتال
- السلوك المتناقض في العقل البشري
- أرصفة الرسام وخيالات العاشق
- حوار مع ماركو
- المهرج والشاعر
- تأملات في آثار بابل
- وحشة المدن المهجورة
- تقاسيم الظّل
- مفارقات ما بين النبل والانحطاط
- هلع الوباء والموت
- موروث الشجن السومري
- آش ماخ كوديا
- وحشة الظّل
- محنة النخيل والوطن
- تجمع المبعثر بعناية
- الخروف عوسي


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحال