حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 1549 - 2006 / 5 / 13 - 11:05
المحور:
الادب والفن
لمن سأتحدث اليوم...
صداع رهيب أيقظني باكرا, لم اشرب كثيرا, بعد كأس شعرت بالدوخة, لكنني تابعت الثاني والثالث, والنتيجة سوء تقدير واختلاط لمشاعر متناقضة, كما يحدث في السكرة الأولى.
أعاني من ضغط نفسي شديد هذا اليوم....
بعد ثلاثة أيام, وفي حال أخرى مختلفة, كنت أنوي الاستسلام لإيقاعات الداخل المبهمة, واتركها تحدد أفكار وسياق هذا النص, طاقتي بقيت منخفضة واكتفيت بأحلام اليقظة.
اليوم خميس نهاية أسبوع متعب, يمكنني الوصول إلى بيت ياشوط خلال ساعة, يمكن التوجه إلى حلب مدينة أصدقائي الجدد أو دمشق أكثر مكان أكرهه في هذا العالم, مع وجود بعض من أحبهم فيه. ما علينا, فريدة السعيدة في الضيعة وأنا حرّ أمامي العديد من الخيارات, وليس لديّ أيّ تصوّر عمّا سأفعله بعد دقيقة وبعد ساعة وبعد يومين. بمزاج جيد وتقدير ذاتي مرتفع وبمتناول يدي ما كان يفوق طاقة التخيّل لهارون الرشيد وحتىّ هتلر وستالين, من الأنترنيت العجيب وحتّى الستلايت والموبايل والكثير من الكحول والتبغ, والقلق بحدوده الدنيا, لكن لماذا لم أذكر سوى نماذج السوء في ذاكرتي, وليس الماغوط أو , وتخونني الذاكرة مرة أخرى, ألا يوجد في هذه البلاد أسماء كبيرة رحلت وتركت أثرا طيبا وعميقا في نفسي؟
*
ماذا كنت لأفعل, على افتراض, بحوزتي نقود تكفي للوصول إلى جهات العالم المختلفة؟ هل أتوجه إلى الهند, وأمضي بضعة أيام أو سنين وربما العمر كلّه في حالة تأمل فارغة مع صديقي بوذا ومن لا أعرف أسمائهم ولا شيء عن حياتهم ممن سألتقيهم هناك ويكونوا عائلتي الاختيارية؟ أم أتجه إلى موسكو, محجّتي فيما سبق ومحجّة اليسار طيلة القرن الماضي, أم لشبونة وبيسوا أم كندا والفتاة العجيبة التي يحيّرني ويمتعني أمرها أم أفريقيا أم قبرص, مالها قبرص, قريبة وأسمع الكثير عن إغوائها وإغراءاتها, على الأرجح لا هذا ولاذاك, أكرر روتين حياتي لنهاية العام على الأقلّ, وليس للعدمي مستقبل يتخطّى الثلاثة أشهر.
في قبو مشروع الريجي(الشهير) وفي حالات كثيرة ومتكررة كهذه, كنت لأسحب كرسييّ إلى الحديقة, ويا مشاريع خيالية... من استعادة تاريخي الشخصي بل وتاريخ العالم كلّه بشكل ذهني ومرغوب, إلى فرضيات دول غير موجودة وقارات أخرى, عالم آخر مليء بالجميلات والأذكياء... كلّه إبداع وفرح, لكن كان الكابوس دوما هو لحظة الصحو.
*
أكثر ما يحيّرني"الواقع النفسي", ما يشكّل مركز القيادة والتحكّم والسلوك والأفكار والمخاوف ويتعذّر فهمه أو السيطرة عليه. هنا مصدر إغراء "العصابة" الزعيم والبارون واللورد وقد بدأت تتسع لجورج ومرام وربما دلال وعماد ومن يدري كيف وإلى أين...
بعد قليل أتوجه إلى مكتبة أثينا قلعة الزعيم ومركز العصابة, وهناك يتحدّد مسار هذا اليوم خارج رغبتي ومشيئتي, وذلك بعد أساسي في واقعي النفسي, ليس أصدقائي أقلّ تعقيدا, وهذا مركز جذب وأهمّ من "المازة" الفعلية والفكرية, أيها الندماء... هل تتقبلوني اليوم...
سأكمل بعد عودتي إن بقي لديّ حيل, ومقدرة بسيطة على التركيز.
*
انضمّ إلينا الشاب(ميّاس) بعد جميل ومحمد ثم وصلت دلال وأدهم, كان يوما لا يمكن وصفه بأقلّ من جميل, في نقابة المهندسين باللاذقية.
بدأ طالب المسرح حكايته(مياس):
تقدمت إلى مسابقة التعيين أو التوظيف(عبارات سوريّة) في مسرح اللاذقية, واللجنة الفاحصة من أساتذة كبار حسب قوله وذاكرتي: زهير رمضان ومحمد عنقا وصباح عبيد و... والله لم أعد أتذكّر أسماء البقية, سألوني أو طلبوا مني, تأدية دور ممثّل على صفيح ساخن, ترتفع درجة حرارته بالتدريج من العشرين وحتى المائة, ويتابع الشاب المسرحي حكايته, مع التغيّرات الجسدية المرافقة لارتفاع درجات الحرارة, وقد مثّلها بشكل لا فت أمامنا, بعد الدرجة عشرين الثلاثين ثم الأربعين, وهم يشيرون له ويأمروه بتغيير سحنته وحركاته, بقي على إيقاع واحد, حتى الدرجة مئة, سألوه أهكذا يمشي الإنسان فوق درجات حرارة مرتفعة. إجابته كانت, مثّلت دور شخص بوذي يمشي فوق الجمر, وما يهمّه بالدرجة الأولى عالمه الداخلي. النتيجة : راسب, وأقتصر التبرير على صغر سنّه ولا أعرف ماذا بعد.
تحتاج هذه الإجابة لأشخاص أذكياء ويقدّرون الإبداع, كان جوابنا له.
*
بحركة رعناء, أوقعت الكأس مع الطربيزة, وفكرّت للحظة ربما أنا سكران, وتداعت في ذاكرتي محطّات صداقتي بسوزان, ربما لو طلبت جديّا كصديقة توقّفي عن الشرب سأفعل.
من أكثر ما أتجنّبه وأنفر منه, موقف وموقع المعتدي لأيّ يكن, مع صديقة العمر على الأرجح أتخلّى عن العرق والكحول بأصنافه وربما حتى التبغ. هي لم تفعل وأنا لا أستغني بعد.
عاد الوضع بجهد قليل إلى طبيعته. وأكمل ثرثرتي مع الكأس والسيجارة. تصورات وأحلام تمرّ في خيالي لماذا كل هذا الغباء والجهد الأقصى للتمثيل الرديء!
جورج والزعيم واللورد والبارون والمسرحي الشاب ذهبوا في طريق, وأنا عدت إلى ثرثرتي, أشعر بالندم, قد يكون لديهم مشاريع مغرية, قد, ربما, ...لا أعرف.
كعادتي أمام الشاشة البيضاء, وقبلا أمام الورقة, أطلب منها ما قصّرت الحياة بمنحه أو توقّعته,
هكذا مرّت حياتي: فإذا حضر الجميع...اكتملت العزلة.
*
ماذا بعد
ماذا بعد....!!!؟؟؟
كيف اختصرت الحياة إلى هذه الخطوط والعادات الضيقة؟ النقاش الذي رغب جورج بإثارته حول الليبرالية والديمقراطية, قد يكون مكانه في موقع آخر, ولكن. ما يزال ظني وقناعتي واعتقادي أنّ الليبرالية تعني بالدرجة الأولى, الحريّات الأساسية في الأكل والشرب والتفكير والتعبير والاعتقاد وبالطبع حريّة الجسد, وفي بلاد مثل سوريا لا يمكن التفريق بين الديمقراطية والليبرالية إلا في حالة الغفلة أو الخداع.
من حذائي المثقوب
يبدأ التاريخ والجغرافيا
أنا الأمير السعيد
أضع رجلا فوق رجل
وأطلق قهقهتي إلى وراء الكون
دائما
أسقط في منتصف الكابوس
لا هثا
خلف أعصابي التالفة.
لم أجد حتى اليوم شخصا يستحقّ أن اسميّه عدويّ, لا أشكو نقص الأصدقاء ولا زحمتهم.
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟