أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحّال القمر ورحلة البغّال الجزء الرابع















المزيد.....

مكابدات الرحّال القمر ورحلة البغّال الجزء الرابع


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 6563 - 2020 / 5 / 14 - 17:01
المحور: الادب والفن
    


كان القمر يشاكس الغيوم يظهر حيناً ثم يختفي حيناً آخر بينما العابرون يتوسلون لمجيء غيمة داكنة تحجب القمر كي يأمنوا عبور رابية الجنود وأن لا يشيّ القمر بخطاهم أو يفضح تسللهم أمام عسس الروابي المتربصيّن والرابضيّن على سفح جبل كردمند مع فوهات بنادقهم المتحفزة لإقتناص أيّ شبح يترآى لهم في عتمة الليل.
وكأن القمر في تلك الليلة أستحال من عاشقٍ الى واش ٍ وكانت الليلة الوحيدة التي عاتب فيها الرحّال القمر راجياً إياه أن يأخذ قيلولة نوم كي يعبروا ثم حلفه بنزيف العشق وليالي السمر التي كانوا يقضوها مع الخلان ومع رقصات الهيوة وخشابة زنوج البصرة المرحيّن وغناء الصيادين بقواربهم التي تتراقص على ضوء القمر فوق ضفاف شط العرب: لا تخذّلني أيها القمر كن صديقي كما عهدتك وساعدنا حتى نعبر الى الجهة الاخرى!!
كان الرفاق الثلاثة مختبئين وراء صخرة كبيرة، ثم أشار حمه الى رفاقه أن يزحفوا ويتبعاه حتى أبتعدا عن رابية الجنود ثم نهضا يركضان ويتعقبان عراب الرحلة وهما يلهثان من شدة الاعياء والخوف.
سار الاصدقاء وهم يتأبطون ذراع ليلة كانون الاول المتشح بمعطفه الثلجي بين طرقات تغفو في فضاء التوجس حتى أرشدهم الرفيق بعد الرحلة المضنية الى المهرب بختيار، الذي كان ينتظر قدومهم قرب كوخ في أطراف مدينة دهوك وكان يمتطي بغلاً محملاً بسلع مهربة خفيفة من تبغ وعلب الكبريت وهو يجر أيضا معه بغليّن كانا يحملان أكياس الجنفاص المعبأة بالبضاعة المهربة وكان بختيار يرتزق من مهنة تهريب البضاعة وتهريب الأشخاص عبر الحدود أيضاً.
ثم قدم كاكه حمه ضيوفه الى المهرب والذي كانت تبدو على ملامح وجهه الجبلي القساوة والدهاء.
أوصى كاكه حمه المهرب أن يهتم بالصديقين وأن يوصلهما الى آخر نقطة أمان يستطيعان بعدها الوصول الى أقرب قرية تركية، فطمنه المهرب وهو يشير أيضا بوجود زوادة الطعام التي سترافقهم بالرحلة ثم أعطى بختيار ملابس كردية تقليدية الى الرحّال والسالمي كي يرتدوها في تلك الرحلة حتى لا يثار الشك أو التساؤل لدى مرورهم على قرى كردية.
ودع الرحّال والسالمي والمهرب أيضاً كاكه حمه.
رجع كاكه حمه مسرعاً سالكاً الطرقات الوعرة ثم تلاشى في الضباب بعد أن إبتلعته الشعاب الجبلية.
أمتطوا الثلاثة بغالهم المحملة بالبضاعة وقطعوا الممرات شمالاً نحو زاخو بتوجس وحذر.
إقترح بختيار على الضيفين أن يقضيا هذه الليلة في داره التي تقع على سفح جبل في قرية هادئة وآمنة تابعة الى قبيلة "ميزوري" في أطراف مدينة "زاخو".
رحب بختيار بضيفيه وأشار لهم بالغرفة التي سيقضون بها الليلة بعد أن قدم لهم الطعام والسكائر والاغطية الكافية.
أفرغ بختيار حمولة البغال في مخزن قرب أسطبل البغال بعد أن أزاح الحمولات وبرادع البغال وفتح وثاقها ودفع بالبغال داخل الاسطبل.
أثناء إستلقاء الرحّال فوق سريره في الغرفة أزاح ستارة النافذة التي كانت تطل على مرآى القمر الذي كان يغفوا ما بين أشجار الحور والبلوط المتوجة قممها بالثلوج.
فأعاد قمر الشمال الشتائي ذاكرة الرحّال الى قمر مدينته في أقاصي الجنوب ذلك القمر البعيد الذي كان يخشع الى أدعية أمه في المساءات الوديعة حينما كان يحط كل ليلة مثل طائر أغوته بيتونة الدار العتيقة وهو يصدح بالغناء في أمسيات السمر الصيفية الى الخلان المحتفين بقداسه وبضوئه، وهم يستمتعون بإلتهام الرقي والبطيخ وشرب الماء البارد من آنية الفخار المركونة في زاوية السطح فوق مربعات الفرشي الاصفر المفخور والمرصوف فوق سطح الدار، بينما القمر يبقى مستلقياً طوال الليل فوق البيتونة حتى يستيقظ ديك الجيران في بواكير الصباح ويطرده فيتسلل القمر بوجلٍ من البيتونة الى سرير نومه.
رغم سكينة الليل وتعب الرحلة إلاّ أن الرحّال والسالمي كان نومهم متقطع يشوبه القلق والتفكير بما ستؤول اليه توقعات الرحلة القادمة.
في الصباح الباكر جاء بختيار حاملاً صينية الفطور المليئة بالخبز والقشطة وجبن الاكراد الشهيّ وقوري الشاي مع إناء كرستالي يحتوي على مكعبات السكر.
وبعد تناولهم الفطور أخبرهم صاحب الدار: إنهم سينطلقون في الغروب نحو الحدود التركية.
ثم أمرهم بالمكوث في الدار وعدم مغادرته أبداً وكذلك عدم فتح باب الدار حتى لو سمعا أيّ شخص يطرق أو يصيح من وراء الدار.
ترك بختار ضيفيه وذهب مع بغاله كي يوزع بضاعته الى زبائنه في القرى الصغيرة الواقعة على سفح الجبل.
بينما الرحال والسالمي بقيا يتحاوران حول خطة هروبهم وتجاوز الحدود العراقية نحو القرى التركية وكيف يلتقون بمزوريّ الجوازات في مدينة "إسطنبول "فيما بعد.
أما السالمي فكانت فكرته مختلفة عن فكرة صديقه فهو يفضل أن يقصدوا في البدء طلب الحماية من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئيّن وبعدها يتم طلب اللجوء الى احدى الدول الغربية.
جاء بختيار قبل الغروب بينما الضيفيّن كانا بانتظاره وهما مستعدان لإكمال الرحلة.
إمتطى الرجال الثلاثة بغالهم وهي تحمل بعض الامتعة التي يحتاجونها في الرحلة إضافة لبضاعة المهرب المتبقية داخل أكياس الجنفاص والمتدلية من ظهور البغال.
بدأت درجات الحرارة في المساء بالانخفاض أكثر فشعروا بقساوة البرد فأرتدوا الملابس الشتوية الثقيلة.
ثم برحوا القرية عبر طرقات وعرة كان بختيار يعرفها جيداً وبدأت الغيوم تغطي السماء بينما الليل بات أكثر عتمة ولكن بمهارة وخبرة بختيار كانت البغال تتبع عرابها الجبلي وأحيانا كان يستعين بكشاف ضوئي يوجهه فوق الحفر أو الاخاديد الصخرية كي يحذر الرفيقين وهما فوق ظهور البغال ليجنبهما خطورة المنزلقات والحفر.
بعد رحلة تخللتها أصوات أطلاقات نارية وأنفجارات بعيدة تومض ببريقها في السماء وبعد برهة من السكينة الحذرة يتلوه أنفجار آخر يرعد في الفضاء.
كانت البغال تسير بثبات وبتؤدة فوق الطرقات الجبلية القاسية وكان الرحال يشعر بتعاطف وحميمية معها :مسكينة تلك البغال التي تشاطرنا خوفنا وقلقنا وأرهاقنا من الرحلة لقد كانت صبورة وهادئة وهي تقطع الطرق الوعرة بحوافرها المتمرسة فوق صخور الجبال دون تذمر.
تلك الكائنات الهجينة التي تولد ما بين تناسل الحمار مع الفرس فيولد البغل أما إذا تناسل الحصان مع "الأتان" أنثى الحمار فيولد النغل.
البغال حيوانات عاقرة وقوية جداً تحمل معها الاضداد فهي عنيدة حين تشعر بالاذى تحرن وتحتج ضد السير وترفس بأطرافها الخلفية حتى ضد سائسها حين يضربها ويوغل في اهانتها أو حين يدفعها بقوة من ردفيها ويجبرها على السير.
وأيضا تكون البغال وديعة ومطيعة أذا عاملها سائسها برفق.
لكن تلك الكائنات الخدومة والمطيعة من المؤسف أن يحتقرها البشر ويعذبها رغم إنها رافقته وخدمته في كل العصور وكم من حضارات ساعدت بتشييدها على ظهورها وأيضاً كم من عوائل فقيرة كانت تعيلها بكدحها وعملها الدؤوب.
وكم ساعدت أيضاً تلك البغال النبيلة حين كانت تحمل جرحى الحروب في الجبال والتلال بعد إستحالة وصول سيارات الاسعاف الى ميادين المعارك.
لقد كانت البغال التعيسة والمعذبة حين تصل الى حالة من الشقاء لا تقدر على تحمل قساوة العمل المضنيّ والاهانة فتغضب حينها لكرامتها وتتمرد وتلقي بحمولتها فوق الضخور ثم ترمي بنفسها من قمة الجبل الى قاع الوادي لتعلن إنتحارها كي تضع نهاية للذّل والعذاب.
بعد رحلة طويلة من الانحدار والصعود أشار المهرب نحو أضوية ناعسة وبعيدة على مقربة بضعة كيلو مترات من قرية تركية والتي يفترض أن يحطوا بها الرِحال، لكن صوت أنفجارات عنيفة تخللتها تبادل أطلاق نار شديد أضاء المنطقة فأحالت دون إكمال الرحلة، فأمرهم المهرب أن يترجلوا من ظهور البغال وينبطحوا وراء الضخرة فوراً فكانت هي الملاذ الوحيد في تلك المحاصرة الخطيرة .
اللعنة يبدو أنه هجوم مباغت شنته قوات حزب العمال الكردستاني ضد قطعات الجيش التركي قرب الحدود المتاخمة للحدود العراقية وكذلك بعد دقائق في الجهة المقابلة أيضا حصل تعرض وتراشق باطلاق النار ما بين الانصار وقوات البيشمركة ضد رابية عسكرية عراقية.
"يتبع"



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكابدات الرحّال الرحلة الشاقة الجزء الثالث
- مكابدات الرحّال
- مكابدات الرحال
- حقائب مهجورة في قطار قديم
- بائع الثلج
- حكايات عجلات الزمن والعربات
- عودة البطاريق للجزيرة
- غواية القمر المحتال
- السلوك المتناقض في العقل البشري
- أرصفة الرسام وخيالات العاشق
- حوار مع ماركو
- المهرج والشاعر
- تأملات في آثار بابل
- وحشة المدن المهجورة
- تقاسيم الظّل
- مفارقات ما بين النبل والانحطاط
- هلع الوباء والموت
- موروث الشجن السومري
- آش ماخ كوديا
- وحشة الظّل


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحّال القمر ورحلة البغّال الجزء الرابع