حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 1586 - 2006 / 6 / 19 - 07:02
المحور:
الادب والفن
لعبارة"منتصف العمر" رنين خاص ورجع يتكسّر في الأغوار العميقة للنفس. نحن هناك.
ضعف الأنا, تفكك الشخصية, محاولات لترميم ما تبقى, ولكن.
أنظر إلى الستارة من الداخل عشرات, بل مئات وألوف الساعات, لماذا وكيف, لا جواب.
تجاوزت بعض الصعاب, وعرفت لحظات ضعف كبرى
لم تكن حياتي كلها خطأ
أنظر بذهول إلى الغيوم
وأفكّر كثيرا بالمرأة التي أفسدت حياتها
الآن في الظهيرة العمياء
أعيش داخل رواية أو حلم
الفرص المهدورة منارات الطريق
هل هذا كل الوقت؟
أحببت امرأة سمراء
علمتني كيف نعشق ولا نموت
وأحببت امرأة شقراء
علمتني كيف نخون ولانموت
تراني بماذا أختلف عن بقية الأوغاد والغاضبين؟
كان الخوف هويتي وهاويتي, سأردد ما تبقى لي, داخل جحيمي
تارة أبحث عن الرضا والقبول
وأرفس كل ما ألتقيه في طريقي, بلا جدوى بلا غاية
انتهى منتصف العمر, وأشرفت على الساحة الأخيرة
هنا أستريح رغما عني, بالدواء أو بالمداورة, بالقصد
بالقوة والعنف الصريح أهدأ
لتعبث أناي الضعيفة بما تراه
ذلك الوعد وتلك الوديعة
يا إلهي ألا يكفي هذا الجحيم.
بعد قليل أتوجه إلى بيت ياشوط, إلى مجلس عزاء آخر. ألتقي بالغرباء, أصافحهم
ونتبادل عبارات مبهمة, بلا معنى بلا تعاطف.
*
البارحة رأيت غسان مفلح في الحلم. لم نلتقي ولم أسمع باسمه قبل عام.
تصافحنا كصديقين, وكان الباص يتجه إلى مدينة لا أعرفها.
علاقتي بالحلم مشوشة ومضطربة, مع أنني أعيش في الأحلام أكثر من العالم الواقعي.
فرويد ألغى البعد المستقبلي للأحلام, وأعتبر الحلم تحقيق رغبة مخفقة أو مجهضة, بحل رمزي, يتضمن عناصر الشعر الأساسية: التكثيف والترميز والانزياح بلغة بصرية, سابقة على اللغات المختلفة وتشكل بطانتها الأعمق.
أعجبني رأي يونغ بالأحلام, وخصوصا النمطية منها, وتلك التي يسميّها بالأحلام العظيمة, وعشت لسنوات بطمأنينة أحلامي الخاصة, تلك التي تضيء الجوانب المخفية في النفس.
بشكل عقلاني ومنطقي, أتقبل اليوم تفسير العلوم العصبية الحديثة للأحلام, والتي تعتبرها عشوائية وبلا معنى, ووظيفتها تنقية الجملة العصبية من الإشارات والتنبيهات الزائدة.
مع ذلك حلم البارحة, ترك أثره على يومي, وربما حسدي لغسان مفلح, وبالخصوص توقيعه تحت ما يكتبه _اسم مدينة أو مكان في أوربا_ وتحقيقه لما حلمت به طيلة حياتي, العيش في بلاد بعيدة ومفتوحة, ربما البعد الوجداني الواضح في كتابات غسان, حتى في تناوله لموضوعات سياسية جافة, وفي مركزها القضايا السورية الكفيلة كما أظن بتلف أي جملة عصبية وتدمير عقل صاحبها, ربما رفض غسان لأسطورة البطولة السورية. مهما تكن الأسباب, اشعر بالود الصافي تجاه شخص غسان مفلح, بما توحيه كتاباته عموما.
*
آلام الظهر, الضغط والقلق المتزايد على تدبير شؤون حياتي اليومية, مجيء الأصدقاء من حلب ودمشق برفقة خلف وبرهوم وسوزان وياسر وليلى وماجدو لين, والحضور الحنون لعدي, كان المشهد بمجمله يختصر حياة, التقى فيها بشكل غير مسبوق, خط المأساة مع خط الحظوة النادرة, وهو ما فتح جحيمي الخاص على كامل وعيي وشعوري. لقد شربني العرق وكرهته, واستفاقت لدي في اليوم التالي رغبة تغيير شخصيتي من جذورها.
أعرف أن ذلك حلم طفولي لا غير. يا حسين...يا حسين, هكذا عشت وهكذا ستعيش أيامك الباقية, ستتذمر, ثم تفكر بزيارة الطبيب وتفضّل الطبيبة هذه المرة, ثم تجرفك الحياة الرتيبة كعادتها. الجسد يتداعى وكل قواك النفسية والعقلية تتداعى بسرعة أكبر, لا خيار.
تذكرت موقف آلاء المستغرب والمستنكر, نعم أنا هكذا بكل هذا الخراب, لا أحاول ستره ولا تغطيته, إما الحل المناسب أو الثرثرة, عسى ولعل, المستغفلون الجدد, يتجنبون ما غرقنا في وحوله فريدة السعيدة وأنا لعشرات السنين. لا يد ارتفعت لمساندتنا ولا عين حملت نظرة تعاطف, وليت الأمر توقف عند ذاك الحدّ, على العكس تماما, نظر إلينا الجميع كوليمة مجانية لقد رأيت الذباب السوري, بجميع أطيافه وألوانه, يحوم فوق عيني الجاحظتين, صراخ فريدة تجمّد في الحلق. الكابوس لم يكن مجرد حلم نمطي أو لحظة جنون_معتادة_ في سوريا.
للتو اشتهيت الشراب, لكنني سأحاول الامتناع لا أعرف إلى متى.
البارحة رفضت دعوات أصدقائي والعصابة العظيمة, أقرب أصدقائي في منتصف العمر, تقبلوا خيبتي لي ولهم, نمت باكرا وحلمت, وعدت لترميم ما تبقى.
*
كيف يستعيد شخص في وضعي, الثقة, المعنى, بل كيف بمقدوره وقف التدهور فقط؟
جميع مشاكل النفس تختصر ب " ضعف الأنا", توجد تفصيلات وإضافات أخرى, لكن الأساس, أنا عليا طاغية تتلقى مصادر دعم غير محدودة من الأسرة والمجتمع ومن السلطة والمعارضة السوريتين أولا. "أنا عليا موحّدة" تهيمين على جميع مقدرات سوريا اليوم, تطالب بمحو الفردية والتحقق الشخصي, تطالب أولا بممارسة الفصام, أفعل بالسر بالخفاء كل ما يخطر ببالك, وتجنّب بالعلن حتى التعبيرات البسيطة عن المحبة أو الرفض أو الحياد, وحتى عن تأجيل رأي وقرار, على الأقل هذه قراءتي وتجربتي في سوريا التعيسة.
رصيدي النفسي والعقلي, جميع مدخراتي وتجاربي وخبراتي السابقة, متضمّنة عند بوذا, لا تتعلق بما أحببت, لا تكره. ومن الخطاب إلى الممارسة, بعض تمرينات اليوغا, حالات استرخاء ولتكن بسيطة, تقبّل الوجود كما هو.
أنقذني بوذا
تمسكت بيده
الممدودة منذ 25 قرنا
قال لي
أنت الطريق
لا تتعلق بما أحببت
لا تكره
إذا أشرقت الشمس
فمن أجلك
وإذا نزل المطر
فهو لخيرك
إذا ضرب الزلزال الأرض التي تسكن
فلأن الشمس أشرقت
والزهر تفتح
شكرا بوذا
بعد 25 قرنا
تصلح الأيدي للمصافحة
لم أجد أنسب من هذا الختام, نص من "نحن لا نتبادل الكلام" رفضت الرقابة السورية العتيدة السماح بنشره, المخطوط الأصلي مع خاتم المنع, موجود بحوزة الصديق القاص والشاعر أحمد اسكندر سليمان. وقد شاهد قرار المنع عشرات الكتاب والأدباء, وتاريخ المنع 2002 .
جسد يتداعى ونفس مريضة, وشخصية بمجملها تتحطّم, هذا هو الحال.
ماذا بوسع حسين عجيب أن يفعل؟!
لم يكن استنكاري _يا صديقي إبراهيم قعدوني_ لعبارتك هذا حال الجميع, بمفعول السكر, على العكس تماما, قناعتي واعتقادي الراسخين, أن ما تحمّلته ثم حاولت التكيّف مع نتائجه, ظلم كبير وثقل اكبر من قدرة شخص طبيعي على تجاوزه, هل بدأت بالشكوى والصراخ؟ ربما,
أرجو قراءة:لماذا الآخر السوري, أظنه يشرح ما لا طاقة لي بتفسيره أكثر.
اللاذقية_ حسين عجيب
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟