أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل زهرة - كأنه الأبدية .!














المزيد.....

كأنه الأبدية .!


ميشيل زهرة

الحوار المتمدن-العدد: 6551 - 2020 / 5 / 1 - 23:09
المحور: الادب والفن
    


في مدينة "سين" العربية شاهدت ذلك ..الشارع الرئيس في المدينة يقسمها إلى نصفين . ينغلق في نهايته ببناء قديم يمنع الشارع من أن يكمل طريقه إلى الشمس .! كأن البناء قصر أثري ، أو ضريح لرجل تاريخي تقدست جثته..! لذلك لم تستطع البلدية ، أو الأصح ، أنها لا تريد أن تفعل ، لأن بقاء الضريح فيه شيء من الثواب يطيل عمر مديرها . لهذا السبب ، و لأسباب عديدة ، لم يُسمح باختراق البناء ، أو تهديمه لصالح الشارع ، المنكسر ، الذي يضطر أن يتجه إلى يمين فقط . مما يجبر المارة ، و العربات القادمة من الغرب ، أن تتجه ، قسرا ، إلى اليمين لتلتفّ حول الضريح بدائرة قطرها كيلومترات. أما القادم الملتفّ حول الضريح ، و القادم من الشمال ، فينعطف قسرا إلى اليمين ، أيضا ، ليكمل طريقه باتجاه الغرب . لكن اللافت للنظر أكثر من كل هذه الجبريّة في التوجه بسبب ذلك الأثر ( التاريخي المقدس ) ..! هو ذلك الشخص الغريب الشكل ، و الأطوار الذي يجلس قبالة المبنى التاريخي متوجها نحو الغرب ، دائما ، على أرومة شجرة سنديان اقتطعت من مكان ما . ذلك الكائن الغريب ، يجلس مقابلا الشارع المكتظ بالناس و العربات . يضع عكازه الذي يشبه عند مقبضه ، رأس طائر جارح ..أما جسد العكاز ، فيشبه مع تعرجاته ، و عقده الكثيرة ، جسد أفعى . يضع عكازه أمامه ، و قد وضع فوق مقبضه كفيه ، فتقعرت العليا ، لتحتوي السفلى المحدّبة . و قد أسند فوقهما ذقنه بلحيته الطويلة ، الشعثاء ، المغبرّة . كل ما يفعله في جلوسه أنه يبدل وضع كفيه ..فيرفع السفلى فوق العليا كأنه يتأفف مما يرى ، و يُحدّق مليا في الشارع المقابل لعينيه الجاحظتين الغريبتين . فتوحي لك نظرته ، لو نظرت إلى عينيه ، أنه يُحدّق بك شخصيا . فتدفع ، نظرته ، بهلع من نوع غريب ، في روحك الباحثة عن سرّه . لتكتشف أنه يُحدّق في كل شيء ، أو في اللاشيء . و لكن ما أنت متيقن منه ..أن لا شيء من الظواهر يفلت من تحت عينيه . حتى أن هناك من أسطره في المدينة الغارقة في وهمها ، و قال : إن ذلك العجوز ، رغم عيبه : إنه يدير قفاه للضريح دون أن يشيل لقدسيته بال . يجلس كتمثال في باحة ذلك البناء الأثري الذي يلوي عنق الشارع ، و يجبره على الانعطاف ، ما هو إلا كائن تنزل من مكان ما من النجوم . لأنه ثابت لا يتغير . كل ما يتغير فيه ، طبيعة ثيابه مع تبدل الفصول و وضعية كفيه. لكن ما تبقى فيه ثابت كالأبدية .
في ذلك الشارع كثافة بشرية ملحوظة ، كأنما العالم كله يتوالد هنا ، و يتوزع على البلدان الأخرى . في ذلك الشارع تجار الوقود ، الذين يبيعون المازوت ، و الكاز . يكدّسون المال في اكياس من خيش ..و يبتاعون كل شيء حتى النساء اللواتي يتحولن إلى عاهرات في داخل أكياس المال المُكدّس على رفوف مخازن الوقود. هناك قوادون من أصناف مختلفة . و أكثرهم خطرا ذلك الذي يبيع رحم أمه ، أو زوجته ، أو أخته ، ليؤجر أرحامهن من أجل عاقر ثرية أصيبت بمرض الزهري نتيجة عهرها مع سفلة مرضى من أصحاب أكياس الخيش المليئة بالرذيلة . في الشارع جنود نظاميين ، لكنهم لا يرتدون القبعات ، و لا يدخلون أزرار بذاتهم في عرواتها ..يحملون بنادقهم ..و يطلقون النار بسبب ، و بلا سبب في الهواء ، مصوبين فوهات بنادقهم نحو السماء ، كأنهم يقوسون الله . و هناك ميليشيات من عناصر بقياسات مختلفة الحجوم ، و الأعمار ، يحملون أسلحتهم أيضا ..و يطلقون النار على أعمدة الكهرباء ، و كابلات الهاتف ، و مواسير المياه دون رحمة بمواطن سوف ينام بلا ماء ، و لا هاتف ، و لا كهرباء . عربات محملة بمسروقات من بيوت هجّرت الحروب اصحابها من أماكنهم ..تظاهرة على تقاطع توحي لك للوهلة الأولى أنها على حق بسبب هتافاتها الوطنية ، فتوشك أن تلتحق بها ، لولا أن يأتيك أحدهم قائلا : لا تنخدع ..إنهم سفلة يتظاهرون لتغطية سرقة البنك ..! جنازة محمولة على الأكتاف لشاب فقير قضى في خدمة أمراء الحرب ، وقد طلبوا من أمه أن تزغرد فرحا بمناسبة قتل ابنها .. فزغردت . عندئذ هُنئت بشهادته . محال ضخمة تبيع مسروقات الحروب ..و أسواق تباع فيها الفتيات المسبيات ، بمبلغ زهيد ، و هن ساهمات ، باكيات ، و مساقات إلى أسرّة الاغتصاب تحت أنظار الآباء ، و الامهات ، و الاخوة . ثلاثة عبروا على عكاكيز و قد فقدوا بعض أطرافهم في المعارك القاحلة المعاني ، و الدلالات ، و الغايات . طفل أعمى يدفع به أخوه إلى مدرسة حدث فيها انفجار ، ذات جنون إله ، فتح جنته لعشاقه ، فافقدوا الطفل بصره . و أفقد بعض التلاميذ الحياة . طفلة تتسول في الشارع ، أغراها مكبوت عصابيّ بحفنة حلويات ، فلحقته إلى بيته فاغتصبها ، و رماها في حاوية القمامة بين الموت و الحياة . أطفال جُندوا في خدمة أمراء الحروب ، فكانوا غلمانا لهم ، يصنع بهم ما يراد . نساء عاريات ، مكبلات بجنازير ..التففن إلى اليمين ، يقدنهن نساء بحبال مربوطة في أيديهن .! القائدات مسلحات ، و منقبات . مررن من أمام العجوز القابع مثل نمر أمام الضريح على أرومة الشجرة ..فلم يدرْ لهن وجهه ، لكنه رأى المشهد بكليته و سجلته ذاكرته . أصوات رصاص صادر من مقصف قريب ، حمل بعده فتى مقتولا ، و آخر جريحا إلى المستشفى القريب ، قيل أنهما اختلفا على عاهرة جميلة و لعوب ، في المقصف ، لأن المقتول دفع لها رزمة ، إضافية ، من نقود جمعها من بيع أربعة سيارات مسروقات ، بعد قتل ، و سلب أصحابها على المفارق دون ذنب . حادث سير قتل فيه نصف ركاب الباص ، و جُرح من تبقّى ، بسبب رعونة ابن أمير المدينة المخمور ، و الذي اجتاز الإشارة الحمراء ، ملاحقا صبيّة ترفض العلاقة معه ، في سيارتها . فيلتفّ إلى اليمين ، بسرعة جنونية ، من أمام عيني العجوز الجاحظتين . ريح تعصف بقوة في المدينة ، فتخرب بيوت الصفيح للبؤساء ، و تجعلهم تحت رحمة سماء لا ترحم ..و صوت ميكرفون يشد عزيمة الناس الوطنية ..و آخر يرفع الاذان كي يدعوا الناس للصلاة في مدينة لا تعرف معنى الله ، و لا معنى الوطن . و يبقى العجوز جالسا على الأرومة دون أن يتحرك ، و كأنه يبتلع المدينة بعينيه الجاحظتين كالأبدية .



#ميشيل_زهرة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشخصية ، و الجماعة.!
- من جلجامش إلى جاورجيوس .!
- نص متمرد .!
- الديكتاتور العربي .!
- لمن ترقص الحروف .!
- الحبيسة .!!
- نكاح ( خليفي ) علني .!
- سادية الرحمة ، و نشوة الألم .!!
- السرانية و الرعب العقائدي .!!
- البحث عن الحقائق الضائعة .!
- مرتكزات الوعي .!!
- العبيد ..!
- الضوء .!!
- هوزيه .!!
- طريق السرير .!
- الخوف .!
- منعطفات حادة في الروح .!
- عبدو الأجدب عاشقا .!
- يغتال بابنيان من جديد .!
- كابوس .!


المزيد.....




- ضحك طفلك طول اليوم.. تردد بطوط على القمر الصناعي لمتابعة الأ ...
- الياباني أكيرا ميزوباياشي يفوز بالجائزة الكبرى للفرنكوفونية ...
- كيف تحولت شقة الجدة وسط البلد إلى مصدر إلهام روائي لرشا عدلي ...
- القهوة ورحلتها عبر العالم.. كيف تحولت من مشروب إلى ثقافة
- تاريخ اليهود والمسيحيين في مكة والمدينة حتى ظهور الإسلام
- رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 لكل التخصصات “تجاري، زراعي، ...
- بسبب شعارات مؤيدة لفلسطين خلال مهرجان -غلاستونبري-.. الشرطة ...
- العمارة العسكرية المغربية جماليات ضاربة في التاريخ ومهدها مد ...
- الجيوبولتكس: من نظريات -قلب الأرض- إلى مبادرات -الحزام والطر ...
- فيديو.. الفنانة الشهيرة بيونسيه تتعرض لموقف مرعب في الهواء


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل زهرة - كأنه الأبدية .!