حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 1536 - 2006 / 4 / 30 - 10:18
المحور:
الادب والفن
الحلول والمعرفة والسيطرة:
ليتهم يقرعون الباب
كي لا أفتح
أتذكّر الآن هذه العبارة, للشاعر اللبناني فادي أبو خليل, لم أقرأ له سوى مجموعة صغيرة منذ أكثر من عشر سنين, ولم أسمع عنه شيئا بعد ذلك.
الرغبة في التواصل وإدراك ضرورة ذلك, مع خيار العزلة والوعي بخطورتها.
الانتباه الدائم إلى العتبة أو الحيّز الشخصي الذي يحقّق مسافة أمان مع الآخر(أيّ آخر).
البقاء القلق على تلك المسافة التي تلامس الحميمية حينا, ولا تبتعد إلى درجة الانقطاع.
... كيف تتحقق تلك الشروط مجتمعة؟؟؟
قبل الأنترنيت كان ذلك متعذرا, وأشبه بشرط تعجيزيّ أفرضه على نفسي وأطلبه من سواي, ولحسن حظّي_بعد الأربعين_ دخلت في مجتمع الأنترنيت, حرّا ومنتميا, بنفس اللحظة وبنفس الدرجة, وأتيح لي للمرّة الأولى_وربما تحقق_ المشاركة الفعلية في مجتمع و أدب الأنترنيت.
الواقع الافتراضي أتاح لي إمكانية" الثرثرة من الداخل" أو "الحوار المفتوح" بالتعبير الخارجي, وصار بوسعي أن أتحدث كما أريد, وأصغي لما يثير انتباهي, وفي ذلك حلّ إبداعيّ لمشكلة التوصيل والتواصل, خارج دائرة الرقيب الداخلي أو الخارجي, لقد تحقق شرط الحريّة في مجتمع الأنترنيت, وأنا وكتابتي أحد ظواهره.
*
التحرّش المعرفي والثقافي بجمانة حداد يحقق امتيازات عدّة, ففي جمانة نموذج" للمرأة الناجحة" وهو نموذج حدّي, محلوم به من جهة ويثير الحصر الشديد بالمقابل للمرأة وللرجل , كما أن المحور الأساسي في ثرثرة من الداخل هو البعد الهامشي الفكري والأدبي, و قد توازنه وتمنحه بعدا جديدا, شخصيات حققت حضورها الفعلي في الثقافة والإبداع بدون أن تكون ملحقة بالسلطة السياسية أو الدينية( مقبرة الأدب والفكر العربيين) وربما مقبرة الإبداع بالمطلق.
كما أن العلاقة الثقافية بجمانة تحقق ميزة البداية(حيث مع كل بداية تستعاد الحياة الشخصية بلمحة عابرة, وتتكرر إمكانية إضاءة المفاصل الأساسية في الشخصية مع قابلية تحويلها وحتى سلوك نقيضها وتجريبه, تبقى في دائرة الممكن) بالإضافة إلى ميزة أساسية في مجتمع الأنترنيت(كذلك الحضور الفعلي للشخصيات بكل مخزونها, لا يحجب تصدّعات الشخصية وإعاقاتها, بشكل قسري ومفتعل, بل يحدد ذلك سياق الحوار أولا). سأكتفي بهذه التحديدات الآن.
يعيب عليّ الكثير من أصدقائي(وهم جميعا على حقّ في هذا الجانب) البعد النرجسي المتضخّم في كتابتي, أعرف وأعترف وبنفس الوقت أحاول تخفيف حدّته, مع محاولة الحفاظ على البعد العفوي وحتى الشفوي, وربما يتحقق بعض ذلك من خلال كشف الجوانب السلبية في شخصيتي بالحدّة والعمق التي يسعني احتمالها, مع إضاءة الأبعاد المشرقة في الشخصيات الصديقة التي أتناولها. ما يزال مجتمع الأنترنيت يقدم الفرص والإمكانيات الجديدة, ويشي بوعود المزيد منها, بما يعدّل حدّة الرتابة والتكرار في حياتنا المغلقة والمغلّفة بالأجوبة الجاهزة.
الشجرة تتعذب وتسقط الأوراق
منذ الأزل
الخلد يحفر تحت الجذر
والفراشات تطير
لتسقط الثمار
ولتتهدّم السقوف
الصياد في الوكر والشبكة تتمدد
ماذا بعد
ماذا بعد
أيتها الكلمة الخشنة
أنت الفريسة وأنت الصياد
ونحن عالقان في الشرك
وكلما أخطأت الكلمة مات المغنّي.
*
ضمور البعد الزمني للحل, خسارتنا الأعمق, هي ضريبة باهظة, يتعذر على المعرفة أن تبررها. السرعة تغيّر في الصفات وحتى في الماهية المتوارثة, هل لدى أحد حلّ؟!
الحوار طريق ملكيّ لتبادل الكلام والمعارف وحتّى الخبرات. الخطاب ممارسة اجتماعية تضمر_وأحيانا تظهر_ الهرمية والسلطوية بمختلف الوجوه والأقنعة الممّوهة.
لماذا لا يكون المنادى في هذا الحوار: ياسر اسكيف أو حازم العظمة أو قاسم حداد أو جاكلين سلام أو خلف علي خلف أو نور الدين بدران أو هيا محمد أو فيصل ملحم أو جميل حلبي أو..أو,
الجواب البسيط والبديهي, تمثل جمانة حداد كما أتصّور, إضافة إلى الغنى اللغوي والثقافي, حالة النجاح والإنجاز, ولطالما تخيّلت كيف يفكّر الناجحون, وأنظر إلى نفسي كصندوق مغلق, لا يعرف سواي أكثر من خطوط وإشارات مبهمة على سطحه يختلط فيها الديني بالماركسي بالليبرالي بالعدمي بالشاعر بالمهندس, بعشوائية تمتد أكثر من ثلاثين سنة, وما زلت مجرد شخص, قاده حدسه إلى كوارث, وسأبقى ما حييت أتبعه أولا.
المصادفة حلم اليائسين وحليفهم في الفيزياء وفي الشعر كما في الحياة والثقافة. عدّة مصادفات هي مفاصل حياتي الأساسية, وهذا يمكن أن يفسّر لأصدقائي المستغربين, السهولة والخفّة التي أغيّر بهما أفكاري وآرائي, مع تزمّتي المقابل تجاه الحريّة والاعتقاد والعنف.
لولا موقع جدار والعنف الرمزي الذي مورس على الكاتبة, كما أشعر, لما خوّضت في هذا التناقض, واسميّه جدلا" ثلاثية جمانة" تاركا المجال المفتوح للتصويب أو الردّ أو الرفض, والتناقض يكمن في نقطتين: لم أقرأ شعر جمانة جيدا, وشدّتني على سبيل المثال إيمان مرسال وهدى حسين أكثر, ومنتبه للحيرة التي أضع جمانه فيها, في حال رغبت في المشاركة أو الرفض, فأنا كاتب جّوال يتركّز اهتمامي على الحاضر المفقود, دون أدنى اعتبار لمرجعيات أو سلطات, فيما أبدأ كتابته أو الكلام فيه. إما أتكلم وأكتب كما أشعر وأظن أو أصمت تماما.
أكثر ما أكرهه في هذا العالم الخداع والرغبة في تضليل آخر, وهذا سبب رفضي للبلاغة الموروثة التي تقوم على المبالغة والإيحاء, فما زلت أعتقد أن الدقّة والوضوح قيم عليا في الشعر كما في المعرفة والأخلاق.
بيت لا يقرع بابه أحد
هاتف لا يرنّ
غرفة مغلقة من الداخل
هكذا هي السنوات الخمسون
تمضي بلمح البصر.
*
لماذا أمنح للوضوح والدقّة هذه الدرجة المرتفعة في سلّم القيم الجمالي والمعرفي وبالطبع الأخلاقي؟
لأنني تعرّضت لخيانات لم يخطر على بالي أنها يمكن تحدث قبل ذلك, أيضا مارست خيانات لم أكن حتى لأتخيّل قدرتي على تحمّلها, هذا حصل في حياتي الفعلية, ويمكن لغيره وأكثر منه أن يحصل, وحسب قوانين الاحتمال والنفسي منها أولا, تتزايد إمكانية التطرّف السلوكي بنفس النسبة التي يمكن أن تكون درجة قطع وانعطاف, تحدث التغيير الوجداني والعقلي معا.
"مع المرفق بداية حوار إن أحببت
هو ببساطة مع شعرت به وحدث معي
يمكنني أن ألحقه بثرثرتي من الداخل, ويكون الحلقة خمسين
ويمكن أن يكون بداية حوار مفتوح بيننا, ولك أن تضعي الحدود
ويمكن أن أمحوه, إن رأيت فيه ما يزعجك"
كان ذلك رسالتي لجمانة, مع الجزء الماضي, وقد ردّت بلطفها المعهود, بما يعني عدم رفضها, وها أنا ألحقه بثرثرتي, التي ليس لدي أي تصور مسبق عن كيفية مسارها, هي تمتعني وتسلّيني, وسأستمرّ ما دام ليس لدي ما افعله, وما دام الحوار المتمدن مفتوحا للهامشيين والمهمّشين أمثالي, في هذه اللحظة قرأت خبر فوز جمانة حداد بجائزة الصحافة العربية ورأيت صورتها, مبروك جمانة, تستحقين هذا الفوز بجدارة.
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟