أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - بائع الثلج














المزيد.....

بائع الثلج


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 6550 - 2020 / 4 / 29 - 02:37
المحور: الادب والفن
    


أثناء تجوالي في قرية صغيرة ونائية في أطراف إحدى غابات فكتوريا إستوقفتني حينها عربة خشبية قديمة بعد أن مرت عليها سنوات طوال قبل أن تتوقف رحلة عجلاتها والى الابد في مرآبها الأخير.
أعادت تلك العربة الهرمة المتوقفة تحت شجرة السنديان الضخمة ذكريات تنوء بقصصها وأرتحالاتها كالصدى.
حينها تسللت الى ذاكرتي عربات أخرى عربات بعيدة جداً لمدينة كانت تنام بين تضاريس الملح والغبار جنوباً حيث "الناصرية" فنأت بيّ الاخيلة الى محطات الطفولة ثم قفزت الى حوض عربة الغابة وأغمضت عينيّ متذكراً عربات المدينة.

مثل عربة "زاير رشم" التي كان يجرها حمار هزيل وعربة الدفع اليدوية الخشبية المتهالكة التي كان يدفعها بائع المواد المستهلكة "علي دبة".
أما الحوذي بائع الثلج "وند" كانت عربته تقطع شوارع المدينة في الصباحات الصيفية الباكرة وهي تحمل جبل الجليد المغطى بالجنفاص.
كان وند كل فجر يتزود بتلك القوالب البلورية من معمل الثلج الكائن في أحدى أطراف مدينة الناصرية بعد أن يصفف ويرتب بالقوالب الثلجية على شكل هرم في حوض العربة الخشبية ثم يقودها حيث زبائنه في محلة السراي.
ولدى وصول العربة الى أول زبون يترجل وند من عربته بجسده الضخم وابتسامته الطيبة قابضا على طرف المنشار مع أدوات يدوية أخرى يقطع بها قوالب الثلج التي يصل طولها الى المتر فيقسمها بمهارة وبسرعة فائقة .. أرباع وأنصاف.. ويُخّرِج كل مرة قالباً يسحبه من تحت الجنفاص فيقطّعه أو يحمله بالكامل على كتفه ملفوفاً بقطعة جنفاص مبلولة تقطر من أطرافها قطرات الماء الباردة وفي نهاية كل إسبوع يستلم بائع الثلج من زبائنه رزقه البسيط.

كان حصان عربة الثلج ودوداً يومئ بالتحايا لخيول العربات الاخرى حين تمر على مقربة منه فينفخ زفير من منخريه وأحيانا يصحبها صهيل متقطع أو يضرب بحافر إحدى قوائمه الامامية بالارض ويحرك برأسه وينشر بخصلات شعر رقبته كسعفة تتماوج في مهب الريح تعبيراً عن الترحيب فترد الخيول على تحية الحصان أيضاً.
كان حصان وند يعرف رفاقه الاخرين مثل الحصان الادهم القوي الذي يجر عربة الطابوق المفخور من المعامل في أطراف المدينة وكذلك الفرس البيضاء التي تسحب خزان النفط بينما الزبائن تنتظر مجيء عربة النفط الابيض لمليء براميلهم وكذلك الخيول الاخرى التي تجر عربات تحمل بضائع متنوعة نقل المواد الغذائية وصناديق الفاكهة وهي تطوف ما بين الاسواق والمحال التجارية المنتشرة في المدينة.
وهنالك خيول كان يهتم بها أصحابها فيزينون أسرجتها بالاشرطة الملونة والبالونات والاجراس النحاسية التي تتراقص على رنين خببها حينما تمر بمحاذات العربة بينما حصان الثلج كالعادة يرحب حتى بالخيول العابرة والغريبة التي لم يشاهدها سابقاً.
حصان وند كانت مهنته في الصيف حمل قوالب الثلج أما في الشتاء حين يقل الطلب على الثلج فتتغير مهنته الى مهام أخرى مثل نقل البضائع والاثاث والمواد الاستهلاكية.

ذات صباح صيفي غابت عربة وند الثلجية فاصبحت البيوت دون ثلج وحزنت المحلة وعتبات البيوت التي أعتادت أنتظار العربة فتسائل الاطفال عن غياب قديس الثلج وحصانه البنيّ.

ولكن قبل أن أغادر عربة الغابة الفكتورية: تسألت عن مصير العربات الخشبية في المدينة لا سيما بعد أن مات الحوذيين وماتت خيولهم الصبورة والمتعبة.
أين ؟؟ باتت هياكل العربات هل أحرقتها المعامل والتنانير أم صنع منها الاطفال "عربات چروخ أم الصچم"؟؟!!
أو ربما نبتت على جانبيها أجنحة وحلقت عالياً نحو سماوات الله كي تلتحق بالحوذيين والخيول فعسى أن تستريح من قهر وعذابات إستعبادها !!



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايات عجلات الزمن والعربات
- عودة البطاريق للجزيرة
- غواية القمر المحتال
- السلوك المتناقض في العقل البشري
- أرصفة الرسام وخيالات العاشق
- حوار مع ماركو
- المهرج والشاعر
- تأملات في آثار بابل
- وحشة المدن المهجورة
- تقاسيم الظّل
- مفارقات ما بين النبل والانحطاط
- هلع الوباء والموت
- موروث الشجن السومري
- آش ماخ كوديا
- وحشة الظّل
- محنة النخيل والوطن
- تجمع المبعثر بعناية
- الخروف عوسي
- الحديقة وأسوار الذاكرة
- أرصفة حرية التعبير


المزيد.....




- شهدت سينما السيارات شعبية كبيرة خلال جائحة كورونا ولكن هل يز ...
- ثقافة الحوار واختلاف وجهات النظر
- جمعية البستان سلوان تنفذ مسابقة س/ج الثقافية الشبابية
- مهرجان الجونة 2025 يكشف عن قائمة أفلامه العالمية في برنامجه ...
- بيت المدى يحتفي بمئوية نزار سليم .. الرسام والقاص وأبرز روا ...
- الرواية الملوَّثة التي تسيطر على الغرب
- تركيا تعتمد برنامجا شاملا لتعليم اللغة التركية للطلاب الأجان ...
- مسرحية -طعم الجدران مالح-.. الألم السوري بين توثيق الحكايات ...
- مهرجان الأردن لأفلام الأطفال.. غزة وحكايا النزوح والصمود في ...
- -للسجن مذاق آخر-.. شهادة أسير فلسطيني عن الألم والأمل خلف ال ...


المزيد.....

- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - بائع الثلج