ميشيل زهرة
الحوار المتمدن-العدد: 6558 - 2020 / 5 / 8 - 19:34
المحور:
الادب والفن
اجتاحت السيدة الحسناء يقظة الذكور ، و أحلامهم ..! و لم تقف عن هذا الحد فقط ..بل تسربت إلى نوم النساء على هيئة كوابيس ..ليس غيرة على الذكور المسبيين خلف جمال كأنه منحوت في مشغل نحات من عصر النهضة الغربية ، بل غيرة منها أيضا ، عندما يندفعن للمقارنة بين جمالها و جمالهن ..! لم يكن ذلك في الجهة الشرقية فقط ، بل في الغربية أيضا ..! حتى أن النساء من الطبقة الأرستوقراطية ، رحن ينشرن الدعايات حول هذه المتمردة على كل الخطوط الحمراء المرسومة على أرض الواقع الأخلاقي ، و التي سُمح لها بالقفز فوق الخطوط الممنوعة على مرأى كل من يتنطح بأخلاقياته ، لباقي النسوة على ضفتي الشارع الملتهب بالقذائف ، و الرصا ص ، و الانفجارات ..!
من ضمن الشائعات التي انتشرت على ألسنة النساء : إن هذه السيدة نفخت شفتيها و صدرها عند طبيب تجميل خارج البلاد ..! و منهن من قالت : لا أظن أن الطبيب اشتغل بغير الصدر المعبأ بالسيليكون ..! و هناك من أكدن : إن الأرداف التي تبدو للذكور مثيرة للغاية , و قد سبت عقولهم ، حتى أنهم صاروا يلهجون باسمها في أحلامهم مع ابتسامات ترفرف على وجوههم ..! ما كان يُفرح قلوب الزوجات ، و العشيقات ، أنها كانت ، عندما تركب البيك آب مع أمراء
الحرب ، كانت تزرع في قلوب الذكور خنجرا من غيرة عمياء ، عليها من هؤلاء الأمراء الغامضين الذين يمضون بها إلى جهات غير معلومة ، سواء في الجهة الشرقية أو الغربية للمدينة ، و كأنهم متفقون بين بعضهم رغم الصراع القائم على ضفتي الشارع الذي يشق المدينة .
ذات صباح شوهدت على شرفة مصالح خانم بكامل بهائها ..و قد ألقت على رأسها ، بغير اهتمام ، منديلا أزرق شفافا يُظهر كل شعرها بلا خوف من أحد أن يُلهب جلد ظهرها بالسياط . من يمرّ بقربها ، يشعر بأن قلبه يوشك أن يتوقف بسبب غمامة الررغبة العارمة التي أوشكت أن تطيح بوعيه المتبقي ..!
هذه السيدة التي جاءت إلى المدينة ، كأنها خرجت من شرنقة مصالح خانم ..لكنها ، ربما ، ليست هي ..إنما الدودة ( اليرقة ) التي تحولت إلى فراشة بقدرة قادر ..!
كل من في المدينة يعرف أن البيك آب الواقف أمام باب مصالح خانم هو ملك السيدة الحسناء ، أو أهدي لها..لأنها تقلب مفتاحه بيدها ، مستخدمة ( الريمولت كنترول ) في تشغيل محركه ، أو قفل الأبواب أو فتحها ..! إن الحرية في الحركة التي تتمتع بها السيدة ، و خاصة تلك الحرية في اجتياز كل حواجز الخنادق المتصارعة ، في شرق الشارع الكبير ، و غربه . ما أوقد شمعة ضعيفة الضوء ، سرعان ما تنطفيء في الوعي ، لمجرد هبوب أنفاس أصحاب اللحى من الجانبين ..فتعود الظلمة إلى الجمجمة لتضغط الأصابع على الزناد ، ليس إلا للكتابة باللون الأحمر القاني من دم الآخر الشريك في المكان و الزمان..!
من عادة السيدة عندما تجتاز الحواجز أن تضع على المقعد المجاور لمقعد القيادة ، الممتليء بأردافها التي يسيل لها لعاب العساكر الواقفين على الحواجز، و قادتهم ، بلا استثناء ، رزمة ، أو اثنتين من النقود ..و بعض علب الحبوب المنشطة الفارغة ..و تراقب عيني جندي الحاجز الذي تعبره بسيارتها التي تقودها ببراعة ، و سرعة تزيد في شبق الذكور ، أيا كانت مراتبهم ، و مواقعهم ، في اللحاق بها ..! غير أن لأصوات إطلاق النار ، و الانفجارات المتتالية التي تحدث على خطوط التماس ، كما أسماها العسكر المتربصين على التخم الغربي للشارع الكبير المليء بحطام السيارات ، وقطع الاسمنت الكبيرة التي تقطع الشارع ، قد ضخمت الشعور عند الناس :
إن هذا الشارع لن يعود كما كان بعد الآن . أما العسكر المتربصين في الجهة الشرقية للشارع الكبير ، قد أطلقوا على خنادقهم اسم الثغور.. تيمنا بالفتوحات الاسلامية ..! و لكن ما يجعلك تتساءل ، دون أن تعرف جوابا .. أو ربما لا تريد أن تعرف ، لأن التسليم أسهل على الوعي من إعادة صيانته ، و تشغيله ، لمعرفة حقيقة مصالح خانم ، و السيدة الفاتنة قريبتها ، و التي ذُكرت سيرتها ، عندما عبرت الشارع للضفة الأخرى ، مع الرجال في البيك آب ، لكن هناك تتعاظم الرغبة ، لدى جنود طرفي الشارع ، وأمرائهم ، في الوصال بهذه الفاتنة .. و ثمة من رغب في لمس يدها فقط ..هذا الشيء الوحيد الذي يجتمع عليه الخندقين في المدينة المقسمة إلى شرقية و غربية .! و لكن هناك ، في ضفتي الشارع ، من تشكلت لديه شكوك راحت تكبر كفراخ العفاريت في المخيلة : ما الذي يحدث ..كيف لهذه الحسناء أن تكشف وجهها في حضرة قانون السماء ..؟؟ من هؤلاء الرجال في التويوتا معها..؟؟ و ناورت في ذهن بعضهم الأفكار التي تجعل هذه السيدة الحسناء تتربع على صدور الأمراء ، و أقفيتهم ، لتمتطيهم إلى حيث تريد ..!
هكذا تساءل كل من في المدينة بشرقها و غربها ..! فهل يكبر الشك عند العامة ..؟ سنرى ما الذي سوف يحصل .
في الشارع المحطم ، و المليء بأكوام الإسمنت المدمّر ، و السيارات المحطّمة ، ينشط أولئك اللصوص الذين يدخلون البيوت المدمرة ، و بمعرفة الحواجز التي تأخذ حصتها ، على التخوم ، ليسلبوها ما بقي فيها من شبابيك , أبواب ، و برادات ، و غسالات . و ما احتوته تلك البيوت من اشياء قابلة للبيع ، أو المقايضة ..! هذا الفعل روتين يومي ..اعتاده العابرون للشارع الكبير، رغم الألم الذي يحزّ في قلوب المارة الذين لا حول لهم و لا قوة ، و لم يحملوا السلاح يوما ..إنما سبّحوا ، و صلوّا لآلهتهم ، على اختلافها ، و اختلافهم ، أن تفرّج الهمّ ، و تستقر الأحوال ، و تهدأ النفوس ..!!
لكن الشيء الذي شغل تفكير الناس ، الذين يعبرون الحواجز يوميا ، بكلا الاتجاهين ، و أثار حيرتهم ، و لم يعرفوا تفسير الظاهرة التي رؤوها ، و هم يتعرضون إلى أقسى أنواع التفتيش ، و التدقيق ، و الاتهامات ..أقول : الشيء الذي لم يجدوا له تفسيرا ..هو مشهد امرأة تأتي من أحد طرفي الشارع و قد رفعت ثوبها الداخلي الأبيض على عصى مكنسة إشارة السلام خوفا من قناصة الحواجز..و رجل آخر يرفع سرواله الأبيض أيضا ، على غصن يابس إشارة للسلام أيضا..!
لم يشبع فضول العابرين المعرفي ، عندما كانت الحواجز الشرقية و الغربية ، على السواء ، تقول : إنهما مجنون ومجنونة ، لا يعرفان ما هما فاعلين ..!
و بعضهم قال : يتصنعان الجنون لدخول البيوت و سرقة ما فيها مما خف و غلا ..! لذلك نطلق عليهما النار لإخافتهما ، لا لقتلهما ..! هذا التقرير الأخير صدر عن الضفتين ..!!!!
( فهل ثمة رأفة في قلوب دمرت كل شيء ..؟؟ و ما قصة رَفْع الرجل و المرأة لإشارات السلام لعبور تخوم الموت ..؟؟ ) سنرى في الجزء الأخير .
#ميشيل_زهرة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟