|
الشخصية ، و الجماعة.!
ميشيل زهرة
الحوار المتمدن-العدد: 6519 - 2020 / 3 / 20 - 14:40
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لكل امريء شخصيتان : واحدة اجتماعية يظهرها أمام المجتمع ليتناغم معه ، متواضعا ، و متذللا له كي يتقبله عضوا فيه .. و هذه الشخصية غالبا ما تكون مسحوقة ، و مداسة من البوط الاجتماعي لأنها ليست ( هي ) الحقيقية المعبرة عن الذات العميقة للأفراد الطامحين للتعبير عن الدوافع العميقة لذاتية الفرد .! بل هي الجماعة بما تحفظه ذاكرتها من أعراف ، و تقاليد ، و عادات ، و عبادات مقدسة . و هناك شخصية أخرى ذاتية ، فردية ، غالبا ما يخفيها الشخص ، لأنها تتناقض مع الجماعة ، و شخصيتها.. و هذا يحدث غالبا في المجتمعات المحافظة ، المكبوتة التي لا حرية فيها . و التي تحاصر فيها الشخصية الفردية المتمردة على شخصية الجماعة الكابحة لحرية الفعل الإنساني . تتمدد الشخصية الاجتماعية في المجتمعات المقهورة ، و المضطهدة ، و المكبوتة ، على حساب الفردية ، لدرجة أنها تحتل المساحة الفردية كليا فتسحقها نهائيا ، و لا يبقى منها إلا هيكلا هزيلا ، معاقا . لترضي الجماعة و ليس ذات الفرد بجوهرها الحر..! و كثيرا ما تذوب هذه الشخصية الفردية ، في الجماعة كليا لدرجة التلاشي ، فتوجهها الجماعة ، أو تقودها من يدها كما يقاد الأعمى ، كما في الجماعات ذات الصبغة ، العائلية البدائية الطاغية بسيطرة عميدها ، و القبلية ، و العشائرية ، و الطائفية ، و الدينية . و هذا يؤدي إلى استخدام هذه الشخصية الفردية من قبل سدنة الجماعة ، بعد حشوها بوعي الجماعة البائد ، في القتل ، و الثأر ، و الحروب الطائفية ، و الدينية ، و القومية . لذلك يلجأ الفرد الذي لم تسحق شخصيته نهائيا في هذه المجتمعات الشكلانية القاهرة للأفراد ، لإخفاء سلوكه الفردي عن أعين المجتمع الذي يرفض ، و يعاقب على سلوك الشخصية الفردية المختلفة عن مجتمعها . سواء بطرحها الفكري ، أو سلوكها الاجتماعي ، السياسي ، و الديني ، و الجنسي . هذه الشخصية الفردية مخيفة للجماعة جدا ..ما أن تظهر بين الجماعة ، و تبدأ بسلوكها ، أو طرحها الفكري الذي يتناول ( تابوهات ) الجماعة ، و يبدأ برجها ، و زعزعة ثوابتها..حتى ترتعد فرائص القائمين على سدّة السيطرة على هذه الجماعة .. وهم ( سدنتها ) الدينية ، أو السياسية خوفا من أن تبدأ هذه الشخصية الفردية ، في تقويض بناءها ( المقدس ) ..فتبدأ السدنة في تشويه صورة الشخصية الفردية النافرة في عين الجماعة ( و قد يتعاون الديني و السياسي لسحق هذه الشخصية النابية )..و عندما تفشل السدنة في ذلك ..و ترى أن هذه الشخصية بدأت باستقطاب أفراد من الجماعة ، و بدأت بتفكيك البناء الفوقي لها .. كثيرا ما تلجأ السدنة ، إلى تصفية هذه الشخصية المتفوقة ، معنويا ، أو جسديا . رغم أن هذه الشخصية هي من ترفع من شأن محيطها الاجتماعي المتخلف ، و الذي لم يعد يتطابق مع وعيها المتفوق .. لهذا السبب - و تحت تأثير الرعب من العقاب الذي قد يصل حد القتل الجسدي - هذه الشخصية عند الشخص الضعيف أمام الجماعة - تصبح سلبية - في مجتمعاتنا القمعية - و منكفئة على ذاتها ، و تفعل في الخفاء كل ما يرضيها ، و ما لا يتوافق مع الشخصية الاجتماعية ، و الجماعة ، سواء في السياسة ، و الجنس ، و المعرفة العلمية التي يرى فيها المجتمع القهري خروجا عن المقدس . لذلك تصبح شخصية سلبية ، مريضة ، و مكتئبة ، هاربة من المواجهة ، فتطرح طروحات ، و أماثيل ، تتناغم مع عجزها ، و هروبها . و لكن هناك أشخاص " أبطال " خاضوا تجربتهم حتى النهاية ، و اكتشفوا : إن الجماعة ، و قوانينها ، و أعرافها أوهى من بيت مبني من ملح أمام ابريق من ماء ، وحققوا انتصارا . أما في المجتمعات التي تعطي مجالا واسعا للحرية الفردية ..نرى أن هذه الشخصية الخلاقة للأفراد تنهض بذاتها و بمجتمعاتها على السواء ..لأن دور الرقيب الاجتماعي ، المحافظ على بدائية مؤسسة الجماعة ، يكون ضعيفا ، إن لم يكن غائبا عمليا في المجتمعات المنفتحة ، و الحرّة ، و التي تُمنح الشخصية الفردية ، فيها ، دورا بارزا لتظهر ، فتبدع ، و تتفاعل بشكل إيجابي مع محيطها الاجتماعي ، و العالم .. فتكون إنسانية منتجة ، مبدعة ، حرة ، منفتحة ، غير حاقدة ، و غير متطرفة ، و غير إلغائية ، بل تشاركية متفاعلة ، و فاعلة. لذلك تكون فطرية ، غالبا ، في سلوكها ، و نظرتها للكون . و يكون مجالها الإنساني رحبا ، و منفتحا .
#ميشيل_زهرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من جلجامش إلى جاورجيوس .!
-
نص متمرد .!
-
الديكتاتور العربي .!
-
لمن ترقص الحروف .!
-
الحبيسة .!!
-
نكاح ( خليفي ) علني .!
-
سادية الرحمة ، و نشوة الألم .!!
-
السرانية و الرعب العقائدي .!!
-
البحث عن الحقائق الضائعة .!
-
مرتكزات الوعي .!!
-
العبيد ..!
-
الضوء .!!
-
هوزيه .!!
-
طريق السرير .!
-
الخوف .!
-
منعطفات حادة في الروح .!
-
عبدو الأجدب عاشقا .!
-
يغتال بابنيان من جديد .!
-
كابوس .!
-
لمن البقاء .؟؟
المزيد.....
-
أول مرة في التاريخ.. رفع الأذان في بيت هذا الوزير!
-
أول مرة في تاريخ الـ-بوت هاوس-.. رفع الأذان في بيت الوزير ال
...
-
قصة تعود إلى 2015.. علاقة -داعش- و-الإخوان- بهجوم موسكو
-
صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط
...
-
السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال
...
-
صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة
...
-
الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه
...
-
كيف يؤثر التهديد الإرهابي المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية ع
...
-
دولة إسلامية تفتتح مسجدا للمتحولين جنسيا
-
فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس
...
المزيد.....
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
-
فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب.
/ يوسف هشام محمد
المزيد.....
|