أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي مهذب - يوم القيامة














المزيد.....

يوم القيامة


فتحي مهذب

الحوار المتمدن-العدد: 6550 - 2020 / 4 / 29 - 04:49
المحور: الادب والفن
    


جلس بجوار ضريحها مطأطىء الرأس غاطسا في عوالم لا متناهية من الذكريات العذبة التي كانت تربطه بها.
أحيانا يهز رأسه نحو الشاهدة ليتملى تاريخ وفاتها وميلادها اللذين لا يمثلان سوى قطرة صغيرة في نهر الصيرورة الهادر.
كان يردد بصوت متهدج العمر قصير جدا. طفرة عابرة.
الإنسان لا يساوي شيئا أمام عظمة الزمن وافتراسيته المتوحشة.
الحقيقة هي اللاشيء الطاوي في تلافيف الشيء. كذبة كبرى تقف على قطعة من الجليد المتحرك.
وفي خضم هذه الهواجس التي تنبح باستمرار داخل حديقة رأسه
تناهى إلى سمعه دوي هائل كما لو أن كوكبا عظيما إرتطم بالأرض سقط ( ف) على إثره مغشيا عليه.
لم يك يدري أنه يوم الحشر . يوم القيامة.
بعد وقت قصير فتح عينيه الغائمتين واستعاد وعيه كلية
إذ بمشاهد لم يرها من قبل.
القبور منتثرة من هنا وهناك. والموتى يزحفون باتجاه الجبل المحاذي للمقبرة.
الشمس تتقطر سمية فوق الأرؤس المكدودة. خازن النار يسرع في مشيته العبثية.
يبحث ( ف) عن جثة صديقته الأثيرة -التي إحترقت بالكامل- في غابة هذه الهياكل العظمية التي تضلع مسكونة برغبة مشبوبة في حياة أبدية ولو في قاع جهنم.
لأن الموت لا يعدو أن يكون عقابا حتميا يطال الفانين منذ أزل الآزال ويحيل الحركة إلى ضرب من العدم والبطلان .
الهياكل العظمية تتدافع نحو قمة الجبل حيث يجلس الرب على كرسي من الذهب الخالص محاطا بخيرة ملائكته.
ملك الموت تحول إلى موسيقار متمرس يغزل إيقاعات عذبة بأصابعه التي نكلت بالبشرية سابقا.
سأله بشيء من القلق أرأيت (ن) التي تخطفتها ذات مساء شتوي حالك؟
- قال ملك الموت بلكنة آسرة :
- قد شففت الموسيقى روحه المضرجة بدم المخاليق-
- أنظر هناك وراء هذه السحابة من الجثث ستجدها في كرسي متحرك.
إنها من أعوص الضحايا التي أتعبتني كثيرا عند الموت.
إنها لا تحب الكمون في الجذور العميقة. لا تحب العزلة الأبدية في قاع العتمات.
ولولا دربتي ومهارتي ما كنت أقدر على نهب روحها المتجذرة في معدن الأرض.
قفز مثل كنغر باتجاهها.
رأى هيكلا عظميا طويلا يبدو حزينا مثل غيمة في قفص الأفق. يسعل باستمرار وفي يده اليسرى كتاب مستوطنة العقاب يدفع كرسيها المتحرك نحو الجبل ليعظم في عين الرب وتنضاف إلى سجله حسنات طارفة ويتمتم باستحياء ميلينا ميلينا أدرك للتو أنه كافكا الذي زرع في مخيلته معاناة ذاك الصرصور البائس غريغور سامسا إلى آخر يوم في حياته.
دنا منه مسلما جامعا أشتات نفسه.
- لقد قرأت كل كتبك المدهشة بصوفية لا حدودها يا صديقي الحبيب.
شكرني ومضى لرفع شكوى بأبيه
وفضح ممارساته اليومية القاهرة حياله.
قلت رأتني ( ن) فبكت بكاء مرا.
كان ملاك مجنح يراقبنا عن كثب متأثرا وعيناه مخضلتان بالدموع.
قبلتها واندفعنا إلى الجبل في انتظار الحساب.
وفي طريقنا إلى المحاكمة رأينا رؤساء حكومات عربية أقزام عميان مضرجين ببرازهم يخبطون خبط عشواء بروائح زنخة جدا.
رأينا ملوكا وإقطاعيين مقيدين بالسلاسل تلسع الكرابيج ظهورهم من قبل ملائكة غلاظ شداد.
قالت صديقتي : كم أنا سعيدة بهذا المشهد الذي أثلج صدري.
-تقصدين رؤساء الحكومات العربية وهم منكسرون ذليلون كما أذلونا وألحقوا بنا المتاعب والمصاعب في الحياة الدنيا.
أولائك الذين يكذبوز كثيرا حتى وهم نائمون.
-قالت (ن) لماذا يكرهم الله ؟
-لأنهم يقتلون شعوبهم بالقانون.
ولا يتورعون عن حبك الدسائس والمؤامرات من أجل الحفاظ على الكراسي الهشة المنذورة للسقوط.
كان العرق يتصبب من جبيني.
(ن) مرهقة جدا بسبب طول سير المحاكمة.
حاولت أن أهدىء من روعها وتنتظر معي محاكمة ثلة من الأوباش الذين حكموا شعوبهم بالحديد والنار وكسروا عظام الديمقراطية بهراوة البلاغة والسفسطائية الغثة واختلسوا أموال الفقراء والمهمشين.
كان ملاك ضخم الهامة يجر رئيس حكومة عربي من ذؤابة شعره مثل جرذ قبيح ثم إنهال عليه ضربا مبرحا ولما أطلق عقيرته هذا المسخ صحوت من نومي المليء بالكوابيس والمنغصات.
وأدركت للتو أن (ن) ماتزال مستمسكة بعروة النوم الأبدي في مرقدها.



#فتحي_مهذب (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمثال جلجامش
- حشرة كافكا في زمن الكورونا
- يا رب
- قتلت أمي
- النهار يلتهم عكازة الأعمى
- تنتظرني في أرجوحة سماوية
- اللص المهذب
- نص منتصف الليل
- ماذا نسيت في كثافة المرئي
- الذئبة
- متواليات راعي النجوم
- غريغور سامسا
- كورونا
- عطور هايكاويات
- شيخ البحر وكسار الحصى
- القطة السوداء
- المرابطون
- فصوص الهايكو
- صانع الحياة
- المأدبة


المزيد.....




- فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها ...
- عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي مهذب - يوم القيامة