|
التغيير
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6577 - 2020 / 5 / 29 - 13:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ان التغيير كلمة جميلة عشاقها في تزايد ، وهي التي تعطي تمايزا واختلافا بين الاحرار والشرفاء ، المرتبطين بالشأن العام من خلال ارتباطهم بهموم الشعب ، وهموم البلد ، كما تجعل من دعاة التغيير يتبوّؤون المكانة الرفيعة كطليعة ، ولو انها غير منظمة ، لأنها تعتمد على الوعي ، وصقل الفكرة ، وتغيير نمط العيش الضّنك ، والقهرة لزرع بذرة الامل ، وأكسجين المستقبل ، لأصحاب الضمائر الحية ، وضد مُفقري الشعب الذي نُهبت ثروته ، وسُرق ماله ، وهُرّب دولاره الى خارج المغرب ، وتركوه لحاله يواجه المستقبل المظلم .. فكلمة التغيير ليست وليدة اليوم ، او هي وليدة جيلين والنصف جيل ، منذ الخمسينات من القرن الماضي ، بل ان للكلمة اصل ضارب في جذور التاريخ ، ويحفزنا هنا التذكير بالمطالب السياسية للمثقفين المغاربة ، في اول دستور مكتوب ، وعرض على السلطان الذي رفضه ، هو دستور 1908 الذي كانت كل فصوله تنحو لبناء نظام الملكية البرلمانية ، على غرار الدول الاوربية ، ووضع حد ونهاية مع النظام السلطاني الغارق في الطقوس الرجعية .. وهنا فان الفترة الحرجة التي قدم فيها مشروع دستور 1908 للسلطان ، هي نفس الفترة التي قدم فيها المثقفون اليابانيون دستورهم الى الامبراطور ، الذي قبله عن طيب خاطر ، وبصدر رحب ، ولننظر بعد طول هذه المدة مائة وعشرين سنة ،اين وصلت اليابان ، وأين وصل المغرب الذي لا يزال يُحكَم بدستورين ، دستور الملك الممنوح ، ودستور عقد البيعة الذي يجعل من الأمير / الخليفة في نفس الوضع الذي كان عليه الامبراطور الياباني ، قبل قبوله مشروع دستور النخبة المثقفة ، فلا قياس مع وجود الفارق المُهول ، لان في المقارنة إساءة الى الديمقراطية اليابانية كديمقراطية لائكية خالصة . عندما يردد المثقفون والسياسيون كلمة تغيير ، فقد يكون المقصود الدعوة الى الإصلاح ، أي اصلاح النظام السياسي من الاعطاب التي تعرقل نموه الديمقراطي ، وقد يكون المقصود أبعدا من ذلك ، أي الدعوة الى تغيير النظام ، وقد تكون دعوة الى تغيير الدولة .. عندما يتكلم ويدعوا المثقفون الى التغيير ، فهذا معناه ان هناك شيء غير عادي يجب تغييره ، وقد يعني وجود وضع لم يعد مقبولا اطلاقا ، لأنه ضد الطبيعة الكونية الحديثة ، وقد يعني وجود حالة استثنائية غير طبيعية تعرقل أي تطور نحو الإصلاح ، او نحو الديمقراطية ..... لخ . فلتجاوز هذا الوضع الشاد والغير مقبول اطلاقا ، يرفع المثقفون دعوة التغيير ، لكي يلائم النظام السياسي قوانين المرحلة ، او يرفعون دعوة ارحل في وجه النظام ، اذا كان غير طبيعيا ، كأن يكون ينتمي بجسده الى العصر الحالي شكلا ، في حين انه ينتمي مضمونا الى العصور الخوالي ، بممارساته الغارقة في الماضوية ، والتقليدانية ، والقروسطوية ، وغارق في الافتراس الحيواني البهيمي لثروة الشعب .. فالدعوة الى التغيير لا تُعد جريمة ، بقدر ما يعتبر جريمة ، هو الحيلولة دون قبول التغيير ، او الوقوف ضده .. وبالرجوع الى تاريخ ابرام معاهدة إيكس ليبان الخيانية ، التي ادانها قادة الحركة الثورية المغربية ، بزعامة الفقيه محمد البصري ، والمهدي بن بركة ، لان تلك المعاهدة شارك في إخراجها عملاء كانوا ضمن تركة الاستعمار ، سنجد انه كان لكلمة التغيير مدلولات شتى ، وتختلف باختلاف النخب التي كانت تشتغل في السياسة ، والشأن العام ، وهي دعوات اتخذت لها اتجاهين : 1 ) اتجاه ربط اية عملية للتغيير بالعنف ، ويستوي هنا العنف المسلح او العنف الثوري . 2 ) اتجاه آخر ربط التغيير بالكثرة من تقديم المطالب السياسية . وسواء دعاة العنف الثوري المسلح الذي سيتجسد في حركة 16 مايو 1963 ، او سيتجسد في حركة 3 مارس 1973 ، او دعاة العنف الثوري الذي مثلته قوى اليسار الجديد ، فان كلا العنفين فشل في النجاح من السيطرة على الحكم ، فلا العنف الأول نجح في إقامة الجمهورية البرلمانية على الطريقة العربية ، ولا العنف الثاني نجح في إقامة نظام الطبقة الثورية ،أي نظام البرجوازية الصغيرة ، وكانت نتيجة الفشل جد مأساوية ، وانتهت بتبني مناضلي الاتجاهين ، مطالب التغيير السلمي ، لتغيير النظام من الداخل ، لا تغييره من الخارج .. سيمثل هذا الاتجاه او الجماعة ، نتائج المؤتمر الاستثنائي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في يناير 1975 ، الذي صفى الحساب مع جناح المقاومة ، حين دعا الى القطع مع التجارب المغامراتية الفوقية ، كما سيمثله انضمام اليساريين ، وبأعداد كبيرة الى مؤسسات الدولة المختلفة ، وقد ساهم في هذا التحول الذي كانت منتظرا ، تفكك ، وتحلل الاتحاد السوفياتي السابق ، وسقوط جدار برلين ، وسقوط أنظمة البرجوازية الصغيرة بأوربة الشرقية .. ومن خلال ضبط الحصيلة ، سنجد انّ مَنْ كان ينوي اصلاح النظام من الداخل ، هو من اصلحه النظام من الداخل ، وليس العكس .. ويكفي الوضع المأساوي اللّهمّ لا شماتة الذي اضحى عليه الاتحاد الاشتراكي / حزب التقدم والاشتراكية / أحزاب فدرالية اليسار ، الذين ارتموا وبدون مقدمات في حضن الدولة الحنونة .. اذن ، من خلال كل دعوات التغيير التي رُددت منذ الستينات والى اليوم ، هناك من كان يركز مطالب التغيير في شخص الملك ، اعتقادا منهم ان تغيير الشخص ، كافي لتغيير شكل النظام ضمن نفس الدولة ، وهنا اذكر بمحاولة الجنرال احمد الدليمي ، وبالمحاولات المتكررة والفاشلة التي كانت تستهدف اغتيال الحسن الثاني ، وهناك من كان يعتقد ان اجتناب تغيير الملك بملك ، والاكتفاء بتغيير شكل النظام ، قد يمكن من الإصلاحات السياسية المتوقفة ، وهنا نذكر بمواقف الأحزاب التي تشكلت منذ ستينات القرن الماضي ، في حين ان البعض كان يرى ان تغيير النظام ، سيغير الدولة من ملكية مطلقة ، الى جمهورية ، ويستوي هنا الانقلابيون العسكريون لسنة 1971 و 1972 ، اللذان كان سيؤسسان لجمهورية بربرية ، ويستوي كذلك دعاة الجمهورية البرلمانية على الطريقة العربية ، ودعاة الجمهورية الطبقية الثورية .. وبين الامس واليوم ، لا تزال نفس المطالب ترفع هنا وهناك ، وإنْ كان الذي تغير هو التركيز على النّت ، و فضائيات التواصل الاجتماعي كتْوِترْ والفيسبوك .... ، وغابت الأيديولوجية ، كما غابت المسألة التنظيمية ، اللتان شغلتا الصراع السياسي طيلة الستينات ، والسبعينات ، وحتى النصف الأول من الثمانينات من القرن الماضي ، وخاصة وانّ وافداً جديدا نزل الى الساحة ، في شكل حركات الإسلام السياسي بمختلف اتجاهاتها ، سواء التي تتبنى الدعوة ، والتوعية ، والترشيد ، او تتبنى العنف الإرهاب بمختلف اشكاله المُقزّزة والقاسية .. إذن السؤال الذي يطرح دعاة التغيير من اين نبدأ ؟ هل الأولوية والاسبقية هي تغيير شخص الملك ، كما ترى العديد من الجماعات الصُّغيِّرة ، وكما يرى بعض منْ انتسب للمعارضة الفردية ، والشخصية ، وغير المنظمة ، لأنه حسب نظرهم ، انّ تغيير شخص الملك ، هو اعلان بنهاية المشاكل المتراكمة ، معتقدين انّ الملك كشخص ، هو رمز المشكال التي ستزول بزواله ، وهم هنا ونظرا لقلة التجربة ، او فقدانها بالكامل ، لم يحددوا ولا طرحوا ، من هو الملك الجديد الذي سيخلف الملك الحالي في الحكم ، وكيف سيتم اختيار هذا الملك ، هل ابنه الحسن ، او اخوه رشيد ، او أحدا من الاسرة التي تتوفر فيهم صفة امير ، وكيف سيتم تعيينه ، هل سيعينه مجلس الإمارة والإمامة ، هل سيعينه البرلمان الذي يمثل ( الشعب ) ، هل سيعينه الجيش ، هل سيعينه اهل الحل والعقد الدّاعون الى البيعة ، امْ من ؟ .... وهل ستكون ملكية الملك الجديد ، ملكية مطلقة ، ام ملكية برلمانية ذات خصوصية مغربية ، تركز للملكية المطلقة السائدة ، او ملكية برلمانية اوربية ، ام جمهورية ؟ ..... فلا تحديد ولا تفصيل في القادم ، لان الواقفين وراء هكذا دعوات ، يجهلون ان بخرجاتهم الغير مضبوطة ، ودعواتهم الطائشة ، سيساهمون في الفتنة الكبرى التي كتب عنها طه حسين ... امْ انّ البدئ يجب ان يكون من النظام الذي يحتضن الملك ، لأنه هو اصل المشاكل التي يعاني منها المغرب اليوم ... وبالنسبة لهؤلاء كيف سيتم اصلاح النظام بالنسبة للبعض ، واسقاطه بالنسبة للبعض الآخر ؟ هل سيتم التغيير بهذه الأحزاب الصدفيات الميّتة ، امْ بالمثقفين، ام بممارسي الشأن العام ؟ .... وكيف يتم التغيير ، لانّ المسألة ليست بهذه الباسطة كما يعتقد البعض جهلا ... ثم من هي الطبقات التي ستشارك في التغيير، وتدفع به الى تحقيق النصر ؟ هل الرعية التي تتباكى عن ثمن الدعم الذي لا يتعدى 800 درهما ، وهم الاغلبية الساحقة التي لم تتوصل به ؟ هل أصحاب القفة التي لا يتعدى ثمنها 150 درهما ؟ هل الرعية التي حين تنزل عليها عصا البوليس الفاشي ، والجهاز السلطوي القروسطوي ، تصيح بأعلى حنجرتها ، وترفع شعارها الخالد الذي لن يتغير رغم تغير المراحل والازمان " عاش اسيدنا / عاش اسيدنا / الله ينقص من عمرنا ويزيد في عمرك اسدينا " ؟ . اما بالنسبة للأشخاص الذين يراهنون على الجيش ، سواء في تغيير شخص الملك كما حاول الجنرال احمد الدليمي ، عندما أراد فرض وصاية على الأمير محمد السادس كمرحلة أولى ، في طور الاعداد للمرحلة الثانية ، بعد تصفية وجود النظام المغربي في الصحراء ، وكل شيء كان يتم بالتنسيق مع جنرالات الجيش الجزائري ، او يراهنون على الجيش لتغيير النظام ، وتغيير شكل الدولة ، كما حدث في الانقلابين العسكريين في سنة 1971 و 1972 ، وهنا هل لا زال أمثال هؤلاء ، يعتقدون بحتمية الجيش في التغيير ، ولو نجح في اكتساب صفة مشروعية تاريخية شعبية ، لضمان نجاح الانقلاب ، كما حصل مع الجنرال احمد الدليمي والفقيه محمد البصري ، او مع الجنرال افقير والفقيه البصري كذلك ، أي التزاوج بين الانقلاب ، وبين حركة المقاومة ، وجيش التحرير ، وهو الشيء الذي رفضه الفقيه ، عندما لم يستجب لدعوة الجنرال لعقد لقاء في الموضوع بباريس ... ثم هل ما يزال هناك من يعتقد ، انّ بالجيش ضباطا أمثال الاخوين محدد عبابو ، الكلونيل العربي الشلواطي ، الجنرال بوگرين ، الجنرال حمو ، الجنرال الغرباوي ، الكلونيل الفنيري ، الكومندار المازوني .... في حين ان جنرالات الجيش اليوم يعيشون في البذخ والنعيم ، وكل شيء متوفر لهم وبالمجان ، وحتى عندما يحالون على التقاعد ... لكن هل يجهل هؤلاء الذين يعوّلون على الجيش ، انّ كل الضباط الكبار ، خاصة من كولونيل ماجور ، وجنرال ، وما فوق الجنرال ، يخضعون لمراقبة لصيقة من قبل عملاء Dgst ، وبطرق متنوعة ، ومختلفة ، سواء كانت مراقبة بالقرب من سكن الضباط ، لضبط كل من يزور الضابط الكبير ، والتنصت على كل مكالماتهم ، ومكالمات عائلاتهم ، بل ان المراقبة وهذه تكون تابعة ل Dged ، وللمكاتب السياسية العسكرية المتنوعة ، وتتجلى بإمكانية وجود من يتجسس على الضابط ، حتى من الخدم الذين يشتغلون عنده ، وهم يكونون من الجيش ... بل الرقابة قد تصل درجاتها الخسيسة ، حين تتم مراجعة أكياس القمامة التي يأخذه الخادم ، الى القمامة الكبرى ، للتأكد من نوع الاكل الذي تناوله الجنرال ، ونوع الويسكي ، او الفودكة ، او الخمر المعتق ، او الجُعة المصنفة La bière ، وربما يُمنّون نفسهم بحظ العثور على ورقة ، او وثيقة قد يرميها الجنرال عن خطأ في كيس القمامة ، بل كيف التعويل على تغيير الجيش للملك او للنظام ، ورقابة وزارة الداخلية وصلت اوجهها القصوى ، التي تشمل مراقبة حتى تلاميذ المدارس العسكرية ، حين يذهبون الى ساحة التدريب على اطلاق النار ، فقبل الذهاب الى التذريب ، يكون الوالي ، والعامل ، ومن خلال قسم الشؤون الداخلية ، قد توصل بتقرير مفصل عن عدد التلاميذ الذين سيتوجهون الى التدريب على اطلاق النار ، والمكان الذي سيتدربون فيه ، وأسماء الضباط المشرفين على التدريب ، ونوع الأسلحة التي سيتدربون عليها ، وعدد الرصاصات التي سيطلقونها ، ونوع السيارات العسكرية التي ستنقلهم الى التدريب ... فعند مرور التلاميذ من الطرق التي صرح الجنرال مدير المدرسة العسكرية انهم سيمرون منها ، يكون هناك مخبرون مبثوثون في الطرقات عند مداخل المدن ، ويكون الدرك الذي يكون على علم بالتدريب ..... وهكذا .. ان مرور فيلق عسكري او ما شابه ذلك ، من مدينة الى مدينة ، يحتاج الى اخبار السلطات المختلفة ، ويحتاج الى الموافقة .... فكيف والجيش مراقب حتى في القمامة التي يرميها خذم الضباط ، ان يعول بعضهم على دوره الأساسي في التغيير ؟ اللهم ان يكون الشخص مُحششاً ، او مصْطولاً ، او مغامراً .... النظام اليوم جد محصن ، والثقوب كلها مقفولة ، والمنافد كلها موصدة .... والمنفذ الوحيد المتبقي ، والذي قد يربك حسابات النظام ، وسيتسبب في تغيير النظام ، وليس فقط تغيير الملك ، هو ان يخسر النظام حرب الصحراء ... هنا يمكن تصور تحرك وحدات من الجيش في تمرد ، او الانقضاض على الحكم للحيلولة دون نجاح حركات الإسلام السياسي في السيطرة على الدولة ، كما يجب توقع خروج الشعب ، والرعية ، والعياشة التي ستشارك الشعب نزوله الى الشارع ، وقد يتطور الامر وبالسرعة القصوى ، نحو نظام لن يركب عليه الاسلامويون ، بتدخل الجيش لقطع الطريق ، وبتأييد من واشنطن ، وباريس ، واسبانية الجارة وكل دول العالم الغربي .. إذن كيف سيكون التغيير، وكيف سيكون الإصلاح ، مع العلم ان النظام المغربي الاميري والامامي ، لا ولن يقبل ، لا التغيير ، ولا الإصلاح ، بل هو نظام ضد الإصلاح فأحرى التغيير الذي سيغير شكل الدولة ... هل يجب الانكباب على الملك ، ام يجب الانكباب على النظام ؟ وقبل استفاضتنا في التحليل ، نشير ان شخصية الملك هي التي تحدد مَنِ الأقوى في الدولة ، هل الملك الذي يشتغل ضمن النظام ، ام النظام الذي يرعى الملك ، وهنا مثلا ففي عهد الحسن الثاني ، ونظرا لشخصيته الكاريزمية ، وثقافته الواسعة ، وشخصيته القوية ، وصلابته ، وتجاربه الكثيرة التي اعطته تمايزا خاصا ، ميزه عن كبار الساسة من الرؤساء والملوك ، حيث كان المغرب حجا يحج اليه كبار الساسة للتشاور ، واخذ المشورة والنصيحة ، كان شخص الملك اقوى من النظام ، لأنه كان هو دينامو ومحور كل القرارات الاستراتيجية المتخذة في الساحة ، بحيث لم تكن ترجع له كلمة . لكن ومع ابنه محمد السادس سيتغير الوضع كليا ، بحيث ان النظام الذي مكّن الملك من الحكم ، ومكّنه من الثروة بدون فرامل وبلهف ، اضحى هو القوة التي يحتمي بها الملك ، وفي نفس الوقت هو قوته او عصاه التي يهش بها كل ما كان في الامر داعيا للهشّ ، لان محمد السادس وبخلاف الحسن الثاني ، لا يمكنه ان يتصرف خارج التقاليد المرعية ، والأعراف التي تجمع ضباط الجيش بالدولة العلوية ، اكثر من علاقتهم باي نظام في تاريخ تعاقب الأنظمة ضمن الدولة العلوية ، لان ثقافة الجيش ومن خلال الضباط الكبار ، هي ثقافة علوية مخزنية تقليدية ، و ثقافة غربية عصرية ، لا علاقة لها اطلاقا بثقافة الشعب المغربي ، الذي للأسف ابناءه هم منْ يُكوّنون قاعدة الجيش الذي يستعمل في قمع الشعب والفتك به ، كما حصل في عدة محطات بدءً ب 23 مارس 1965 ، 9 يونيو 1981 ، يناير 1984 و فاس 1991 ... لخ اذن هل المشكل هو في شخص الملك ، ام انه مشكل في النظام الذي يرعى الملك ؟ اذن قبل الاستفاضة في المعالجة الثقافية السياسية لأصل المشكل ، نشير الى وجود اختلاف واضح بين من يركز على فقط على شخص الملك ، وبين من يركز على انتقاد ومعارضة النظام ، ولا يركز على انتقاد ومعارضة الشخص ، لأن هذا هو انتاج ذاك . اذن اين المشكل ؟ وايهما اصوب في معانقة الشأن العام ، واعطاءه المدلول الحقيقي الذي يشغله في الساحة ، هل جماعة انتقاد شخص الملك ، ام جماعة انتقاد نظام الملك ؟ وهل المشكل في الملك ام في النظام الذي يجب ان يكون نظاما ديمقراطيا حقيقيا ، وتحت اية مظلة كانت ....لانّ المهم والاساس ، هو الديمقراطية المفقودة طولا وعرضا . ان كل من يختزل اصل المشاكل في شخص الملك ، يكون بمن يبخس الصراع حقه ، ويكون بعمله هذا ، مجانبا للصواب ولعيْن العقل ، لأنه لا يجب اختزال مشكل دولة في شخص الملك ، دون نظامه كنظام كمبرادوري / اليغارشي / اقطاعي / فيودالي / بتريركي / ثيوقراطي / اثوقراطي / بتريمونالي / تقليداني / ماضوي / قروسطوي / / استبدادي / دكتاتوري .... الخ ، فالتركيز على النظام ، وليس على شخص الملك ، يجعل أي محلل سياسي او معارض ، يلامس اصل المشكل ، وليس فقط حواشيه .. من السهولة بمكان تبخيس العمل السياسي بالتركيز على شخص الملك ، لكن من الصعب الانكباب على تحليل اصل المشكل الذي هو نظام المخزن الفريد لوحده في العالم .. اذا رجعنا الى كل الثورات ، والانتفاضات ، والهبّات ، والحِراكات التي وقعت عبر التاريخ البعيد او القريب ، سنجد ان كل من ركز على شخص الحاكم محملا إياه ، ولوحده أسباب كل المشاكل ، يكون بمن صنع انتفاضة ، او ثورة نجحت في قتل شخص الحاكم الشخص ، لكنها لم تصنع ثورة ، ولا هبّة ، ولا حراكا ، ولا انتفاضة ، لان النظام الذي انتج الشخص لا يزال قائما ، واكيد ولضمان استمراره ، سيبحث عن شخص اخر من نفس الطينة او اقل ، او له نفس الاوصاف لاستمرار نفس النظام ، ضمن استمرار نفس الدولة ، أي استمرار نفس الطبقات ، ونفس المصالح ، واستمرار نفس الفقراء المُفقرين ، ونفس الدراويش والمتسولين . انّ نجاح الهبّة ، او الحراك ، او الثورة في ابعاد شخص الحاكم ، وإنْ في العديد من الحالات يكون سهلا ، فهو لا يعني بالضرورة إبعاد وذهاب النظام . يمكن لشخص الحاكم ان يذهب ، لكن النظام الذي هو اصل المشكل سيستمر ، امّا ذهاب النظام ، فهو يعني ذهاب قيم ، ومنظومات ، وعادات أركاييكية تقليدية ، مرفوضة في الأزمنة الحديثة التي نعيشها ، لأنها تنتمي الى العصور الحجرية ، و القرون الوسطى . اذن في هذا الباب يجب التفريق بين ذهاب الحاكم الذي هو رأس النظام ، وهو هنا ، وحسب تكوينه المدرسي ، أو الثقافي ، أوالتجريبي ، قد يكون ألعوبة بيد النظام ، وبيد المحيطين به الذين يمطرونه الكذب ، وغير الكذب ، وخاصة إذا كان مستواه ضعيفا ، او على قد الحال ، او كان دون المستوى ، او كان موجوداً فقط كجسد وغير موجود كفكر ومشروع ، حتى يستمروا ينهبون ثروة الشعب ، وكذلك يستمروا في فسادهم وإجرامهم يعمهون ويراكمون ، وبين ذهاب النظام لتعويضه بنظام آخر ، قد يقطع مع الممارسات القروسطوية التي تعيد انتاج العبودية بشكل مقزز واكثر بشاعة ، وبين الدولة التي تعرف تعاقب أنظمة تختلف باختلاف شخص الحاكم ، حيث جرت العادة القول نظام فلان ، ونظام فلان ، وهكذا تتعدد الأنظمة ضمن نفس الدولة .. وحتى نكون اكثر تدقيقا في تحليلنا الثقافي السياسي ، سنسرد نماذج وامثلة حية لهذا الاختلاف ، الذي جعل دولاً رغم ما عرفته من تحولات سياسية ، فإنها لم تتزعزع عن مكانتها التي زادت اكثر تعقيدا ، بسبب عدم الانكباب على الجوهر ، والتمسك فقط بالقشور ، أي ان القوى التي استصغرت ردود الفعل المضادة ، او ما يسمى بالثورة المضادة ، تكون قد اخلفت موعدها مع التاريخ ، وتكون قد ضيعت الفرصة التي كانت مواتية للانخراط الصحيح في المجرى الحقيقي التاريخ .. فعندما قامت الهبّات العربية التي سُميت زورا بالربيع العربي ، اختلفت التحليلات في تصنيفها ، بين من اعتبرها ثورة كاملة ، وبين من اعتبرها مجرد غضب جماهيري عابر، بسبب انها غير مؤطرة تنظيميا ، وبسبب غياب الأيديولوجية عن الحملة الشعبية العفوية ، لكن هناك من اعتبرها حركة من الحركات المٌجْهَضة في التاريخ العربي الرديء ، أي لم يكن له مفعول يذكر . في نظرنا لا يمكن اعتبار ما حصل بالبلاد العربية ، لا ( بالربيع العربي ) ، ولا ( بالثورة ) ، ولا ( بالانتفاضة ) و لا حتى ( بالحراك ) . لكن من خلال النتائج المُحصلة ، ونوع المشهد السياسي المركب والأكثر من معقد ، يبقى انّ كل ما حصل ، قد نعتبره مجرد هبّة من الهبات العشوائية ، التي لم تزحزح معاول الأنظمة التي ظلت واقفة ، فأحرى ان تزحزح اعمدتها الصلبة في القمع . ان كل ما حصل ، كان بفعل انعدام التحليل ، وكان بفعل التسرع الذي اعطى لأصحابه ، صورة مغشوشة لا تعكس الحاصل في الساحة ، خاصة في نوع العلاقات بين القوى الشبابية التي رفعت شعارات متضاربة ، وغير موحدة ، ولا متوازنة ، تجيب عن سؤال المرحلة الذي هو الحكم ، وبين الجماهير الشعبية التي ظلت خارجة عن الصراع الذي كان يدور بالساحة ، واكثريتها كانت متفرجة . لقد اختزل الشباب الذي انزوى اليوم الى الهامش ، وانقلب الى دور المتفرج وليس الفاعل ، المشكل في شخص الحاكم المستبد الطاغية ، لكنه عندما نجح في ابعاد شخص الحاكم ، ظل يجهل ان الفاعل الرئيسي في ابعاد الحاكم ، هو منظومة النظام المتسلط ، وليس الشباب الذي ظل يجتر شعارات الثورة التي لم تكن ابدا ثورة . هكذا نصبوا للشباب مقلبا ، بتمويهه بنجاحه في اسقاط شخص الحاكم ، وليس النظام الذي خلق الشخص ، وضحى بالشخص في آن ، لضمان استمراره ، وظل فاعلا متحكما ، بل ظل هوهو نفس النظام المستبد والطاغي ، وكأن ما حصل لم يكن الاّ بغرض التنفيس لقلب الصورة شكليا ، وامتصاص الغضب فعليا . فكان انّ الوضع عوض ان ينفرج ، زادا اكثر تعقيدا ، وان الحرية التي نادوا بها في الحراك ، اختفت بدعوى الحفاظ على الدولة وليس على النظام ... هكذا ولامتصاص الغضب ، وتحريف الحراك عن وجهته الصحيحة ، تمت التضحية بشخص الحاكم ، في حين انّ النظام الذي انتج حسني مبارك ، وانتج عمر البشير ، وزين العابدين بنعلي ، وعلي صالح ، وانتج منظومة من القيم اطرت عمل الرئيس ، لا تزال تفعل فعلتها ، بل ان هذه الفاعلية زادت بأشكال اكثر عنفا ، وقسوة ، وارهابا ... فما الفرق بين حسني مبارك وبين السيسي ، وبين عمر البشير ومجلس السيادة الحاكم برئاسة البرهان ، وحميداتو ... اذن هل يمكن اعتبار ما حصل في مصر ، واليمن ، وتونس ، وسورية ، وليبيا ... ثورة ؟ وهل ( تعديل ) اللاّتعديل لدستور النظام المغربي الممنوح في سنة 2011 ، ووصول حزب العدالة والتنمية الى الحكومة بحصاده 107 مقعدا من المقاعد البرلمانية ، يعد ثورة مسبوقة عن مختلف التجارب التي عرفتها الدول التي عرفت حراكا ؟ شيء مضحك .. وهل ( تعديل ) الدستور في سنة 2011 ، يعتبر بحق ثورة دستورية كما طبّل وصفق المتآمرون ، والخونة ، والانتهازيون ، والمُتكالبون على الشعب المغربي ... وهل فعلا ان حراك حركة عشرين فبراير ، أسس للدولة الديمقراطية التي تنتصر الى العدل والى القانون ، واسس لدولة الشعب ، لا دولة الحاكم الوحيد الأوحد الما/فوق كل الدولة ، وليس فقط الما/فوق النظام .. سيما وانّ الافتراس لثروات الشعب زادت بشكل كبير، وتهريب الدولار وثروة الشعب الى خارج المغرب تضاعفت بشكل مريب ، كما ان القمع زاد اكثر من حده ، فتم تلجيم الاحرار والشرفاء ، وليّ لسان فاضحي الفساد ، وتجفيف مداد أقلام المثقفين المعارضين لكل مظاهر الاستبداد ، والطغيان ، والدكتاتورية ، التي يتميز بها النظام المغربي كنظام فيودالي / بتريركي / بتريمونيالي / كمبرادوري / اوليغارشي / اثوقراطي / ثيوقراطي / استبدادي / طاغي / ناهب / مفترس / مُفقّر / وقروسطوي .. كما تم ارسال المعارضين الحقيقيين للسجون بمحضار بوليسية مزورة ، ومطبوخة للتخلص من ازعاجهم ، ولو انه ازعاج يتم بالطرق الديمقراطية والسلمية ، ولا يتم بالعنف او الإرهاب الذي يمارسه الجهاز البوليسي الفاشي ، و الجهاز السلطوي المريض في حق المواطنين المغاربة .. إذن من يشكل الخطر الأشد والاعظم ، هل شخص الحاكم الذي يتحكم فيه النظام ، ام ان الأخطر هو النظام الذي يتحكم في الحاكم ، ويتحكم في الشعب ، وفي الدولة ؟ وهنا واذا عدنا لتقييم الوضع في مصر مثلا بعد الهبّة الشبابية ، وليس الثورة ما دام النظام المستبد لا يزال مسيطرا ، سنجد ان النظام الذي انتج حسني مبارك ، هو الذي استمر يلعب لعبته المُشيْطنة بعد ذاهب شخص الرئيس مبارك ، مع الرئيس الجديد العياط محمد مرسي ، الذي استغل بدوره هبّة الشباب ليركب عليها ، ويسرق الحكم ، رغم ان الاخوان كانوا يتلكؤون ، وكانوا يترددون في المشاركة في الهبّة لتشكيكهم في نجاحها ، ولم يفعلوا الاّ عندما تيقنوا ان مبارك ذاهب ، وان هناك شيء يختمر على مستوى رئاسة الجمهورية ، فآمنوا ايمان العجائز بحتمية وصولهم الى الحكم .. فهل نجح مرسي والاخوان فيما تخيلوه معجزة او حلموا به في المنام ، ام ان الوضع الذي يتحكم فيه النظام ، فاجأهم من حيث لا يحتسبون ، وكان اكبراً منهم، ومن احلامهم بأخْونْجة الدولة ؟ ان تجربة الاخوان برئاسة مرسي جاءت الى الحكومة ، ولم تأتي الى الحكم الذي ظل متحكما فيه من قبل النظام ، انّ حكومة مرسي ظلت تمارس ضمن الحدود المرسومة بدقة من قبل الجيش ، ورغم الشعارات التي لوح بها الاخوان ، فانهم تغافلوا ، وتناسوا ، وربما عن جهل ، او عن ثقة مفرطة في النفس ، انهم كانوا متحكما فيهم من قبل النظام ، الذي ظلت منظومته الفلسفية ، وقيمه السلطوية هي السائدة . فكان حين تعفّنت فاكهتم ، وافتضح امرهم ، انّ النظام الذي استوعبهم ليتحكم فيهم ضمن منظومته ، واستعملهم للتنفيس ، وللاستهلاك الخارجي ، وضبط الوضع والنظام بالداخل ، انْ انقلب عليهم عندما أصبحت الفرصة مواتية للانقلاب المؤيد من قبل واشنطن وكل الغرب ، وها هو النظام الوفي لطقوسه برئاسة الجيش ، الذي سمح لمرسي بالظهور بعض الوقت ، يلقي بهذا الأخير في السجن ، وليموت في السجن دون ان يحصل شيئ ، لا من قبل الناخبين الذين صوتوا على مرسي ، او من قبل الشعب الذي ظل على الهامش ، او من قبل جماعة الاخوان التي دخلت السجون .. لكن في نفس الوقت يطلق سراح رجل إسرائيل والصهيونية حسني مبارك ، ويطلق ابناءه ، ويطلق وزير الداخلية العدلي ، وكل وزراء مبارك .. فهل ما حصل في مصر عند الاكتفاء فقط بتغيير شخص الرئيس ، وليس تغيير النظام الذي انتج الرئيس ، كان ثورة او انتفاضة ، ام كان مجرد هبّة وحراكا فشل فشلا ذريعا ، حتى قبل ان يصل الى ربع الطريق ، وليس الى نصفه ، والى نهايته . وهل ما حصل من قبل الجيش والنظام المتحكم في الشأن العام ، هو ثورة مضادة لثورة لم تحصل اطلاقا .. ان ما حصل في مصر ، هو نفسه حصل بتونس ، وحصل بالسودان ، فانتفاضة البوعزيزي نجحت في ابعاد شخص الرئيس زين العابدين بنعلي ، لكنها فشلت في ابعاد النظام الذي انتج الرئيس ، وضحى به وبموافقة الرئيس نفسه ، كي يبقى النظام ، ويتم اجهاض حصول الثورة التي تدك أعمدة الدولة القائمة ، لإنتاج دولة جديدة .. لذا حين جاءت تجربة حركة النهضة الاخوانية ، جاءت ضمن منظومة قيم النظام المحروسة من قبل الجيش ، والمؤسسات التقليدية المحافظة ، والأجهزة الأمنية والقضائية المختلفة ، كما جاءت ضمن منظومة قانونية ظلت تعبر عن فترة الاستبداد والقمع ، ولم تكن تعكس شعارات المرحلة التي رفعها الشباب ، وتبخرت مع مرور الأيام والشهور بسبب التمسك بالقشور ، واغفال المضمون ، أي الحكم والدولة الجديدة .. هكذا ما ان استنفدت المرحلة زخمها ، وطواها الملل والنسيان ، حتى عادت حليمة وبالسرعة القصوى الى ( عادتها ) صورتها القديمة ، وانكشف الوجه الاستبدادي للماسكين بالقرار السياسي والأمني ، وكانت النتيجة عودة رموز النظام ، والمتشبثين بطقوسه الرجعية الاستبدادية ، بسبب مصالحهم المتداخلة مع النظام .. ان نفس الشيء يطبق على تجربة السودان ، فكان فشل الحراك بعد افراغه من مضمونه بسبب طول مدة الحراك ، وبسبب العياء ، والملل الذي أصاب الحراكيين ، ولو كان ما حصل بالسودان حقا ثورة ، هل كان للثوار ان يستمروا يشنون الحرب ضد الشعب اليمني المسالم والفقير ، وهل كان للسودان ان يرتمي وبدون مقدمات في الحضن الإسرائيلي ... شيء لا يمكن لعقل سليم تصوره .. عندما ثارت البرجوازية الفرنسية ضد الاقطاع ، وضد الكنسية ، وضد الملكية ، فهي لم تثر ضد شخص الملك كشخص ، بل ثارت ضد النظام الذي يحتضن ويتلاعب بشخص الملك ، وكان الهدف من الثورة ضد النظام ، ليس إعادة بناء النظام بميكانيزمات جديدة تحافظ على روح واصل النظام ، بل ان الهدف من الثورة كان هو بناء نظام ديمقراطي حقيقي يقطع مع الفيودالية ، ونظام الحاكم /الملك الوحيد ، ومحاكم التفتيش ، والكنيسة . . هكذا نجد ان تلك الثورات قد نجحت في تشريف الشعب باعتباره مصدر كل السلطات ، أي ان الشعب هو الدولة ، والدولة هي الشعب ، والشعب يمارس ديمقراطيته / دكتاتوريته بالاحتكام الى الاستفتاءات ، والى صناديق الانتخابات ، والجميع يعيش تحت ظل شعار الثورة Fraternité égalité solidarité ...بل حتى في عهد الملكية ، كان الملك يسمى بملك الفرنسيين لا بملك فرنسا ، بخلاف ملك المغرب الذي يعتبر نفسه ملكا للمغرب ، وليس ملكا للمغاربة الذين هم في فقه النظام ، مجرد رعايا ، وليسوا بمواطنين ، وهي نفس النظرة للحكم في الصحراء ، حيث لا ينظر النظام الاّ الى ثرواتها من فوسفاط واسماك ، ولا ينظر الى الساكنة التي يعتبرها رعية وليست بمواطنين ... ان نفس الشيء يلاحظ على الثور الروسية التي لم تكن ضد شخص القيصر ، الاحمق ، المريض ، وصديقه راسبتين Raspoutine ، بل ان الثورة الروسية كانت ضد النظام القيصري برمته الذي كان يتجاوز القيصر ، وضد الكنسية ، وضد الاقطاع ، وضد البرجوازية المتنفذة ، وحين نجحت الثورة أسست لنظام الجمهورية الروسية الذي كان مصدر الحكم فيها العمال ، والفلاحين ، والشعب الكادح . فلو اقتصرت الثورة الروسية في ثورتها فقط على تغيير شخص القيصر لكان النظام التي انتج القيصر المريض ، لا يزال يفعل فعلته الى اليوم . ان نفس الملاحظة نلاحظها عن الثورة الإيرانية . فهي لم تكن ضد شخص الامبراطور الشاه المريض ، بل ان الثورة كانت ضد النظام الشاهنشاهي الذي خلق الشاه ، وخلق اسرة الشاه بهلوي ، وخلق راسبتين Raspoutine الذي مَلَك الشاه ، وبدا يتلاعب به كيف شاء واراد .. إذن هل يجب التركيز في الانتقاد السياسي على شخص الشخص ، ام يجب ان يكون تركيز النقد منكبا على اصل النظام الذي هو الحكم ؟ من خلال التجارب التي استعرضناها كالحالة المصرية ، والحالة السودانية ، والتونسية .... التي نجح فيها الحراك في ابعاد شخص الرئيس الشخص ، ولن ينجح في اسقط النظام الذي انتج شخص الرئيس ، واستمر النظام الذي ابعد الشخص ، وبموافقة الشخص من اجل استمرار النظام ، وبمختلف الأعراف ، والطقوس الدكتاتورية ، فانطلى المقلب على الشباب الذين اعتقدوا انهم انجزوا ما فشل في إنجازه آبائهم وأجدادهم ، نكتشف انه من السهولة بمكان اسقاط شخص الشخص بطريقة او باخرى ، لكن اسقاط النظام الذي يتحكم في الحاكم ، يبقى امرا صعبا ، وليس في المتناول ، لان دفوعات النظام واي نظام ، وتحججاه يستند الى تبريرات تربط التغيير واي تغيير بشرط بقاء الدولة المافيزوية الدكتاتورية النهابة والمفترسة ، أي بقاء النفس الطبقة تنهب وتفترس ، وبقاء نفس الفقراء المفقرين ، وفي الحالة المغربية بقاء نفس الرعايا المدروشين والمتسولين ... فالأنظمة وكل الأنظمة مثل الحرباء تتلون حسب اللون الذي يغلف الوضع العام ، اما جوهرها فهو الطغيان ، والاستبداد ، والتحقير ، والإذلال ... وطالما ان الشعب لم ينجح في دك أعمدة الطغيان والاستبداد ، واكتفى فقط بالقشور ، سيستمر نفس النظام وتستمر نفس الطقوس البالية المستعملة في التركيع . ان اسقاط شخص الحاكم ليس ضمانة لبناء النظام الديمقراطي ، والدولة الديمقراطية الحقيقية ، بل ما علمتنا مختلف التجارب البعيدة والقريبة كمصر ، والسودان ، وتونس ، واليمن .... لخ ، ان اسقاط الشخص ، فقط الشخص ، يعني استمرار نفس النظام الذي صنع وضم الشخص ، واستمرار نفس الطقوس والأعراف السلطوية ، والفاشية التي تخنق الشعب ، مقابل ان يزيد الحاكم ثراء في ثراء فاحش ، وان يشمل الثراء اقرباءه واصدقاءه ، وعشيرته .. إذن عوض التركيز على شخص الحاكم الشخص ، الذي هو نقطة ضمن النظام ، يجب التركيز على اصل النظام مصدر كل بلاء وبلية . فيجب ان الهدف من أي تغيير ، هو بناء النظام الديمقراطي ، وليس تغيير شخص الحاكم ، وليستمر النظام الذي انتج الحاكم ، بحاكم آخر سيأتي على نفس المقاص ، وبمكانيزمات تتمسك بالأصول المرعية ، والتقاليد البالية . ان تغيير الشخص الحاكم لا يعني بناء الدولة الديمقراطية ، لكن تغيير النظام يعني بناء النظام الديمقراطي الكوني على انقاض نظام الطغيان والاستبداد ...
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التحضير لقرع طبول الحرب بين النظامين المغربي والجزائري
-
الجمهورية الموريتانية والجمهورية الصحراوية
-
رئيس موريتانية يجري مكالمتين منفصلتين مع نظيره الجزائري والت
...
-
نقل الحرب من التخوم الخارجية الى التخوم الداخلية / هل بدأ ال
...
-
بديل السيدة نبيلة منيب / الحزب الاشتراكي الموحد
-
تفجيرات 16 مايو بالدارالبيضاء ، و 11 مارس بمدريد
-
الحسن الثاني
-
حجج اطراف النزاع حول الصحراء الغربية
-
في ذكرى تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي ال
...
-
هل يصنع الجياع ثورة ؟
-
الجزائر
-
حين يكشف الرئيس الجزائري عن وجهه بدون خجل وبدون حياء
-
توتر العلاقات بين النظام المغربي ، وبين النظامين السعودي و ا
...
-
المثقف / الحزب / السلطة
-
اَلْمَغَرْبي دِيمَ فِينْ مَا مْشَ مَغْبُونْ وْ مَحْگورْ / مَ
...
-
حركة - صحراويون من اجل السلام -
-
الشيخ عبدالكريم مطيع اللاّجئ السياسي ببريطانيا العظمى
-
الديمقراطيات التحتية الشعْبوية خطرٌ على الانظمة الديمقراطية
...
-
مجلس الامن واجتماع الاحاطة حول نزاع الصحراء الغربية
-
الشبيبة المغربية صانعة الحدث في الماضي
المزيد.....
-
بعد أيام من التوتر.. شيوخ السويداء وقادة الفصائل يصدرون بيان
...
-
مصدر لـCNN: تأجيل الجولة الجديدة من المفاوضات النووية بين أم
...
-
إيلون ماسك باق على رأس تسلا: مجلس إدارة الشركة ينفي بحثه عن
...
-
إرجاء المحادثات النووية بين طهران وواشنطن... هل تنعقد الأسبو
...
-
تهديد جديد شديد اللهجة من وزير الدفاع الإسرائيلي للشرع دعما
...
-
هيئة البث الإسرائيلية: مئات الجنود الدروز يستعدون لتقديم مبا
...
-
-كتائب القسام- تعلن تنفيذ عملية مركبة في شارع الطيران بحي تل
...
-
مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن
-
مخاوف عراقية من حرب إيرانية أمريكية
-
ترامب يهدد كل من يشتري نفطا من إيران بفرض عقوبات ثانوية
المزيد.....
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|